أخبار عاجلة

حرب غزة كارثة جلبتها إسرائيل لنفسها

قال المعلق في صحيفة “أي نيوز” باتريك كوكبيرن إن حرب غزة قتل فيها أكثر مما قتل في أي نزاع منذ الحرب العالمية الثانية. وكانت أقسى الحروب وستقوّض أي منظور للسلام.

وقال إن كل الحروب تقود إلى مزيد من الكراهية، لكن الحرب في غزة، على الرغم من صغر مساحتها، ستقود إلى أعظم قدر من الكراهية التي ولدها نزاع منذ عام 1945.

وعلى الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي بدأ سريانه يوم الأحد، إلا أن حرب الـ 15 شهراً حقنت جرعة ثقيلة من الكراهية السامة في العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين، لدرجة أنها تضمن مستقبلاً يتحدّد بالعنف فقط. وأضاف أن وقف إطلاق النار هش، ومن غير المرجح أن يتم تنفيذه بالكامل دون دعم أمريكي كبير.

وكانت وحشية الصراع فظيعة، وظلت كذلك حتى اللحظة الأخيرة، حيث قتل 101 شخص في غزة، بينهم 27 طفلاً، و31 امرأة، وأصيب 264 آخرون في الغارات الإسرائيلية، منذ الإعلان عن الاتفاق، يوم الأربعاء، حسب الدفاع المدني في غزة.

ويقول إن الحرب بدأت بمذبحة ارتكبتها “حماس” في إسرائيل واستمرت بمذابح إسرائيلية على مدى الأشهر التالية، وأدت لسقوط أكثر من  46,000 شخص.

ويناقش الآن الساسة والمعلّقون في الغرب إمكانية تطبيق المرحلتين الثانية والثالثة من الاتفاق. وحتى لو ظلّ واقفاً فسيكون غير مستقر على رمال ملطخة بالدماء. وقد أوضح الشاعر الإنكليزي العظيم جون ميلتون حتمية هذا في “الفردوس المفقود” قبل 350 عاماً. وكتب أن الكراهية الشديدة التي تثيرها الحرب تجعل الأمل بالتسوية غير واقعي: “لأن المصالحة الحقيقية لن تنمو أبداً / حيث حفرت جراح الكراهية القاتلة عميقاً”.

وقد أدرك جون ميلتون، الذي عايش الحرب الأهلية الإنكليزية هذه الحقيقة، أكثر من جو بايدن وكبار مسؤوليه. فقد أجرى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، مؤخراً، مقابلة هنأ فيها نفسه، حيث قال إن الإدارة حققت إلى حد كبير أهدافها المتمثلة في منع هجوم آخر على إسرائيل، مثل 7 تشرين الأول/أكتوبر، وأوقفت حرباً إقليمية، ووفرت حماية للمدنيين في غزة.

ويرى كوكبيرن أن سذاجة بايدن خطيرة، فمن خلال رفضه استخدام النفوذ الذي كان يملكه على إسرائيل من خلال التحكّم بتدفق السلاح إليها، سمحت إدارته لآلة الحرب الإسرائيلية لإحداث ما تريده من أثر مدمر.

فقد كانت هذه الحرب الأكثر قسوة، وسوف تقوّض فرص أي سلام حقيقي. ويبدو أن بايدن وبلينكن كانا منفصلين عن الواقع عندما ألقيا الخطابات الوداعية. فبعيدًا عن منع الفظائع المستقبلية، مثل 7 تشرين الأول/أكتوبر، فقد جعلاها أكثر احتمالية. إن قدرة بايدن على وقف الحرب في أي وقت تؤكدها حقيقة أن اتفاق السلام اليوم هو نفس الاتفاق الذي اقترحه في أيار/مايو الماضي ورفضه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. ولكن بمجرد حصوله على الدعم الحازم من الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي تحدث ببعض الكلمات الغامضة، ولكن القاسية، وإرساله مبعوثه الخاص الذي لم يكن نتنياهو قادرًا على الاعتراض عليه، تبين أن الاعتراضات الإسرائيلية لم تكن عقبة.

والمأساة هي أن هذا كان من الممكن أن يحدث قبل ثمانية أشهر، إن لم يكن قبل عام، وكانت هناك إمكانية لبقاء عشرات الآلاف من الناس على قيد الحياة ولم يصابوا بأذى.

ويرى الكاتب أننا عدنا إلى السياسة الأمريكية التقليدية، والتي صرخ فيها رونالد ريغان، عام 1982، على مناحيم بيغن وأمره بوقف الحرب في لبنان.

والآن سيقوم الخبراء والمحللون بوضع قائمة للمنتصرين والمنهزمين في المواجهة بغزة، مع أن الحرب لم تنته بعد هناك. ففي الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني،

هناك دائماً جولة أخرى، لأنه كلما توقّفَ القتال، سيظل هناك سبعة ملايين فلسطيني وسبعة ملايين يهودي إسرائيلي يعيشون بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. وإذا اختفت “حماس” غدًا، وهو ما لا يبدو أنه كذلك، فإن هذا سيظل الحال.

لقد نجحت إسرائيل في استعراض قوتها العسكرية في غزة ولبنان وسوريا وإيران واليمن، ولكن كما حدث في الماضي، تواجه صعوبة في تحويل النصر العسكري إلى مكاسب سياسية دائمة.

وكان القضاء على “حماس” هدفًا إسرائيليًا غير قابل للتحقيق في الحرب، ومع ذلك فقد وافقت للتو على اتفاق وقف إطلاق النار مع هذه المنظمة ذاتها. وتزعم إسرائيل أنها أضعفت “حماس”، وهي جماعة مسلحة بشكل خفيف، والعذر اليومي الذي ساقته إسرائيل لعدد القتلى المدنيين المروع في غزة الناجم عن قصفها هو أنها تستهدف مراكز قيادة “حماس”، وهو ما يعني أن أعدادها الآن هي كما كانت عندما بدأت الحرب.

ويرى الكاتب أن الهجوم الذي نفذته “حماس” في عام 2023 كان يهدف لوضع القضية الفلسطينية في الواجهة، ومنع عمليات التطبيع التي تبنتها إدارة جو بايدن بين إسرائيل والدول العربية. وقد أثبت الهجوم خطأ افتراض نتنياهو الذي تسيد السياسة في إسرائيل لأكثر من ربع قرن، وهو أن إسرائيل ليست بحاجة للتنازل مع الفلسطينيين من أجل الحصول على الأمن. وربما زعم نتنياهو أنه جعل إسرائيل، القوة الأعظم في الشرق الأوسط، حتى قبل هزيمة “حزب الله” في لبنان وسقوط بشار الأسد.

ولكن الطيران الإسرائيلي كان قادرًا على ضرب أي هدف، من طهران، إلى صنعاء في اليمن. وبالتأكيد، فقد تغير المشهد السياسي بالمنطقة لصالح إسرائيل وأمريكا، وضد إيران وروسيا، لكن إسرائيل الكبرى ليست القوة الإقليمية الجديدة، فقد اعتمدت في نجاحاتها العسكرية على الدعم الأمريكي الكامل وغير المسبوق. في ظل حكم ترامب المتقلب، الذي يعارض الحرب، ولم يبدأ أي حرب في ولايته الأولى، فقد يتغير هذا الدور الأمريكي.

ونرى في الشرق الأوسط قوة عسكرية إسرائيلية إلى جانب فراغ في السلطة بسوريا ولبنان، وهو ما لا تستطيع إسرائيل ملأه. وأصبحت المنطقة أكثر خطورة بكثير من حيث عدم الاستقرار مقارنة بما كانت عليه عندما تولى بايدن منصبه. وقد يرغب ترامب في إبرام اتفاقية أمنية بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل. لكن الحكومات المستبدة التي تحميها قوات الشرطة السرية التي لا ترحم لا تزال مضطرة في بعض الأحيان لأن تولي بعض الاهتمام للرأي العام.

وفي الأشهر الأخيرة، أمضى العرب والمسلمون وبقية العالم أوقاتهم وهم يتابعون على الشاشات التي عرضت جثث الأطفال الفلسطينيين التي تم انتشالها من أنقاض غزة. ولن تنجح أي اتفاقية أمنية في الشرق الأوسط برعاية ترامب دون تنازلات إسرائيلية للفلسطينيين. وكان لحمام الدم الطويل في غزة تأثير سام على المواقف تجاه إسرائيل في كل مكان في العالم. فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة يوغوف في تموز/يوليو الماضي أن 8 إلى 14% فقط من الأوروبيين الغربيين يعتقدون أن إسرائيل لم ترتكب جرائم حرب في غزة. فيما اعتقد حوالي 54% في بريطانيا أن “المحكمة الجنائية الدولية” يجب أن تصدر مذكرة اعتقال ضد نتنياهو. وفي الولايات المتحدة، أظهر استطلاع رأي أحدث أجرته مؤسسة يوغوف أن 29% من بين 19 مليون شخص صوتوا لصالح بايدن في عام 2020 ولكن ليس لكامالا هاريس في عام 2024، ذكروا غزة باعتبارها السبب الرئيسي لعدم دعمهم لها. وبالنسبة لإسرائيل، كانت حملتها في غزة مجرد عملية عسكرية، ولكنها كارثة سياسية جلبتها على نفسها.

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات