أثار مشروع قانون الإعلام في الجزائر عدة نقاشات كانت قبل أكثر من ثلاث سنوات تراوح مكانها، أبرزها تتعلّق بشروط ممارسة المهنة في البلاد، وحيازة الممارسين في "مهنة المتاعب" على شهادات جامعية، وهو ما يحيل بعض المؤسسات والمراكز التدريبية وتكوين الصحافيين، ممن لا تُلزم مدربيها بحصولهم على شهادة جامعية إلى طائلة القانون، فهل سيقضي هذا المشروع على مقولة أن "الصحافة مهنة من لا مهنة له"؟
في قراءة أولية لبعض النقاط اللافتة في مشروع قانون الإعلام في الجزائر، يتبين أن الخطوط الكبرى تهتم بالتنظيم الشكلي لمجال قطاع الصحافة المكتوبة في الجزائر والصحافة الإلكترونية، وخصوصًا منها المحامل الإلكترونية (التي تستثمر في الإنترنت) سواءً مكتوبة أو إذاعية وتلفزيونية، بينما يهتم جزء منها بالجانب النوعي أو المضمون والمحتويات التي تبثها وتنشرها هذه الوسائل، خصوصًا مع انتشار المواقع الإلكترونية الإخبارية، فضلًا عن عدة محاذير تلزم المهنيين في ممارستهم للمهنة.
أغلب النقاط التي تضمنها المشروع، يأتي لضبط الفضاء الإعلامي، خاصّة ونحن في فضاء افتراضي يصعب كثيرًا التحكّم في مضامينه والتتحقّق من مصادره، ولا معرفة طريقة استناده إلى أخلاقيات المهنة التي ظلت بين شد وجذب خصوصًا في القضايا الحساسة.
نقطة في مشروع
تشير المسودة الأولى من المشروع، إلى قانون جديد يستهدف "هيكلة وتنظيم قطاع السمعي البصري، ويحدد الشروط اللازمة لمنح الاعتمادات لإنشاء القنوات التلفزيونية والإذاعات وكذا القنوات على مستوى الفضاء الافتراضي، كما يشترط على ملاّك الوسائل الإعلامي أن يكونوا حاملين للجنسية الجزائرية، مع حظر أي نوع من الأغلفة المالية الأجنبية.
في هذا الإطار دائمًا، يحظر القانون الجديد على الرعايا الأجانب أو الجزائريين الحاصلين على الجنسية المزدوجة، إنشاء قنوات ومؤسّسات إعلامية، حيث يتشرط القانون إثبات حيازة مدير المؤسسة الإعلامية وجميع المساهمين أو الشركاء، الجنسية الجزائرية فقط، وإثبات تمتع مدير خدمة الاتصال السمعي البصري بخبرة فعلية في مجال الإعلام لا تقل عن خمس سنوات، وحيازته شهادة في التعليم العالي، وعلاوة على ما سبق يستوجب أن يكون سجله القضائي خالٍ من أي حكم بسبب قضايا فساد أو أفعال مخلة بالشرف، أو سلوك معاد لثورة أول نوفمبر 1954.
يشير مهنيون في قطاع الإعلام، إلى أن حيازة الشهادة الجامعية هو شرط ضروري كان يُعتمد دائمًا في السابق، ولكن كثيرًا ما لجأت بعض المؤسّسات الإعلامية إلى توظيف أشخاص خارج التخصص فقط لأجل ملء الفراغ، هنا، يشير الإعلامي فريد رحماني وهو ممارس منذ 17 سنة في عدد من المؤسسات الإعلامية كمراسل من ولاية وهران ثم مستغانم، إلى أن المهنة لا تتطلب شهادة جامعية فقط بل مهارات وتمكّن من رصد الأخبار ومعالجتها.
في هذا السياق، يُلفت رحماني في حديث إلى أن الشهادة الجامعية تحمي الصحافيين والمراسلين من فخاخ عديدة أهمها؛ عدم فهم المعلومة والقدرة على تحويلها على مادة قابلة للنشر، موضحًا أن دراسة الإعلام في الجامعات يغني المهني عن الوقوع أيضًا في زلات الأنباء المغلوطة والأخبار الزائفة والتضليل أيضًا، على حذ قوله.
