شهدت الأيام الأخيرة في الجزائر، تزامناً مع الحملة الانتخابية للرئاسيات، المقررة في 7 أيلول/سبتمبر المقبل، عدداً من التوقيفات والاعتقالات لناشطين سياسيين يتبنّون توجهاً مقاطعاً للانتخابات، في وقت تغيب بشكل واضح مسائل الحريات عن خطابات المترشحين الذين يفضلون الحديث عن قضايا التنمية والتحديات الإقليمية التي تحيط بالبلاد.
وفي آخر التطورات، ينتظر تقديم فتحي غراس، منسق الحركة الديمقراطية الاجتماعية، أمام نيابة محكمة باب الوادي في العاصمة، في الساعات المقبلة، بعد أن تم توقيفه وضعه في الحجز تحت النظر، قبل يومين. وذكرت صفحة فتحي غراس على فيسبوك أن منسق الحركة الديمقراطية الاجتماعية سيعرض على وكيل الجمهورية وقاضي التحقيق بشبهة عرقلة الانتخابات.
وبحسب المصدر ذاته، فقد تم تحرير محضر في حق القيادية في الحزب شبالة مسعودة، وهي زوجة غراس، مع احتجاز هاتفها، كما تم احتجاز هاتف القيادي في الحركة وحيد بن حالة.
وكان غراس قد تعرّض للاعتقال في بيته العائلي، يوم الثلاثاء الماضي، حوالي الساعة العاشرة صباحاً، وفق ما أفادت زوجته، التي ذكرت أن قوة أمنية اقتادته إلى مركز الشرطة الرئيسي بالعاصمة، قبل أن يتضح أنه موجود في مكان آخر.
وسبق لهذا السياسي أن أمضى نحو 9 أشهر في الحبس، قبل أن يفرج عنه في آذار/مارس 2022، بتهم تتعلق بنشاطه السياسي.
ويعرف غراس بخطابه الراديكالي ضد السلطة الحالية، وهو ينشط أساساً على مواقع التواصل، أو من خلال مداخلات مع بعض القنوات، حيث إن حزبه تعرّض نشاطه للتجميد قبل نحو سنتين، إثر دعوى قضائية رفعتها وزارة الداخلية أمام القضاء الإداري تتهمه فيها بتنظيم نشاطات غير مرخصة داخل مقر الحزب.
وتمثل الحركة الديمقراطية الاجتماعية إرث الحركة الشيوعية في الجزائر، وهي من الأحزاب التي رفضت الانخراط في المسار الانتخابي بعد الحراك الشعبي.
كما تم تسجيل اعتقالات في صفوف ناشطين آخرين.
من جانبه، لا يزال المعارض السياسي كريم طابو ينتظر قرار غرفة الاتهام (تم تأجيله لما بعد الرئاسيات) للفصل في مدى قانونية إجراءات الرقابة القضائية الجديدة المفروضة عليه. وكان طابو الذي يقود حزباً لم يحصل على الاعتماد، قد احتجز قبل أسبوع لساعات لدى مصالح الأمن، قبل أن تتم إحالته على قاضي التحقيق الذي ألزمه بموانع جديدة في إطار الرقابة القضائية المفروضة عليه منذ أكثر من سنة.
وبحسب هيئة الدفاع، فإن قاضي التحقيق أعلم طابو إثر ذلك بأنه “أصدر أمراً بتعديل تدابير الرقابة القضائية، وذلك بتشديدها عبر 4 ممنوعات، هي: منعه من النشر أو الكتابة بأي وسيلة كانت، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي، ومنعه من مغادرة إقليم اختصاص محكمة القليعة (40 كيلومتراً غرب العاصمة)، ومنعه من المشاركة في أي حصة تلفزيونية أو ندوة صحفية، ومنعه من أي عمل سياسي”. لكن طابو، بحسب المصدر ذاته، رفض الإمضاء على هذا الأمر. واعتبرت الهيئة ما وقع مع موكلها “تعدياً صارخاً ومساساً خطيراً بحقوق وحريات المواطن، بما فيه حق الدفاع الذي لم يحترم”.
ويعود تاريخ الرقابة القضائية المفروضة على طابو إلى أيار/مايو 2023، وهو إجراء يتم اعتماده في فترة التحقيق قبل المحاكمة، يتضمن تقييد حرية المتهم دون إخضاعه للحبس المؤقت. وكان السياسي ملزماً، بموجب ذلك، بالمنع من المشاركة في التجمعات السياسية، والمنع من الندوات الصحفية، والمنع من مغادرة التراب الوطني وحجز جواز السفر، والتوقيع كل يوم إثنين لدى مصالح الأمن الداخلي.
ويتابع طابو في الأصل، على خلفية تصريحاته في برنامج تلفزيوني ظهر فيه مع الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي، على قناة المغاربية يوم 7 أيار/مايو 2023، حيث يواجه 4 اتهامات، هي جنحة إهانة رجال القوة العمومية، والإساءة لرئيس الجمهورية، وإهانة هيئة نظامية، وترويج أخبار مغرضة من شأنها المساس بالأمن العمومي والنظام العام، وفق دفاعه.
وفي نفس السياق، تم تقديم نائب رئيس “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” علي بن حاج وابنه عبد الفتاح أمام نيابة محكمة حسين داي بالعاصمة، حيث تم إحالتهما على قاضي التحقيق الذي أمر بوضع علي بن حاج تحت الرقابة القضائية، وإيداع ابنه عبد الفتاح بن حاج الحبس المؤقت.
وبحسب منظمة شعاع الحقوقية، فإن التهم الموجهة لعلي بن حاج هي: نشر وترويج أخبار مغرضة وكاذبة بين الجمهور، والإشادة بأعمال إرهابية. كما تضمن القرار تشديد الرقابة القضائية ضده، بمنعه من مغادرة عمارة المسكن والامتناع عن رؤية الأشخاص غير المقيمين معه إلا بإذن من قاضي التحقيق. والمنع من إلقاء الخطب بأي شكل كان، بما فيها على وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. أما التهم الموجهة لابنه، فهي: نشر وترويج أخبار مغرضة وكاذبة بين الجمهور، والمشاركة في الإشادة بأعمال إرهابية.
وعلي بن حاج هو الرجل الثاني في “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” بعد الراحل عباسي مدني، وهو من الوجوه السياسية المعروفة تاريخياً بخطابها المتشدد ضد السلطة. وعرف حزبه في بداية التسعينات بحضوره القوي في المشهد، حيث فاز بالانتخابات البلدية ثم بالدور الأول من الانتخابات التشريعية سنة 1991، قبل أن يتم توقيف المسار الانتخابي وحل هذا الحزب.
وفي سياق ما تراه المعارضة تضييقاً، شهدت احتفالات ذكرى مؤتمر الصومام (مناسبة تاريخية تستغل لتوجيه خطابات سياسية)، اعتقالات لعدة نشطاء سياسيين، بينهم رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية عثمان معزوز، والمسؤول السابق عن جبهة القوى الاشتراكية علي العسكري، والنائب السابق خالد تزغارت، قبل أن يتم إطلاق سراحهم في نفس اليوم.
ومنعت الشرطة، وفق ما ذكرت اللجنة الوطنية لتحرير المعتقلين، وهي هيئة رصد حقوقية، النشطاء من الوصول إلى الموقع التاريخي إفري أوزلاقن في أعالي ولاية بجاية، الذي احتضن مؤتمر الصومام في 20 آب/أوت 1956، حيث كان يعتزم بعض مسؤولي الأحزاب إلقاء خطابات حول الوضع السياسي.
وكان حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية قد أعلن موقفه المقاطع للانتخابات الرئاسية، لعدم توفر شروط تنظيمها، وحسمها مسبقاً لصالح تجديد نفس النظام، وفق ما ذكر في بياناته.
ورغم حضور مسائل الحريات في برامج المترشحين، إلا أن الحديث عنها في الحملة الانتخابية يظل “خجولا”، حيث يجري التركيز بشكل أكبر على تعزيز القدرة الشرائية وقضايا التنمية وتطوير الاقتصاد وتعزيز سيادة البلاد ومناعتها في مواجهة التحديات الخارجية.
ومما يطرحه المترشح يوسف أوشيش مثلاً في برنامجه إلغاء المادة 87 مكرر من قانون العقوبات التي تتوسع في تعريف الإرهاب، ما أدى لمتابعة العديد من الناشطين السياسيين بها، والتعهد بالإفراج عن معتقلي الرأي.
أما حملة المترشح عبد العالي حساني، فلم تخفِ امتعاضها مما اعتبرته تحيزاً من الإعلام لصالح الرئيس المترشح عبد المجيد تبون، معتبرة أن ذلك لا يعطي صورة إيجابية عن وضع الحريات والإعلام في البلاد.
تعليقات الزوار
لا تعليقات