تحت عنوان: أن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي أبدًا.. قالت صحيفة “لوفيغارو” اليمينية الفرنسية في افتتاحيتها إنه بعد تسعة أشهر من اعتقال الكاتب بوعلام صنصال، وبعد سلسلة من المماطلات الرئاسية الفرنسية الهادفة إلى عدم إغضاب النظام الجزائري، اضطر الرئيس إيمانويل ماكرون أخيرًا إلى تشديد لهجته. وأكدت على أنه من خلال طلبه من الحكومة أن تتصرف بمزيد من “الحزم والعزم” تجاه الجزائر، قراره تعليق التعاون في مجال الهجرة، يُقدم قصر الإليزيه على تغيير في الموقف.
وأضافت الصحيفة المعروفة بتوجهها الناقد للسلطات الجزائرية، الذي زاد خاصة مع قضية الكاتب بوعلام صنصال، أنه “يبقى أن نتساءل عن توقيت قرار الرئيس ماكرون، الذي انتظر حتى خمول شهر أغسطس، وبعد أكثر من شهر من إعلان استمرار احتجاز بوعلام صنصال وإدانة الصحافي كريستوف غليز في الجزائر، ليغير أسلوبه. مع أن الواقع كان واضحًا منذ فترة طويلة. لم تمنع يد السلام الممدودة نظام الرئيس تبون من مواصلة استراتيجية التخويف واتخاذ قرارات تعسفية تجاه بعض مواطنينا وموظفينا الدبلوماسيين..ولم يُقنع أي فعل من أفعال اليد الممدودة الجزائر باستعادة مواطنيها الذين طردتهم باريس، ولا بوضع حد للحملة البغيضة لتشويه صورة فرنسا على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل مؤثريها”.
واعتبرت الصحيفة أن ماكرون من خلال دخوله أخيرًا في مواجهة، يقطع مع خط وزارة الخارجية بقيادة جان-نويل بارو، ويتحول إلى نهج وزير الداخلية برونو روتايو، الذي أعلن قبل أسبوعين عن فشل سياسة “حسن النوايا”. فهل سيكون للحزم، إذا تم تطبيقه بفعالية، تأثير أكبر؟، تتساءل “لوفيغارو”.
الصحيفة، رأت أن رد الجزائر هو من سيُجيب عن ذلك. وفي انتظار ذلك، ومن أجل استعادة المبادرة في مواجهة وزير داخليته، يضغط الرئيس ماكرون اليوم من أجل “التحرك دون هوادة” في ملف الهجرة، في الوقت الذي يطالب فيه وزير الداخلية وزعيم حزب “الجمهوريين” اليميني المحافظ بتشديد الإجراءات منذ أشهر طويلة.
وهذه الرسالة، التي كان من المفترض إبلاغ مضمونها للسلطات الجزائرية قبل نشرها من قبل صحيفة “لوفيغارو”، ستُقرأ حتمًا على أنها اصطفاف من إيمانويل ماكرون مع الخط المتشدد الذي يدافع عنه وزير داخليته برونو ريتايو، وقد يعتبرها الرئيس الجزائري تنكّرًا شخصيًا له.
“لوفيغارو” نقلت عن أحد المقربين من دوائر الحكم الجزائرية، كما وصفته، قوله: “لا يخونك إلا الأصدقاء. وهذا ما حدث مع تبون. فقد تخلّى عنه ماكرون. فالرسالة التي وجّهها الرئيس الفرنسي إلى رئيس وزرائه، والتي دعا فيها إلى مزيد من الحزم والعزم تجاه الجزائر، تُعد بمثابة نكسة رهيبة للرئيس الجزائري”.
منذ عدة أشهر، يحاول عبد المجيد تبون التمييز بين إيمانويل ماكرون و“الأقلية المتطرفة” الفرنسية التي يتهمها بجعل الجزائر هوسًا لها. ففي مطلع شهر أغسطس الجاري، وأمام صحافيين لبنانيين رافقوا الرئيس جوزيف عون، أكد تبون أنه “ليس لديه أي مشكلة مع ماكرون ولا مع فرنسا”. وكانت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية قد هاجمت في شهر يوليو الماضي “اليمين الفرنسي المتطرف الحاقد”، واصفة إياه بـ“الجزء من الطبقة السياسية الذي يفتقر إلى البوصلة”، ومتهمة إياه بـ“إحياء العداء للجزائر” لصرف الانتباه عن الأزمات التي تمر بها فرنسا.
“لوفيغارو” اعتبرت أن هذا الملف الشائك هو أيضًا موضوع سياسة داخلية، ومن المتوقع أن يفرض نفسه في الحملة الرئاسية لعام 2027 . وسيُحكم على إيمانويل ماكرون حينها بناءً على حصيلة سياسته تجاه الجزائر. أمامه 20 شهرًا لتحقيق نتائج.
الصحيفة ذكَّرت بأنه منذ شهر أبريل الماضي، وتحديدًا بعد طرد 12 موظفًا فرنسيًا كانوا يعملون في الجزائر ويتبعون لوزارة الداخلية، تعيش الجزائر وباريس حالة شبه قطيعة دبلوماسية. وقد تم استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر إلى باريس ولم يعد منذ ذلك الحين. وأصبحت الاتصالات تقتصر على القنوات البروتوكولية. وفيما يخص التعاون الأمني، لم تعد الجزائر تستقبل رعاياها الموجودين في وضعية غير قانونية والخاضعين لأوامر مغادرة التراب الفرنسي (OQTF).
أما فيما يتعلق بالتعاون القنصلي، فإن الاتفاق المبرم عام 2013، الذي أشار إليه الإليزيه في رسالته، قد تم تعليقه فعليًا منذ منتصف شهر مايو الماضي. وطالبت السلطات الجزائرية بـ“الترحيل الفوري” لخمسة عشر موظفًا فرنسيًا أُرسلوا في مهمة دعم مؤقتة إلى الجزائر. ووفقًا لوزارة الخارجية الفرنسية، فإن طرد الموظفين الفرنسيين جاء بناءً على “قرار أحادي الجانب من السلطات الجزائرية يقضي بفرض شروط جديدة لدخول الأراضي الجزائرية على الموظفين العموميين الفرنسيين الحاملين لجوازات رسمية أو دبلوماسية أو خدمية”. وبالتالي، لم تعد شروط تطبيق الاتفاق قائمة. ومع تعليق التأشيرات الدبلوماسية، ألغت باريس مؤخرًا تعيينات موظفيها الذين كان من المفترض أن يتسلموا مناصبهم في الجزائر خلال شهر سبتمبر المقبل. وبسبب انخفاض عدد الموظفين المكلفين بمعالجة التأشيرات، ظهر تأثير مباشر يتمثل في انخفاض عدد التأشيرات الممنوحة بنسبة %30 ، حسب ما جاء في رسالة الإليزيه.
وقالت “لوفيغارو” أن المتابعين الجزائريين للعلاقات الثنائية يرون أن المنطق الفرنسي القائم على القوة لا يؤدي إلا إلى تأخير فرص التطبيع، وقضية الكاتب بوعلام صنصال مثال على ذلك.
تعليقات الزوار
لا تعليقات