أخبار عاجلة

الجزائر تتسلح بالدبلوماسية الدينية حلّ أزمة النيجر

تشهد النيجر أزمة سياسية ربما تُعتبر الأكبر في تاريخ الدولة التي استقلت عن جمهورية فرنسا سنة 1960، وتتمثل هذه الأزمة في انقلاب عسكري تم على إثره الإطاحة بالرئيس محمد بازوم، واستيلاء القائد السابق للحرس الرئاسي الجنرال عمر عبد الرحمن تياني على السلطة يوم 26 جويلية الماضي.

وتشهد النيجر اضطرابات وأحداث متسارعة عقب حدوث الانقلاب، منها إلغاء القادة العسكريين لاتفاقيات التعاون العسكري مع فرنسا، وعزمهم محاكمة الرئيس بازوم بتهمة الخيانة العظمى.

تداعيات أزمة النيجر ربما لن تقتصر على الحدود الجغرافية للمنطقة بل ستؤثر في الدول المجاورة إن لم يكن هناك حل سياسي والجلوس على طاولة المفاوضات بين الأطراف المتنازعة، وإمكانية حدوث تدخل عسكري وشيك وتضارب مصالح الدول الكبرى، دفعنا للبحث في مدى قوة وتأثير الدبلوماسية الدينية في حل أزمة النيجر.

أجرينا حوارا مع الأستاذ الجامعي وأمين عام المجلس الإسلامي الأعلى سابقا بومدين بوزيد، الذي أوضح لنا دور الدبلوماسية الدينية في أزمة النيجر بالإضافة إلى قوتها وتأثيرها في المنطقة.

 هل الدّيبلوماسيّة الدّينية لها دورٌ في حلّ أزمة النيجر وكيف يمكن استغلال ذلك؟

شكراً لـ”سبق برس” على قراءة المشهد السّياسي في النيجر وأزمته-التي قد تطول- من نواح عدّة، ودعنا في البداية نقدم للقارئ تعريفين للدبلوماسية الدّينيّة، الأوّل: “إنها دبلوماسيّة المسَار الثّاني لتحقيق الأهداف السّياسية للدّولة بشأن حلّ النّزاعات والخلافات الحسّاسة، ولتقريب وجهات النّظر التي لا يمكن حلّها في العلن بالطُّرق التقليدية خاصة التي لها جذور دينيّة كخُطوة للتّقارب من أجل السّلام العالمي وإقامة علاقات طبيعية في المستقبل” أما التعريف الثاني:”هي مسَار من مسَارات التّفاوض تستهدف حلّ النّزاعات أو منْع حدوثه من أجل بناء سلام ديني عالمي، يتمّ عبر الجمَع بين القادَة الرّوحيين والسّاسة داخل آلية المسَار الثّاني للمفاوضات باستخدام المدخل النّفسي لدحض الأصُولية في الأديان الثّلاثة والتّباحث حول القضايا الحسّاسة محل النّزاع بهدف التّوصل إلى مشترك عبر تقارب الأديان السّماوية الثلاثة أو ما يُسمّى الدّيانات الإبراهيمية”.

إذن هي مسار مُكمّل وإذا تعارض مع مسارات أخرى فقد تكون صعوبات، ولكن قد يكون موقفه الحيادي أو الرافض للحلول السياسية الراديكالية يصبّ في خواتم نجاحه ويُسهّل عملية التفاوض مثل موقف شيوخ نيجيريا تجاه العقوبات ضد النيجر والتدخل العسكري، إنّ حيادية الهيئات الدينية والقيادات الروحية وعدم تورطهم في المواقف السياسية المتحيّزة يمكن أن يجعل منهم سفراء سلام ووحدة وحلّ للأزمات.

