أخبار عاجلة

لم أعد أعرف هذه الجزائر التي تسجن عبد الوكيل

تعرفت على عبد الوكيل بلام أثناء التجربة التي خاضها ضمن «حركة بركات»، التي ظهرت للاحتجاج ضد العهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة في ربيع 2014. الحركة التي حاولت أن تكسر حاجز الخوف عند الجزائريين من النزول إلى الشارع بعد قحط طويل عانته الممارسة السياسية في الجزائر، غاب فيه الحزب السياسي والناشط السياسي.
«حركة بركات» التي ميزها الكثير من الخصائص كذلك الطابع النخبوي الذي عرفت به تشكيلتها المتكونة من، صحافيين وأطباء شباب من أبناء الاستقلال، عبروا بصدق عن الفئات الوسطى المتعلمة ممثلين لمناطق مختلفة من التراب الوطني، مقيمين في الغالب بالعاصمة، التي ركزت عليها الحركة كمجال جغرافي للنشاط، بعد فشلها في توسيع نشاطها خارجها، رغم بعض الاستثناءات كما حصل في بعض مدن الشرق الجزائري، عنابة تحديدا، ومنطقة القبائل، بويرة.

ضعف يحيل لتلك الهشاشة التنظيمية، التي عرفت بها التجربة التي تعرضت لحملات تشويه وتحرش من قبل نظام بوتفليقة، إعلامه وأزلامه، لم يتم الاكتفاء فيه بالمستوى السياسي، ليتوسع إلى العمق العائلي والشخصي للمبادرين بهذه التجربة التي تميزت بعفوية كبيرة، أقلقت النظام السياسي الذي تعود على البحث عمن يقف وراءها. حركة تميزت بعدم تجانسها السياسي والفكري، الذي يمكن تلمسه بسهولة في مسارات أعضائها قبل وبعد توقف التجربة، سرعان ما أدى إلى انفجارها من الداخل بعد انقضاء مرحلة انطلاقها الأولى المتفائلة. التركيز على الفعل السياسي المباشر المرتبط برفض العهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة، يمكن عده كذلك من ميزات هذه الحركة، التي عرفت بطابعها الجندري المتنوع، الذي شجع المرأة -باحتشام كبير – على حضور وقفاتها الاحتجاجية بالعاصمة بالقرب من الجامعة المركزية، التي احتلت كفضاء جغرافي طابعا رمزيا قويا. رغم بعض العنف الذي لاقته من المؤسسات الرسمية المختلفة. لم يمنع ظهور «حركة بركات» وخروجها للشارع من إجراء الانتخابات الرئاسية وفوز بوتفليقة بعهدة رابعة، وهو في حالة عجز جسماني واضح. في وقت عاد فيه إلى الساحة السياسية بعض من الحيوية، كما عبرت عنها مبادرة تنسيقية الانتقال الديمقراطي، التي اجتمعت في لقاء مزفران الأول في صيف 2014 منحت الجزائريين الكثير من الأمل في بروز حياة سياسية تعددية، اعتمدت لأول مرة في تاريخ الجزائر السياسي على أحزاب عديدة ومتنوعة سياسيا وفكريا، تمكنت من الاتفاق على مواقف موحدة في قراءة المشهد السياسي، واقتراح بدائل موحدة ومتفق عليها للخروج من الأزمة التي يتخبط فيها النظام السياسي. أحزاب جمعت أبناء الإسلام السياسي، الإخواني والتيار الديمقراطي والوطني، كعائلات سياسية كبرى حاضرة داخل الساحة الوطنية، كزخم سياسي وفكري، رغم ما ميز التجربة الجزائرية من ضعف للحضور الحزبي على الدوام. زيادة على الشخصيات الوطنية المتنوعة فكريا – في غياب واضح المرأة – توافقات ركزت فيها المبادرة على أهمية الانتقال الديمقراطي السلس والمتفق عليه كمخرج من الأزمة بحضور السلطة ذاتها، رفضه النظام السياسي جملة وتفصيلا، كما تقول اللغة السياسية الرسمية، إذا استثنينا الاختلاس، الذي قام به الطرف الرسمي لفكرة تنظيم الانتخابات من قبل هيئة وطنية مستقلة. عرفنا لاحقا كيف تم تسفيهها بالشكل الذي ظهرت فيه في آخر انتخابات رئاسية.
لتكون محطة الحراك في فبراير 2019 فرصتي الثانية للتعرف أكثر على عبد الوكيل، الإنسان الذي كان حاضرا بقوة في المسيرات والنقاشات والمبادرات، بكل العنفوان والحيوية، التي ميزت شخصيته التي عكست الكثير مما يميز أبناء سكيكدة الجبلية. وهم يحتفظون بلهجتهم المميزة، التي كانت عادة ما تخون عبد الوكيل ـ من مواليد بلدة مجاز الدشيش في 1970- وهو يتحدث، رغم إقامته الطويلة في العاصمة، التي درس فيها العلوم السياسية واشتغل في الكثير من المهن الإعلامية بما فيها تلك المحاولة التي قام بها في الصين الشعبية في المجال التجاري، كالكثير من الشباب الجزائري. محطة الحراك التي سمحت للكثير من الجزائريين بالتعرف على بعضهم بعضا ليس على المستوى الشخصي فقط، بل على المستوى السياسي كذلك في هذه المدن التي انتقلوا للعيش فيها، والتي يغيب فيها أي نشاط ثقافي أو سياسي لم يسمح لهم بالتعارف في ما بينهم رغم عيشتهم الطويلة في الفضاء الجغرافي نفسه، الذي يصعب فيه التواصل نتيجة الكثير من العوامل لا أبالغ إذا قلت، إن الزحمة المرورية كانت على رأسها. تعلق الأمر بالمدن المتوسطة والكبرى كالعاصمة التي يمكن أن تسكن فيها في الحي نفسه مع ناس تعرفهم دون أن تتمكن من اللقاء بهم إلا صدفة، أو في الجنازات التي زاد عددها خلال السنوات الأخيرة بالنسبة لمن هم من جيلي. ليكون آخر تواصل لي مع عبد الوكيل منذ أكثر من ثلاثة أشهر وهو يهاتفني لكي يقترح عليّ المشاركة معه في البودكاست الذي انطلق في تنشيطه في المدة الأخيرة، كما يحصل مع بعض الصحافيين والصحافيات، الذين أغلقت أمامهم مجالات الإعلام التقليدي، مجال إعلامي جديد لم تطله بعد يد المقص الرسمي لحد الساعة، بكل النجاحات التي يعرفها في العالم، يمكن أن يكون رافدا إعلاميا جديدا لكسر الغلق الذي تعانيه الساحة الإعلامية في الجزائر. سفري لخارج البلد منعني من المشاركة مع عبد الوكيل في مشروعه الذي أتمنى له كل النجاح بعد خروجه من سجنه، الذي أتمنى أن يتم قبل صدور مقالي هذا. بعد أكثر من أسبوع من الاختفاء القسري، زاد في خوف زوجته، عائلته وأصدقائه. نتيجة التخوف من بروز تلك الممارسات المعروفة في حالة الاختفاء القسري الطويل، التي تعلمنا التجربة الدولية بصددها انها مواتية لكل أنواع التجاوزات التي جربتها شعوب كثيرة قبلنا. أسبوع يمر بعد الاعتقال الثاني لعبد الوكيل، لم يظهر خبر لتطمين أهله وأصدقائه لا أجد له أي مبرر- مصدر عائلي يقول إنه تحادث تلفونيا مع أحد اخوته يوم السبت – سيزيد حتما في تشويه صورة البلد على المستوى الدولي وهي تعيش حالة تحرش داخل إقليمها الجيو -سياسي المباشر، جعل دولا صغيرة، كانت قريبة جدا من الجزائر لوقت قريب، تتجرأ عليها بأسلوب لم تتعود عليه، بعد ظهور علامات فهمت من المحيط الدولي المباشر كعلامات ضعف وفقدان لرصيدها الإيجابي الذي بنته اعتمادا على تجربة ثورة التحرير والسنوات الأولى لما بعد الاستقلال، التي كانت فيها الجزائر قبلة للأحرار من كل بقاع العالم. من نيلسون مانديلا الجنوب افريقي إلى بن بركة المغربي. جزائر لم أعد أعرفها، وهي تسجن الإعلامي والناشط السياسي عبد الوكيل بلام الذي لم يقم الا بالتعبير عن مواطنته عبر الإدلاء برأيه في الشأن العام كأي مواطن حر، حسبما يقره دستور البلد.

ناصر جابي

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

غزاوي

مجرد تساؤل

مجرد تساؤل ومتى عرفت الجزائر !!!؟؟؟ رغم أنها علمتك فن الكاتبة وأعطتك هامش من الحرية لتنتقد كل شيء فيها.