أخبار عاجلة

راشد الغنوشي: تونس تعيش انقلابا ديكتاوري مكتمل الأركان

 قال رئيس البرلمان المنحلّ ورئيس حركة النهضة التونسية، راشد الغنّوشي، إن تونس لا تعيش اليوم “تنازع شرعيات” بل تعاني من “انقلاب كامل الأركان”، معتبراً أن مشروع الرئيس قيس سعيد يشكّل خطراً على الدولة التونسية، ويهدد الاستقرار في المنطقة عموماً.
كما اعتبر أن الإسلاميين لم يحكموا تونس، بل شاركوا في حكمها بنِسَب متفاوتة، وقال إن تونس التي تعرضت لـ”عملية تدمير” خلال حكم الرئيس سعيد، تحتاج اليوم لمشروع إنقاذ وطني، مشيداً بدور اتحاد الشغل الذي كان شريكاً لجميع الحكومات السابقة وساهم بشكل فاعل في إنقاذ البلاد من أزمات متعددة.
وقال الغنوشي، في حوار خاص مع “القدس العربي”: “تونس لا تعيش اليوم تنازع شرعيات، تونس تعاني من انقلاب واضح المعالم وكامل الأركان وما قام به الرئيس سعيد بإعلان حل البرلمان هو في الحقيقة إزالة لما بقي من مساحيق على وجه الانقلاب، ليس في تونس برلمانان. العالم لا يعترف إلا بالبرلمان الذي صدر قرار غير دستوري بحله، وتتعامل معه برلمانات العالم: العربي والإفريقي والأوروبي والكونغرس الأمريكي”.
وأضاف: “لقد وصل الرئيس لمنصب الرئاسة بفضل انتخابات حرة ونزيهة وبفضل قانون انتخابي وفي إطار نصوص دستورية، وكذلك البرلمان، ولحد الآن لم يبادر البرلمان للدعوة لسحب الشرعية من الرئيس بالرغم من أن نص الدستور يخوله ذلك إن توفر النصاب لقراره بينما قيد الدستور فعل الرئيس وحصره في ما له علاقة بالبرلمان والحكومة كالدفاع والعلاقات الخارجية، ولا سبيل دستورياً لدى الرئيس لحل أو تجميد البرلمان”.
وتابع بقوله: “وقد بادر قيس سعيد لاعتماد ما يسميه الإرادة الشعبية المطلقة وغير المتعينة كأساس لقراراته التي تعتمد في الحقيقة على سلطة الإكراه، وبينت الأحداث أن سعيد لا شارع له باستثناء من خرجوا يوم الخامس والعشرين ليلاً ثم تبخروا، إذ بينت الأشهر الثمانية الأخيرة أن الشارع في الحقيقة ضد قيس سعيد تولى بنفسه التحشيد لنصرته في ليلة 14-01-2022 فلم يلبّ غير بضعة عشرات، كما بينت الاستشارة الإلكترونية عزوف عموم الشعب عن قيس سعيد وعن برنامجه وفضح هذا العزوف والتزييف الذي تقوم به بعض مؤسسات سبر الآراء لحقيقة مواقف التونسيين”.

