اولا سيتعين الاعتراف بان التساؤل حول صحة رئيس الدولة ليس دليل خيانة و لا هو جريمة يعاقب عليها القانون خاصة عندما تغيب المعلومة و يسود التعتيم و تتفاقم الاخبار المضللة و يتحول الفايسبوك الى مصدر لتغذية الشائعات ..نقول هذا الكلام بعد ظهور رئيس الجمهورية قيس سعيد بعد غياب استمر احد عشر يوما عن أي نشاط رسمي او زيارات ميدانية او لقاءات حكومية لوضع حد لكل التاويلات و القراءات التي ذهبت بعيدا في قراءة ما حدث من شغور…الحقيقة التي سيتعين ايضا الاقرار بها ان الراي العام كان على درجة من الرقي و الوعي والانضباط ولم يسمح لنفسه بالانسياق وراء مختلف الاشاعات و هو ما يدفعنا بالضرورة الى الاقرار ايضا بان غياب المعلومة و سياسة الصمت المريب و التعاطي مع الراي العام كرعايا لا كمواطنين في بلد يفترض أنه عرف ثورة غير مسبوقة في المنطقة العربية و اختار القطع مع ثقافة القطيع و انتصر للحريات و لحرية الفكر و التعبير و استقلالية السلطة الرابعة و اسقط كل ممارسات التهميش ..
الشيء الوحيد الذي يجب أن نخاف منه هو الخوف”..، العبارة هي للرئيس الثاني والثلاثين للولايات المتحدة فرانكلين ديلاو روزفلت، ويوصف أيضا بالأسد القعيد وهو الرجل القوي أو رجل الأزمات الذي حكم أمريكا وهو على كرسي متحرك وسيكون الوحيد الذي حظي بأربع ولايات رئاسية دون غيره من الرؤساء الذين سبقوه أو جاؤوا من بعده..، حكاية مرض الرئيس الأمريكي الذي أصيب بشلل الأطفال وهو في سن متقدمة جعلته رئيسا استثنائيا وشخصية محورية في الأحداث العالمية قاد بلاده خلال أسوإ أزمة اقتصادية في بلاده بين الحربين وساهم في إنقاذ أوروبا..،لم يكن للإعلام دور نافذ في الأحداث كما هو اليوم زمن الرئيس روزفلت ولكن يعرف عنه أنه جعل له علاقات متينة مع رجال الإعلام وهي العلاقة التي ستضمن له عدم الظهور أمام الرأي العام على الكرسي المتحرك حتى انه لم يظهر كذلك إلا في مناسبتين وقد جعل من الراديو سلاحه ووسيلته لتوجيه رسائله إلى الأمريكيين خاصة في الجنوب الفقير..، لسنا في إطار البحث عن انجازات أو سياسات الرئيس الأمريكي روزفلت الذي يوصف برجل كل الأزمات في النصف الأول من القرن العشرين ولكن الحديث عن أحد أهم الرؤساء الأمريكيين مرده في الحقيقة سؤال قديم جديد يتعلق بحق المواطن من عدمه في الاطلاع على الحالة الصحية لرئيسه او من يحكمه وما اذا ينبغي ان تكون هذه المسائل قيد السرية المطلقة والتابوهات التي لا يتعين على العامة الاطلاع عليها أو ما اذا كان الامر مسألة يتعين طرحها على العامة وتجنب التعتيم من حولها باعتبار ان المعني شخصية عامة ولا مجال للتستر بشأنها..كان روزفلت رئيسا جالسا يحكم امريكا من خلف مكتبه وقلة من الأمريكيين كانوا يعرفون حكاية المرض الذي ألم به والذي ولئن لم يمنعه من الفوز باربع ولايات رئاسية فان الموت سيغيبه بعد ثلاثة أشهر من ولايته الرابعة والأخيرة ..
الواقع أيضا أن مرض الرؤساء لم يكن بالأمر الغائب عن الاهتمامات منذ أقدم العصور من نيرون وكالغولا إلى العصر الحديث مع تشرشل وروزفلت وبومبيدو وميتران وحتى الرؤساء العرب من الأسد ومبارك وبورقيبة وبن علي إلى بوتفليقة الذي أنهى أيامه الأخيرة على كرسي متحرك بعد أن أقعده المرض وأجج الشارع الجزائري الذي وقف دون ترشحه لولاية جديدة بعد أن بلغ حالة من الانهيار والضعف والوهن وتحول إلى عبء على بلاده..ولكل من هؤلاء حكايته مع السلطة ومع المرض وربما تعرض الكثيرون إلى محاولات لإبعادهم عن الحكم خلال المرض كما حدث مع الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد الذي وجد نفسه أمام محاولة شقيقه رفعت الأسد الانقلاب عليه خلال غيابه بسبب المرض في سبعينات القرن الماضي فكان ان قطع غيابه وعاد إلى الظهور أمام الرأي العام.. وقد تعددت الكتب والعناوين التي بحثت في هذه المسألة بين مؤيد ومعارض للتعاطي بشفافية مع صحة الحاكم وربما يبقى العنوان الأشهر ces malades qui nous gouvernent pierre accorce et pierre retchnick..وبعيدا عن الانسياق وراء التفاصيل التاريخية فان المنطق ولغة العقل تفترض أنه لا حرج إطلاقا من الإصابة بالمرض وأن الإنسان آيا كان موقعه أو منصبه ليس محصنا من الأمراض والسلطة لا تقي صاحبها ولا تمنع تسلل المرض إليه فالسلطة مسؤولية ثقيلة منهكة للجسد وللفكر وللنفسية ومن حق من يتحمل السلطة أن يحظى بالراحة وان ينسحب لفترة محددة من الحياة اليومية ومن الظهور الإعلامي ليستعيد أنفاسه وهذا ما يفترض أن يكون في عالم تحكمه التكنولوجيا الحديثة وعالم مترابط وخاضع لسلطة المعلومة العابرة للحدود والقارات…
من هذا المنطلق وبالنظر إلى كل الأمثلة التي يمكن التوقف عندها مطولا فقد كان أحرى ونحن نعيش على وقع الإشاعات التي تنخر حياتنا حول أسباب عدم ظهور رئيس الجمهورية على مدى الأيام العشرة الماضية وهو الذي عود التونسيين على الخطابات اليومية عبر الفايسبوك وعلى الزيارات الفجئية واللقاءات الميدانية مع أعضاء الحكومة إنارة الرأي العام وسحب البساط أمام كل محاولات الصيد في الماء العكر وفتح المجال أمام القاصي والداني لاستعراض ما تفتقت عليه مخيلاتهم من سيناريوهات كان أحرى التحلي ببعض من الرجاحة المفقودة وإصدار بيان يطمئن الرأي العام حول أسباب هذا لغياب المثير للتساؤلات.. سبق واشرنا في أكثر من مناسبة أننا أمام أزمة تواصل وان صمت القصور ينسحب على القصرين من قرطاج إلى القصبة وإننا إزاء حكومة لا تتكلم وإزاء مؤسسة رئاسية دون ناطق رسمي وهو خطأ استراتيجي منذ البداية وستكون له تداعياته وانعكاساته الثقيلة التي نراها اليوم ماثلة أمامنا .. و قد وجب الاعتراف بان التساؤل حول صحة رئيس الدولة ليس دليل خيانة و لا هو جريمة يعاقب عليها القانون خاصة عندما تغيب المعلومة و يسود التعتيم و تتفاقم الاخبار المضللة و يتحول الفايسبوك الى مصدر لتغذية الشائعات ..نقول هذا الكلام بعد ظهور رئيس الجمهورية قيس سعيد بعد غياب استمر احد عشر يوما عن أي نشاط رسمي او زيارات ميدانية او لقاءات حكومية لوضع حد لكل التاويلات و القراءات التي ذهبت بعيدا في قراءة ما حدث من شغور…
الحقيقة التي سيتعين ايضا الاقرار بها ان الراي العام كان على درجة من الرقي و الوعي والانضباط ولم يسمح لنفسه بالانسياق وراء مختلف الاشاعات و هو ما يدفعنا بالضرورة الى الاقرار ايضا بان غياب المعلومة و سياسة الصمت المريب و التعاطي مع الراي العام كرعايا لا كمواطنين في بلد يفترض أنه عرف ثورة غير مسبوقة في المنطقة العربية و اختار القطع مع ثقافة القطيع و انتصر للحريات و لحرية الفكر و التعبير و استقلالية السلطة الرابعة و اسقط كل ممارسات التهميش ..
اسيا العتروس
تعليقات الزوار
لا تعليقات