أبدى عدد من الأحزاب السياسية في الجزائر ردود فعل شديدة الانتقاد، عقب الفاجعة المأساوية التي شهدها وادي الحراش بعاصمة البلاد، إثر سقوط حافلة لنقل المسافرين ومصرع 18 شخصًا وإصابة عدد آخر بجروح، حيث لم تتورّع عن تحميل السلطات العمومية المسؤولية المباشرة عن تدهور وضع النقل وتفاقم ما بات يُعرف بـ”إرهاب الطرقات”.
وفي بيان مطوّل، أكّدت جبهة القوى الاشتراكية (الأفافاس)، أنّ المأساة شكّلت صدمة للجزائريين جميعا، مشيدا بتضحيات مواطنين خاطروا بحياتهم من أجل إنقاذ ركاب الحافلة من الغرق، وواصفا إياهم بـ”الأبطال المجهولين” الذين يجسّدون شهامة الشعب الجزائري. وبعد الدعوة إلى مرحلة للتأمل والبحث عن الحقيقة، حمّل الحزب السلطات العمومية “مسؤولية كاملة ومتعددة القطاعات”، معتبرا أنّ الحادثة تكشف “فشلا منهجيا في تسيير قطاع النقل والسلامة المرورية”. واستدلّ الحزب بأرقام رسمية تشير إلى وفاة 3.740 شخصا وجرح 35.556 آخرين سنة 2024 عبر 26.272 حادث، مؤكدا أن هذه الإحصاءات المرعبة تتطلب “ردودا عاجلة وملموسة”.
وتوسّع الأفافاس وهو أقدم حزب معارض في البلاد، في تشخيصه للأسباب الهيكلية التي تقف وراء هذه الكوارث، مبرزا تدهور حالة الطرقات عبر مختلف الولايات وعدم ملاءمتها لحجم الحركة المرورية، إضافة إلى تهالك حظيرة النقل العمومي واستمرار آلاف الحافلات المتهالكة في الخدمة نتيجة غياب خطة وطنية للتجديد والاستثمار، فضلا عن القيود البيروقراطية التي تعيق استيراد الحافلات الجديدة وقطع الغيار. كما أشار إلى هشاشة منظومة الرقابة، من خلال “الفحوص التقنية الصورية” التي تمنح شهادات مطابقة لمركبات غير صالحة، إلى جانب انعدام تكوين السائقين ومتابعتهم الطبية والنفسية.
وانطلاقا من هذه المعاينة، قدّم الحزب جملة من المقترحات العملية موزعة على ثلاث مراحل. ففي المدى القصير، دعا إلى رفع كل القيود التي تعرقل استيراد المركبات وقطع الغيار، وتوقيف فوري لكل الحافلات التي تشكل خطرا على سلامة الركاب، وتعزيز المراقبة التقنية بواسطة عمليات تفتيش فجائية. أما على المدى المتوسط، فقد اقترح إنشاء مؤسسات عمومية ذات طابع صناعي وتجاري على مستوى كل ولاية لإعادة تنظيم النقل الحضري وما بين الولايات، مع إطلاق خطة وطنية لتجديد حظيرة الحافلات، إلى جانب فرض تكوين إجباري للسائقين ومراقبة دورية لظروف عملهم الصحية والنفسية. وعلى المدى الطويل، شدّد على ضرورة انتهاج سياسة وطنية للنقل المستدام والمتنوع، تعطي الأولوية للسكك الحديدية والمترو والترامواي، مع إدخال تكنولوجيات حديثة للرقابة كالرادارات الذكية، نظام النقاط في رخص السياقة، وإلزامية السائقين المزدوجين في الرحلات الطويلة.
وطالب الأفافاس في المدى العاجل بفتح “تحقيق جاد” لتحديد المسؤوليات، كما دعا إلى عقد “ندوة وطنية حول السلامة المرورية” تضم كل الفاعلين من هيئات رسمية ونقابات ومجتمع مدني وخبراء، بغية وضع خارطة طريق شاملة وممولة بأهداف واضحة وآليات متابعة دقيقة. وأكد أنّ المأساة لا يجب أن تبقى “مجرد حداد جديد”، بل أن تتحول إلى “منعطف حاسم” في سياسات الدولة التي تتحمل دستوريا مسؤولية حماية حياة المواطنين.
من جهته، عبّر حزب العمال عن ألمه الشديد إزاء الكارثة، مؤكدا أن ما جرى “ليس حدثا معزولا”، بل يدخل في سياق سلسلة من الحوادث المميتة التي تُسجل أسبوعيا في مختلف ولايات الوطن، إلى درجة أن الإعلام شبّهها بـ”إرهاب الطرقات”. وانتقد الحزب بشدة تقاعس السلطات التي تكتفي غالبا بإلقاء المسؤولية على السائقين، رغم أنّ الجميع يدرك واقع اهتراء أسطول النقل العمومي، ونقص قطع الغيار، وانعدام معايير السلامة، فضلا عن الوضعية الكارثية للطرقات، بما فيها تلك الواقعة بالعاصمة، والنقص الفادح في الصيانة حتى بالنسبة للطرق السيارة. واستشهد الحزب بحالة “جسر الحراش”، حيث وقع الحادث، مشيرا إلى أن الأشغال الرديئة أو الصفقات المشبوهة المتعلقة بترميم الطرقات تفضي غالبا إلى أضرار جديدة بدل إصلاح الأعطاب. كما لفت إلى الظروف الصعبة التي يشتغل فيها السائقون، وإلى العجز الكبير في وسائل النقل، خاصة بالأحياء الجديدة التي تفتقر للمرافق الأساسية.
وعلى ضوء هذه المعطيات، دعا حزب العمال إلى “وضع حد فوري لآلة الموت هذه” عبر تصحيح السياسات التي أفضت إليها، ومحاسبة كل المسؤولين المتسببين في الإهمال واللامبالاة، مؤكدا أن الفاجعة يجب أن تشكل “نقطة تحول في طريقة تعامل المسؤولين مع مشاكل النقل والطرقات”، وإلا فإن معاناة المواطنين ستتفاقم أكثر.
بدوره، وجّه التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، انتقادا لاذعا للسلطات العمومية، واصفا الحادث بأنه نتيجة “لامسؤولية دولة سمحت بتسيير حظيرة سيارات مهترئة وخطيرة، تعكس تخليها عن البنى التحتية وغياب الرقابة الصارمة على وسائل النقل”. وأكد الحزب أن “السلامة المرورية ليست قدرا محتوما بل واجبا تتحمله السلطات”.
أما حركة البناء الوطني المشاركة في الحكومة، فدخلت النقاش من زاوية انتقاد قرار سلطة الضبط توقيف 4 قنوات لمدة يومين بحجة عدم مهنية التغطية التي رافقت الحدث، حيث أشارت إلى أن العقوبة كانت “قاسية” ولا تراعي حجم الفاجعة التي خلفت ضحايا وصدمت الرأي العام الوطني.
وأوضحت الحركة في بيان وقّعه رئيسها عبد القادر بن قرينة أن المخالفة المسجَّلة بحق القنوات جاءت في ظروف صدمة وغياب إدارة رسمية للمعلومة، ما سمح بانتشار أخبار متضاربة أثارت الفزع لدى عائلات الضحايا. وأشارت إلى أن أخذ تصريحات من المصابين ليس بالأمر الجديد، إذ جرت العادة أن يتم ذلك في إطار زيارات رسمية لوفود حكومية، معتبرة أن المسؤولية في حماية المرضى تقع أساسًا على المؤسسات الاستشفائية والأطقم الطبية والإدارية.
وأكد البيان أن التجربة الإعلامية الوطنية ما تزال في بداياتها وتحتاج إلى مرافقة رسمية بالتكوين والتأهيل بدل اللجوء إلى “سياسة التوقيف والمنع”، محذرًا من أن العقوبات الجماعية تمسّ معنويات الصحفيين والجمهور المتابع.
ودعت الحركة إلى مراجعة آليات عمل سلطة الضبط بما يتيح للإعلاميين الدفاع عن أنفسهم وتقديم حجههم، مقترحة بدائل عن التوقيف مثل حرمان القنوات من الإعلانات لفترة محددة، أو إلزامها بتخصيص ميزانيات للتكوين، أو فرض تغطية من طرف صحفيين محترفين في القضايا الحساسة. وانتهت إلى أن دور سلطة السمعي البصري يجب أن يتركز على “التأهيل والتكوين ووضع مدونات أخلاقية لتغطية الأحداث الحساسة”، بدل اللجوء إلى قرارات الغلق.
تعليقات الزوار
لا تعليقات