قدّم النائب الجزائري عبد الوهاب يعقوبي، عن حركة مجتمع السلم المحسوبة على التيار الإسلامي، تفسيرات حول حادثة جلوسه على طاولة واحدة مع شخصية اعتُبرت ممثلة للكيان الصهيوني، خلال اجتماع على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وهو ما دفع بالبعض لاتهامه بممارسة نوع من “التطبيع” المرفوض تحت كل الأشكال في الجزائر.
وابتدأت القصة بنشر فيديو على مواقع التواصل يظهر مشادة كلامية بين النائب المصري محمد أبو العينين وأحد المدافعين عن إسرائيل، حيث اتهم الأول تل أبيب بارتكاب جرائم حرب في غزة واعتداءات متكررة على سوريا ورفضها لكل مبادرات السلام، بينما ظهر يعقوبي على الطاولة نفسها، من دون أن يتدخل أو يتحدث. غير أن مجرد وجوده في ذلك المشهد كان كافياً لإطلاق موجة من الانتقادات اللاذعة، بسبب الحساسية الكبيرة في الجزائر تجاه أي شكل من أشكال التواصل مع ممثلين عن إسرائيل.
وانتشرت ردود فعل غاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي منذ الساعات الأولى لانتشار المقطع، إذ كتب معلقون أن “هذه الصورة عار على نائب الجالية الجزائرية”، وتساءلوا: “أيعقل أن يجلس نائب منتخب مع ممثل الكيان في ذروة الإبادة؟!”. وقد عبّرت هذه التعليقات عن شعور عام بالخيبة والاستنكار، في وقت يُنظر فيه إلى الموقف من القضية الفلسطينية في الجزائر على أنه خط أحمر لا يقبل المساومة.
وسارعت حركة مجتمع السلم، التي ينتمي إليها يعقوبي، إلى التبرئ عبر بيان أصدره مكتبها التنفيذي الوطني في 28 أيلول/ سبتمبر، من سلوك النائب. وجاء في البيان أن الحركة تابعت ما وصفته بـ“حادثة مشاركة النائب عبد الوهاب يعقوبي في الجلسة الموازية التي نظمت على هامش الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك”، مؤكدة أن حضوره في جلسة ضمّت ممثلاً عن الكيان الصهيوني “يتنافى مع المواقف الثابتة للدولة الجزائرية والحركة تجاه القضية المركزية”. وشددت على أن ما جرى يمثل “خطأ شخصياً معزولاً لا يعبر عن الحركة”، مذكّرة بأن النائب سبق أن استقال في أبريل 2025 من مكتب برلمان البحر الأبيض المتوسط لنفس الأسباب، بعد التشاور مع قيادة الحركة ورئيس المجلس الشعبي الوطني.
وأكد بيان الحركة أن “أي شكل من أشكال الحضور أو التواصل مع ممثلين عن الكيان الصهيوني مرفوض رفضاً قاطعاً مهما كانت أسبابه أو مبرراته أو خلفياته”، مضيفة أنها تتابع كافة الإجراءات المرتبطة بالقضية بعد تقديم التوضيحات اللازمة من طرف النائب للرأي العام. وبذلك، بدا أن الحركة أرادت أن تنأى بنفسها سريعاً عن تبعات الحادثة، مستبقةً أي محاولة لربط اسمها بمشهد أثار حساسية شديدة لدى الجزائريين.
لكن النائب يعقوبي المعروف بمواقفه الجريئة في البرلمان الجزائري، رفض هذه التأويلات جملة تفصيلا، مشددا على موقفه المبدئي الرافض للتطبيع. وعن حيثيات ما جرى، قال هذا إن الاجتماع الأممي انعقد يوم 24 أيلول/ سبتمبر 2025 بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، بتنظيم من برلمان البحر الأبيض المتوسط بالتعاون مع المديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن الدولي، مبرزا أنه حضر بصفته نائباً في البرلمان الجزائري وممثلاً للجالية الوطنية بالخارج ومقرراً للذكاء الاصطناعي في البرلمان المتوسطي، بعد دعوة رسمية وجهت له وللمجلس الشعبي الوطني بتاريخ 28 آب/ أغسطس 2025، لتقديم مداخلة رئيسية حول “برمجيات التجسس: الأبعاد التشريعية والحكومية والقضائية، التطور التاريخي والآفاق التقنية”.
وأوضح يعقوبي أن المشهد المثير للجدل جرى في ختام الجلسة “بشكل مفاجئ وخارج السياق الرسمي”، عندما افتعل نائب مصري مشهداً دعائياً وإعلامياً لصالح بلاده، مؤكداً أن الاجتماع لم يتضمن أي تمثيل رسمي للكيان، وأن الشخص الذي أثار الجدل حضر بصفته ممثلاً لطائفة الدروز لا أكثر. وأضاف أن مواقفه من القضية الفلسطينية “ثابتة وراسخة وغير قابلة للتأويل أو التشكيك”، مذكراً بأنه عبّر عنها مراراً في المحافل الدولية، وفي المسيرات الشعبية داخل الجزائر وخارجها، وفي تدخلاته داخل المجلس الشعبي الوطني.
وشدد النائب على أن مشاركة الجزائر في الهيئات الدولية التي يشارك فيها ممثلون عن الكيان لم تُعتبر يوماً تطبيعاً، بل كانت دوماً فرصة لرفع الصوت دفاعاً عن القضايا العادلة وعلى رأسها فلسطين. وذكّر بأن الجزائر عضو مؤسس في برلمان البحر الأبيض المتوسط منذ سنة 2005، وأن هذا الفضاء البرلماني يكرّس تمثيلاً رسمياً لدولة فلسطين رغم وجود ممثل عن الاحتلال، ولم يُفسر ذلك يوماً كتطبيع. كما كشف أنه رُشح في كانون الثاني/ يناير 2023 لمنصب نائب رئيس برلمان البحر الأبيض المتوسط، وتمت تزكيته في شباط/ فبراير 2025، لكنه قرر لاحقاً الاستقالة بعد مراجعة الموقف مع المسؤولين، مكتفياً بمهمته كمقرر للذكاء الاصطناعي.
واختتم يعقوبي بيانه بالتأكيد على التزامه الكامل بالموقف الوطني الثابت الرافض للتطبيع، قائلاً إنه يناضل منذ أكثر من أربعة عقود نصرة للحق والكرامة والحرية، بعيداً عن أي حسابات شخصية أو ضغوط. وقد لقي بيانه صدى واسعاً بعد نشره، إذ أدى إلى تهدئة موجة الغضب التي سبقت صدوره، خاصة لدى أبناء التيار الإسلامي، حيث تراجع سيل الانتقادات بعد أن قدّم روايته المباشرة التي وضعت الحادثة في سياقها.
تعليقات الزوار
لا تعليقات