إنّ المُشتركات التاريخية والثقافية بين نيجريا والنيجر، وبين الجزائر ومالي يجعل من هذين البلدين قوّة فاعلة في إنهاء الأزمة النيجيرية، وهنا يكون على شيوخ الدين استغلال هذه الروابط اللغوية والدينية والثقافية في مفاوضات وساطة، فالانتماء إلى قبيلة “الهوسا” الممتدة في إفريقيا يمكن أن يكون الانتماء إليها والاعتزاز بها عامل استقرار وسلم وحلّ النزعات، وهذا يستدعي رؤية إستراتيجية تستغلها الحكومات الإفريقية في مستقبل بلدانهم، وقد لاحظنا كيف أن “الجماعات القتالية” من بين أسباب انتشارها استغلال الظروف الاقتصادية المتدهورة والصراعات على الماء والكلأ في مناطق الرعي وإحياء النعرات القبلية-العرقية، وهي أسباب تكون مداخل للأزمات وقابلية استمرار الحروب وعد الاستقرار ولكن باجتهاد سياسي ورؤية جديدة يمكن تحويل ذلك إلى إيجابية وعنصر أساسي في التنمية والتلاحم الإفريقي ووحدة هذه الشعوب وتجاوز مخلفات الحِقبة الكولونيالية.

كنت أودّ لو تحركت الهيئات الدينية السنغالية كذلك بما تملكه من قوّة تأثير في إفريقيا فمراجع التّيجانية والقادرية لها هيبتها واحترامها، وقد نجح بعضهم سابقاً في التّقريب بين دولة السنغال ودول إفريقية وإسلامية كانت العلاقة بينهم متوترة وتعرف اضطرابات (مثال السّودان والسّينغال سابقاً).

نتائج الزيارات التي يقوم بها بعض المشايخ إلى نيامي تفتح الأمل لكن سرعان ما يعود الأمل ضعيفاً في النجاح لأن السياقات الدولية وتدخل دول كبرى في أزمة النيجر يُصعّب من المهمة الديبلوماسية التقليدية والدينية، كما أن الغضب من فرنسا والعداء لمصالحها وقهر نفوذها في إفريقيا يجعل من بعض الحكومات الرسمية الإفريقية تخاف من مستقبلها وتعمل جهدها على إفشال أي مسعى يجعل من الانقلابيين في النيجر ينجحون في البقاء في السلطة، وهكذا سيتعقّد الموقف أكثر في الأشهر القادمة.

كيف يمكن للجزائر استغلال الدبلوماسية الدينية لوضع حد لهذه الأزمة ؟

هناك تحركات مشيخية دينية جزائرية، لكن بعض هؤلاء الشيوخ يُفضلون العمل بعيداً عن الإعلام وهذه مسألة إيجابية في نظري ومن عوامل النجاح الدبلوماسي، وأتصور أن الجزائر لها إمكانات دبلوماسية دينية إذا استطعنا أن نرسم رؤية إستراتيجية مستقبلية ونُثمن الطابع المدني والمستقبل لبعض الطرق الصوفية ومشايخها، وتركناهم يشتغلون ويجتهدون وفق أجندة وطنية ودولية، كما أن الاهتمام الأخير بالشأن الإفريقي وإحياء الروابط التاريخية والثقافية والدينية مسعى مهم ويصبّ في رؤية جديدة مثل ترسيم مواسم سنوية للمغيلي والتيجاني، وإذاعة إفريقيا Fm، بانتظار ظهور المركز الإفريقي للأبحاث، وهنا نحتاج إلى الانتباه إلى فخ الاهتمام بالبلدان الفرنكوفونية الإفريقية فقط، وكأن إفريقيا هي ساحلها وبعض دول غربها، كما أن على الدبلوماسية والرؤية السياسية أن تكون أكثر إستراتيجية وتتجاوز الرؤية الأمنية المحدودة بزمن وسياق تاريخي قد ينتهي أو تظهر أزمات أمنية تختلف عن سابقاتها، من هنا أدعو إلى “رؤية ديبلوماسية  أكثر فعالية متحررة من رؤى غير فعّالة في الجزائر”.

تتميّز العلاقة الجزائرية مع بلدان القارة التي تنتمي إليها أنّها تحرّرية وذات طابع إنساني وديني منذ الفتح الإسلامي إلى اليوم، كما أنّ الثورة التحريرية ودولة الاستقلال جدّدت هذه المُصَاهرة الرمزية والتاريخية والاقتصادية مع إفريقيا وبالخصوص الغرب الإفريقي، فهذه المصاهرة امتدادٌ وإحياءٌ لهذا التّاريخ العَريق الذي عرف تموجّات وانقطاعات ومراحل قوّة وضعف، وقد كانت القوافل الأولى تجارية ودينية حملَت معها روح الإسلام وقِيمِه إلى إفريقيا، فكان الانتشار للإسلام تدريجياً ولم يتصادَم دموياً مع السّكان الأصليين بل حافظ على بعض عاداتهم وتقاليدهم إلى اليوم.

ولذلك اسمح لي أن أكرر هنا بعض التوصيات التي تضمنتها محاضرة لي قدمتها منذ سنة تقريباً أمام نواب المجلس الوطني الشعبي، ومن بين هذه التوصيات:

إعادة ترسيم “مؤتمر الجزائر للفكر الإسلامي” وإسناده إلى جامع الجزائر، ليكون مؤسّسة فكرية وعلمية ودبلوماسية، تبرز دور الجزائر الحضاري، كما يساهم في الحث على الاجتهاد ونشر الوسطية والاعتدال ودعوة للتعايش الحضاري وحوار الأديان والسلم العالمي، ويكون من الفضاءات الاستراتيجية للدولة الجزائرية في دبلوماسيتها الدينية والرد في نفس الوقت على الإسلاموفوبيا والاهتمام بقضايا الجاليات المسلمة في الخارج.

وإعادة رسم وتنشيط “الخريطة الروحية” وذلك بإحياء قوافل المواسم والرحلات من الجزائر وإلى البلدان الأفريقية، فمثلا من توات إلى النيجر ومالي وتشاد والسنغال ونيجيريا ثم العودة من هذه البلدان إلى توات (المشيخة القادرية –الكنتية) ونصطلح على تسميتها بـ”طريق المغيلي – الكنتي-الفودي”، ومن عين ماضي (الأغواط) إلى معظم البلدان الأفريقية (التيجانية) بـ”طريق التيجاني-عمر الفوتي”، وهكذا بقية المشيخات الصوفية، وتشترك في وضع “الخريطة الروحية” الزوايا العاملة التي لها الامتداد الإفريقي والوزرات والهيئات الرسمية والمخابر والمراكز العلمية، ويكون للبعد الديني والثقافي والسياحي والدبلوماسي الحضور.

واعتماد ملاحق في السفارات الجزائرية تعني بتطوير وتفعيل “المشيخة الرّوحية الجزائرية”، وتأسيس مراكز بحث ومؤسسات مدنية في هذه البلدان الأفريقية بالشراكة مع الجزائر، وتأهيل “المشيخة الجديدة” بأساليب عصرية كقيادات روحية ومدنية لها فاعليتها في هذه المجتمعات، طبعاً إلى جانب العمل الخيري ولو أنه محدود جداً في النيجر ومالي والسينغال، وتأسيس مركز بحث غير حكومي يعنى بالدراسات الدينية الإفريقية–كما قلت سابقاً-.

كيف ترون مستقبل النّيجر ودور الوساطة الدينية ؟

هناك تحركات من مشايخ دينيين سواء على المستوى الرسمي مع العسكريين في النيجر أو مع مؤثرين دينيين في النيجر، لكن كما قلت النيجر مساحة فضحت لنا النفوذ لبعض القوى الدولية في إفريقيا ونهب ثرواتها، كما أن الأزمة النيجيرية للأسف ستكون عامل بروز تحالفات وتكتلات إفريقية متصارعة مما سيُضعف المنطقة أمام الجماعات القتالية والصراع العرقي، والأمل كبير في أن تتضافر جهود الجزائر على كل المستويات مع دول إفريقية أخرى مثل نيجريا من أجل حلّ سياسي واستقرار النيجر والمنطقة، وأن العقوبات الاقتصادية هي تجويع للشعب النيجيري والمجاورة، فقد تكون العقوبات أكثر في النتائج السلبية والتدهور من الحرب والتدخل العسكري، للأسف أحياناً قد يكون الإخفاق الدبلوماسي التقليدي والديني بسبب المعالجة غير الصائبة، أو عدم استغلال الوقت ومثال ليبيا ليس ببعيد إذ التبعية للخارج والهيمنة لبعض الأطراف الخارجية وعدم التحرك مبكراً والمعالجة غير السليمة وعدم تفعيل دبلوماسية دينية جعل ليبيا إلى اليوم في مأزق سياسي.

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

احمد زياني

المقربون اولى

على شيوخ الدين الجزائريين الاهتمام الولا بقضايا الشعب الجزائري المغبون والمقهور والمغلوب على أمره ، من خلال أيديهم لسياسة قصر المرادية والثكنات العسكرية.عليهم أن يغيروا المنكر داخل الجزائر اولا واخيرا.