سحب الثقة من سعيّد

وأكد الغنوشي أن البرلمان لا يعترف بقرار حله من قبل سعيد، ولكنه لا يسعى أيضاً لسحب الثقة منه.
وأوضح بالقول: “لا تُنتزع شرعية إلا بطرق شرعية. وهذا يصدق على الرئيس قيس سعيد، أي أن يسحب منه البرلمان الثقة، وهذا ليس مطروحاً كسياسة من قبل معارضي سعيد، أو أن يتقدم لانتخابات رئاسية ولا ينال ثقة أغلبية الشعب. ونفس الأمر ينطبق على البرلمان وغيره من مؤسسات الدولة مثل المجلس الأعلى للقضاء أو الهيئة العليا للانتخابات. ويمكن القول إن الطرف الذي ينازع الجميع شرعيتهم هو في الحقيقة قيس سعيد، فالدولة لا تتلخص في منصب الرئيس، بل في كل مؤسساتها التي من المفروض أن تتضامن في إطار القانون المنظم للسلطات”.
وفيما يتعلق بتقييمه لفترة التدابير الاستثنائية الممتدة منذ 8 أشهر، قال الغنوشي: “‎لقد فشل قيس سعيد وفي وقت وجيز في الإيفاء بوعوده التي قدمها للشعب التونسي وبرر بها انقلابه، وهو اليوم يقود الشعب في اتجاه حالة من اليأس ويقودهم نحو التفرقة والانقسام بين التونسيين، ويقود البلاد قبل ذلك في اتجاه الإفلاس والعزلة عن العالم ومن ثمة ارتهان شعبها وإرادتها للخارج أو دفعها في اتجاه الفوضى بعد أن يفكك كل كياناتها الجماعية”.
وأضاف: “لقد أصبحت تونس محل تقارير مراكز الأبحاث الدولية، بما هي منطقة شديدة المخاطر، وبأنها لا قدر الله مقدمة على حالة فشل للدولة. وبالتالي نعم مشروع قيس سعيد هو خطر على الدولة ليس لأنه يؤسس لنظام دكتاتوري فقط ولكن لأنه يقود إلى انهيار الدولة وتفكيكها وإفلاس الاقتصاد وتفقير المواطنين، وتقسيم المجتمع بإثارة النعرات والكراهية بين أبنائه، وهذا كله سيؤدي إلى وقوع البلاد في الفوضى. وبناء على هذا نعتبر أن ما يقوم به سعيد في تونس هو تهديد للاستقرار وفتح للباب لمزيد المخاطر على الشعب التونسي وعلى الدولة التونسية وعلى الاستقرار في المنطقة عموماً”.
وكان سعيد هدد أخيراً باستبعاد كل من “حاول الانقلاب والعبث بمؤسسات الدولة” من الانتخابات المقبلة، وهو ما اعتبره البعض مقدمة لحل حركة النهضة.
وعلق الغنوشي بقوله: “‎لقد أعلنت في أكثر من مناسبة أن الذي يعطي شهادة الميلاد وشهادة الوفاة لأي حزب سياسي في تونس هو الشعب التونسي وأنه لا خوف على النهضة ما دامت في خدمة شعبها. طريق الإقصاء قصير ومن يدخله سينتهي بإقصاء الجميع وسينتهي لإقصاء نفسه بالضرورة. والذي يريد أن يبني دولة يحتاج الجميع وخاصة الذين يختلفون معه، فنجاحه لا يقاس بمقدار اجتماعه بمن يشبهونه بل بمقدار جلبه للذين يختلفون معه، وتجميعه لإراداتهم ضمن مشروع واحد. ونحن في النهضة ضد الإقصاء، ومع الحوار الذي لا يقصي أحداً إلا من أقصى نفسه ورغم ذلك نترك له الباب دائماً مفتوحاً”.
وأضاف: “نحن بلد صغير وعدد سكانه قليل وفي الغالب متجانسون ومندمجون عرقياً وثقافياً، ولا يمكن إقصاء جزء منه دون ضرب كل أعضائه، وليس بيننا ما يبرر أي عداوات ولا ضغائن، والأسلم في حل المشاكل هو العفو والسماحة والتركيز على المستقبل المشترك. أما الإقصاء فقد جربه من كانوا قبله ثم رحلوا وبقينا نحن وبقي الشعب التونسي الذي لن يمل في سعيه في سبيل مستقبل أحسن له ولأبنائه مستقبل للتعايش والحرية والكرامة”.

