عمّ مخيم اليرموك أو عاصمة الشتات الفلسطيني، في دمشق، ارتياح ظاهر وملموس، بين سكانه، ومباشرة بعد سقوط النظام السابق في الثامن من كانون الأول / ديسمبر الماضي. ورغم افتقاد معظم مقومات الحياة الطبيعية، بدأت قوافل عودة الأهالي إلى منازلهم بارتفاع وتيرتها بشكل يومي، خصوصا بعد إزالة حواجز «فرع فلسطين» التابع للاستخبارات العسكرية، من على مداخل المخيم وإعادة فتح الطرق المغلقة المؤيدة إليه من الأحياء المجاورة.
من أمام بوابته الرئيسة، اختفى حاجز فرع فلسطين، مع فجر يوم الثامن من الشهر الماضي، كما كان حال جميع حواجز النظام ومؤسساته الأمنية في العاصمة السورية. في ذات الموقع، يقف ثلاثة شبان يافعين من عناصر غرفة العمليات العسكرية، وهم من محافظة إدلب، يقومون بمراقبة السيارات الداخلة إلى المخيم. أحدهم قال لـ«القدس العربي» إن «عملهم يقتصر في التدقيق على عدم إدخال السلاح، وحيازة أصحاب السيارات التي تُدخل مختلف المواد، على فواتير، للتأكد بأنها ليست مسروقة، إضافة إلى تسيير دوريات ليلية داخل المخيم لضبط الأمن والحد من انتشار ظاهرة المخدرات».
منزلنا دمر
على مسافة ليست بالبعيدة من مدخل المخيم، كان أبو خالد الميداني، يقف أمام محله لصناعة نوافذ وأبواب الألمنيوم، وهو شاب دمشقي لكنه ممن ولِد وتربى في المخيم قبل العام 2011، وعاد إليه وفتح محلا بالمهنة التي تعلمها داخل المخيم.
قال لـ«القدس العربي»: «منزلنا في المخيم دمر على بكرة أبيه نتيجة قصف النظام منذ عام 2013، وبعد أن تخلصنا من هذا النظام شعرنا بالتغيير مباشرة فبات عملنا مريحا، وانزاح هم عن قلوبنا، لكن العمل مازال شبه جامد، فالناس قلقة وتنتظر المزيد من انخفاض الأسعار».
وتابع: «حاجز فرع فلسطين وغيره من المفارز الأمنية داخل المخيم، كانت تشاركنا في أرزاقنا. إدخال المواد من على الحاجز كان يكلفنا نحو 100 ألف ليرة، ولا أحد يستطيع العمل إلا بعد الحصول على موافقات مسبقة معقدة وطويلة، وكل هذه الممارسات انتهت، ما انعكس إيجابا على انخفاض الأسعار بما يعادل 30 في المئة».
مع التوغل أكثر داخل مخيم اليرموك، بدت آثار القصف بمختلف الأسلحة، واضحة المعالم على الأبنية الطابقية المدمرة جزئيا أو كليا، أما أكوام القمامة ففاضت عن حاوياتها واحتلت حيزا ليس بالصغير من شارع اليرموك.
ومن تحت شرفة منزله الواقع على مفترق شارع اليرموك مع جادة جلال كعوش، أو ما كان يعرف سابقا بشارع ثانوية اليرموك، قال عامر الملقب بـ«أبو رامي» وهو يقف مع جيرانه: «مشكلتنا الآن في الكهرباء والمياه والكلاب الشاردة والخدمات البلدية التي تقدمها محافظة دمشق والسيئة للغاية».
وطالب متحدثا لـ«القدس العربي» «بتشكيل لجنة محلية للمخيم لتديره كما كانت تفعل قبل 2011، أما الفصائل الفلسطينية فلم يعد لها وجود ولم نعد نشاهد لهم أي فعالية، ولا حتى على المستوى الإنساني، كما لم نسمع عن زيارة لأي مسؤول فلسطيني ليسألنا عن مطالبنا».
ونحن نتحدث مع أبو رامي، مرت سيارة وهي تحمل متاع عائلة عائدة، ووفق الرجل «هذا المظهر بات عاديا ويتكرر يوميا عشرة مرات أو أكثر، وأنا عدت منذ سنة تقريبا لأتخلص من دفع إيجار منزل مستأجر كان يصل لنحو مليوني ليرة، وتسخير المبلغ في ترميم منزلي، وتحديدا أني كمعظم اللاجئين الفلسطينيين في المخيم نعيش على ما يرسله لنا أقاربنا في المغتربات».
على تقاطع شارع اليرموك مع شارع لوبيا الشهير بمحلاته التي كانت مقصد معظم الدمشقيين قبل 2011، كان طارق التميمي، يركن عربته لبيع حلويات يصنعها في منزله، على أطلال ذلك الشارع الذي «دمره شبيحة الأسد» كما قال لنا.
وأوضح لـ«القدس العربي» أنه في الأساس كان معماريا لكن مهنته «لم تعد تدر له قوت يومه وعائلته، فلجأ إلى بيع الحلويات إلى حين عودة النشاط لسوق العقار الجامد، والذي توقف بسبب التراجع المتواصل لأسعار المواد والناس ينتظرون مزيدا من الانخفاض ليتابعوا ترميم منازلهم، على الرغم من أن كثيرا من العائلات تقيم في غرفة واحدة من دون أي مقومات طبيعية للحياة لكنها تبقى منازلهم وأفضل بالتأكيد من المستأجرة».
التميمي العائد إلى المخيم منذ سنة مضت، قال إن «بيعه للحلويات يستر عليه وعلى زوجته وطفلتيه، وابنته ذات السبع سنوات تواظب على مدرستها التي عادت «أونروا» (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) وافتتحتها».
في عمق المخيم كان أبو حمزة، يطرد أطفالا من أمام مستشفى فايز حلاوة المدمر، وقال لـ«القدس العربي»: «إنهم ليسوا من أهل المخيم وإنما من الأحياء المجاورة، وعادة ما يدخلون المنازل والمحال المهجورة ويأخذون أي شيء يقع تحت أيدهم».
وأبو حمزة المقيم في نهاية شارع حيفا، تعود أصول عائلته إلى مدينة يافا في فلسطين المحتلة،
وقال: إن «المستشفى مدمر بشكل كبير جدا وسابقا كان يخدم كل سكان المخيم ويتبع لجيش التحرير الفلسطيني، أما اليوم فقد تحول إلى خرابة تنتظر من يعيد إليها الحياة».
ترميم المساجد
على الطرف المقابل من الشارع كان بضعة عمال يغادرون مسجد الوسيم بعد يوم عمل طويل، لكن المسجد المدمر مازال يحتاج إلى الكثير، وأعاد أبو حمزة عدم ترميمه إلى أنه كان يقع قبل الثورة تحت نفوذ حركة حماس ولم تكن المخابرات السورية تسمح بترميمه، ولكن عمليات الترميم بدأت بعد سقوط النظام فورا.
قال رئيس ورشة إعادة ترميم المسجد «نجار الباطون» رياض الجبالي، إنه و«بإذن الله سنجز عملنا خلال 10 أيام، وباقي الورش ستنهي كل أعمالها قبل بداية شهر رمضان بحيث يقيم الناس هنا صلاة التراويح بعد نحو 10 سنوات من تدميره من جيش النظام الساقط».
وأوضح أن «أحد رجال الخير من المخيم هو من يقوم بتمويل ترميم المسجد عبر نفقته الخاصة». وقال: «منذ أكثر من سنتين حاولت حركة الجهاد الإسلامي إعادة ترميم المسجد لكن الموافقة الأمنية من السلطات السورية لم تصدر، أما اليوم وبعد أن سقط النظام فلم يعد أحد يحتاج إلى أي موافقة والكل بات يستطيع أن يرمم ما يمتلكه من عقار».
تعليقات الزوار
لا تعليقات