هل سيقف الرئيس الأمريكي بعد أسابيع قليلة في مكتبه البيضاوي محاطا بوزيري خارجية الجزائر والمغرب ويقول مثلما فعل الجمعة الماضي، عند التوقيع على اتفاق سلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية، إن نزاع الصحراء «أضاع فرصا كثيرة، وذهب ضحيته كثيرون وجاء الوقت اليوم لإنهائه»، معلنا نهاية مشكل شل الشمال الافريقي خمسين عاما كاملة؟ لا شك أن الآمال باتت تتعزز أكثر بأن يتكرر المشهد ذاته من هنا إلى نهاية العام الجاري.
لكن إن اتفق البلدان المغاربيان، فما مصير البوليساريو في تلك الحالة؟ وهل ستتحول حينها من حركة تحرر وطني، كما يراها البعض على الأقل، إلى تنظيم إرهابي من مخلفات الماضي لا مكان له في العصر الجزائري المغربي الجديد؟ وهل سيصبح زعميها في ذلك الوقت، وبعد أن كان يتنقل في طائرة جزائرية خاصة، ويفرش له السجاد الأحمر في عدد من العواصم، ويستقبل فيها استقبال الرؤساء، ويدعى لأخذ الكلمة في بعض المنابر الافريقية، شخصا منبوذا ومطاردا تلاحقه العدالة الدولية؟
لا شك أن المغاربة يتطلعون إلى ذلك، وعلى أي حال ففي آخر الجولات التي قام بها إلى الدول القليلة التي ما زالت لم تسحب بعد اعترافاتها السابقة بتنظيمه، وصل الأربعاء الماضي إلى العاصمة مابوتو، غير أنه لم يذهب إلى هناك خالي الوفاض. فقد حمل معه مجموعة من» الهدايا الرمزية» ليقدمها إلى الرئيس الموزمبيقي في ختام اللقاء، الذي جمعه به في اليوم التالي في القصر الرئاسي، وتطرق فيه الرجلان، حسبما نقله إعلام الجبهة حول، «العلاقات الثنائية بين الجمهورية الصحراوية وجمهورية موزمبيق الشقيقة، وأساليب تقويتها لتكون في مستوى طموحات شعبي البلدين»، لكن عودته من تلك الزيارة تزامنت مع حدث حرص الإعلام الرسمي الجزائري، بوجه خاص، على إبرازه وهو إطلاق أربعة أو خمسة مقذوفات، حسب مصادر مغربية في محيط بلدة السمارة جنوبي المغرب. وبالطبع فلا أحد ربط بين المحادثات التي جرت في موزمبيق حول «أساليب تقوية العلاقات» بينها وبين البوليساريو، وبين المقذوفات التي أطلقتها الأخيرة في سياق الأساليب التي تنتهجها لإضعاف الحلول السلمية مع المغرب. وهذا يبدو بديهيا ومعقولا إلى حد كبير، لكن من أين خرجت إذن ما قد تبدو وكأنها «هدايا رمزية» من نوع آخر، أرسلت هذه المرة لا إلى «الشقيقة» الموزمبيقية، بل إلى «العدو» المغربي؟ على الأرجح أنها انطلقت من مكان ما داخل المنطقة، التي تصفها الرباط بالعازلة، وتسميها البوليساريو الأراضي المحررة. وفي تلك الحالة من يمكنه أن يكون قد أعطى الأوامر بإطلاقها من هناك؟ ومن اختار لها موعدا في مثل ذلك الظرف بالذات؟
مبدئيا من المفترض أن من أخذ القرار، أو من صادق عليه بالأخير، لن يكون سوى الرجل الأول في الجبهة. والسؤال هنا هو كيف تسنى لغالي أن يقوم بذلك في اليوم الذي كان فيه عائدا من رحلة طويلة وشاقة نسبيا، قادته إلى دولة موزمبيق لحضور احتفالات ذلك البلد الافريقي بالذكرى الخمسين لإعلان استقلاله؟ ربما في حالة وحيدة فقط كان ذلك سيكون ممكنا وهي، لو أن البوليساريو كانت تمتلك نظام اتصالات آمن ومتطور يتيح لقادتها البقاء على تواصل مستمر على مدار الساعة، ومن أي مكان في العالم، مع غرفة عملياتها الميدانية ولديها جهاز عسكري له حرية أخذ القرارات العملية المناسبة، دون الرجوع إلى القيادة، وقبل ذلك وبعده إذنا مفتوحا ودائما للدخول والخروج من الحدود الجزائرية دون أدنى ترخيص، أو حتى تنسيق مسبق مع السلطات الجزائرية، وهي مسائل تبدو كلها في غاية الصعوبة. وهذا ما يقود إلى استنتاج واضح وبسيط وهو، أن الجبهة ليست هي التي قررت أو خططت لتحرك بعض عناصرها إلى خارج الجزائر، وفي أضعف الحالات، حتى إن سعت إلى ذلك فلم يكن باستطاعتها أن تقدم عليه بشكل منفرد ومستقل. لقد كان من الضروري أن يمنح الجزائريون لها، لا تسهيلات لوجستية ومعدات وأسلحة، بل ضوءا أخضر للقيام بعملية مماثلة. لكن ما الهدف الذي أردوا تحقيقه من وراء ذلك الهجوم، الذي لم يخلف، حسب البوليساريو نفسها سوى «حالة من الهلع والخوف انتابت جنود العدو وقيادتهم الجبانة… وأعمدة دخان شوهدت تتصاعد من المناطق المستهدفة»، رغم أنه لم يثبت أبدا أنها كانت مناطق عسكرية؟ وما للذي جعلهم يقدمون على ذلك؟ هل كانوا يريدون من خلال إسقاط تلك المقذوفات في مكان غير بعيد عن مقر البعثة الأممية المعروفة بالمينورسو، أن يوجهوا رسالة ما تتعلق بمسار النزاع الصحراوي، الذي لا يزالون لا يرون أنفسهم، ومن الناحية الرسمية طرفا رئيسيا فيه؟
لقد سبق للبوليساريو أن أعلنت وقبل ما يقرب من خمس سنوات، ومن جانب واحد إنهاء وقف إطلاق النار مع المغرب، بعد فترة من الهدوء قاربت الثلاثين عاما رافضة العودة إلى طاولة المفاوضات ومعلنة عما دعته في أحد بياناتها «اتخاذ الإجراءات والتدابير المتعلقة بتنفيذ مقتضيات حالة الحرب». ومنذ ذلك الإعلان حصلت وبلا شك بعض الحوادث المتفرقة في الصحراء، لكنها كانت محدودة جدا ولم تصل حد حصول مواجهة كبرى، أو مفتوحة بين القوات المغربية وقوات الجبهة. غير أن الجديد هذه المرة هو أن إطلاق تلك المقذوفات على أماكن لا تكتسي صبغة عسكرية وسقوطها قريبا من مقر بعثة المينورسو جاء بعد يوم واحد من إعلان عضو مجلس النواب الأمريكي عن الحزب الجمهوري جو ويلسون عن تقديمه مع النائب الديمقراطي جيمي بانيتا مقترح قانون في الكونغرس يهدف إلى تصنيف البوليساريو «منظمة إرهابية أجنبية»، ووصفها في منشور على حسابه الرسمي على منصة أكس بأنها «ميليشيا ماركسية مدعومة من إيران وحزب الله وروسيا».
فهل أراد الجزائريون الذين يعملون الآن على توثيق علاقاتهم بواشنطن، ومن خلال ذلك العمل تأكيد تلك الأطروحة؟ لن يكون من الغريب أبدا أنهم وبدلا من أن يرفعوا ورقة البوليساريو في وجه الأمريكيين ويلوحوا ببقائها في المستقبل رقما صعبا في المعادلة الإقليمية، فإنهم أرادوا التخلص منها والتمهيد ربما لأخذ مسافة من الجبهة، إن تم التوصل طبعا إلى اتفاق ما تحت الرعاية الأمريكية يفضي إلى ترتيبات جديدة في المنطقة من شأنها أن تؤدي إلى تسوية الخلافات الجزائرية المغربية وإغلاق ملف الصحراء بشكل تام. وربما سيقول البعض وكيف يفعلون ذلك ومقابل ماذا؟ وما الذي يجعلهم يفرطون في أداة استثمروا فيها الكثير واستخدموها لترسيخ نفوذهم الإقليمي؟ في هذه المرحلة قد لا تتضح الصورة بدقة تامة ولا تتكشف طبيعة العروض التي قد يقدمها الوسيط الأمريكي لهم ولجيرانهم. لكن ما يلوح الآن وبقوة هو أن البوليساريو سيكون في مأزق حقيقي في حال التوصل إلى سلام بين الجارتين المغاربيتين ولن يجد في ذلك الوقت من يمد له يدا لا من موزمبيق ولا من غيرها.
نزار بولحية
تعليقات الزوار
لا تعليقات