خرق متكرر للدستور

وأكد الغنوشي أن الفصل 72 من الدستور (الذي اعتمده الرئيس سعيد لتبرير قرار حل البرلمان) لا يخول سعيد احتكار جميع السلطات ولا حل البرلمان “بل يصفه بما هو أي أنه رمز الدولة ولكن هذا الفصل لا يتطرق إلى صلاحيات الرئيس”.
وأضاف: “بنى المشرعون الدستور التونسي على أساس توزيع السلطات، وبناء مؤسسات رقابية مستقلة، وعلى تحصين مؤسسات الدولة واستقرارها وتضامنها. ولذلك فإنه ضيق من إمكانية المس بها وإرباكها تجنباً لأي فراغ مؤسساتي. وبخصوص البرلمان فإن الحالة الوحيدة التي يمكن بها إعلان حله تكون في حال فشله لمرتين متتاليتين في التصويت على الحكومة، وفي هذه الحالة يبقى المجلس في حالة تصريف أعمال وتتم الدعوة وجوباً لانتخابات في سقف تسعين يوماً”.
واعتبر أن ما يسعى الرئيس للقيام به في خرقه المتكرر للدستور والقوانين المعتمدة والإجراءات المعمول بها هو “هدم مؤسسة أخرى من مؤسسات الدولة وإحداث فراغ مؤسساتي وهو الأمر نفسه الذي قام به أولاً مع الحكومة ومع الهيئة العليا لمقاومة الفساد ثم مع المؤسسة القضائية، فالبرلمان في خطوة ثانية بعد تجميد أعماله بالقوة في مشهد يذكرنا بما فعله يلتسن مع مجلس الدوما، وهو اليوم يعلن حربه على الهيئة العليا للانتخابات باعتزامه التحكم في عضويتها، وهذا مسار نقدر أنه لو سمح له بالتواصل فإنه لن يتوقف حتى يحول الشعب التونسي لمجموعة من الذرات المتناثرة بحيث ينتهي كيان الدولة التونسية لا قدر الله، وانتصاراً للفوضوية”.
وأشار إلى أن “إعلان الرئيس حل البرلمان مثله مثل مراسيمه كلها بداية من أدائه تفعيل الفصل ثمانين من الدستور، كلها إجراءات باطلة ولا شرعية لها إلا شرعية القهر والإكراه. ولذلك فان واجب البرلمان وواجب كل مؤسسات الدولة احترام القانون والدستور وتسعى لاستدامة آخره في الواقع، ومن ذلك أن يحشد البرلمان طاقته للقيام بواجبه إلا أن تمنعه قوة قاهرة”.
وكان البرلمان التونسي عقد في وقت سابق جلسة افتراضية صادقت على قرار إلغاء التدابير الاستثنائية للرئيس قيس سعيد.
وعلق الغنوشي على ذلك بالقول: “لم تكن هذه المرة الأولى التي يلتقي فيها البرلمان منذ الانقلاب فقد التقى يوم 27 كانون الثاني/يناير 2022 لإحياء ذكرى سن الدستور. ثم وقع 27 نائباً عريضة يطلبون عقد جلسة عامة. وبما أن الفصل ٨٠ من الدستور ينص على أن يبقى البرلمان في حالة انعقاد فما كان مني كرئيس المجلس إلا الاستجابة لطلب النواب. لذا اجتمعت المؤسسة البرلمانية لإنهاء إجراءات الرئيس سعيد الاستثنائية وغير الدستورية، وتمت برمجة جلسة أخرى لمناقشة الملفات المالية والأزمة الاجتماعية التي يعاني منها الشعب التونسي، ولكن تم تأجيل هذه الجلسة”. ‎وأكد أن اجتماع البرلمان هدفه الأساسي هو “أن يقوم بواجبه تجاه الشعب الذي انتخبه والشعب اليوم يعاني مخاطر التجويع والفقر في دولة تقودها سياسات الرئيس سعيد إلى الإفلاس المعلن والرسمي بعد أن تخلى عنها العالم. كما أن اجتماع البرلمان هو في الحقيقة لصالح البلاد والحكومة لأنه في حال عودة البرلمان سيكون للحكومة فرصة لحوار ذي مصداقية مع صندوق النقد الدولي وبالتالي ضمان تمويل الخزينة العمومية واستعادة لمسار الاستثمار في تونس، كما أن اجتماع البرلمان فتح الباب لحوار جاد حول كل المشاريع التي من شأنها أن تخرج تونس من أزمتها”.

اعتداء على المؤسسة القضائية

واعتبر أن التحقيق مع النواب المشاركين في الجلسة الافتراضية هو “خطوة أخرى من خطوات الاعتداء على المؤسسة القضائية من خلال التعامل معها كتابع للسلطة التنفيذية خارج إطار القانون، وتوجيه تعليمات لها وتكييف للأحداث بحسب الإرادة السياسية للرئيس، وهو أمر لم تشهده تونس في تاريخها الحديث. إذ كيف تتهم إحدى مؤسسات الدولة بالعمل على تغيير صبغة النظام، بينما هي دعت لإلغاء الإجراءات التي أعلن عنها الرئيس والتي أدت لتغيير صبغة النظام وتهدد بتفكيك مؤسسات الدولة من أجل بناء نظام آخر على أساس فردي ومسار إقصائي استبدادي”.
واستدرك بقوله: “نحن لنا ثقة في القضاء العادل ولم تعمل المؤسسة التشريعية إلا ضمن نص الدستور والقانون. كما أن في هذا الإجراء المزيد من التشويه لصورة تونس وسمعتها في العالم بما يزيد من تعميق غياب ثقة المؤسسات الدولية في دولتنا وتخليها عن دعمها اقتصادياً، الذي تعمقت واتسعت أزمته بسبب إجراءات الرئيس سعيد اللا دستورية”.
وتحمّل بعض الأطراف حركة النهضة بشكل خاص المسؤولية الكبرى عما تعيشه تونس في الوقت الحالي، على اعتبار تجربتها الطويلة في الحكم.
لكن الغنوشي يرى أن “‎الجميع شارك في ما انتهينا إليه ولا شك أن لحركة النهضة دوراً وجزءاً من المسؤولية. فالمجلس التأسيسي كان مكوناً من جميع الأطياف السياسية وهي التي صادقت على الدستور بما في ذلك بعض الأطراف التي تصفه اليوم بأنه دستور النهضة وهذا شرف لا ندعيه. كما أن هذه الأطراف كلها شاركت في الحكم بأقدار خلال السنوات العشر الماضية”.
ويضيف: “صحيح أن النهضة هي الحزب الوحيد الذي نجح في أن يحافظ على وجوده ومؤسساته لذا من المفهوم أن تحمله بعض الأطراف المسؤولية، وذلك أن الناظر عندما يبحث لا يكاد يجد الفاعلين الذين انتخبهم الشعب بعد انتخابات 2012، ولا الذين انتخبهم الشعب في 2014، ولا يكاد يرى إلا النهضة. إلا أن وجود النهضة وبقاءها يجب أن لا يغفل دور تلك الأطراف التي كان لها تأثير حقيقي على سير الدولة واستقرارها وسياساتها. ولذلك فإن الذين يحملون النهضة المسؤولية هم في الحقيقة نفس الأطراف الذين فشلوا في الحفاظ على وجودهم وفي الإيفاء بالوعود التي قدموها للشعب التونسي”.
ويوضح أكثر بقوله: “نتحمل المسؤولية بقدر ما حملناها الشعب التونسي، نحن حكمنا مع حزبين بعد انتخابات 2011 وخيرنا أن ننسحب من الحكم في نهاية 2013 تغليباً لمصلحة البلاد وتجنيباً لها للعنف والاحتراب الداخلي، فحفضنا لتونس السلم في وضع إقليمي محترق. ثم انتخب الشعب حركة نداء تونس في 2014 وشاركنا معها في الحكم للمحافظة على استقرار البلاد والسلم، ثم بعد انتخابات 2019 لم يمنح البرلمان الثقة للحكومة التي رشحناها، ومنذ ذلك الحين بدأ حكم قيس سعيد بتعيين رئيس حكومته الأول الدي اتهم بالفساد، ثم الثاني الذي انقلب الرئيس عليه وحكومته، وهو الآن يحكم من خلال حكومته الثالثة. صحيح أننا شاركنا في الحكم ولكن ليس من العدل أن ينسب لنا فضل أو جرم لم نفعله”.

سعيد رفض ختم القانون الانتخابي

ويرى أنه “تم تضليل الشعب التونسي من خلال الدعاية السلبية ولكن ليس فقط ذلك فقد تم تضليله من خلال الإصرار على عدم تغيير القانون الانتخابي الذي يعتبر المسؤول الرئيسي على تفتيت الساحة السياسية وبالتالي إضعاف كل الأحزاب والحكومات المتعاقبة. ولقد طلبت من الرئيس سعيد أن يوقع على القانون الانتخابي الذي صوت عليه برلمان 2014 في آخر عهدته والذي حال الموت دون الرئيس السابق المرحوم الباجي قائد السبسي من توقيعه، فكان رده أنه أمر قد تجاوزه التاريخ”.
ويتساءل الغنوشي بقوله “في ماذا أخطأنا؟”، ويجيب بقوله: “لا شك أن لدينا عدداً من الأخطاء، ولكننا لم نجرم في حق شعبنا، ولم نتورط في الفساد والحمد لله، ولو وجدوا علينا ذرة من ذلك لبنوا بها جبالاً. ولم نتورط في قمع الحريات بالعكس تمتع شعبنا كما لم تتمتع شعوب كثيرة في العالم بسقف عال من الحرية لا يقل عن أي ديمقراطية عريقة. كما حافظنا على استقرار بلادنا ودولتنا وشعبنا في ظروف كانت كل المنطقة مشتعلة وشعوبها منقسمة”.
ويضيف: “الكثيرون رذّلوا الاستقرار والحريات التي ضحينا لنحافظ عليها، والآن يرون ماذا يحصل في غياب ذلك الاستقرار وتلك الحرية: الدولة مهددة بالانهيار، الشعب مهدد بالجوع، الاقتصاد مهدد بالإفلاس، والحريات يتم استهدافها يومياً على كل المستويات السياسية والإعلامية والجمعياتية”.
ويستدرك بالقول: “ان كانت هناك أخطاء تحسب علينا فعذرنا فيها أننا صبرنا على كثير من الضيم دفاعاً عن هذه الحرية والاستقرار الذين جاء الانقلاب ليختطفهما ولكن ثقتنا كبيرة في شعبنا بأنه سيحافظ على هذه الحرية وأنه سيحفظ للحركة ما أنجزته وأنه سيجازيها هي ومن يقوم اليوم دفاعاً عن الحرية والكرامة خير الجزاء، وإني لأرى هذا الاأمر قريباً ولذلك فإننا لا يخيفنا تهديد بالإقصاء ولا بسحب الرخصة القانونية فنحن وجدنا قبلها وسنبقى بعدها في حال تم اركاب جرم سحبها منها. نحن حريصون على الوضع القانوني لحركتنا ولكننا عشنا عقوداً طويلة زمن الاستبداد حتى شيعناه”.
وفيما يتعلق بتفاعل اتحاد الشغل مع الأزمة الحالية في البلاد، قال الغنوشي: “الاتحاد العام التونسي للشغل منظمة وطنية عتيدة كانت له أدوار مؤثرة في جميع المناسبات الوطنية الهامة، ولكنه لا يستطيع إلا أن يكون في مقدمة أصوات المدافعين عن خبز الشغالين. فالاتحاد كان شريكاً أساسياً لكل الحكومات خلال السنوات العشر الماضية، وقاد الحوار الوطني في ٢٠١٣ الذي أنقذ البلاد من الأزمة السياسية التي مرت بها وتحصل بذلك على جائزة نوبل للسلام. وقد قدم الاتحاد للرئيس مبادرة للحوار الوطني منذ أكثر من سنة وكنا قد دعمناها في وقتها ولكن الرئيس هو الذي لم يستجب لها بعد مماطلة وتلكؤ”.

