شكرا حماس على أي حال… شكرا القسام، صنعتم لنا جيلا لم يتذوق طعم الذل، ولم يعبأ بلغة المهادنة ولم ينكسر يوما أمام تهديد عدو، جيلا يدافع عما تبقى من ميراث العروبة قادرا، رغم الخسائر التي مني بها شعبه، وآلاف الأروح التي فاضت لربها، أن يذيق دولة الكيان ومن خلفها راعيتها واشنطن طعم الخوف، بينما القاتل الثمانيني بايدن يتجرع مرارة الخوف من الهزيمة في الانتخابات المقبلة، إثر تراجع شعبيته لأدنى مستوياتها على الإطلاق، وبينما يواصل الشعب الفلسطيني الجسور صومه في قطاع غزة وموائده خاوية، ما زال الأشقاء يدعون بأنهم يفعلون ما في وسعهم من أجل الدفاع عن غزة وأهلها.. وواصلت القوات الجوية المصرية بالتعاون مع القوات الجوية الإماراتية تنفيذ أعمال الإسقاط الجوي من مطار العريش لأطنان من المساعدات الغذائية ومواد الإغاثة العاجلة على المناطق المعزولة شمال قطاع غزة. كما شاركت طائرات النقل المصرية نظيراتها من الدول الشقيقة والصديقة المشاركة في التحالف الدولي في المملكة الأردنية الهاشمية أعمال الإسقاط الجوي اليومي للمساعدات الإنسانية على قطاع غزة، في ظل الظروف الحرجة التي يواجها الشعب الفلسطيني الشقيق جراء الحرب المتواصلة على القطاع للشهر السادس على التوالي. أما وزيرالخارجية سامح شكري فترأس ونظيرته الألمانية أنالينا بيربوك جلسة مباحثات موسعة بحضور وفدي البلدين، في مقر وزارة الخارجية في العاصمة الإدارية الجديدة. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير أحمد أبوزيد حسبما ورد ذلك في “اليوم السابع” و”الوطن” وغيرهما ، إن المباحثات تناولت سبل تعزيز التعاون الثنائي، والجهود الدولية لوقف الحرب في غزة، وتعزيز نفاذ المساعدات الإنسانية. وكشف المتحدث الرسمي، أن المباحثات تناولت مختلف جوانب الأزمة في غزة، والجهود الدولية المبذولة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، والحد من المعاناة الإنسانية المتفاقمة لسكان القطاع، حيث أكد سامح شكري حتمية إنفاذ التهدئة ووقف إطلاق النار في غزة في أسرع وقت، مستعرضا الاتصالات والجهود التي تبذلها مصر على الأصعدة كافة، بما في ذلك الاتصالات مع الجانب الأمريكي وجهود الوساطة بين حماس وإسرائيل، بهدف الوصول إلى هدنة تُفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار. وقد أكد وزير الخارجية لنظيرته الألمانية مجددا، رفض مصر القاطع وتحذيرها غير القابل للتأويل أو الشك، من أي عملية عسكرية إسرائيلية في رفح الفلسطينية، لما ستنطوي عليه من كارثة إنسانية ستخرج عن السيطرة، وتعقيدات غير مسبوقة، كما أكد ضرورة تكاتف الجهود الدولية من أجل الضغط على إسرائيل لضمان إدخال المساعدات الإنسانية بشكل كامل، وفتح المعابر البرية بين إسرائيل والقطاع، وعدم وضع عوائق أمام وصول المساعدات لجميع مناطق القطاع بما في ذلك شمال غزة.أكدت وزيرة خارجية ألمانيا، أهمية فتح جميع المعابر بين إسرائيل وقطاع غزة، وإزالة العوائق التي تحول دون دخول المساعدات. وشدد شكري على أنه لم يعد مقبولا استمرار عجز مجلس الأمن عن إصدار قرار يطالب بوقف إطلاق النار بعد مرور أكثر من خمسة أشهر من هذه الحرب الضروس، وما نتج عنها من سقوط أعداد غير مسبوقة من الضحايا المدنيين والأطفال والنساء.
هدر للوقت
لن يفضي التفاوض مع إسرائيل إلى أي نتيجة تذكر، فيما يخص وقف الإبادة الجماعية في غزة، كون ما يقوم به جيشها يمثل من وجهة نظر صلاح البلك في “الوطن”، انعكاسا واضحا لعقيدة دينية وردت في أسفار التوراة: «وأمَّا مُدُنُ هؤلاءِ الأُمَمِ التي يُعطيها لكُمُ الرّبُّ إلهُكُم مُلْكا، فلا تُبقوا أحدا مِنها حيا (17) بل تُحَلِّلونَ إبادَتَهُم..” (سفر التثنية 20)، وتحولت إلى أيديولوجيا سياسية وحالة إجماع شعبي لمجتمع متطرف يشكل خطرا حقيقيا على السلم العالمي وليس على الشرق الأوسط فحسب. نحن أمام مشهد مفزع وحرب دينية لا حدود للعنف فيها، في ظل غياب قوى الردع التي تستطيع إيقافها حال توافر الإرادة، مع غياب كامل للمؤسسات الأممية وانعدام دورها بعد فشلها تسع مرات في استصدار قرار ملزم بوقف الإبادة الجارية منذ خمسة شهور، ولا تلوح في الأفق أي بادرة لتوقفها. جولات ومفاوضات في عواصم عربية وأوروبية لم تفلح في زحزحة الموقف الإسرائيلي المستند للدعم الأمريكي، وبقي الإصرار على إبادة ما تبقى من غزة. وشن عملية عسكرية في رفح هدف إسرائيلي مدعوم أمريكيا. التفاوض بصفة عامة، حسب المتعارف عليه في الأوساط السياسية الدولية «هو عملية تستهدف الوصول إلى حلول مقبولة، أو اتفاق يسهم في تحقيق مصلحة طرفين، أو أكثر يربطهم موقف مشترك، والتفاوض أو المفاوضات في العلاقات الدولية هي عملية غايتها الوصول إلى تسوية سياسية». وحدها دولة الاحتلال العنصرية لا تعترف بهذا المفهوم، وتعتبر أي عملية تفاوض مسألة كسب وقت لتحقيق أكبر قدر من المصالح الإسرائيلية، حتى صارت طريقتهم في التفاوض، التي تتسم بالمراوغة وعدم الوضوح، تدرس في كل أنحاء العالم.
لا تملك خطة
تتعمد إسرائيل خلق مسارات تفاوض متوازية لا تلتقي أبدا مع تكرار طرح تصورات بحلول غير عقلانية، تغفل كل حقوق الطرف الآخر، حسب صلاح البلك، وتعاود التراجع عن جزء أو كل ما سبق وقبلت به، بخلاف اختلاق العراقيل وصناعة تفاصيل، ما يؤدي إلى أن تقود المفاوضات إلى مفاوضات أخرى تبدأ كل مرة من حيث بدأت، وليس أدل على ذلك من مفاوضات السلام المصرية الإسرائيلية في كامب ديفيد، وما تبعها في مفاوضات طابا. لا تملك إسرائيل خطة حقيقية من أجل إقرار السلام مع جاراتها على أساس عادل، يراعي حقوق الفلسطينيين التاريخية، كما أنها لا تنوي الاعتراف بدولة عربية إلى جوارها، ولن تقدم أي تنازلات في هذا الصدد، بعد أن نجحت في تغييب القضية عن دوائر الوعي العربي والعالمي طوال سنوات. كل ما تريده من المفاوضات المزيد من الوقت للإجهاز على أكبر عدد من سكان قطاع غزة، وتحسين موقفها خلال التفاوض، المبني على أساس القوة وفرض إرادتها على كل الأطراف الأخرى. لقد اختفت من الساحة تصورات المبادرة العربية «الأرض مقابل السلام» لصالح التصور الإسرائيلي «السلام مقابل السلام»، ولم تكتفِ إسرائيل بذلك في إطار سعيها لاستغلال المفاوضات نحو ما يمكن وصفه بالهدف الاستراتيجي القديم الجديد «التهجير مقابل السلام»، وسط تسارع عمليات التطبيع العربي الإسرائيلي من قبل معظم الدول العربية دون مقابل يتعلق بقضية العرب المحورية، التى لم تعد كذلك على أرض الواقع. إلى وقت قريب كانت إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة تسعيان إلى انتزاع كل الأوراق من يد الفلسطينيين، وعلى رأسها المساندة العربية، وهو ما نجحت بالفعل في تحقيقه، إلا أن ما لم تحسب له حسابا يتمثل في تغير المواقف الدولية، والضغوط الشعبية بهدف الاعتراف بدولة فلسطينية كاملة السيادة.
