أعربت الجزائر عن رفضها لقرار المفوضية الأوروبية فتح إجراء تحكيمي ضدها بشأن ما اعتبرته بروكسل “قيودًا على التجارة والاستثمار”، مؤكدة أن مجلس الشراكة هو الإطار الأمثل لحل الخلافات بين الجانبين.
وفي رسالة وجهها إلى كايا كالاس، الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية ونائبة رئيس المفوضية، أوضح وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف أن بلاده تفاجأت بإنهاء مرحلة المشاورات رغم عقد جلستين فقط خلال أقل من شهرين، في وقت كانت فيه ستة من أصل ثمانية ملفات قيد التسوية، بينما تقدّمت الجزائر بمقترحات عملية بخصوص النقطتين المتبقيتين دون أن تتلقى أي رد رسمي.
وأكد عطاف أن هذا الانقطاع المفاجئ في الحوار لا ينسجم مع الجو الهادئ والبنّاء الذي طبع المشاورات، مشيرًا إلى أن خطوة المفوضية تفتقر للطابع التشاركي، وتتعارض مع روح ونص اتفاق الشراكة، خصوصًا المادتين 92 و100 منه.
كما أعرب الوزير عن أسفه لكون الاتحاد الأوروبي تصرف وكأن مجلس الشراكة – الهيئة المركزية لاتخاذ القرار بموجب الاتفاق – لم يعد قائمًا، رغم أنه لم يُعقد منذ خمس سنوات رغم الطلبات المتكررة من الجزائر. واعتبر أن غياب هذا المجلس حرم الطرفين من الإطار المؤسساتي الضروري لتسوية النزاعات وضمان تطور متوازن للعلاقات الثنائية. ودعا، بصفته رئيسًا لمجلس الشراكة خلال السنة الجارية، إلى عقد دورة له في أقرب الآجال الممكنة لبحث كافة الانشغالات ضمن الإطار القانوني للاتفاق.
وتأتي رسالة عطاف ردا على إعلان المفوضية الأوروبية، إطلاق إجراء تحكيمي ضد الجزائر، بعد أن اعتبرت أن سلسلة الإجراءات التي أقرتها الجزائر منذ 2021 تعرقل أنشطة التجارة والاستثمار الأوروبية، ما يمثل انتهاكًا لاتفاق الشراكة الموقع في 2002 والمُطبق منذ 2005.
وأفادت المفوضية بأنها طلبت رسميا، في 15 تموز/يوليو، تشكيل مجموعة تحكيم للنظر في النزاع، مؤكدة أنها تسعى إلى “إعادة الحقوق للمصدرين الأوروبيين والشركات المتضررة”. كما أشارت إلى أن الجزائر مطالبة بتعيين محكّم خاص بها خلال شهرين، على أن يُعيّن المحكّم الثالث من قبل مجلس الشراكة، ويكون القرار الصادر عن الهيئة التحكيمية ملزمًا للطرفين. وعبّرت بروكسل عن قلقها مما سمّته “عراقيل إضافية تستهدف الشركات الفرنسية”، مؤكدة أنها تتابع الوضع عن كثب.
وترى بروكسل أن هذه “العراقيل” تشمل نظام رخص الاستيراد، والذي وصفته بـ”الحظر الفعلي” لبعض المنتجات، إضافة إلى منع استيراد الرخام والسيراميك، وتحديد سقف لمساهمة الشركاء الأجانب، ومتطلبات إعادة التسجيل، إلى جانب ما تصفه بسياسة شاملة لإحلال الواردات محل الإنتاج المحلي، ما أدى – وفقها – إلى “صعوبات متزايدة” في ممارسة الأنشطة التجارية والاستثمارية في الجزائر.
هذا السجال بين الجزائر والاتحاد الأوروبي يأتي في سياق اقتصادي محلي تشهده الجزائر، يتمثل في ارتفاع ملحوظ للواردات خلال الثلاثي الأول من سنة 2025 بنسبة 24%، بفعل زيادة استيراد السلع بـ26.3%، في مقابل تراجع الصادرات بـ3.8%، منها انخفاض صادرات المحروقات بـ2.9%، وتراجع حاد في صادرات السلع غير النفطية بـ13.4%، بحسب ما أورده الديوان الوطني للإحصاء.
وبهدف تخفيف الضغط على احتياطات البلاد من العملة الصعبة، شرعت السلطات الجزائرية في فرض إجراءات إضافية للتحكم في عمليات الاستيراد، من خلال إلزام الشركات بتقديم برامج توقعية مفصّلة لاستيراد مستلزمات الإنتاج والتجهيز، وذلك قبل 31 تموز/يوليو 2025، مع اشتراط مصادقة وزارة التجارة عليها. كما أصبحت عمليات استيراد الخدمات خاضعة لترخيص مسبق من الوزارة، في خطوة تهدف إلى تنظيم تدفق العملة الصعبة وتحفيز الإنتاج المحلي.
وتندرج هذه التدابير ضمن سياسة اقتصادية انتهجتها الجزائر منذ سنوات، هدفها تقليص التبعية للخارج، وضبط فاتورة الاستيراد التي تراوحت بين 40 و50 مليار دولار سنويًا في الفترة الأخيرة، بعد أن كانت تقارب 60 مليار دولار سنويًا قبل 2019، مما أثار انتقادات متزايدة من شركاء الجزائر التجاريين، وفي مقدمتهم الاتحاد الأوروبي.
تعليقات الزوار
لا تعليقات