اصطدمت آمال المعارضة المصرية في إنهاء ملف سجناء الرأي والمعتقلين بعد مشاركتها في الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وإعادة تشكيل لجنة العفو الرئاسي قبل عامين، باستمرار الأجهزة الأمنية في اعتقال مزيد من المعارضين الصحافيين.
وأعلنت الحركة «المدنية الديمقراطية» التي تضم عدداً من أحزاب المعارضة والشخصيات العامة، تشكيل وفد من قيادات الحركة، لمقابلة النائب العام لتقديم عريضة، تطالب فيها بالإفراج عن سجناء الرأي والمحبوسين احتياطياً، وكذلك الإفراج عن المحبوسين الذين انتهت مدد أحكامهم القضائية ولم يفرج عنهم.
وتزامن ذلك مع تقديم أسرة الناشط السياسي المصري البريطاني، علاء عبد الفتاح بطلب عفو رئاسي، تم إرساله إلى رئاسة الجمهورية عبر مجموعة من السياسيين البارزين، حسبما قال محامي الأسرة خالد علي.
ووفق علي، فإن الطلب الموقع من شقيقتي علاء، منى وسناء، يأتي في ظل قلقهما على صحة والدتهما ليلى سويف (68 عاماً) المضربة بشكل كامل عن الطعام منذ أكثر من شهرين، احتجاجاً على استمرار احتجاز نجلها رغم قضائه مدة عقوبته، فيما تتزايد مخاوف الأسرة من تعرض سويف لانتكاسة صحية، خصوصاً مع تدهور صحتها بشكل كبير خلال الأيام الأخيرة، في ظل طول فترة الإضراب.
وأعلنت سويف، في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إضرابها عن الطعام في ظل ما وصفته بـجريمة السلطات المصرية بحق نجلها، الذي يحمل الجنسية البريطانية إلى جانب المصرية، والذي اعتبرته مخطوفاً ومحتجزاً خارج نطاق القانون، وكذلك احتجاجاً على «تواطؤ الحكومة البريطانية مع حليفها النظام المصري في احتجازه» حسبما أعلنت الأسرة في بيان سابق.
وأكد على أن الطلب الأخير هو الثالث الذي تتقدم به الأسرة للرئاسة، بخلاف طلبات العفو المقدمة من المنظمات الحقوقية، للإفراج عن علاء الذي تستمر السلطات المصرية في احتجازه رغم قضائه خمس سنوات هي كامل مدة عقوبته وانتهاء مدة حبسه القانونية في 29 سبتمبر/ أيلول الماضي، في حين رفضت النيابة العامة احتساب سنتي حبسه الاحتياطي ضمن مدة عقوبته، بالمخالفة للقانون.
وتواصل الأكاديمية ليلى سويف إضرابها عن الطعام لليوم الـ68، وكتبت على صفحتها على «فيسبوك»: «اليوم هو عيد ميلاد خالد علاء عبدالفتاح الثالث عشر، افتقد خالد، هو الآن يعيش في إنكلترا، وافتقد علاء الذي لا يزال في السجن، وكان من المفترض إطلاق سراحه منذ 68 يوماً، ناهيك عن أنه لم يكن يجب أن يدخل السجن في المقام الأول».
وأضافت: «يمكنني السفر إلى إنكلترا لرؤية خالد، ويمكنني أن أرى علاء مرة في الشهر لمدة 20 دقيقة خلف حاجز زجاجي، لكني أريد أن أراهم معاً، نعيش معاً، نخرج معاً، حتى الشجار معاً، هذا ما يحتاجه خالد أن يكون مع علاء بعيداً عن السجن، هذا السبب الرئيسي وراء إضرابي عن الطعام».
قلق كبير
وتابعت: «أعلم أن إضرابي عن الطعام يسبب ألماً وقلقاً للعديد من الذين يهتمون بي، لإبني علاء وشقيقتاه منى وسناء، لكني أعلم أن خالد يحتاج علاء أكثر من احتياج أي شخص لي، لذا سأستمر في إضرابي».
وطالت حملات الاعتقال خلال الشهور الماضية المتحدث الأسبق باسم الحركة المدنية الديموقراطية يحي حسين عبد الهادي والباحث الاقتصادي عبد الخالف فاروق، والصحافي ورسام الكاركاتير أشرف عمر والصحافي سيد صابر.
وتقول منظمة العفو الدولية في تقريرها عن حالة حقوق الإنسان في مصر إنه خلال 2023، أُفرج عن 834 سجيناً من المحتجزين لأسباب سياسية، بينما أجرت نيابة أمن الدولة العليا تحقيقات مع ما لا يقل عن 2,504 من المُشتبه أنهم منتقدون أو معارضون اعتُقلوا في عام 2023، بتهم الضلوع في جرائم تتصل بالإرهاب، وبجرائم معلوماتية، وبالمظاهرات، وبنشر “أخبار كاذبة.
إجراءات تعسفية
يأتي ذلك في وقت لا زال يعاني الحقوقيون في مصر من إجراءات تستهدفهم.
وطالبت 34 منظمة حقوقية، إقليمية ودولية، السلطات المصرية في بيان، بالتعليق الفوري لقرارات حظر السفر وتجميد الأصول المفروضة بشكل تعسفي وغير قانوني بحق ثلاثة من مديري المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، كان قد تم إطلاق سراحهم منذ 4 سنوات بعدما أثار احتجازهم استهجاناً دولياً واسعاً.
وحسب بيان للمنظمات، فإنه خلال الفترة بين 15 و19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، احتجزت السلطات المصرية المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية جاسر عبد الرازق، والمدير الإداري محمد بشير، ومدير وحدة العدالة الجنائية كريم عنارة.
وبعد ضغوط محلية ودولية كبيرة، أطلقت سراحهم جميعاً في 3 كانون الأول ديسمبر 2020؛ بينما تم فرض حظر سفر بحقهم. وفي 6 كانون الأول ديسمبر، أصدرت دائرة مكافحة الإرهاب بمحكمة القاهرة الجنائية قراراً بتجميد الأصول المملوكة لهم.
ومنذ ذلك الحين، ورغم مرور 4 سنوات على قرار المحكمة؛ لم يُسمح لهم ولا لمحاميهم بالاطلاع على وثائق القضية 855/2020، التي اتهموا بموجبها بالانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة. كما لم تقدم السلطات أي أدلة على هذه التهم المزعومة. وفي 7 ديسمبر 2020، نددت مجموعة من خبراء الأمم المتحدة بالقضية، مشيرة الى أنه «لا ينبغي لأي مدافع عن حقوق الإنسان مواجهة قيود مالية أو اتهامات جنائية أو شروط كفالة أو سجن بسبب عمله المشروع في مجال حقوق الإنسان.
وفيما تقدمت المبادرة المصرية، بالعديد من الطعون أمام المحاكم بشأن هذه التدابير العقابية، أخرها إلى المجلس الأعلى للقضاء، إلا أنها لم تحظَ قط بجلسة محكمة للطعن فيها، الأمر الذي يشكل انتهاكاً للقانون المصري نفسه.
وفي أبريل/ نيسان 2024، أغلقت الحكومة المصرية القضية رقم 173 لسنة 2011، والمعروفة بقضية «منظمات المجتمع المدني» بعد 13 عاماً. ومن ثم، تم تجميد قرارات حظر السفر وتجميد الأصول الصادرة بحق عدد من ممثلي المجتمع المدني في هذه القضية، ومن بينهم مدير المبادرة المصرية حسام بهجت. إلا أن هذا القرار لم يؤثر على عبد الرازق وبشير وعنارة؛ إذ إن الإجراءات المتخذة بحقهم هي جزء من قضية منفصلة.
وبينت المنظمات في بيانها، أنه لا تزال منظمات المجتمع المدني المصرية تواجه قمعاً شديداً من جانب السلطات، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية والإدانات، وقانون المنظمات القمعي، والقيود واسعة النطاق على حرياتهم الأساسية.
ومؤخراً، اتخذت السلطات خطوات لتعديل قانون الإجراءات الجنائية، وهو القانون نفسه الذي تنتهكه مصر بالفعل في قضيتها الجارية بحق موظفي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
وقد أثارت منظمات حقوقية مصرية ودولية مخاوف جدية بشأن المشروع المقدم بتعديل هذا القانون.
كما صرح عدد من أصحاب ولايات الإجراءات الخاصة بالأمم المتحدة بأن «بعض تعديلاته تنتهك أحكام الدستور المصري وبالتالي تقوض الحقوق والحريات المكفولة دستورياً».
ومن المنتظر أن تخضع مصر، في يناير/ كانون الثاني المقبل، لفحص سجلّها في مجال حقوق الإنسان أمام الأمم المتحدة في جنيف، في سياق آلية الاستعراض الدوري الشامل، دعت المنظمات الموقعة دول الأمم المتحدة، المقرر أن تقدم توصياتها للحكومة المصرية ضمن آلية الاستعراض، في جلسة 28 يناير/ كانون الثاني المقبل إلى اغتنام هذه الفرصة، والدعوة لتعليق قرارات حظر السفر وتجميد الأصول وغيرها من الإجراءات العقابية المفروضة بحق المدافعين عن حقوق الإنسان، ومن بينهم موظفو المبادرة المصرية، ووقف استهداف الحقوقيين ومنظمات حقوق الإنسان.
تعليقات الزوار
لا تعليقات