تتسارع حدة الخلافات بين الجزائر وباريس بعد أن رفضت شركة الخطوط الجزائرية السماح بركوب الجزائريين المرحلين من فرنسا، حيث اشترطت تقديمهم تصريح مرور قنصليا لاستكمال الترحيل، في ظل مخاوف من انعكاس أزمة العلاقات بين البلدين على قضايا الهجرة والمهاجرين وحركة تنقل الأشخاص بشكل عام.
ويعد ملف ترحيل الجزائريين من فرنسا أحد أبرز النقاط الخلافية بين البلدين، إذ سبق أن رفضت السلطات الجزائرية استقبال المؤثر الجزائري "دولامن" بعد أن تم ترحيله على خلفية تحريضه على العنف من خلال منشورات على منصة التواصل الاجتماعي تيك توك.
وقالت صحيفة "لوبوان" الفرنسية إن هذا القرار يتعارض مع الاتفاقيات الفرنسية الجزائرية، التي تنص على أن أي وثيقة هوية صالحة تكفي لإتمام إجراءات الترحيل، بينما ردت السلطات الفرنسية سريعا بإصدار تعليمات جديدة لمراقبة شركة الطيران الجزائرية.
ولفتت الصحيفة الفرنسية إلى مذكرة داخلية لوزارة الداخلية الفرنسية أكدت فيها على ضرورة تقديم مسؤولي الشركة الجزائرية مبررات رسمية لكل حالة رفض وإلا سيتم تسجيل هويتهم لدى السلطات الفرنسية.
وتبعا لهذه التطورات، شدد وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو خلال تصريح إعلامي على ضرورة إعادة تقييم العلاقات بين باريس والجزائر وفرض "ميزان قوى جديد" مع البلد المغاربي، معتبرا أن السياسة الفرنسية المتبعة منذ عقود لم تعد مجدية.
وجدد ريتايو في لقاءات تلفزية دعوته الى إعادة النظر في اتفاق 1968الذي ينظم استقبال الجزائريين في فرنسا، موضحا أن هذا الاتفاق "يمنح امتيازات غير مبررة" للمهاجرين الجزائريين مقارنة بجنسيات أخرى.
وكان وزير الداخلية الفرنسي قد طرح جملة من الخيارات العقابية ضد الجزائر أبرزها مسألة التأشيرات، الى جانب التعريفات الجمركية و"المساعدات التنموية" التي تهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية وتحسين ظروف المعيشة في الدول النامية، من ضمنها الجزائر، ما يشير بوضوح المنعرج الحاد الذي بلغته العلاقات بين البلدين، غذتها التصريحات الإعلامية المشحونة والمواقف والخطوات المتشنجة من الجانبين.
وفي 2021، شهدت العلاقات بين البلدين أزمة مماثلة عندما رفضت الجزائر إصدار تراخيص قنصلية كانت مطلوبة لترحيل مئات المهاجرين الجزائريين غير النظاميين بفرنسا، ويومها اتهم الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون وزير الداخلية الفرنسي بـ"الكذب" بخصوص عدد من الجزائريين المعنيين بالإبعاد، فردّت السلطات الفرنسية بتقليص حصة الجزائر من التأشيرات إلى النصف.
ومن بين أكثر المخاوف القائمة في ظل تصاعد وتيرة الخلافات بين الجزائر وباريس والتداعيات المباشرة لأزمة العلاقات بين البلدين هي انعكاساتها المباشرة على أوضاع المهاجرين، إذ تمثل الجالية الجزائرية بين ستة ملايين وسبعة ملايين شخص في فرنسا، أغلبهم من مزدوجي الجنسية، وسط تخوفات من إمكانية اعتماد الحكومة والمؤسسات الفرنسية إلى مزيد من التشدد في قضية الهجرة وحركة تنقل الأشخاص.
وفي خطوة تصعيدية، كان مجلس الشيوخ الفرنسي قد قدم بداية الشهر الجاري اقتراحا لمراجعة اتفاق التعاون في مجال الهجرة المبرم بين فرنسا والجزائر عام 1968 الذي يمنح الجزائريين امتيازات خاصة في التنقل والإقامة والعمل بفرنسا.
وبخلاف الأزمات السياسية السابقة بين البلدين، لا تلوح في الأفق أي مؤشرات لإعادة تسوية العلاقات وتطبيعها على نحو يعيد التوازن في التعاون الاقتصادي والتجاري والاتصالات السياسية بين الجانبين، خاصة أن العلاقات تبدو أنها تسير بنسق سريع نحو حالة قطيعة سياسية واقتصادية وتجارية غير مسبوقة.
تعليقات الزوار
لا تعليقات