حصل كل نشطاء الحراك الشعبي، المتابعين بتهمة الإرهاب بموجب المادة 87 مكرر المثيرة للجدل في قانون العقوبات، على البراءة خلال المحاكمات الجنائية الجارية حالياً، في توجّه يشير حسب البعض إلى رغبة في التهدئة، خاصة مع اقتراب موعد عقد القمة العربية التي تتزامن مع ذكرى اندلاع الثورة التحريرية.
ووفق جرد قام به الناشط الحقوقي زكي حناش، تم “منذ فتح الدورة الجنائية الحالية برمجة 22 ملف جنايات في حق 82 معتقل رأي، حوكم 26 منهم، وتم تبرئة الجميع في تهم الجنايات، وبذلك أطلق سراح 20 معتقل رأي بعد استنفاذ مدة عقوبتهم”. وجاءت إدانات النشطاء في التهم الجنحية فقط، ما جعل الأحكام مخففة في حقهم، ما مكّنهم من الخروج من السجن بالنظر إلى المدة التي قضوها من قبل رهن الحبس المؤقت.
ومن أبرز المفرج عنهم لحد الآن، نشطاء ما يعرف في الجزائر بقضية “التضامن”، بعد نحو سنة ونصف من المعاناة في الحبس المؤقت، فقد قضت محكمة الجنايات الابتدائية بالعاصمة بتبرئتهم جميعا من تهم الإرهاب الثقيلة التي واجهوها طول مدة الاعتقال.
وتوبع نشطاء قضية التضامن في وقائع تتعلق بمساعدات مادية قدموها لعائلات معتقلي الحراك الشعبي، حيث شكّل هؤلاء النشطاء، ومن بينهم الهادي لعسولي وفتيحة بريكي ونوال العابب وغيرهم، تنسيقية لدعم عائلات المعتقلين، كانت تقدم المساعدة عبر التبرعات. ودارت التحقيقات لمدة طويلة حول مصدر الأموال، وما إذا كان المتبرعون ينتمون لجماعة تخريبية، وفق الوصف المعتمد.
ورغم أن التماسات النيابة كانت ثقيلة، فقد طلبت تسليط السجن النافذ لمدة 15 سنة على الموقوفين و12 سنة لغير الموقوفين و5 سنوات للمتابعين بجنح وليس جناية، إلا أن قرار هيئة المحكمة جاء في عمومه لصالح المعتقلين، وذلك بعد مرافعات طويلة للمحامين طالبوا فيها بتبرئة المتهمين وإعادة الاعتبار لهم.
كما عرفت قضية الصحافي محمد مولوج ومن معه أيضاً نهاية مفرحة بعد نحو 13 شهراً من الحبس المؤقت، في قضية يتابعون فيها بتهم الانخراط في تنظيم “ماك” الانفصالي بمنطقة القبائل. ودافع مولوج وهو صحافي بجريدة “ليبرتي” الفرنكوفونية (أغلقت قبل أشهر)، عن براءته نافيا أي صلة له بتنظيم الماك او أفكاره. كما نفى أيضا المتهمون الآخرون صلتهم بهذا التنظيم الذي يقوده فرحات مهني من باريس.
ومن الواضح أن محكمة الجنايات لم تقتنع بتورط النشطاء في تهم الإرهاب بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات، والتي تم استحداثها في عهد وزير العدل السابق بلقاسم زغماتي في جوان/حزيران 2021. وتصل عقوبة هذه المادة إلى الإعدام، وهي تدخل في خانة الإرهاب كل وسيلة من شأنها الوصول إلى السلطة خارج الأطر الدستورية. ولقيت هذه المادة انتقادات واسعة من جانب الحقوقيين والمحامين وحتى منظمات دولية، لأنها وسّعت تعريف الإرهاب من أجل متابعة نشطاء سلميين، على حد وصفهم. ومنذ إقرارها، حدث تحول كبير في التعاطي القضائي مع ملف النشطاء، فأصبحت أغلب الملفات تعالج في الجنايات بعد أن كانت التهم في الأساس جنحية.
وفي تعليقها على هذه المحاكمات، وصفت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، أخبار أحكام البراءة والإفراج عن نشطاء سياسيين وصحافيين بالسارة، والتي تأتي، حسبها، بعد سلسلة طويلة من القمع والاعتقالات والاحتجاز التعسفي. كما عبّرت الرابطة، في بيان لها، عن أملها في أن يتم إغلاق ملف المعتقلين قبل دراسة وضعية حقوق الإنسان في اجتماع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المقرر عقده في 11 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. وقالت في هذا السياق إنها تشجع السلطات والجهات القضائية على توسيع هذا الإجراء ليشمل جميع سجناء الرأي. واعتبرت أنه من المفرح أن يعود المعتقلون إلى ذويهم على الرغم من أن صدور أحكام إدانة في حقهم مهما كانت بسيطة هو غير مقبول.
من جانبه، توقف عثمان معزوز، رئيس حزب “التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية” المعارض، عند خبر تبرئة المتابعين بالمادة 87 مكرر، معتبراً مغادرتهم السجن أمراً إيجابياً لعائلاتهم. وسئل عما إذا كانت هذه التبرئة مؤشراً من السلطات نحو التهدئة، فقال إنه من المبكر الحديث عن ذلك. واعتبر أن هذه التبرئة لا تنزع شيئاً من الطبيعة القمعية للسلطة.
ومنذ توليه السلطة نهاية 2019، أقر الرئيس عبد المجيد تبون عدة تدابير عفو ورأفة، وفق التعبير الرسمي، شملت في كل مرة عدداً من معتقلي الرأي وهو توصيف لا تعترف به السلطات التي تقول إن هؤلاء متابعين في قضايا النظام العام. وقد تكون أحكام البراءة الأخيرة تدخل في نفس سياق التخفيف على نشطاء متابعين بتهم ثقيلة وطيّ ملفهم نهائيا، خاصة مع اقتراب موعد عقد القمة العربية التي تريدها الجزائر جامعة للم الشمل العربي.
تعليقات الزوار
لا تعليقات