ومن ناحية أهمية الشهادة الجامعية في ممارسة الإعلام، يؤكد متابعون أن بعض المراكز التدريبية الخاصّة، باتت تقوم بتكوين كثيرين على الكتابة الصحافية والتقديم التلفزيوني ليتخرجوا بعد مدة قصيرة تتراوح بين ثلاثة أيام إلى ثلاثة أشهر، تنتهي بحصولهم على شهادات غير معترف بها بناء على القانون المنتظر المصادقة عليه، وهو ما يعني أنها شهادات "دون فائدة"، بحسب تصريح كريمة آيت حمي،وهي صحفية سابقة في الصحيفة الناطقة بالفرنسية " لاتريبون" الموقفة عن الصدور.
شهادة بوجهين
وأضافت آيت حمي في تصريح صحفي، أن هذه المشاريع أو القوانين وجب أن تُدرس بطريقة عميقة جدًا، خصوصًا وأن مهنة الصحافة لا تحتاج شهادة جامعية في الإعلام وفقط، لكنها في آن واحد تستحق أن يكون "متعوبًا عليها في الدراسات العليا في تخصصات أخرى".
وفي قراءتها لمشروع هذا القانون، ترى المتحدثة أن الأمر لا يعدو أن يكون قانونًا واضحًا، مستشهدة بمراكز "باتت اليوم تلعب دورًا ليس من مهامها في تخريج العشرات من الطلبة متحصلين على شهادات صحفي، تحت إغراء الصوت والصورة والشهادة والحصول عليها في مدة قصيرة جدًا، وبثمن مدفوع".
على عكس ما تناوله البعض، فإن شغف المهنة وجب أن يكون مفتوحًا على المؤسسات الإعلامية لتقدير قيمة المهنيين والموظفين والصحافيين، إذ طالب البعض أن يعيد القانون النظر في كيفية تقييم الصحافيين من حيث الأجور التي تقابل نوع الشهادة.
هنا، تطرح أستاذة الإعلام بجامعة الجزائر كريمة سلحاني أن المهنة شيء والشهادة شيء آخر في زمن السوشيال ميديا، موضّحةأن القانون وجب أن يشير إلى المهن المواكبة للمهنة زمن الفضاء الافتراضي وتعلقها بحد المهارات المفتوح وأيضًا وجب تحديد من هو الصحافي وماهي الخبرة المطلوبة، وهل هي بعدد السنوات أو بعدد المهمات أو بقيمة وجود الصحافي في تلك المؤسسة؟
ولعل ما يسير في تناسق مع ما ذكرته أستاذة الإعلام، طرحه كثير من المهتمين بالمجال الإعلامي، في شكل سؤال يتعلق بدور مراكز التكوين والتدريب الإعلامي؟ وهل سينحصر عملها بعد اليوم في رسكلة الجامعيين من المتخرجين حديثًا من كليات الإعلام والصحافة وفقط؟
نقاط تفتح العديد من الزوايا في مجال " تنظيف الإعلام من الدخلاء " كما وصفها الأستاذ كريم بن عبد الدائم، مشيرًا إلى أنه أجرى دراسة بحثية أكاديمية غير منشورة حول الإعلام الجزائري خلال عشر سنوات الأخيرة، أو ما عنونها بـ"إعلام ما بعد الحراك العربي، النّموذج الجزائري ".
الشغف أو الشهادة؟
ولم يغفل الأستاذ بن عبد الدائم، الباحث في سلك الدكتوراه-تخصص إعلام إلكتروني، من طرح مسألة قدرة البعض على العمل في مجال الصحافة من باب" الشغف المهني وحب هذا المجال"، لكن في المقابل فإن هذه المهنة "شائكة خاصة في زمن يمكن فيه التلاعب بالمعلومات والتضليل والتزييف والإساءة للغير وابتذال المواضيع وعدم الالتزام بمدونات أخلاقيات المهنة".
وأشار هنا في هذا المضمار إلى بعض المراكز تدرب الطلبة على كيفية كتابة الأخبار أو على مخارج الحروف والصوت دون التزام بتكوين حقيقي للمتدربين، خاصة وأن الإعلام حقل من حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية التي تتداخل فيها مختلف التخصّصات "حيث يحتاج المتدربون في هذه المراكز، إلى أرض معرفية صلبة وليس رمال متحركة مدتها ثلاثة أيام أو أسبوع أو شهر وانتهى الموضوع".
من جهتهم، يعتبر البعض أن مشروع الإعلام من حيث المدونة الأخلاقية والقانونية يحتاج إلى عدة مسائل وجب الحفاظ عليها وهي: مدونة السلوك والأخلاق التي يستوجب على المؤسسات الجديدة أن تلتزم بها، إذ كشف البعض أن بعض المؤسسات التي ولدت من رحم الحراك الشعبي، باتت إمام ملكية عائلية أو مؤسسة مسؤول النشر والناشر وهو نفسه المحرر".
"جزأرة" المؤسسات الإعلامية
وأضاف الأكاديمي عبد الدائم، أن مشروع قانون الإعلام يشترط إثبات مصدر الأموال المستثمرة أمام السلطة الوطنية المستقلة لضبط السمعي البصري، ويكون ضمن المساهمين أو الشركاء صحافيون محترفون"، وبخلاف القانون السابق الذي صدر في نيسان/أفريل 2016، وتعطل تطبيقه، فإن وزير الاتصال، هو الجهة التي تتولى منح رخصة إنشاء القنوات والإذاعات أو خدمة واب تلفزيون أو واب إذاعة، ويشدد القانون على أن أي نشاط في مجال الاتصال السمعي البصري عن طريق الإنترنت، يجب أن تتم عبر موقع إلكتروني موطّن حصريًا ماديًا ومنطقيًا بالجزائر بامتداد اسم النطاق "دي زد"، على حدّ قوله.
ومن حيث المضامين الإعلامية، يحظر القانون الجزائري على المؤسسات الاعلامية، والقنوات والإذاعات خاصة، بث مضامين تشيد بالعنف أو التحريض على الكراهية والتمييز العنصري والإرهاب، وعدم إلحاق الضرر بحقوق الطفل، وتقديم عروض كاذبة من شأنها تضليل المستهلك، ويشدّد على ضرورة الامتناع عن توظيف الدين لأغراض حزبية وأو لغايات منافية لقيم السالم والتسامح، وعدم خدمة مجموعات مصلحية سواءً كانت سياسية أو عرقية أو اقتصادية أو مالية أو دينية أو إيديولوجية.
وفي شقه المادي المهني أيضًا، فالمحتويات الإعلامية التي تنشرها وتبثها هذه الوسائل، وجب أن تكون البرامج منها:" نسبة 61 % على الأقل، برامج وطنية منتجة في الجزائر، من بينها نسبة 51 % على الأقل مخصصة سنوياً لبث المصنفات السمعية البصرية والسينماتوغرافية، وأن تكون نسبة البرامج الأجنبية المستوردة المدبلجة باللغتين الوطنيتين بنسبة 51 % على الأكثر، وأن تكون نسبة 51 % على الأقل من البرامج الناطقة باللغات الأجنبية في نسخها الأصلية والمتعلقة بالأعمال الوثائقية وأعمال الخيال معنونة في الأسفل من النصوص المصورة المبثوثة.
وبخصوص الرقابة على المضامين، يمنح القانون للسلطة الوطنية المستقلة لضبط السمعي البصري، والتي تتكون من تسعة أعضاء بما فيهم الرئيس يعينهم رئيس الجمهورية، صلاحية السهر على حرية ممارسة النشاط السمعي البصري، وعلى احترام مطابقة أي برنامج سمعي بصري للقوانين الخاصة بالجزائر، كما تهتم السلطة بتوجيه الإعذارات وتسليط العقوبات المالية على القنوات والإذاعات في حال اخلالها بالقانون.
وفي المهمة نفسها، يسمح القانون لهذه السلطة "بموجب مقرر معلل قانونًا إما بالتعليق الكلي وإما بالتعليق الجزئي لبث البرنامج "، كما أعطي لها الضوء الأخضر لـ"إخطار الجهة القضائية المختصة لسحب الرخصة دون توجيه إعذار، لاسيما في حالات الإخلال بالمقتضيات المفروضة في مجال الدفاع والأمن الوطنيين والنظام العام والآداب العامة، أو ممارسة الابتزاز بأّي شكل من الأشكال، أو القيام بمساومات الأغراض غير مشروعة".
كثيرة هي النقاط التي سيتم عرضها على البرلمان في إطار مشروع قانون الإعلام، خاصة في مجال مصادر التمويل وتوطين القنوات الإعلامية، فهل سيحافظ هذ المشروع على المكاسب التي حققها الصحافيون في وقت سابق، أم أنه سيشرّع عقوبات أخرى على الصحافيين الجزائريين.
تعليقات الزوار
لا تعليقات