كانت قمة الخضوع قدمت خلالها الجزائر كل التنازلات الممكنة و غير الممكنة، لأجل عقدها في التاريخ الذي يرى فيه قصر المرادية موعدا لا يمكن تجاوزه، الفاتح من نوفمبر الخالد...، لكن التنازلات التي قبلت الجزائر الحديثة بها جعلت القمة بدون طعم و بدون لون و من غير شكل سياسي و دبلوماسي، بل كشفت مدى هشاشة الموقف الجزائري و شعارات نصرة فلسطين ظالمة أو مظلومة...، و مدى سهولة انقلاب هذا النظام الجزائري على مبادئه الكبيرة و التي لا يتوقف الإعلام الرسمي في البلاد عن الترويج لها كخيار حياة أو موت...

ذلك أن السفيرة الأمريكية نشرت على صفحتها الرسمية صورة جمعتها من داخل قاعة الاجتماعات الرسمية للقمة، مع الدبلوماسي الأول في الجزائر "رمطان لعمامرة" ، لم تنشرها الخارجية الجزائرية و لا الرئاسة في قصر المرادية، و لم يعلن أي موقع رسمي أن السفيرة الأمريكية رفقة ضيفة وازنة  زارتا مقر القمة و وصلا إلى أبعد نقطة حيث ستعقد الاجتماعات المغلقة، و كانت الضيفة التي رافقتها هي نفسها وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشرق الأوسط "يارل ليمبرت"، اليهودية التي تشتغل داخل السلك الدبلوماسي الأمريكي بالسفارة الأمريكية بالقدس العربية المحتلة.

و لكم أن تقرؤوا حجم الرسائل التي أرادت الولايات المتحدة الأمريكية إيصالها إلى تل أبيب عبر سفيرتها بالجزائر، التي هي في الأصل مسؤولة سابقة في المخابرات الأمريكية، و تلك الرسائل عنوانها  الأبرز:"الجزائر تحت السيطرة" دبلوماسيا و سياسيا و مخابراتيا، و وجود "رمطان لعمامرة" رفقة "يارل ليمبرت"  داخل القاعة الرسمية الفارغة تماما، له تفسير واحد، أن مجريات الحوارات المغلقة وصلت إلى واشنطن و تل أبيب تعبيرا من الجزائر عن حسن نواياها، خوفا من العقوبات الأمريكية و من تهمة معاداة السامية، و أن لا تفسير لتواجدهما هناك عدا اختراق اجتماعات القمة، خصوصا و أن الجزائر دائما ما تعلن معاداتها لإسرائيل و نصرتها لفلسطين ظالمة أو مظلومة ، عطفا على الشعارات التي يرفعها في كل مناسبة قصر المرادية، و هي المبررات التي يسوقها لتبرير قطيعته الدبلوماسية مع المغرب على خلفية عملية التطبيع لهذا الأخير.

الصورة لم تعلق عليها الدبلوماسية الجزائرية، و كانت أهم الأحداث الهامشية التي حصلت خلال القمة، و حاول الإعلام الجزائري الهروب بعيدا عنها، خصوصا و أن موعد عقد اجتماعات القمة لم يصادف اعتباطا تصريحات الرئيس الأمريكي "بايدن" الذي قال خلال لقائه بالرئيس الإسرائيلي، "يتسحاق هرتسوغ"، الذي حل بواشنطن من أجل مناقشة ما قد تسفر عنه مخرجات "قمة لم الشمل" العربية تزكي العداء العربي لإسرائيل:"أقول للمرة الخمسة آلاف... لو لم تكن هناك إسرائيل لأوجدناها"، في رسالة واضحة إلى شعار القمة التي أرادت الجزائر تبنيه و الترويج له كمقدمة حدوث وفاق عربي ضد الوجود الإسرائيلي بالمنطقة...

لكن القمة لم تخلوا من مواقف طريفة بين القادة العرب و الرئيس الجزائري "عبد المجيد تبون"، حيث ظهر جليا من بدء عمليات الاستقبال الرسمي للوفود ظهور حالات الانتقام البروتوكيلي و الإهانات الرمزية، إذ إستقبل "تبون" نظيره من جزر القمر "غزالي عثماني" بنظارات سوداء، و لم يزلها لحظة السلام عليه أسفل الطائرة، و في لغة البروتوكول هذا تنقيص من قيمة الضيف و الذي يعارض الجزائر داخل الإتحاد الإفريقي و يدعم المغرب في كل مواقفه بخصوص قضية الصحراء  و له قنصلية بمدينة العيون.

و عند استقبال الرئيس الجزائري للرئيس المصري ، شاهدنا حصول الإهانة بشكل عكسي، حيث نزل الرئيس المصري من الطائرة بنظاراته الشمسية، فيما كان الرئيس الجزائري ينتظره أسفل الطائرة بدون نظارات شمسية سوداء، و حاول "تبون" المبالغة في الود و الترحيب و الضيافة، لكن "السيسي" الذي حضر من أجل لقاء الفرقاء الليبيين فقط لم يُزل نظاراته السوداء و تعمد الاحتفاظ بها، مما اضطر الرئيس الجزائري لطلب منحه نظارات شمسية سوداء، و التي كان يحملها أحد حراسه احتياطا لمواجهة مثل هذه المواقف...، و ذلك ما حدث إذ ارتدى الرئيس الجزائري نظاراته الشمسية و قلل من حواره الودي مع الرئيس "السيسي" إلى أن أنهى الاستقبال الرسمي.

طرائف البروتوكول وصراع الإهانات لم يتوقف في المطار، بل امتد إلى مدخل المركز الدولي للمطارات "عبد اللطيف رحال"، حيث حصل اللقاء التاريخي و المصافحة الأسطورية بين الرئيس الجزائري "تبون "و وزير خارجية  العدو المغربي، "ناصر بوريطة"، إذ تناقلت عدسات الكاميرات صور الابتسامات الدبلوماسية بينهما و عبارات الترحاب و الامتنان و كيف ربت "تبون" على يد "بوريطة" في آخر المصافحة...، لكن مع انتهاء المصافحة و بعد أقل من ثانيتين  من انسحاب "بوريطة"  بعد تبادل التحية رمقه "تبون" من الخلف بنظرة شزراء  و تصرف  بنوع من الشعبوية  حيث قام بتعويج فمه في حركة جد بذيئة  تعبر عن امتعاضه من المقابلة.

لا يمكننا كرأي عام التعليق على ذلك المشهد الذي لم ينتبه إليه أحد من الملاحظين، لأنها حركة تعكس أخلاق صاحبها، و أن الأعراف الدبلوماسية تسطر مقاييس و حدودا للباقة و اللياقة لا يمكن النزول عن مستواها حتى لا تنزلق الأمور...، لكن ما أثار الإعلام العربي هو مشاركة قائد الجيش الجزائري في القمة العربية، حيث تساءل العديد من الخبراء الدبلوماسيين و العسكريين عن سبب تواجد "سعيد شنقريحة" ضمن الوفود المشاركة، و أن القمة هي للقادة السياسيين و ليست تمرينا عسكريا و لا ندوة تسليح و لا معرضا للتكنولوجيا الحربية، و أن التفسير الوحيد لتواجده هناك، هو كونه الحاكم الفعلي للجزائر و أنه لا يثق في الرئيس الجزائري و يقف بقدميه على تفاصيل ما يجري حتى لا تفوته أي شاردة أو واردة.

و في ختام المقال لا يفوتنا أن نشير إلى احتفالات الفاتح من نوفمبر، و كيف أن الرئيس "عبد المجيد تبون" جمع كل ضيوف الجزائر في مقر الإقامة، و أطلق لهم الشهب الاصطناعية التي كانت قريبة من الضيوف بما يكفي كي تخيفهم، و أن الاحتفالات كانت جد طريفة لدرجة أن من القادة من سأل الرئيس "تبون" ممازحا إذا ما كانت تلك التفجيرات القوية تمرينا عسكريا بالذخيرة الحية.... ناهيك عن التصرف الطريف لـ "تبون" الذي أصبح "تريند" في وسائل التواصل الاجتماعي عندما نادى بطريقة "البراح" في ضيوفه بأنهم مدعوون للعشاء فورا في فندق "الشيراتون" بسرعة وإن تأخر فلن يتعشى وعليه أن يبحث عن " كاسكروت " أو " ساندويش في باب الواد  .

بن بطوش للجزائر تايمز