في تصعيد واضح، كثّفت إسرائيل هجماتها الدامية على قطاع غزة، مستهدفة مراكز الإيواء ومواقع تجمع النازحين وطالبي المساعدات الإنسانية، في وقت يواصل فيه العدوان حصد الأرواح بشكل جماعي ومتسارع. ومع وصول أعداد الضحايا إلى مستويات صادمة، تجاوزت أوامر التهجير العسكري الإسرائيلي 85% من مساحة القطاع، ما ضاعف من حجم الكارثة الإنسانية، وسط تحذيرات منظمات دولية من خطر المجاعة والانهيار الصحي الكامل. وفيما لا تزال جثث الضحايا تحت الأنقاض، تتواصل عمليات القصف والتهجير دون هوادة، في ظل صمت دولي يفاقم من معاناة المدنيين.
وأعلنت وزارة الصحة في غزة وصول 118 شهيدا و581 إصابة خلال الـ24 ساعة الماضية، ليرتفع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي إلى 57,130، والإصابات إلى 135,173 منذ 7 أكتوبر 2023، مع وجود ضحايا ما زالوا تحت الأنقاض وفي الطرقات، دون قدرة طواقم الإسعاف والدفاع المدني على الوصول إليهم.
شهادات من مجزرة النازحين
في مجزرة مروعة، ارتقى 13 شهيدا من عائلة حجيلة، بينهم أطفال وأشقاء، جراء قصف استهدف مدرسة مصطفى حافظ التي تؤوي نازحين غربي مدينة غزة. ومن بين الضحايا، مواطن وطفله استشهدا بينما كان الطفل في حضن والده، وقد نُقل جثماناهما في كفن واحد إلى المستشفى.
الغارة المفاجئة على المدرسة أوقعت مزيدا من الشهداء من نفس العائلة، وتسببت في دمار واسع بالمكان، كما اندلع حريق التهم مقتنيات الأسر النازحة. وتُعد المدرسة الواقعة في منطقة مكتظة بالنازحين ملاذًا لعائلات كثيرة، تضاعف عددها بعد موجات نزوح جديدة من مناطق الهجمات البرية شمال القطاع وشرقي مدينة غزة.
ومع شروق شمس الخميس، بدأ الأهالي بتفقد المدرسة المنكوبة. وقال طفل في الثالثة عشرة من عمره لـ”القدس العربي”: “فجأة سمعنا صوت قصف، خرجنا من غرفة الإيواء، وكان الغبار في كل مكان، واندلع الحريق. ما عرفنا وين نروح، كلنا خفنا وصرنا نصرخ”. وقالت والدته التي احتمت خلف جدار المدرسة وهي تحتضن أطفالها: “اللحظة كانت صعبة.. ما توقعنا النار تيجي علينا. الكل فكر أنه حيموت”، فيما حاول زوجها إطفاء الحريق مع باقي الرجال. وعلى الرغم من الدمار، أكدت السيدة أنه لا ملاذ لأسرتها النازحة من شرق غزة سوى هذا المكان.
استهداف طالبي المساعدات
وصل إلى مستشفى الشفاء ستة شهداء وأكثر من 100 جريح جراء قصف طال منتظري المساعدات قرب دوار النابلسي غربي غزة. كما استشهد ستة قرب “محور نتساريم” جنوبي المدينة أثناء توجههم إلى أحد مراكز توزيع المساعدات الخاضعة لإشراف الاحتلال.
واستشهد طفل من عائلة المشهراوي متأثرا بجراحه إثر قصف سابق في شارع الوحدة، كما ارتقت شهيدة جراء قصف استهدف منزلًا في حي الدرج، واستُشهد مواطنان في حي الزيتون، وآخر إثر قصف على مدرسة فهد الصباح في حي التفاح.
وشهد مستشفى الشفاء اكتظاظا كبيرا بالجرحى والمصابين جراء الغارات، وسط نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية.
وفي شرق غزة، نسف جيش الاحتلال مربعات سكنية كاملة، ووسّع نطاق القصف المدفعي على أحياء الشجاعية والتفاح والزيتون، ما تسبب في موجات نزوح جديدة. كما أصيبت مراسلة تلفزيون فلسطين، إسلام الزعنون، برصاصة في الكتف أطلقتها طائرة مسيرة أثناء تغطيتها.
وفي شمال القطاع، استشهد أربعة مواطنين وأصيب ثلاثة في جباليا وبيت لاهيا، بينهم الطفل كريم البرش الذي قُتل أثناء محاولته جلب الطحين من منزل عائلته. وفي الوسط، ارتقى عدد من الشهداء بينهم أطفال ونساء في مشفى العودة بمخيم النصيرات نتيجة قصف عنيف.
قصف مراكز الإيواء والمساعدات
استشهد تسعة مواطنين، وأصيب آخرون، جراء قصف مدخل مركز للنازحين قرب المبنى الإداري لمشفى العودة مساء الأربعاء، وتلاه قصف آخر أودى بستة أشخاص، ليرتفع عدد الضحايا في المجزرتين إلى 15. بعض الضحايا كانوا يشترون “الفلافل” لإطعام أطفالهم الجوعى، وآخرون كانوا يسيرون في الشارع بشكل طبيعي.
مجازر خان يونس
وفي خان يونس، استشهد 14 مواطنًا وأصيب أكثر من 50 في قصف خيام النازحين بمنطقة أصداء في المواصي، والتي يزعم الاحتلال أنها “منطقة إنسانية”. وارتكبت مجزرة أخرى استهدفت عائلة أبو عاضي، فاستشهد رب الأسرة وزوجته وأبناؤه الأربعة، إضافة إلى ثلاثة شهداء آخرين في مخيم البركة. كما سقط شهيدان في بني سهيلا، و10 شهداء آخرون في مجزرة قرب منطقة التحلية.
وخرجت جنازات الشهداء وسط مشاهد حزينة، وودّعت النساء أبناءهن الذين ارتقوا وهم يحاولون الحصول على طعام.
واستمرت عمليات التوغل والقصف المدفعي في بلدات عبسان والقرارة، كما تكرر سماع الانفجارات جنوب المدينة، قرب “محور موراج”، مع تواصل نسف المباني في مناطق التوغل.
وفي رفح، استُشهد سبعة مواطنين وأصيب أكثر من 30 جراء استهداف منتظري المساعدات قرب أحد مراكز التوزيع.
26 مجزرة خلال 48 ساعة
قال المكتب الإعلامي الحكومي إن جيش الاحتلال ارتكب 26 مجزرة خلال 48 ساعة، أسفرت عن استشهاد أكثر من 300 شخص، وأكد أن هذه المجازر “تُثبت مضي الاحتلال في سياسة القتل العمد والإبادة الجماعية والتطهير العرقي”، مشيرا إلى أن الغارات ركزت على مراكز الإيواء والأسواق والمرافق الحيوية، وراح ضحيتها مدنيون عزل، معظمهم من النساء والأطفال.
وأعلنت حركة “حماس” استشهاد ثلاثة من محرري صفقة “وفاء الأحرار” عام 2011: مهدي شاور، وأيمن أبو داوود، وبسام أبو سنينة، الذين تم إبعادهم من الضفة إلى غزة، ووصفت اغتيالهم بـ”جريمة صهيونية جبانة”. ودعت الحركة المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية إلى كسر صمتهم ووقف العدوان.
من جهتها، أعلنت كتائب القسام استهداف ناقلة جند إسرائيلية بقذيفة “الياسين 105” في خان يونس، وأكدت إصابة مباشرة وهبوط طيران مروحي لإخلاء الجنود. كما أعلنت سرايا القدس عن تدمير آلية ميركافاه بعبوتين ناسفتين في شارع المارس بخان يونس.
الأزمة الإنسانية تتفاقم
وفي ظل تفاقم الأزمة الإنسانية، أكدت “الأونروا” أن العائلات في غزة “في أمسّ الحاجة للمساعدات”، مشيرة إلى تعرضهم لإطلاق النار والدّهس بالشاحنات أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء. ودعت الأمم المتحدة إلى التحقيق في تلك الانتهاكات، وشددت على ضرورة إيصال المساعدات بشكل آمن يحفظ الكرامة، والسماح الكامل لفرق الأمم المتحدة، بما فيها “الأونروا”، بأداء مهامها.
وأشار مكتب “أوتشا” إلى أن أوامر التهجير الإسرائيلية الأخيرة شملت مناطق في خان يونس، ليصبح 85% من أراضي غزة تحت أوامر نزوح أو ضمن مناطق عسكرية، ما يعيق وصول المساعدات ويضغط بشدة على الخدمات الحيوية. ومنذ انهيار وقف إطلاق النار في آذار/مارس، نزح 714 ألف فلسطيني مرة أخرى. وتعاني مراكز النزوح من اكتظاظ شديد وتردي مستوى النظافة، مما ينذر بأخطار صحية جسيمة.
تعليقات الزوار
لا تعليقات