ضد شعبه
لا يقتصر عنف بن غفير على الشعب الفلسطيني فقط، وإنما يطال الشعب الإسرائيلى، المعارض لنهجه السياسي أيضا. فقد مارست الشرطة الإسرائيلية، مؤخرا، وفق ما أخبرنا الدكتور يحيى عبد الله في “الشروق” عنفا غير مسبوق ضد المتظاهرات والمتظاهرين الإسرائيليين، سواء الذين يطالبون بعقد صفقة «الآن» مع «حماس» لإعادة الأسرى بأي ثمن، أو الذين يطالبون باستقالة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، لإخفاقه في التعامل مع هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أو الذين يطالبون بإجراء انتخابات مبكرة، بسبب فشل الائتلاف الحالي في إدارة المعركة في مواجهة «حماس»، وعدم تحقيق الأهداف التي أقرها مجلس الحرب، ومنها، القضاء على «حماس» وإعادة الأسرى. هنا يثور السؤال: ما الروافد التي غذت هذا الكم من العنف لدى بن غفير؟ الإجابة بسيطة ومنطقية، توفرها البيئة التي نشأ فيها الرجل. ولد الرجل لأبوين من أصل عراقي، وهو نتاج طبيعي لبيئة استيطانية متطرفة (نشأ في مستوطنة تُسمى «مفسيرت تسيون» في جبال غرب القدس)، للحاخامات فيها تأثير طاغ، من حيث صياغة عقول الطلاب في المدارس الدينية اليهودية، ومن حيث صياغة برامج الأحزاب الدينية، إذ لكل حزب منها مرجعية دينية، هي التي تملي على الوزراء، من أعضاء الحزب، وعلى أعضاء الكنيست الممثلين له، ما يجب أن يفعل. يمثل الحاخام المتطرف دوف ليئور، المرجعية الدينية لحزب بن غفير، ولا يمتد تأثيره «على التنظيم السري اليهودي فقط، وإنما على المسار أيضا الذي سبق اغتيال رئيس الحكومة إسحاق رابين، حيث اتُّهم بأنه المصدر الرئيس “للفتوى”، التي أجازت اغتياله (على خلفية اتفاقيات أوسلو) وبأن قاتله، يغآل عامير، كان يتردد عليه، كثيرا، لمعرفة رأي الشريعة اليهودية والتوراة فيمن يسلم أجزاء مما يُسمَّى «أرض إسرائيل» إلى الأغيار (سفي رخليفسكي، «حمار المسيح»، «يديعوت سفاريم»، 1998).
القتل للجميع
شغل هذا الحاخام، الذي حدثنا عنه الدكتور يحيى عبد الله لسنوات، منصب رئيس لجنة حاخامات الضفة وغزة بعد اغتيال رابين، ودعم كتاب الحاخاميْن، إسحاق شبيرا، ويوسف إليتسور، المسمى: «شريعة الملك»، وهو كتاب من جزأين، صدر الأول عام 2009، ويتناول شرائع الحرب، و«يفتي» بجواز قتل الأغيار، بمن في ذلك الأطفال، سواء وقت السلم أم وقت الحرب، وصدر الجزء الثاني عام 2016، ويتناول شرائع الناس والحكم، وأثار ضجة كبيرة، حتى أن قضاة المحكمة العليا في إسرائيل شنوا هجوما لاذعا ضده وقضوا بأنه «من الصعب التشكيك في الموقف العنصري للمؤلفيْن». وعن قوة تأثير هذا الحاخام على بن غفير يشير، موشيه نستلباوم، إلى أنه «لو أراد المفتش العام للشرطة، كوبي شبتاي، تمديد عام آخر في منصبه، ولجأ، مباشرة إلى الحاخام، دوف ليئور، لمنحه مبتغاه وليس نصف عام فقط مثلما فعل بن غفير» (معاريف 8 مارس/آذار 2024). يغذي الحاخام دوف ليؤور، عنف المستوطنين ضد الشعب الفلسطيني، ويحرض على قتلهم، إذ تبنى رأيا واضحا في مذبحة الحرم الإبراهيمي في الخليل (ارتكبها شخص متطرف يُدعى، باروخ غولدشتاين، عام 1994، قتل خلالها 29 مصليا فلسطينيا وأصاب نحو 150) ووصف استعداد غولدشتاين للتضحية بحياته (قتله المصلون الفلسطينيون بعد نفاد الذخيرة من بندقيته) بأنه فعلٌ يستهدف الردع في نظره (يائير شيلج، معاريف، 8 مارس/آذار 2024). هذا هو ما صاغ عقل وتفكير بن غفير، حتى إن جهاز الأمن العام الإسرائيلي ـ الشاباك ـ كان يصنفه، حين كان ناشطا ضمن ناشطي اليمين المتطرف، المنتشرين في المستوطنات، وقبل دخوله معترك الحياة السياسية، بأنه يمثل خطرا محتملا على الأمن، كما يقول روعي شارون، في كتابه: «فانتقم ـ قصة الإرهاب اليهودي” السؤال الآن هو: إذا كان الرجل صنيعة بيئة استيطانية واضحة، رضع العنصرية منذ الصغر، وشب وسط ناشطين يمينيين قاتلين للفلسطينيين، ولا يزال يتبنى الأفكار العنصرية التي رعاها ميئير كهنا.
كلام في كلام
أمام البوابة المصرية لمعبر رفح وقف الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش في زيارته الثانية منذ بدأت إسرائيل حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني في غزة. وقف الرجل وفق ما أخبرنا جلال عارف في “الأخبار”، ليقول إنه جاء حاملا أصوات الغالبية العظمى من دول العالم، التي سئمت مما يحدث في غزة، حيث هدمت المنازل وقتلت عائلات وأجيال كاملة في ظل مجاعة تحاصر السكان. ثم ليؤكد أنه حان الوقت لوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية. المشهد كله كان شهادة على المأساة التي أصبحت تهدد النظام العالمي بأكمله، من الرجل الذي امتلك الشجاعة من اللحظة الأولى للعدوان الهمجي الإسرائيلي أن يضع العالم أمام الحقيقة التي ينبغي أن لا تنسى: الأحداث لم تبدأ في 7 أكتوبر/تشرين الأول، بل وراءها تاريخ طويل من الاحتلال وما قاساه شعب فلسطين وهو يبحث عن حريته واستقلاله. والآن، وفي زيارته الثانية إلى معبر رفح يكشف غوتيريش الحقيقة عن مسؤولية إسرائيل في “الفضيحة الأخلاقية” التي تتمثل في منع دخول المساعدات إلى غزة. يقارن الرجل بين مشهد الطابور الطويل من الشاحنات التي لا تستطيع الدخول إلى غزة، وقسوة الجوع على الناحية الأخرى. ويؤكد أن استمرار الحرب عائق، وأن ما تصنعه إسرائيل من عراقيل يمنع وصول المساعدات، ويقول بوضوح: “حان الوقت لالتزام صارم من إسرائيل بوصول كامل وغير مقيد لمواد الإغاثة إلى جميع أنحاء غزة”. ولم تجد إسرائيل ما ترد به إلا الاسطوانة المعادة والمشروخة ومنتهية الصلاحية عن “العداء للسامية” هذه المرة اتهم وزير خارجية الكيان الصهيوني الأمم المتحدة بكاملها بأنها أصبحت ـ في عهد غوتيريش ـ منظمة معادية للسامية ولإسرائيل.. والحقيقة التي تحاول إسرائيل أن تهرب منها هي أن الأمم المتحدة هي تعبير عن إرادة دولية لم تعد تتحمل المزيد من إرهاب إسرائيل وجرائمها النازية، ولم تعد تقبل استمرار قتل آلاف الأطفال الأبرياء بقنابل إسرائيل، أو بحصار الجوع الذي تفرضه على غزة، أو بتصعيد جديد يفجر المنطقة بأكملها. غوتيريش في حديثه لم يغادر منطق الدبلوماسية. الحقيقة أقسى لأن ازدواجية المعايير ما زالت حاضرة، و”الفيتو” سيئ الذكر ما زال يحمي إرهاب إسرائيل.. ولكن إلى متى؟
إبادة ممنهجة
من المهم حسب عماد الدين حسين في “الشروق” أن نتابع ما تكتبه الصحف الإسرائيلية عن العدوان الوحشي على غزة حتى نفهم كامل الصورة. غالبية أخبار ومقالات وتقارير الصحافة الإسرائيلية عنصرية وفاشية ضد الفلسطينيين والعرب، لكن قلة منها تجنح إلى الموضوعية نسبيا. ومن هذه الفئة الأخيرة ما كتبه يوعناه جونين في صحيفة “هآرتس”، «وفقا لإحصاءات وزارة الصحة في غزة، التي تتقبلها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى حد كبير، فإن أكثر من 30 ألفا قتلوا وأصيب أكثر من 70 ألفا حتى 5 مارس/آذار الحالي، يضاف إليهم المهجرون، وبافتراض أنه يوجد في غزة 1.8 مليون نسمة، فإن إسرائيل ضربت وأخرجت من دائرة العمل ضدها نحو 8% من السكان وهذه النسبة هائلة، أما من ناحية السكن، فقصفت عشرات الآلاف من الشقق في القطاع، إلى جانب تدمير هائل لشبكات الطرق، والصرف الصحي، والمياه، والكهرباء، ما سيؤدي لحالة من الانبعاثات، التي سيستغرق إصلاحها وقتا طويلا. كما يزداد الضغط على هؤلاء النازحين مع ازدياد جوعهم.. والنتيجة يوجد في القطاع الآن نازحون وقتلى أكثر مما جرى في النكبة الأصلية في سنة 1948.. إن الجيش الإسرائيلي يقوم بتدمير القطاع بصورة منهجية». يضيف يوعناة جونين أن الفقرة السابقة لم ترد في مقال كتبته الكاتبة اليسارية عميرة هاس، بل جاءت في منشور نشره صحافي البلاط شمعون ريكلين، حرفيا، في منصة X (تويتر). لم يكن هدف ريكلين، لا قدر الله، التعبير عن تعاطفه مع عشرات الآلاف من القتلى والنازحين، والبشر المعرضين للتجويع، بل التفاخر بهذه المعطيات، والرد على الكلام الذي يتحدث عن «التردد والمراوحة وعدم قدرة إسرائيل على الحسم في غزة»، حسب كلامه، أشار ريكلين، بتفاخر، إلى أن إسرائيل تمكنت حقا من تحقيق إنجازات إعجازية في مجال التطهير العرقى والإبادة الممنهجة لغزة.
هدفهم فناؤها
تفيد التقديرات التي انتهى عندها عماد الدين حسين إلى أن نحو 70 في المئة من القتلى في غزة من النساء والأطفال، لكن ريكلين لا يميز بين رضيع يبلغ من العمر شهرا واحدا وعنصر مسلح من «حماس»، فهو فخور بكل جثة من الثلاثين ألف جثة، وهو فخور أيضا بانهيار النظام الصحي، والتعطيش والتجويع، وتدمير شبكة الصرف الصحي، والفرار الجماعي للبشر. إن تغريدته، إلى جانب كونها تعكس لنا لمحة مزعجة عن روحه المظلمة، فهي أيضا دليل على أن الخراب الهائل والمتواصل في غزة ليس مجرد نتيجة ثانوية لاستراتيجية ما، بل إن هذا الخراب هو نفسه الاستراتيجية. ليس من قبيل الصدفة أن اليمين المجنون يعتبر أصعب الساعات التي تمر بها الدولة هي فترة نشوة وتعال: «إنه لزمن مذهل»، كما وصفه الصحافي اليميني المؤيد لنتنياهو يانون مجيل في مقابلة أجراها معه المذيع رونى كوبان قبل نحو أسبوعين. هذه اللامبالاة بالأخلاق، وهذه الرغبة العارمة في الانتقام، يستغلهما الأصوليون الذين يعيشون بين ظهرانينا، من أجل إنجاز هدفهم الحقيقي الذي حدده ريكلين من دون تردد: «تطهير» قطاع غزة من سكانه، سواء بالحديد والنار، أو بسبب انعدام الخيارات، وسواء بحد السيف، أو بفعل انتشار الأوبئة. إن ما تراه دول العالم الطبيعية كارثة مروعة، كثيرون في إسرائيل يعتبرونه إنجازا. وكلما تراكمت إنجازات هؤلاء، فإن المجتمع الإسرائيلي بأسره سينزلق نحو الهاوية. انتهى مقال جونين وأهم ما جاء فيه أن تدمير غزة هو الاستراتيجية، وليس مجرد نتيجة ثانوية للقضاء على حماس واسترجاع الأسرى.
