أعلنت النيابة الجزائرية توقيف المشتبه به في قضية اختطاف وقتل الطفلة مروة بوغاشيش، وإيداعه الحبس المؤقت، مع تواصل التحقيقات للكشف عن جميع المتورطين. يأتي ذلك في وقت أشعلت هذه القضية من جديد، جدل تطبيق حكم الإعدام على مثل هذا النوع من الجرائم.
وأكد وكيل الجمهورية لدى محكمة قسنطينة شرق الجزائر، في بيان صحافي أصدره يوم 2 تموز/ يوليو، أنه في إطار متابعة قضية الاختطاف المتبوع بالقتل التي راحت ضحيتها الطفلة مروة بوغاشيش، وبعد اختفائها بتاريخ 22 أيار/ مايو 2025 وتكثيف جهود مصالح الشرطة القضائية، تم العثور عليها مقتولة في منطقة جبل الوحش. وقد أثبتت الخبرة العلمية تطابق الحمض النووي بينها وبين والديها، ما أكد هوية الضحية.
وأضاف البيان أن التحريات المكثفة مكنت من جمع أدلة تثبت وقوع جريمة اختطاف وقتل، مما أسفر عن توقيف مشتبه فيه يدعى (د. س). وتم تقديمه اليوم أمام وكيل الجمهورية، الذي أحاله على التحقيق القضائي، حيث تمت متابعته بجنايتي اختطاف طفل عن طريق الاستدراج المترتب عليه وفاة، والاغتيال.
وأشار المصدر ذاته إلى أن قاضي التحقيق، وبعد سماع والد الضحية بصفته طرفًا مدنيًا، إضافة إلى الشهود والمتهم، أصدر أمرًا بإيداع هذا الأخير الحبس المؤقت. وختم وكيل الجمهورية بيانه بالتأكيد على أن التحقيقات القضائية لا تزال مفتوحة ومتواصلة، باستعمال كافة الوسائل القانونية اللازمة لتوقيف كل من يثبت تورطه في هذه الجريمة الخطيرة.
وكانت الطفلة البالغة من العمر 13 سنة والتي هزّت قصتها الرأي العام في الجزائر، قد عثر عليها مقتولة في منطقة جبلية بقسنطينة، حيث لم يتم التعرف عليها إلا بعد إجراء اختبارات الحمض النووي على بقايا الجثة.
ويعود اختفاء مروة بوغاشيش إلى يوم الخميس 22 أيار/ مايو الماضي بعد مغادرتها منزل عائلتها الكائن بحي الزيادية في قسنطينة، متوجهة إلى مدرستها لإجراء آخر امتحان لها. ومنذ ذلك الحين، لم يظهر للطفلة أثر، وسط بحث متواصل وجهود مكثفة بذلتها مختلف الأجهزة الأمنية، بمشاركة وحدات من الشرطة القضائية، والدرك الوطني، والحماية المدنية، في عمليات تمشيط شملت الأحياء، العمارات، والمساحات المجاورة.
وعلى مواقع التواصل، انتشرت صورتها بشكل موسع مع تفاصيل تتعلق بهندامها الذي كانت عليه يوم اختفائها، مع نداءات من أجل تكثيف البحث. وذكر أفراد من عائلتها أن الطفلة لم يكن سلوكها مريبا كما لم تكن تعاني من أزمات نفسية، ما يرجح فرضية اختفائها قسرا. ومع اختفائها وورود أنباء عن اختطافها، عاشت عائلتها الجحيم، خاصة أمها التي كانت تعاني من حالة انهيار. وعلى فيسبوك، ناشدت العائلة المواطنين بعدم نشر إشاعات أو أخبار غير مؤكدة حول عودة مروة، داعية إلى التركيز على نشر نداءات المساعدة والبحث المنظم.
وعرفت الجزائر، في سنوات سابقة، حوادث مروعة لاختفاء الأطفال، وهي ظاهرة مأساوية تهزّ وجدان المجتمع وتشغل الرأي العام في كل مرة تعود إلى الواجهة. وغالبًا ما تبدأ هذه الحوادث بإبلاغ عن اختفاء طفل في ظروف غامضة، لتتحوّل لاحقًا إلى مأساة إنسانية. ومن أبرز القضايا التي هزّت البلاد، حادثة الطفلة نهال سي محند في ولاية تيزي وزو سنة 2016، والتي عُثر على جثتها مفترسة بعد أيام من اختفائها، والطفل أنس حفاف في البليدة سنة 2018، الذي قُتل على يد جار له بطريقة مروعة، والطفلة ملاك بوشيبي في سطيف سنة 2020، التي راحت ضحية جريمة قتل بشعة تأثر لها الشارع الجزائري بقوة.
جدل حكم الإعدام
وبعودة هذا النوع من الجرائم للواجهة، يطفو من جديد على السطح، الجدل المتعلق بحكم الإعدام في الجزائر، والذي لا يزال مجمدا منذ سنة 1993 رغم أن المحاكم تنطق به. وبينما يدعو عدد من النواب إلى استئناف العمل بالحكم ويدفع الشارع إلى القصاص من مرتكبي هذا النوع من الجرائم، تعارض منظمات حقوقية أي تراجع عن التزامات الجزائر الدولية في هذا الشأن.
وفي تدوينة له على فيسبوك، دعا النائب أحمد بلجيلالي، عن حركة مجتمع السلم، ذات التوجه الإسلامي، إلى النظر من جديد في تطبيق حكم الإعدام. وقال: “أمام توالي الجرائم السالبة للحياة مع سبق الإصرار والترصد وبأبشع الصور التي لم تسلم منها حتى البراءة، والمهددة للسكينة العامة واستقرار المجتمع، والموغلة للأحقاد في أفئدة أهالي الضحايا، فإنه حري بالسلطات العمومية أن تتعامل مع مطلب رفع التجميد على تطبيق عقوبة الإعدام بمحمل الجد”.
وكان هذا النائب قد ساءل وزير العدل سنة 2024، عن مصير هذه العقوبة إثر مأساة العثور على ثلاث ضحايا جرى استدراجهم وقتلهم ودفنهم في مزرعة، بقصد الاستيلاء على مركباتهم وبيعها، بمنطقة سيدي بلعباس. وأكد أن الطابع الوحشي والمتكرر لهذا النوع من الجرائم، خاصة خلال شهر رمضان، يكشف عن انعدام الوازع والخوف من العقوبة لدى الجناة، وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على مرتكبي جرائم التعدي على الأطفال وقتلهم والتنكيل بجثثهم.
وأشار بلجيلالي إلى أن الجزائر، بصفتها دولة مستقلة ذات سيادة، ومرجعيتها الدينية الإسلامية منصوص عليها دستوريًا، قد أقرت حكم الإعدام تأسيسًا على مبدأ القصاص الشرعي، مشددًا على أن تفعيل هذا الحكم من شأنه أن يحقق مقصد “حفظ الأنفس”، من خلال الردع بعقوبة من جنس الجرم.
ولا تعتزم الجزائر، وفق ما صرح به وزير العدل السابق رشيد طبي العودة عن تعليق تنفيذ عقوبة الإعدام، كونها أخذت على عاتقها التزامات دولية بهذا الصدد، بينما لا تزال في كل مرة منظمات غير حكومية دولية أبرزها أمنستي إنترناسيونال، تضغط من أجل إلغاء نهائي لهذه العقوبة في الجزائر، حيث سبق لها قبل مدة أن راسلت الرئيس عبد المجيد تبون لتطلب منه إلغاء هذا الحكم تماما من قانون العقوبات الجزائري.
وبحسب تقرير أمنيستي الذي ترصد فيه عقوبة الإعدام حول العالم، فقد احتلت الجزائر المرتبة الثانية من حيث إصدار هذا الحكم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث نطقت المحاكم بـ54 حكما بالإعدام سنة 2022، في حين سجلت مصر 538 حكما، وتونس 26 حكما في نفس السنة. وكان ما رفع أحكام الإعدام إلى هذا العدد، قضية الاغتيال الجماعي الذي تعرض له الفنان جمال بن سماعين، في أحداث حرائق منطقة تيزي وزو سنة 2021.
وسجلت أحكام الإعدام قبل ذلك، اتجاها تنازليا، حيث تم رصد حكم واحد في 2018، و27 في 2017، و50 في 2016، و62 في 2015. ويوجد حاليا في الجزائر، وفق أمنيستي إنترناشونال، نحو ألف شخص محكوم عليهم بالإعدام، وهم يعيشون وفق ما وصفتهم المنظمة بـ”سيف ديموقليس فوق رؤوسهم لسنوات عديدة”.
وعلى الرغم من استمرار نطق المحاكم الجزائرية بحكم الإعدام، إلا أنه لم يتم إعدام أي سجين منذ عام 1993، حتى أن المدان بقتل الرئيس محمد بوضياف وأشهر المحكوم عليهم بالإعدام، لمبارك بومعرافي، لا يزال يقبع في السجن إلى اليوم.
وسارت الجزائر في اتجاه تعليق تنفيذ هذا الحكم حتى في زمن تصاعد الأعمال الإرهابية سنوات التسعينات، والتزمت بذلك إلى اليوم، لكنها لم تتعد إلى إلغائه نهائيا بالنظر لحساسية هذا الموضوع وتداخلاته مع القيم الدينية والمجتمعية في البلاد.
تعليقات الزوار
لا تعليقات