باتهام كل بلد للآخر؟ قطعا لا، فلا سبيل أمام الجزائر والمغرب غير الحوار والدبلوماسية، إن هما رغبا في طي الصفحة. لكن ما يحتاجه الجزائريون والمغاربة اليوم؟ هو التحلي بالمزيد من الحكمة والهدوء وضبط النفس والابتعاد عن كل ما قد يزيد من توتير الأوضاع بينهم. وهذا يبدو مفروغا منه. ومع ذلك فهل سيكون من الضروري أيضا، أن يحدث شيء استثنائي، أو خارق يقلب مسار علاقاتهم مئة وثمانين درجة، ويدفعها في اتجاه آخر، كأن يعثر البعض منهم على عصا سحرية، أو يجد مصباحا كمصباح علاء الدين يحوّل حلمهم إلى واقع؟ وعلى فرض أن أحدهما امتلك مثل تلك العصا، أو ذلك المصباح، فهل سيخطر بباله وبمجرد أن يمسك بها أو يظهر له العفريت المحبوس داخل القمقم، أن يطلب تحقيق تلك الأمنية دون غيرها؟
ليس من الثابت ذلك، غير أن الأمر المحتمل والمرجح حدوثه، ولو بعد أمد غير محدد، طال الزمن أم قصر، أن يثوب الجزائريون والمغاربة إلى رشدهم ويفكروا معا في فض مشاكلهم بأنفسهم، دون انتظار العثور على عصا خارقة، أو مصباح سحري، أو ترقب مبادرة قوة إقليمية، أو دولية، بعرض حل جاهز عليهم. ولعل أول ما قد يتعين عليهم فعله في تلك الحالة، ومتى صفت نواياهم وعقدوا العزم على السعي إلى إزاحة العقبات، التي تقف في طريق تطبيع العلاقات بينهم، هو أن يضعوا معا خريطة طريق طموحة، لكن واقعية، تسمح لهم بالوصول إلى الهدف المنشود، بشكل متدرج وعلى عدة خطوات ومراحل، فالتسرع والاستعجال في البحث عن الحل لن يكون مجديا، أو مفيدا في مثل تلك الأوضاع.
لعل هناك من سيقول إن ذلك الأمر يبدو ممكنا وقابلا للتنفيذ، فقط عند وجود مشاكل أو أزمات ظرفية وطارئة، أو محدودة النطاق بين دولتين، لكن بالنسبة إلى الجزائر والمغرب، فإن الصورة تختلف تماما، بما أن الخلافات بينهما ليست حديثة العهد، أو وليدة السنوات الأخيرة، بقدر ما أنها عميقة الجذور ومتشعبة بشكل كبير. كما أنه ليس واضحا إلى الآن، إن كان البلدان يرغبان أصلا في أن يصلا إلى حلول باتة ونهائية للإشكالات العالقة بينهما، ولا شيء يدل على أنه سيكون من الممكن واليسير بالنسبة لهما، من ناحية أخرى، أن يتفقا بسرعة وسهولة على خطوات عملية، من شأنها أن تقودهما إلى تسوية ما، في الوقت الذي ما زالت فيه قنوات الحوار والتواصل بينهما مسدودة بالكامل، ولا يزال جلوسهما إلى طاولة مفاوضات مفتوحة، وغير مشروطة أقرب ما يكون إلى المعجزة الصعبة. غير أن هناك مسألة ينبغي عدم تجاهلها، أو التغاضي عنها وهي، أن الوضع الحالي بين الجارتين المغاربيتين لا يبدو مطمئنا، أو مريحا لكليهما معا، كما أنه يشكل عبئا ثقيلا ومرهقا لاقتصادهما، ومصدر قلق وإزعاج دائم لهما وعلى أكثر من مستوى، ولعل نظرة واحدة إلى حجم النفقات السنوية الضخمة، التي يصرفانها في التسابق والتلاحق على شراء ترسانات الأسلحة، تعطي الدليل الواضح على أن كل واحدة منهما ترى في الأخرى عدوها اللدود، ومصدر الخطر الأكبر والأشد على أمنها واستقرارها. كما أن نظرة بسيطة إلى الآفاق الواعدة والرحبة، التي قد تفتح لهما في حال توصلهما إلى إنهاء الإشكالات القائمة بينهما، وتسوية خلافاتهما تدل على حجم الفوائد والمكاسب العالية والمذهلة للغاية، التي سيكون بمقدورهما جنيها، إن هما فكرا معا في اللجوء إلى ذلك الخيار. والأمر واضح وبسيط فالجزائر مثلا، تنفق سنويا مليارات الدولارات على دعم جبهة البوليساريو، والمغرب من جانبه ينفق أيضا مليارات الدولارات كل عام في حربه ضد ذلك التنظيم، لكن لو اتفق البلدان على أن تنفق كل تلك الأموال على شعبيهما، ألن يكون ذلك أنفع وأجدى لهما معا؟ من المؤكد أنهما يدركان ذلك جيدا.
لكن إن كانا يعرفان ما يخسرانه وما سيكسبانه، فلماذا لا تدفعهما على الأقل حسابات الربح والخسارة من وراء استمرار الصراع بينهما، إلى التفكير مليا في مراجعة مواقفهما والإسراع بوضع حد نهائي للقطيعة السائدة بينهما؟ ربما تكمن هنا عقدة الحل والربط في ملف الخلافات الجزائرية المغربية، فمع أن الجزائريين والمغاربة يقرون بحقيقة أن لا أحد منهم يمكن أن يخرج في الأخير منتصرا من المعارك الدائمة والمستمرة بينهم، إلا أنهم يواصلون مع ذلك خوضها بضراوة شديدة، ولعل البعض سيقول هنا إنه سيكون من التجني أن يوضع الجميع في سلة واحدة، وأن يلقى اللوم على الطرفين معا، لأنه يبدو واضحا، خصوصا في السنوات الأخيرة، أن هناك طرفا محددا دأب على مد يده للطرف المقابل، فيما واصل الأخير رفضه، لكل مبادرات الصلح معه، وليس من المنصف إنكار ذلك. فقد سمع المغاربة والجزائريون جيدا كيف قال العاهل المغربي في أحد خطبه قبل نحو أربع سنوات إن «الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا وليس في مصلحة شعبينا وغير مقبول من طرف العديد من الدول». وكيف أضاف أيضا، «أؤكد هنا لأشقائنا في الجزائر، أن الشر والمشاكل لن تأتيكم أبدا من المغرب، كما لن يأتيكم منه أي خطر أو تهديد، لأن ما يمسكم يمسنا وما يصيبكم يضرنا، لذلك نعتبر أن أمن الجزائر واستقرارها وطمأنينة شعبها من أمن المغرب واستقراره». لكنهم لم يسمعوا إلى الآن وبالمقابل خطابا مماثلا أو مشابها له من الجانب الجزائري، لكن هل يعني ذلك أننا أمام جار يريد حل الخلافات مع جار يرفض ذلك؟ ظاهريا تبدو الصورة على ذلك النحو، غير أنه سيكون من التجني الجزم بأن الجزائريين لا يريدون وفي المطلق فض مشاكلهم مع المغاربة، وأنهم لا يرون مصلحة في ذلك، فالأقرب أنهم لا يشعرون ربما بقدر كاف من الثقة في نوايا جيرانهم، وهذا قد يوجد بدوره أيضا على الجانب المقابل، ولأجل ذلك فإن المهمة الأصعب الآن هي إعادة ثقة كل بلد بالآخر. ولعل هذا هو أول بند من بنود خريطة طريق حل الخلافات بينهما، لكن كيف يحصل ذلك؟ بالاتفاق أولا بينهما على الكف عن الهجومات الإعلامية العدائية والتحريضية، وهذا الأمر يبدو ضروريا جدا للخطوات المقبلة التي تليه والتي سيكون من أهمها إصدار البلدين لإعلان نوايا مشترك يرسم تطلعهما إلى العلاقات التي يريدان إقامتها في المستقبل. لكن هل سيكون الأمر حقا بتلك البساطة؟ ربما لكن على شرط أن ترفع بعض الأطراف الداخلية والخارجية أيديها عن الملف الجزائري المغربي.
نزار بولحية
تعليقات الزوار
لا تعليقات