عالم شرير
إحصائيه حديثه للإنفاق العالمي كشفت بجلاء كيف أننا نحيا في عالم لا غلبة فيه سوى للأشرار، حسبما أوضحت عبير قطب في “المشهد اليوم” التي بدأت ما رصدته من أرقام تمثل فاجعة لدلالتها الكاشفة عن حجم الهوة التي وصلت لها البشرية، إذ تكشف إحصائية اقتصادية عن مفاجآت مدوية لأولئك الذين يراهنون على إمكانية تصحيح مسار الكوكب الذي ينزلق للهاوية: بعض بنود تلك الاحصائية تفيد بأننا بلغنا شفا حفرة التجرد من الإنسانيه، بل نقود أنفسنا بأنفسنا للهاوية وإليكم ما جاء فيها: ينفق العالم على السلاح 1732 مليار دولار. وينفق على الخمور 1324مليار دولار. الانفاق العالمي على أضرار التدخين 1402مليار دولار. بينما أشارت الإحصائية إلى أن الإنفاق العالمي على الفاحشه “البغاء” وصل لنحو 186 مليار دولار. بينما جاء إنفاق العالم على مستحضرات التجميل 146 مليار دولار. وتشير الدراسات التي عني بها خبراء إلى أن دول العالم الثالث الأكثر فقرا، تحتاج للقضاء على الجوع ما لا يزيد عن 267 مليار دولار سنويا، هذا المبلغ الضئيل مقارنة بما سبق يستطيع إنقاذ حياة 38 مليون إنسان يعانون من الجوع وليس الفقر. كيف نواجه ضمائرنا سرا، كيف نستطيع أن نتحدث بأننا ما زلنا نحاول أن نغير الواقع الأليم لهؤلاء؟ لنحاول أن نغير من أنفسنا ونجاهدها فالجهاد جهاد أنفسنا أولا. لو نظمت كل دولة وحكومة وأفراد إنفاقها في ما يرضي الله وبلا بذخ وإهدار في ما لا يفيد لاختلف الوضع واستقامت الموازين، وأصبحنا بلا فقير مع فائض يساعد، أولا وأخيرا لن يكون هناك محرك لاستقامة الأمور غير الخوف من الله. فهل ما زلنا نخاف عقابه؟
لا تنسوهم
رمضان من أكرم الشهور التي فضلها الله وميزها بنزول القرآن الكريم والصيام وليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر لأجل ذلك يرى عبد الغني عجاج في “المشهد”، أن هذا الشهر الفضيل فرصة مواتية لتوثيق الأخوة في الله، وهي من أجلّ النعم التي ينعم بها الخالق على عباده المتقين المخلصين المتحابين في الله (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم) والأخوة في الله نعمة إلهية يقذفها الله في قلوب المخلصين من عباده والأصفياء من أوليائه والأتقياء من خلقه (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)، والأخوة في الله صفة ملازمة للإيمان والمؤمنين (إنما المؤمنون أخوة) والأخوة في الله حثنا عليها الهادي البشير السراج المنير، صلى الله عليه وسلم فقال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وقوله تعالى (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين). والرسول الكريم بشرنا بأن الأخوة في الله تجعلنا ممن يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله: ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه. والأخوة في الله لا تعترف بالحدود والمسافات، فالرسول صلى الله عليه وسلم علمنا أن مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.. ولذلك نتألم لحرب الإبادة البشعة اللا إنسانية، التي يتعرض لها إخواننا في غزة، ونتألم لمعاناة إخواننا في السودان الذين عانوا الأمرين من صراع مجنون ومحموم على السلطة والثروة. اللهم اجعل الأخوة في الله تعلو على كل مصالح ضيقة وشهوات وميول.. اللهم وفقنا لنصرة ومؤازرة إخواننا في الله أينما كانوا.. اللهم اجعلنا من المتحابين فيك، وممن تظلهم بظلك يوم لا ظل إلا ظلك.
رغم القيل والقال
هل سألنا أنفسنا عن السر وراء استحواذ رمضان لكثير من البطولات والانتصارات، رغم القيل والقال عن معاناة الصائم من الجوع والعطش، وهو ما يتنافى تماما مع الحقائق العلمية والعقائدية، وكان الفلاسفة اليونان القدماء يؤمنون بأن الصوم وسيلة جيدة للصفاء الذهني، وأسلوب فاعل للتخلص من طغيان الجسد. ويحكى أن الفيلسوف اليوناني أبيقور الذي استدعى سيرته حسين خيري في “الأهرام” صام أربعين يوما قبل أن يؤدي الامتحان في جامعة الإسكندرية، حتى يشحذ قواه العقلية وطاقته الإبداعية، وعلماء هذا الزمان أكدوا فرضية أن الصيام يخلص الجسم من السموم، ويحول الدهون المتراكمة على أجزاء الجسم إلى طاقة، ومن أجل ذلك قال المنصفون، أن رمضان صانع للبطولات، خاصة ونحن نعيش الآن أجواء انتصار العاشر من رمضان. والقصد من الصوم تربية النفس وبعث النخوة، ولتحقيق تلك الغاية وضع لنا الرسول خريطة طريق لها، من خلال سيرته العطرة في الشهر الفضيل، فقد حرص على تعظيم الجود والكرم مع الناس جميعا، وضاعف من العفو والتسامح، وتفاعل مع الفقراء والمساكين، وتعايش مع مشاكلهم بحثا عن حلول لمعالجتها، فكانت بمثابة غرس لمكارم الأخلاق، مهدت للانتصارات الكبرى. وخريطة الطريق النبوية في رمضان تعبر عن تزواج بين العبادات من صيام وصلاة وزكاة ودعاء، والحرص على أداء سلوك سوي قويم، قال صلى الله عليه وسلم في هذا الصدد: “من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه”. وفي مواقف عديدة يؤكد ضرورة تحري الإحسان والخلق الحميد في السر والعلن مع أداء العبادات، وحث أصحابه قائلا: “أيُّها النَّاسُ أفشُوا السَّلامُ وأطعِموا الطَّعامَ وصلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نِيامٌ تدخلوا الجنَّةَ بسلامٍ”. وجميع النصوص في القرآن والسنة ربطت سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة بتعهده بنهج سبل مكارم الأخلاق مع عناصر البيئة المحيطة به كافة، سواء في بيته وفي عمله وأيضا مراعاته للطريق، أو بمعني أشمل أن يحرص على أداء الأمانة في مناحي حياته، ويعكس الشهر الكريم لنا هذه الخلطة السحرية في أسمى صورها، ويدق الصوم جرس إنذار لإيقاظ المسلم، أنك لست مخلوقا للأكل والشرب، بل هما وسيلة لعبادة الخالق على الوجه الأمثل.
إعلانات التلفزيون
تبدو قائمة إعلانات التلفزيون في رمضان خالية تماما من الإعلان عن أي سلع غذائية، وتنفرد إعلانات العقارات وشركات الاتصالات بالشاشة كلها، وتتسابق للاستحواذ على اهتمام المشاهدين وهُم يتابعون عملهم الفني المفضل. ولا يجد سليمان جودة في “المصري اليوم” تفسيرا لغياب السلع الغذائية عن خريطة إعلانات الشهر الكريم، وقد كانت في كل سنة سابقة تحصل على نصيب الأسد في الخريطة الإعلانية، ولكن الحاصل من أول الشهر أن المشاهدين يخرجون من إعلان عن كمباوند، ليدخلوا في إعلان عن شركة من شركات الموبايل، مع أن سوء الخدمة من جانبها شكوى على كل لسان. أما الإعلانات التي تتخلل الأعمال الفنية فهي المشكلة الكبيرة لأن مساحتها تفوق مساحة العمل الفني نفسه، ولأن المشاهد كلما حظي بخمس دقائق من أحداث هذا المسلسل أو ذاك، وجد نفسه أسيرا في قبضة عشر دقائق إعلان أو أكثر في المقابل.. والظاهر أن الذين يضعون الإعلان فوق العمل الفني بهذه الطريقة لا ينتبهون إلى أنهم يضرون الاثنين معا: المسلسل ومعه السلعة التي يجري الإعلان عنها. الضرر يلحق بالاثنين معا لأن المشاهد الذي يمسك الريموت كونترول في يده لا يكاد يرى أن أحداث المسلسل توقفت وأن الفاصل الإعلاني بدأ، حتى يتحول على الفور إلى قناة أخرى، ويظل يتجول بين القنوات لدقائق إلى أن ينتهي الفاصل، فإذا انتهى الفاصل عاد ليتابع الأحداث من جديد.. وهكذا.. فالرهان على أن المشاهد الذي يجلس لمتابعة أحداث أي عمل فني سوف يتابع معه الإعلانات ويتعرض لها هو رهان خاطئ وليس في مكانه. والشيء الآخر أن المشاهد الذي يتابع أحداث العمل الفني متقطعة هكذا لا يمكن في النهاية أن يجد لها رابطا يجمعها في عقله، ولا يمكن أن تصل «رسالة» المسلسل مكتملة إلى وجدانه، ولا يمكن أن يخرج في آخر الشهر وقد حصل على شيء يفيده في حياته. لا يمكن لأنه يظل يتشتت دائما بين الفواصل، ولأن رسالة أي مسلسل جيد لا بد أن تضل طريقها إلى مشاهديها، وسط هذه الغابة الإعلانية التي لا أول لها ولا آخر، والتي لا إطار فيها يقدم العمل الفني بطريقة تجعل رسالته تصيب هدفها وتستقر فيه. لا يمكن الرهان على مُشاهد يجلس أمام الشاشة مُشتت العقل والعين..
المهزومون يسيطرون
في عالم اليوم، تحولت الدول المهزومة في الحرب العالمية الثانية إلى قوى عالمية ترى أحقيتها بمقاعد دائمة في مجلس الأمن، وكل الدول المحتلة – آنذاك ـ وفقا لما يذكره عماد فؤاد في “الوطن” حصلت على استقلالها، وانضمت للأمم المتحدة، التي ارتفع عدد أعضائها إلى (191 دولة) بدلا من (51 دولة فقط) عند تأسيسها عام 1945. وحسب تلك التطورات، ظهرت صعوبة التوافق في مجلس الأمن، خاصة بين الدول دائمة العضوية، التي تتعامل مع المجلس وكأنه ساحة لتصفية الحسابات فيما بينها، دون الوقوف على أثر ذلك على تحقيق السلم والأمن الدوليين المنوط بالمجلس تحقيقها. والتشكيل الحالي لمجلس الأمن، لا يعكس الواقع الفعلي لموازين القوى في عالم اليوم، ففي حين تحظى القارة الأوروبية وحدها بثلاثة من مقاعده الخمسة الدائمة، نجد أن قارتي افريقيا وأمريكا اللاتينية، دون مقعد واحد دائم، ما يعني غياب التمثيل العادل للقارات على اختلاف ثقافاتها، وتنوع حضاراتها. وأبرز العقبات التي تعترض مجلس الأمن، وتعيقه عن تنفيذ مهامه، تتمثل في طريقة اتخاذ القرار داخله، التي تتيح لأي دولة دائمة العضوية استخدام حق النقض (الفيتو)، وأن تعطّل بمفردها صدور قرار لا ترغب فيه، حتى لو اصطدام ذلك بموافقة بقية الدول الأربع عشرة الأخرى، ما يعني في نهاية الأمر شل إرادة المجتمع الدولي. والمثير للدهشة أن حق (الفيتو) يتعارض تماما مع المادة الثانية – فقرة (1)، من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على أن “تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها”.
إرادة مشلولة
طالب عماد فؤاد بضرورة أن يتسع تشكيل مجلس الأمن ليعكس بصورة أفضل لموازين القوى القائمة حاليا في النظام الدولي، وأن يسمح بتمثيل أكثر عدالة لمختلف القارات والحضارات والثقافات، وأن تتغير طريقة اتخاذ القرار فيه للحيلولة دون تمكين أي دول بمفردها، أو أي تكتل على أساس جغرافي أو أيديولوجي، من شل إرادة المجتمع الدولي أو الحد من قدرة المجلس على الاضطلاع بمسؤولياته. بعد ما يقرب من 8 عقود من إنشاء مجلس الأمن، ما زال محتفظا بأعضائه الخمسة الدائمين وهم (الصين، فرنسا، المملكة المتحدة، روسيا – بعد تفكك الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية). كما برز لاعبون رئيسيون في العالم مثل الهند واليابان في آسيا والبرازيل في أمريكا الجنوبية، وألمانيا في أوروبا، والقاهرة في افريقيا. في السنوات القليلة الماضية، وبسبب عدم نجاح مجلس الأمن في التعامل مع الحرب الروسية الأوكرانية، ومع غضب الرأي العام العالمي بسبب العدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة، ارتفعت حدة المطالبات العالمية – التي كانت موجودة فعليا- بضرورة إصلاح الأمم المتحدة نفسها للقيام بدورها في تحقيق السلام والأمن الدوليين، ومعها أصبح مجلس الأمن في مرمى تلك المطالبات. وأصبح في نظر نسبة متزايدة من شعوب وحكومات العالم، عاجزا عن أداء مهمته، وغير عادل بعد وقوعه في أسر قوى غير مسؤولة تسيء استخدام مواقعها المتميزة داخله. ويؤكد المنتقدون لأداء المجلس، أن استعادة فعالية وشرعيته، تتطلب تحديث تكوينه الذي عفا عليه الزمن.
حسام عبد البصير
تعليقات الزوار
لا تعليقات