الاتحاد يرفض البناء القاعدي

وأشار إلى أن الاتحاد “لا يمكن أن يوافق على مشروع البناء القاعدي الذي يريد الرئيس فرضه أحادياً على البلاد ونخبها. فلدى الاتحاد تاريخ طويل ممتد قبل الاستقلال وله علاقات ممتدة وسط النخبة التونسية بأحزابها وشخصياتها، ولكن الرئيس لا يتحمل ممثلي هذه المؤسسات الاجتماعية والسياسية الوسيطة لأنه مصر على أن يحكم وحده بينما اتحاد الشغل لا يستطيع إلا أن يكون شريكاً”.
وأضاف: “الرئيس مصمم على محو الأحزاب والمجتمع المدني والمنظمات والثورة، ويريد أن يبدأ تاريخ تونس مع انقلابه في 25 يوليو 2022. هذا ملخص مشروع الرئيس للبناء القاعدي: مسح كل تاريخ تونس الغني وإزالة كل الأجسام الوسيطة من أحزاب ومنظمات وطنية ومؤسسات مستقلة، ليبقى الزعيم وشعبه فقط. ولا أظن أن الاتحاد يمكن أن يقبل بهذه الرؤية لتونس وتاريخها ومستقبلها”.
ويرى الغنوشي أن تونس “بعد عملية التدمير التي يقوم بها الرئيس سعيد، تحتاج اليوم لمشروع إنقاذ وطني. وهو مشروع وطني يقوم على أساس حوار واسع لا يقصي أحداً، ولا شك أن الشعب الذي يتهدد الجوع يحتاج لحكومة شرعية تعتني أساساً بالملفات الاقتصادية والاجتماعية وتستمد شرعيتها من برلمان منتخب، ولذلك فلا بد أن يعود البرلمان للقيام بهذا الدور في اتجاه انتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها”.
ويضيف: “في اتجاه ذلك، يقوم البرلمان بالإصلاحات التشريعية اللازمة للمرحلة الانتقالية مثل القانون الانتخابي والمحكمة الدستورية. بحيث يقوم البرلمان أولاً بتزكية حكومة إنقاذ وطني تعنى بالملفات الاقتصادية العاجلة وتجنب البلاد مزيد التدهور وتنقذها قبل السقوط في الإفلاس، بينما تقوم النخب السياسية بحوارها وإصلاحاتها السياسية اللازمة التي يزكيها لاحقاً البرلمان الحالي فيضفي عليها الشرعية، وهذا يمكن أن لا يأخذ وقتاً طويلاً بل ربما لا يتجاوز سقف هذه السنة”.
ويتابع: “الحقيقة أن شروط هذا البرنامج توفرت وذلك بالتقاء جميع الديمقراطيين على أرضية الدفاع عن الديمقراطية متجاوزين في ذلك خلافاتهم وما اجتماع البرلمان الأخير إلا أكبر شاهد على ذلك. هناك عدد من المبادرات التي تعمل في هذا الاتجاه ولعل آخرها مبادرة الأستاذ محمد نجيب الشابي لإطلاق حوار وطني وتكوين جبهة للخلاص الوطني لإنقاذ تونس قبل فوات الأوان. نحن دعمنا وثمنا هذه المبادرة وكل مبادرة تهدف لتجميع التونسيين على طاولة الحوار لإنقاذ البلاد من الأخطار الكبيرة التي تتهددها”.
وحول تقييمه لمسار الربيع العربي على مدى أكثر من عقد، قال الغنوشي: “‎يلاحظ المتابع لتاريخ الثورات عموماً مسارها المتعرج وترددها بين الخيارات السلمية التوافقية والتوجهات الشعبوية والراديكالية، والحقيقة أن تونس تمثل استثناء في تاريخ الثورات من حيث صمودها لعقد من الزمن أمام هذه التوجهات والموجات العنيفة، ما يجعلنا نطمئن هو أن مسار الثورات ينتصر في النهاية، والفرق بين ثورة وأخرى هو الثمن الذي تدفعه الشعوب من أجل حريتها واستقرارها ونحن نبذل جهدنا أن لا يدفع الشعب التونسي ثمناً عالياً من كرامته ولا حياته”.

ابن علي صنع هرما من الفساد

واعتبر الثورة التونسية من خلال صمودها لعشر سنوات “نجحت في تعميق جذور الحرية التي أصبحت مكسباً للجميع، وهذا المكسب الوطني الذي ساهمنا في غرس جذور له لا يمكن قلعها، وسيدافع عن نفسه لا محالة. ولا ينفصل الكسب الاقتصادي عن الكسب السياسي وعن الحرية ونحن نرى أن الاستبداد الذي يريد أن يكرسه الرئيس سعيد يسرع مسار التدهور الاقتصادي كما أن دكتاتورية ابن علي لم تصنع معجزة اقتصادية، بل صنعت هرماً من الفساد ما زلنا نعاني من عمق جذوره. ولا يمكن تحقيق أي ازدهار اقتصادي دون استقرار ولا ضمان الاستقرار إلا بالديمقراطية، ولذلك علينا أن نصبر على هذا الطريق وغير ذلك هو بيع للأوهام للناس. لا نرى في العالم ديمقراطية فقيرة أو مفلسة”.
ويتحدث مراقبون عن “فشل” تجربة الإسلاميين في حكم تونس وعدد من الدول العربية بسبب ما يعتبرونه نقصاً في الخبرة وتآمراً من قوى النظام القديم.
وتساءل الغنوشي بقوله: “هل كانت ثمة تجربة لإسلاميين في تونس؟”، ويجيب بقوله: “لم تكن حكومة الترويكا كذلك ولا كانت حكومة النداء بعد ذلك ولا حكومات قيس سعيد الثلاثة، فبأي معنى نتحدث عن تجربة الإسلاميين في الحكم في تونس؟”.
واستدرك بالقول: “نعم، نحن شاركنا في الحكم بأقدار مختلفة ولكن ليس وحدنا، هذا من جهة، أما جهة ثانية فإننا وفي مؤتمرنا الأخير حسمنا موضوع ما يسمى بالإسلام السياسي، فنحن اعتبرنا أن مواجهة المنظومة الشمولية للدولة ذات العقيدة اللائكية كان يحتاج تعبيرة بذات الشمولية لتواجه تطرفه، وإن كان لدينا منذ البداية تحفظ على توصيفنا بالإسلام السياسي. فنحن في النهاية مسلمون من بين المسلمين، ونحن نعتبر أن الديمقراطية هي السبيل الأنسب لإدارة الشأن العام ولإصلاحه، ولذلك فنحن مسلمون ديمقراطيون، إذ هناك من المسلمين من لا يرى الديمقراطية نهجاً لإدارة الشأن العام بينما نراها متوافقة مع الإسلام”.

الشعبوية إلى زوال

وفيا يتعلق بفشل هذه التجربة، يقول الغنوشي: “التاريخ لم يتوقف ونحن ما زلنا موجودين وصفنا يزداد ولا ينق، وبحسب آخر انتخابات نحن الحزب الأول منذ زهاء عشر سنوات، وإسهامنا كبير في المحافظة على السلم والديمقراطية قبل الغارة الشعبوية (حكم قيس سعيد) التي هي إلى زوال وشيك”.
لكن الغنوشي أقر بوجود “العديد من الهنات، وكذلك النجاحات” خلال مشاركة حركة النهضة في الحكم، مضيفاً: “أولويتنا الآن هي استعادة الديمقراطية، ونحن واعون بحاجتنا لتقييم تجربنا وللاستماع لنقد الآخرين والتواضع لآرائهم والاستعانة بها من أجل التقدم ببلدنا”.
وفيما يتعلق بتجربة الإسلاميين عموماً في العالم العربي، قال الغنوشي: “أما من حيث الحديث عن الإسلاميين عموماً في الحكم، فإن الناقد يحتاج لينتبه بأن الإسلاميين ليسوا الأولين الذين واجهوا تحديات الحكم ولم يوفقوا، فانظر جيل الحركة الوطنية ومن بعده جيل التيارات القومية واليسارية، ولا شك أن الإسلاميين ليسوا استثناء فهم بشر يخضعون لسنن التغيير وسنن الصراع والحكم، ولذلك فإن تجربتنا يجب أن تُقرأ بما هي تجربة بشرية محكومة بسنن الكون التي تعم الجميع ولا يمنع انتسابنا للإسلام أن تنطبق علينا هذه السنن، فهي غلابة”.
وأضاف: “إن القيمة الأساسية لانتسابنا للإسلام تكمن في ما نادينا به من فجر الثورة للسماحة والعفو وتجريد الحياة العامة من الصراعات العقائدية والأيديولوجية، والحاجة للتوافق والحوار والحاجة لبناء مشروع وطني مشترك يخدم الناس ونحن ما زلنا ننادي لهذا ولا نرى حلاً لبلدنا خارج هذا المسار التعددي الأخلاقي”.
لكن هل يبرر “الفشل” في الحكم بغياب الخبرة أو تآمر الآخرين عليه؟
يجيب الغنوشي: “ليس هناك مسار وطني يقف في وجه الظلم لا يتم التآمر عليه، أما الخبرة فمن له الخبرة إلا الذين احتكروا الحكم لعقود متتالية، كل الذين عارضوا الاستبداد تم تهميشهم وتنقصهم الخبرة في الحكم وإدارة شؤون الدولة، ولكن حتى الذين حكموا وانتخبهم الشعب سنة 2014 فشلوا بل يمكن القول إن النتائج التي تقولها أرقام حكومة الترويكا حققت نجاحاً أكثر من الحكومات التي تلتها حتى الآن”. ويوضح بالقول: “تونس جزء من محيطها ولا شك أنها تتأثر بهذا المحيط وبالعالم الذي يمر بمرحلة هزات وانتقالات وما يقع في بلدنا ليس بعيداً عن ذلك: الواضح أن الجغرافيا السياسية في الإقليم لم تكن ريحها خلال العشرية المنصرمة تهب رخاء على بلد صغير”.
ويرى أن “تاريخ العالم والبشرية يخبرنا بأن مسارات الثورة والتغيير إن بدأت فلا يمكن إيقافها ولا صدها، صحيح يمكن تعطيلها أو اضطرارها لدفع أثمان باهظة ولكنها مسارات غلاّبة، ولذلك فنحن -وإذ نشفق على شعبنا- لنا ثقة في الله سبحانه وتعالى، وأن مسار الحرية لشعوبنا لن يتأخر وهذه الحرية هي حرية عامة تشمل الجميع ويعم خيرها على الناس كافة. وإننا باعتبارنا مسلمين ديمقراطيين نفعل ذلك مع كل شركائنا في الوطن بغض النظر عن خلفياتهم العقائدية ما اجتمعنا معهم على تحقيق مصلحة الشعب. ولكننا مسؤولون عن شعبنا وعن بلدنا”.

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات