أخبار عاجلة

مخاوف موريتانية من انعكاسات خطيرة لانفجار الأوضاع في مالي المجاورة

تتصاعد المخاوف في موريتانيا من تداعيات خطيرة متوقعة لانفجار الأوضاع في مالي المجاورة، حيث يهدد التدهور الأمني هناك بارتدادات مباشرة على أمن المناطق الحدودية بين موريتانيا ومالي، بل وعلى الاستقرار الهش في منطقة الساحل كلها.
فمع اشتداد المعارك الداخلية وتزايد هشاشة الدولة المالية، وفي غياب أي تنسيق دولي، تتجه الأنظار إلى الحدود الطويلة والمفتوحة بين موريتانيا ومالي، والتي طالما شكلت خاصرة رخوة أمام تمدد الجماعات المسلحة وتدفقات اللاجئين والمهربين.
وفي هذا السياق، تعالت على شبكات التواصل أصوات سياسية ومدنية تدعو إلى رفع مستوى التأهب وتشكيل فرق حماية لتأمين الحدود، تحسبًا لأي انفلات قد يتسرب إلى الداخل الموريتاني في ظل صمت رسمي وترقب إقليمي حذر.
وأكد المدون الموريتاني البارز محمد يحي القصري، المراقب للأوضاع في المنطقة الحدودية بين موريتانيا ومالي «أن جمهورية مالي قد تكون على أعتاب انهيار مفاجئ»، مضيفاً «أن الجيش المالي بدأ يتصارع، مع تداول أنباء عن اختفاء أخبار الوزير الأول بعد تفجير مكان احتجازه، وقتال مستمر لساعات بين أنصار الرئيس المنقلب وجنرال آخر، وجماعة «ماسينا» التكفيرية التابعة لتنظيم القاعدة تواصل ضرباتها على حدود مالي موريتانيا؛ وأنصارها في كينيا يقطعون الطريق ويحرقون الشاحنات المتجهة لمالي، والجيش الأزوادي يقصف بالمُسَيرات ويَعِد بقرب تحرير أزواد، والجماعات الإسلامية المختلفة تشن هجمات في مناطق عديدة».

وأضاف: «على رئاسة الجمهورية الإسلامية الموريتانية رفع حالة التأهب وفتح باب التجنيد الطوعي وتشكيل فرق حماية شعبية على طول الحدود لمنع تأثر البلد بما يجري هناك، ولمواجهة أي تسلل أو اجتياح طرف لأرض الوطن».
وحذر حاكم مقاطعة عدل بكرو الموريتانية بولاية الحوض الشرقي، محفوظ ولد ابوه، المواطنين الموريتانيين من دخول الأراضي المالية»، لافتاً «إلى أن هذا البلد يعيش وضعاً أمنياً خطيراً منذ ثلاث سنوات».
وأضاف الحاكم في حديث له مع السكان خلال جولة تحسيسية له أمس بأسواق المواشي «أن السلطات المالية أبلغتهم رسميا ًبحظر دخول المنمين الأجانب حدود ولاية النوارة، ما يجعل منمي مقاطعة عدل بكرو الموريتانية يدخلون في ذلك الإطار».
وأكد «أن الوضعية الأمنية وضعية خطيرة، والمنطقة توجد بها جماعات تتقاتل، حيث يضع بعضها الكمائن للآخر»، لافتاً «إلى أن من اعتقل فيها يمكن أن يُحسب على جماعة أخرى».
وناشد «المنمين بالبقاء في أماكنهم، كما طالبهم بإبلاغ زملائهم بهذه الرسالة الأمنية الأكيدة».
ويثير الحصار الذي أعلنه تنظيم «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» على مدينتي خاي ونيور المالية القريبتين للحدود مع موريتانيا، قلق سكان المنطقة.
ويخشى سكان المدينتين الواقعتين في موقع استراتيجي قرب الحدود المالية مع كل من السنغال وموريتانيا، أن يؤدي الحصار الذي أعلنه الجهاديون إلى نقص في المواد الأساسية، كما يقلقهم احتمال توقف إمدادات الوقود، الأمر الذي قد يؤثر على كامل القطاع النفطي في مالي».
وتعد مدينتا خاي ونيور الاستراتيجيتان، واللتان يبلغ عدد سكانهما على التوالي 130 ألفًا و50 ألف نسمة، بمثابة الرئتين الاقتصاديتين لغرب مالي: فخاي تقع على الطريق الوطنية رقم 1، وتُعتبر بوابة دخول المواد الغذائية القادمة من السنغال، كما أنها تشكل مجمع مواصلات أساسية تربط باماكو بالطريقين الوطنيتين رقم 3 ورقم 25، أما نيور فتقع على المحور الرئيسي الذي يربط مالي بموريتانيا.
وإذا ما تم تطبيق الحصار الذي أعلنه التنظيم، فإن ذلك قد يشلّ غرب البلاد بأكمله، وهو ما يثير قلق السكان.
ودعا أحد أبناء المنطقة الحدودية، السلطات العسكرية إلى التحرك قائلاً: «البلاد تسير اليوم على قدم واحدة، وحان الوقت ليتكاتف جميع المواطنين للخروج من هذه الوضعية، لأنه إذا فُرض هذا الحصار فعلاً، فستكون العواقب وخيمة، وقد يحصل نقص في المواد الأساسية، ما سيؤدي إلى مجاعة، وسيكون الأطفال الأكثر تضررًا».
وفي تهديداتها، تحدثت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين مؤخراً عن إمكانية منع مرور شاحنات الوقود الآتية من الدول المجاورة لتزويد مالي بالمحروقات مثل الشاحنات الآتية من السنغال، وكذا من غينيا وساحل العاج، وهو ما يثير مخاوف كبيرة لدى العاملين في القطاع النفطي.
وقال أحد الموظفين: «على السلطات أن تأخذ بجدية ما أعلنه الإرهابيون، لأن حصارًا كهذا، قد يؤدي إلى إفلاس الشركات العاملة في القطاع، منذ سمعنا هذا الخبر ونحن نعيش في قلق وخوف».
وقد أعلن الجهاديون يوم الأربعاء الثالث من سبتمبر الجاري عن بدء تنفيذ الحصار بعد أن اعترضوا عدة سيارات قرب نيور واختطفوا ركابًا مقربين من الشريف محمدو حماه الله زعيم الطريقة الحموية التجانية، وهو شخصية دينية بارزة في مالي.
وفي مقاطع فيديو، هدد التنظيم أمس بمنع إدخال الوقود إلى مالي وحذر بشكل مباشر سائقي الشاحنات الصهريجية القادمة من السنغال أو موريتانيا أو غينيا أو ساحل العاج؛ كما وجه تهديدًا صريحًا إلى ركاب شركة النقل «ديارا ترانسبور»، متهمًا إياها بالتعاون مع سلطات المرحلة الانتقالية.
ويأتي هذا التهديد تنفيذاً لوعيد سابق أطلقه التنظيم مطلع يوليو الماضي، حين شنّ سلسلة هجمات دامية على طول الحدود المالية السنغالية وعلى الحدود المالية الموريتانية، متّهماً سكان خاي ونيور بدعم الجيش المالي.
ومنذ ذلك الحين، أحرق الجهاديون آليات ومعدات في مواقع صناعية، لكن حركة النقل في المنطقة تأثرت أكثر بتدهور حالة الطرق والأمطار الغزيرة.
وفي يناير 2025، تبنى التنظيم اختطاف شيخ ديني آخر من نيور هو شيرنو أمادو هادي تال، وهو حفيد القائد التيجاني الشهير الشيخ عمر تال، قبل أن يعلن عن وفاته، وهي وفاة لا تزال أسرته وبعض المصادر الأمنية يعتبرونها غير مؤكدة لغياب الأدلة.
وإذا نجح التنظيم في تنفيذ تهديداته، فستكون العواقب خطيرة ليس فقط على سكان مدينتي خاي ونيور المحاصرين داخل مدنهم، بل على دولة مالي بأسرها. فبحسب محللين عديدين، يسعى التنظيم إلى خنق البلاد وخاصة العاصمة باماكو، التي تعتمد بشكل كبير على طريق خاي في الإمدادات، وهذا ما أكده تقرير صادر عن «معهد تمبكتو» في إبريل 2025.
والحقيقة أنّ تدهور الوضع في مالي لا يمثل مجرد أزمة داخلية تخص باماكو فحسب، بل يمثل تهديداً وجودياً يمتد إلى محيطها الإقليمي، وفي مقدمته موريتانيا التي تتقاسم معها تحديات الأمن والتنمية والهشاشة الاجتماعية.
وإذا لم تُترجم الدعوات للتأهب إلى خطة وطنية محكمة، تتكامل فيها جهود الدولة والمجتمع، فإنّ المخاطر قد تتفاقم لتتحول الحدود إلى بؤرة اختراق تهدد استقرار الداخل.
ومع غياب مبادرات إقليمية جادة لمعالجة جذور الأزمة المالية، يبقى أمام موريتانيا خياران لا ثالث لهما: إما استباق الأحداث ببناء منظومة حماية شاملة ومتعددة الأبعاد، أو مواجهة ارتدادات قد تفرضها الجغرافيا والتاريخ بقسوة لا يمكن تحملها.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات