أخبار عاجلة

توجس عصابة الجنرالات من زيارة مسؤول إماراتي لمالي والنيجر وتوقيعه لاتفاقيات أمنية

أثارت زيارة يجريها وفد إماراتي بقيادة وزير الدولة، شخبوط بن نهيان بن مبارك آل نهيان، لمالي والنيجر، توجسا في الأوساط الجزائر بالنظر الشكوك التي تحوم حول الدور الإماراتي في هذه المنطقة التي تمثل عمقا استراتيجيا للجزائر، خاصة في هذا التوقيت الذي تشهد فيه علاقاتها بعدد من دول الساحل أزمة مستفحلة.

ووفق ما نقلته الصحافة المالية، فإن زيارة الوزير الإماراتي، الشيخ شخبوط بن نهيان بن مبارك آل نهيان، إلى مالي تندرج ضمن ديناميكية دعم الشراكة الثنائية وتعزيز مجالات التعاون المشترك بين البلدين. وقد أبرزت ذات المصادر أن الزيارة، التي جرت في قصر كولوبا بحضور الرئيس الانتقالي المالي، الجنرال آسيمي غويتا، تناولت آفاق توسيع التعاون ليشمل قطاعات حيوية كالأمن، ومكافحة الإرهاب، والتمويل، والطاقة، والإسكان، والبنى التحتية.

وأكدت الصحافة المالية أن توقيع مجموعة من الاتفاقيات الجديدة بين مالي والإمارات يأتي امتدادًا لمسار تعاون استراتيجي طويل، بدأ منذ زيارة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لباماكو عام 1985، والتي كانت حجر الأساس لانطلاقة علاقات شراكة متميزة بين البلدين. كما لفتت إلى أن هذه الديناميكية شهدت خلال السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا، تُرجم من خلال دعم مشاريع إنمائية مثل تمويل السكن الاجتماعي، ومشاريع الطاقة المتجددة، وتطوير البنية التحتية.

وفي هذا السياق، أوضحت صحف مالية أن زيارة الوزير الإماراتي تعكس رغبة أبوظبي في توسيع شراكاتها الإفريقية، خصوصًا مع دول الساحل، بما يخدم مصالحها الاقتصادية والأمنية، ويعزز في الوقت نفسه جهود التنمية والاستقرار في مالي. ونقلت عن العسكري غويتا تأكيده خلال استقباله للوفد الإماراتي على تمسك مالي بمبادئها السيادية الجديدة في التعاون الدولي، مثمنًا الدعم الإماراتي المتواصل لمسارات التنمية والأمن في البلاد.

لكن النظرة إلى هذه الزيارة في الصحافة الجزائرية كانت مغايرة تماما، فبحسبها فإن “الإمارات لا تتحرك في هذه المنطقة، إلا بدوافع تخريبية” مثلما تنقل صحيفة “الخبر”. وذكرت ذات الصحيفة أن هذه الخطوة “تؤكد أن البلد الخليجي، يعمل على الاستثمار في الفراغات والمساحات التي خلفتها برودة العلاقات بين الجزائر ودول الساحل”. ولفتت الصحيفة إلى أن “التعاون في مجال الأمن”، ينطوي على دعم سياسة السلطة العسكرية الانتقالية في خنق الطبقة السياسية، والحرب المعلنة على الأزواد في الشمال.

واعتبرت الصحيفة أن الزيارة تأتي في ظرف حساس يتسم بتحولات عميقة في ميزان القوى وانخراط قوى دولية جديدة في الصراعات الدائرة في المنطقة، على غرار ما يجري في الشمال المالي وفي ليبيا من أعمال عنف ومواجهات مسلحة. وأشارت إلى أن “هذه الظروف الاستثنائية تجعل الزيارة مبعثا لرسائل سياسية عديدة، توضح وجود استغلال إماراتي للتوجهات العدائية للسلطة الانتقالية في مالي تجاه الجزائر، إن لم يكن لها يد فيها من البداية، بمعية أدوار يلعبها نظام المخزن عبر مبادرات أو وعود “وردية” بفسح المجال لدول الساحل لتطل على المحيط الأطلسي”.

ولفتت إلى أنه “صار من المألوف أن الدولة الخليجية، التي طبّعت علاقاتها مع الكيان الصهيوني، على حساب دماء الفلسطينيين، منخرطة في الكثير من الصراعات والتوترات في البلدان العربية، كالسودان وليبيا واليمن، ليس عبر وساطات ومسارات تصالحية وإنما عبر إثارة الانقسام في الدول الهشة ودعم طرف ضد طرف آخر”.

من جانبها، تحدثت صحيفة “لوسوار دالجيري” الناطقة بالفرنسية عن دور إماراتي وصفته بالمشبوه في المنطقة، وتحدثت عن دعم أبو ظبي لنشر مرتزقة في مالي لدعم السلطة الانقلابية وإثارة مزيد من التوترات مع الجزائر.

أزمة الساحل

وتشهد علاقات الجزائر مع دول مالي والنيجر وبوركينافاسو، تدهورا في أعقاب حادثة إسقاط الجيش الجزائري لطائرة مسيرة تابعة للجيش المالي بعد أن اخترقت الحدود الجزائرية نهاية شهر آذار/مارس الماضي. واتخذت هذه الدول موقفا موحدا بسحب سفرائها من الجزائر وهو ما تم مقابلته بالمثل من الطرف الجزائري.

وفي الواقع، تعرف العلاقات الجزائرية المالية حالة توتر تسبق ذلك بكثير، بسبب خيارات القيادة العسكرية في باماكو عقب الانقلاب، في اعتماد الحل العسكري في حل معضلة الأزواد، وهو إقليم مكون من عرب وطوراق شمال مالي ظل يطالب بتكريس خصوصياته الثقافية والعرقية منذ عدة عقود. وفي كانون الثاني/يناير الماضي، أعلن المجلس العسكري في مالي، إنهاء العمل بشكل فوري باتفاق الجزائر للسلام الذي يعود لسنة 2015 متهما الجزائر بالقيام بـ”أعمال عدائية” ضده من بينها دعم فصائل معارضة له.

كما شهدت العلاقات مع النيجر بعض التوتر في أعقاب الانقلاب على الرئيس محمد بازوم العام الماضي ومحاولات الجزائر الحثيثة لدفع القيادة الجديدة نحو مصالحة وطنية تجنبها التدخل العسكري الأجنبي. لكن العلاقات مؤخرا عرفت تحسنا كبيرا، بعد اعتماد الجزائر عدة مشاريع استراتيجية في قطاع الطاقة لصالح نيامي، قبل أن يأتي هذا الحادث الذي اتخذت فيه نيامي موقفا داعما لجارتها مالي.

أما بخصوص الإمارات، فقد عاد التوتر من جديد إلى علاقاتها مع الجزائر، في أعقاب الهجوم اللاذع الذي شنه التلفزيون الجزائري على الإمارات ، إثر بث قناة سكاي نيوز العربية، برنامجا استضاف المؤرخ الجزائري محمد الأمين بلغيث الذي زعم بأن الأمازيغية التي هي مكون للهوية الوطنية وفق الدستور الجزائري، “صنيعة صهيونية فرنسية”.

وذكر التلفزيون الجزائري إثر ذلك أن هناك “تصعيدا إعلاميا خطيرا من دويلة الإمارات المصطنعة يتجاوز كل الخطوط الحمراء تجاه وحدة وهوية الشعب الجزائري”، على حد وصفه. مشيرا إلى أنه “استهداف خطير لثوابت الشعب الجزائري العريقة ومحاولة التشكيك في أصولها وتاريخها العميق”. وأردف أن “الجزائر لن تقف باكية على أطلال ما قدمته للدويلة المصطنعة من دعم ونصرة لكنها وكما يفعل الشامخون سترد الصاع صاعين”.

وأعاد هذا الموقف الجديد للجزائر من الإمارات العلاقات إلى مربع الأزمة بعد أن شهدت تهدئة مؤقتة. وكان آخر اتصال بين الرئيسين عبد المجيد تبون ومحمد بن زايد آل نهيان خلال عيد الفطر الأخير، حيث اتفقا على “لقاء يجمعهما في أقرب الآجال.”

توتر في العلاقات

وفي السنتين الأخيرتين، شهدت العلاقات بين الجزائر والإمارات، توترا شديدا بعد اتهام الجزائر لأبو ظبي بالقيام بأعمال عدائية ضدها في المنطقة، وإبدائها قلقا كبيرا من الدور الإماراتي في دفع الدول المجاورة للتطبيع الذي تعتبره الجزائر تهديدا مباشرا لها، وهو ما انعكس في حملات سياسية وإعلامية مركزة تحذر من الخطر الإماراتي.

وفي منطقة الساحل، تحدثت الإذاعة الجزائرية قبل سنة، نقلا عن مصادرها بأن الإمارات منحت 15 مليون أورو للمغرب من أجل إطلاق حملة إعلامية وحملات على المنتديات الاجتماعية بهدف ضرب استقرار بلدان الساحل”. وأبرزت أن “هذه الحملة تهدف أيضا إلى نشر الأخبار الكاذبة والدعاية المغرضة بهدف خلق جو مشحون في العلاقات بين الجزائر ودول الساحل”. وهذه الميزانية المقدرة بـ 15 مليون أورو، وفق الإذاعة تم استغلالها لشراء أسهم في بعض وسائل الإعلام في فرنسا وإفريقيا، حسب الإذاعة.

وسبق للسياسي عبد القادر بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني المشاركة في الحكومة، أن حذر في عدة مناسبات من الدور الإماراتي في المنطقة عقب انقلاب النيجر الأخير، مشيرا إلى أن هناك دولة خليجية وظيفية، توجد دائما وراء لعبة زرع الخلافات والفرقة في المنطقة”.

واللافت أن هذا السياسي تحدث في آب/أغسطس 2024 عن ضرورة أن تبقى الدولة الجزائرية يقظة لما يجري في محيطها، خاصة بعد ما وصفه بـ”الزيارات المشؤومة لتونس مؤخرا من أجل شراء التطبيع لتونس الذي قد يكون قريبا وقريبا جدا وأعني ما أقول”، وفق ما ذكره. وكان هذا السياسي الجزائري يتحدث بعد زيارة شخبوط بن نهيان آل نهيان إلى تونس، وهو نفس المسؤول الذي يزور دول الساحل حاليا.

وبعد أن ظل الحديث عن الإمارات محصورا في الإعلام، أُعطي في كانون الثاني/ يناير 2024، صبغة رسمية، بإصدار المجلس الأعلى للأمن في الجزائر، بيانا أبدي فيه أسفه لما قال إنها “تصرفات عدائية مسجلة ضد الجزائر، من طرف بلد عربي شقيق”، وهو ما فُهم مباشرة على أنه تحذير للإمارات.

وتلا ذلك في آذار/ مارس 2024، اتهام صريح من قبل الرئيس الجزائري للإمارات، بإشعار نار الفتنة في جوار الجزائر ومحيطها، قائلا: “في كل الأماكن التي فيها تناحر، دائما مال هذه الدولة موجود. في الجوار، مالي وليبيا والسودان. نحن لا نكن عداوة لأحد، لأننا محتاجين إلى الله عز وجل وإلى الجزائري والجزائرية. نتمنى أن نعيش سلميا مع الجميع ومن يتبلى علينا فالصبر حدود”.

وكان أول كسر للجليد بين الرجلين، على هامش قمة مجموعة السبع العالمية في روما في حزيران/يونيو 2024، حيث ظهر الرئيسان الجزائري عبد المجيد تبون والإماراتي محمد بن زايد في حديث جانبي أثار اهتماما واسعا بالنظر لما سبقه من توتر.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات