أخبار عاجلة

الأرسيدي يحذر من “استحواذ الإسلاميين على مفاصل الدولة”

حذّر التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي)، أحد أبرز الأحزاب العلمانية في الجزائر، ممّا سمّاه “استحواذ الإسلاميين على مفاصل الدولة”، في موقف يعكس عودة واضحة للنقاش الأيديولوجي في البلاد، بعد سنوات من التهدئة.

وفي اللائحة الختامية لدورته السابعة للمجلس الوطني، أعرب الحزب عن تمسّكه بجزائر ديمقراطية، شاملة ومتنوعة، تقوم على الاعتراف بجميع مكوناتها الثقافية والتاريخية. وقال في مقطع لافت: “في مواجهة صعود الإسلام السياسي، واستحواذه على مفاصل الدولة، ومحاولاته لطمس أسس الهوية الوطنية العميقة للأمّة، فإن حزب التجمّع سيواجه بشكل صريح المواجهة الأيديولوجية والهوية مع أعداء الجزائر الأصيلة”، مضيفا أن “الحزب يدين كل محاولة لتزوير التاريخ والطمس الثقافي، ويعهد بالاستمرار في مكافحة هذه الممارسات الرجعية”.

وأبرز التجمّع الذي يعتبر من أهمّ الأحزاب المدافعة عن الهوية الأمازيغية، أنه ” يتعرض لحملة تهدف إلى تهميشه سياسيًا وإعلاميًا ومؤسساتيًا بشكل منهجي”، مشيرا إلى أن “هذا الصمت المفروض من خلال القنوات المسيطرة، التي ترفض نقل صوت الحزب، يبرز بشكل متناقض قوة خطابه وقدرته على البقاء القوة الرئيسية للمقاومة”. وتابع أنه “في مواجهة هذا الإقصاء، يحافظ على تحركه السياسي من خلال المشاركة الميدانية وتعزيز استخدام الفضاءات البديلة للتواصل”.

ولم يكن الموقف الصادر عن الأرسيدي الأول من نوعه، بل يأتي امتدادًا لمواقفه ضد ما يراه هيمنة تدريجية للتيار الإسلامي داخل مؤسسات الدولة. فمنذ أيام، أبدى الحزب اعتراضه على تعيين النائب الإسلامي زكريا بلخير، المنتمي لحركة مجتمع السلم، على رأس لجنة التربية والتعليم العالي والشؤون الدينية في المجلس الشعبي الوطني، حيث اعتبر الخطوة “انحرافًا خطيرًا”، مدينا ما وصفه بمحاولة “اختطاف المدرسة” وتحويلها إلى أداة لخدمة مشروع أيديولوجي.

ووصف الحزب التعيين بأنه “إهانة لروح الجمهورية”، ودعا الأسرة التربوية بمختلف أطيافها إلى التصدّي لما سمّاه بـ”إخضاع المدرسة لمصالح دينية ضيقة”. كما عبّر عن رفضه القاطع لأي مسعى لاستخدام المؤسسات التعليمية كمنصة لفرض توجهات فكرية معينة على حساب التنوع الذي يميّز المجتمع الجزائري.

وفي مواجهة هذا الخطاب، لم يتأخر ردّ عبد الرزاق مقري، الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم، والذي وصف في مقال مطوّل نشره على صفحته الرسمية، موقف الأرسيدي بـ”الاستئصالي” و”التراجعي”، معتبرا أن هذه ليست المرة الأولى التي يتوّلى فيها نائب إسلامي رئاسة لجنة التربية، ومتسائلًا عن دوافع التصعيد الجديد الذي يعيد للأذهان لغة التسعينيات.

واعتبر مقري في كلامه، أن الأرسيدي يسعى لإحياء صراع أيديولوجي تجاوزه الجزائريون بعد المصالحة الوطنية، واصفًا الحملة التي أطلقها الحزب بأنها محاولة للتمويه على أسئلة أخرى تُطرح في الشارع السياسي، ومنها تعيين ليلى عسلاوي في رئاسة المحكمة الدستورية وهي شخصية محسوبة على التيار الحداثي. وألمح إلى أن هناك جهات داخل الدولة – على حد تعبيره – تدفع نحو تجديد الصراع بين التيار العلماني والإسلامي لتغطية الفشل السياسي والتسييري، واستغلال حالة الوهن التي يعيشها التيار الإسلامي، الذي بات أكثر اعتدالًا وميلًا إلى المشاركة من المعارضة الراديكالية.

واستند مقري إلى مواقف قديمة للأرسيدي، مذكرًا بسجله خلال فترة العشرية السوداء، متهمًا إياه بالتورط في خطاب الإقصاء ضد الإسلاميين، ومشيرًا إلى أن التيار الذي يمثله لا يزال يُعامل بسوء نية رغم التزامه بالعمل السلمي والمشاركة السياسية. كما اعتبر أن ما يحصل اليوم هو جزء من محاولة إعادة ترتيب التوازنات داخل الدولة على نحو يضعف التيار الإسلامي، ويبرز التيار العلماني في مواقع القرار، ولو عبر تعيينات لا تخضع لمعيار التمثيل الشعبي.

وفي تعليقه على المفارقة بين تعيين عسلاوي وبلخير، قال مقري إن منصب النائب الإسلامي لا يرقى إلى مستوى التأثير في قرارات الدولة، بخلاف منصب عسلاوي الذي يُعد سياديًا، ما يجعل الموازنة بين الحالتين غير متكافئة. وأبدى تخوفه من أن تؤدي مثل هذه الحملات إلى إعادة أجواء الاستقطاب التي عرفتها البلاد في فترات سابقة، معتبرًا أن إحياء هذا الصراع لا يخدم مصلحة الجزائر، بل يغذّي حالة الاستقطاب الهامشي الذي يُبعد الانتباه عن القضايا الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية التي تؤرق المواطنين.

وحول عسلاوي، عاد التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية، إلى تعيينها على رأس المحكمة الدستورية، مؤكدًا أن هذه السيدة شخصية مشهود لها بالكفاءة وتم تعيينها من قبل رئيس الجمهورية، بينما يعكس تعيين النائب الإسلامي “تغلغل تيار سياسي ذي أجندة واضحة في قطاع حيوي وحساس”.

ويعيد بيان الأرسيدي والمواقف المصاحبة له إلى السطح جدلًا فكريًا اشتد بقوة خلال سنوات الأزمة الأمنية في التسعينيات، قبل أن يتراجع حضوره في خطاب الأحزاب السياسية في السنوات الماضية، لصالح نقاش آخر كانت مواقع التواصل مسرحا له. وبينما يعتقد العلمانيون أن التصدي لهيمنة الإسلاميين ضرورة للحفاظ على الجمهورية والدولة المدنية، يرى الإسلاميون أن هذه الخطابات تستبطن نزعة إقصائية لا تعترف بجوهر الديمقراطية وتحاول تغييب البعد الإسلامي العروبي من الساحة.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات