يتوقع أن يسجل الاقتصاد الجزائري نمواً بنسبة 4.5 في المئة خلال عام 2025 وفق تقديرات الموازنة العامة لسنة 2025 التي عرضتها الحكومة. وسيكون النمو خارج قطاع المحروقات أعلى نسبياً، حيث يُنتظر أن يصل إلى 5 في المئة، في مؤشر على تعزيز الأنشطة الاقتصادية غير المرتبطة بالريع، تماشيا مع الإستراتيجية المعلنة في تنويع الاقتصاد الجزائري. وسيكون نموذج النمو مدفوعا كالعادة، بالإنفاق الذي يقدر بنحو 125 مليار دولار، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الموازنات الجزائرية.
ظهر توجه واضح بعد طي صفحة منظمة بريكس، لمحاولة رفع الناتج المحلي الخام الذي تعتبره الحكومة أقل من الإمكانيات الكبيرة للبلاد. وتحدث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال حملته الانتخابية الأخيرة، عن طموح برفع الناتج إلى 400 مليار دولار مع نهاية ولايته الثانية سنة 2029. ووفق تقديرات الحكومة، سيصل الناتج الداخلي الخام الاسمي إلى حوالي 37.86 ألف مليار دينار جزائري (ما يعادل 278.71 مليار دولار أمريكي) خلال عام 2025. وتشير التوقعات إلى استمرار ارتفاع الناتج الداخلي الخام في السنوات المقبلة، ليصل إلى 40.85 ألف مليار دينار (300.71 مليار دولار) في عام 2026 ويواصل ارتفاعه ليبلغ 41.86 ألف مليار دينار (308.13 مليار دولار) في عام 2027.
وفيما يخص القطاعات الاقتصادية المختلفة، تُظهر التقديرات نمواً ملحوظاً في قطاع الصناعة الذي يُتوقع أن يحقق نمواً بنسبة 6.2 في المئة في عام 2025. هذا النمو يعكس، وفق ملاحظين توجهاً نحو تطوير القطاع الصناعي، الذي يعتبر ركيزة مهمة لتوسيع قاعدة الاقتصاد الجزائري. كما يُتوقع أن يسجل قطاع الفلاحة نمواً بنسبة 4.4 في المئة، وهو ما يدفع لتعزيز الأمن الغذائي والتقليل من الاعتماد على الواردات. وبالنسبة لقطاع البناء والأشغال العامة، يتوقع أن يشهد نمواً بنسبة 4.3 في المئة، فيما يُنتظر أن يسجل قطاع المحروقات نمواً معتدلاً بنسبة 2.4 في المئة وهو معدل نمو يظهر استقراراً في هذا القطاع الذي يظل شريان الاقتصاد الجزائري.
وفي هندسة الميزانية، تبنى مشروع قانون المالية لسنة 2025 سعراً مرجعياً لبرميل النفط عند 60 دولاراً، وسعراً تقديرياً في السوق يبلغ 70 دولاراً للفترة ما بين 2025 و2027. وتستند هذه السياسة المالية إلى تقديرات أقل من السعر المتوقع في السوق، تجنبا لمفاجآت غير متوقعة، ما يسمح بتوفير رؤية واضحة ومستقرة لميزانية الدولة، خصوصاً في ظل تقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية. ويظهر الاعتماد على سعر مرجعي من جانب آخر، أن الجباية البترولية تظل الرافد الأكبر لمداخيل الدولة، وهو اتجاه سيكون من العسير قلبه في السنوات القليلة المقبلة.
وفي هذا السياق، يقدر مشروع قانون المالية لعام 2025 الجباية البترولية بحوالي 3.45 ألف مليار دينار (25.8 مليار دولار)، وهو رقم يعتمد على أسعار النفط وعمليات تصدير الغاز الطبيعي. ويأتي هذا المبلغ من مساهمة عائدات قطاع المحروقات في تمويل جزء كبير من الميزانية العامة، مع توقعات بزيادة تدريجية في الإيرادات غير النفطية. أما بالنسبة إلى الإيرادات خارج قطاع المحروقات، فستشهد زيادة بنسبة 7.3 في المئة، مدفوعةً بتوسع في الإيرادات الجبائية، مثل الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وأرباح المؤسسات العامة ومداخيل الأملاك العامة التابعة للدولة.
ومن جانب النفقات العامة، يتوقع أن ترتفع نفقات الميزانية بنسبة 9.9 في المئة مقارنة بتقديرات عام 2024 لتصل إلى حوالي 16.79 ألف مليار دينار (ما يقارب 124 مليار دولار أمريكي) وهي أعلى ميزانية على الإطلاق في تاريخ البلاد، بعد أن اجتازت السنة الماضية حاجز المئة مليار دولار. يأتي هذا الارتفاع في سياق توسيع الإنفاق على القطاعات الاقتصادية الحيوية، مثل الصناعة والتعليم والصحة، إضافة إلى تحسين البنية التحتية. أما على صعيد الإيرادات، فتتوقع الحكومة أن تشهد زيادة بنسبة 3.5 في المئة لتصل إلى 8.52 ألف مليار دينار (حوالي 63 مليار دولار) وهو ما يظهر النمو المتوقع في الإيرادات الجبائية التي يُنتظر أن ترتفع بنسبة 9 في المئة بفضل التحسن في الجباية العادية والبترولية.
ومن ناحية العجز المالي، تشير التوقعات إلى تسجيل عجز قدره 8.27 ألف مليار دينار (حوالي 61 مليار دولار) في ميزانية الدولة لعام 2025 أي ما يمثل 21.8 في المئة من الناتج الداخلي الخام. ويمثل هذا العجز جزءاً من التحديات الاقتصادية، حيث تسعى الدولة إلى تغطيته بفضل عائدات الصادرات واحتياطي الصرف. ومن المتوقع أن يصل الرصيد الإجمالي للخزينة إلى فائض يقدر بحوالي 9.22 ألف مليار دينار (67.5 مليار دولار) خلال عام 2025 ما يعادل 24.4 في المئة من الناتج الداخلي الخام، وذلك بفضل استقرار الإيرادات وعوائد الصادرات.
وفي تفاصيل النفقات، قدرت نفقات المستخدمين، قدرت بـ 4.45 ألف مليار دينار (32.5 مليار دولار) في عام 2025 وهو ما يظهر توسع الموارد المالية المخصصة لتسيير الإدارات الحكومية. ومن المتوقع، في هذا الإطار، أن تصل كتلة الأجور إلى 5.84 ألف مليار دينار (42.3 مليار دولار) بزيادة قدرها 598 مليار دينار (4.34 مليار دولار) أو ما يعادل 11.4 في المئة مقارنة بعام 2024.
إلى جانب ذلك، تم تخصيص نفقات قدرها 426.23 مليار دينار (3.08 مليار دولار) لتسيير المصالح المركزية والمحلية، بالإضافة إلى تخصيص اعتمادات استثمارية تصل إلى 2.21 ألف مليار دينار (16 مليار دولار) كرخص التزام و3.13 ألف مليار دينار (22.7 مليار دولار) كاعتمادات دفع. هذه الاستثمارات ستدعم مشاريع البنية التحتية وتعزز النشاط الاقتصادي في مختلف القطاعات. وفي الموازنة الجزائرية، تمنح «رخص الالتزام» بغرض الشروع في مشروع أو التزام مالي معين، وهي بمثابة تصريح قانوني بإبرام العقود اللازمة للمشاريع، بغض النظر عن المبلغ الذي سيتم دفعه فعلياً خلال السنة المالية. أما «اعتمادات الدفع» فتُخصص لدفع المستحقات المالية التي نشأت عن تلك الالتزامات، وهي أموال فعلية يمكن إنفاقها لسداد النفقات المستحقة على الدولة في نفس السنة المالية.
وفيما يخص الإيرادات المتوقعة لميزانية الدولة، يُتوقع أن تشهد ارتفاعاً تدريجياً في السنوات المقبلة، لتبلغ 8.88 ألف مليار دينار (63.8 مليار دولار) في عام 2026 وتصل إلى 9.04 ألف مليار دينار (65 مليار دولار) في عام 2027. هذه التوقعات تعكس رؤية متفائلة نحو تحقيق استقرار مالي تدريجي، ودعم لمستويات الإنفاق العامة.
التحويلات الاجتماعية
تأتي نفقات التحويلات الاجتماعية على رأس أولويات الميزانية، حيث تبلغ الاعتمادات المقترحة لهذه النفقات في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2025 ما يعادل 5.872.37 مليار دينار جزائري (حوالي 42.57 مليار دولار) كرخص التزام، و5.928.18 مليار دينار (حوالي 42.98 مليار دولار) كاعتمادات دفع، ما يشكل حوالي 37.1 في المئة و35.3 في المئة من إجمالي الميزانية العامة للدولة، على التوالي. وهذه النفقات تسجل زيادة قدرها 313.57 مليار دينار (2.27 مليار دولار) كرخصة التزام، و288.64 مليار دينار (2.09 مليار دولار) كاعتمادات دفع مقارنةً بعام 2024 وذلك لتغطية التزامات الدولة الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق الأمان الاجتماعي، خاصةً من خلال الإعانات المقدمة للسلع الاستهلاكية الأساسية.
وعند الغوص في ماهية هذه النفقات، وفق ما تظهره الوثيقة الحكومية التي اطلعت عليها «القدس العربي» نجد أن نفقات التحويلات الاجتماعية تتضمن تخصيص 659.96 مليار دينار (4.78 مليار دولار) لدعم المنتجات الاستهلاكية الأساسية. وتشمل هذه الإعانات مبلغ 348.96 مليار دينار (2.53 مليار دولار) للحبوب، و100 مليار دينار (725 مليون دولار) للحليب، و88 مليار دينار (638 مليون دولار) للمياه المحلاة، و23 مليار دينار (167 مليون دولار) لدعم الطاقة، بالإضافة إلى تخصيص 100 مليار دينار (725 مليون دولار) لتثبيت أسعار السكر والزيت.
كما تبرز في هذا المنحى نفقات التحويلات لفائدة الأشخاص، حيث تبلغ 1.755.11 مليار دينار (12.72 مليار دولار) وتُخصص لتغطية منح البطالة بقيمة 457.47 مليار دينار (3.31 مليار دولار) لنحو 2.35 مليون مستفيد، ودعم معاشات التقاعد والرواتب بمبلغ 422.47 مليار دينار (3.06 مليار دولار). وتشمل أيضاً منح المجاهدين وذوي الحقوق بميزانية 214.74 مليار دينار (1.56 مليار دولار) وبرنامج دعم السكن بمبلغ 191.16 مليار دينار (1.39 مليار دولار) إلى جانب توفير 96 مليار دينار (696 مليون دولار) للمصاريف المتعلقة بالإطعام والنقل والمنح الدراسية للطلبة.
وتمتد هذه التحويلات الاجتماعية لدعم المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري، بتخصيص ميزانية قدرها 1.061.19 مليار دينار (7.7 مليار دولار) تشمل مختلف القطاعات الاجتماعية. حيث يتم تخصيص 171.06 مليار دينار (1.24 مليار دولار) لوكالة التنمية الاجتماعية لدعم مشاريع القروض الصغرى، كما تتلقى الصيدلية المركزية للمستشفيات دعمًا قدره 110 مليار دينار (797 مليون دولار) لاقتناء الأدوية، فيما يُخصص لمعهد باستور الجزائري 36 مليار دينار (261 مليون دولار) لتوفير اللقاحات والمصل.
وتشمل التحويلات الاجتماعية الأخرى مخصصات للجماعات المحلية بمبلغ 611.17 مليار دينار (4.43 مليار دولار) بهدف تمويل برامج التضامن والضمان، بالإضافة إلى تخصيص 519.11 مليار دينار (3.76 مليار دولار) لدعم المؤسسات من خلال تخفيض نسبة الفائدة وتطهير ديون المؤسسات العمومية.
أبرز مجالات الإنفاق في الجزائر
تظهر ميزانية الجزائر لعام 2025 تركيزا واضحًا للموارد المالية، في عدد من الوزارات الحيوية. تتصدر وزارة الدفاع الوطني كالعادة، قائمة الميزانيات بمخصصات تبلغ حوالي 3,349 ألف مليار دينار (24.8 مليار دولار) ما يجعلها الأكبر في الميزانية، وهي مخصصة لتغطية تكاليف الدفاع الدعم اللوجستي والإدارة العامة. وتعزى هذه الميزانية الكبيرة، وفق محللين إلى التحديات الأمنية التي تعيشها الجزائر في منطقة ملتهبة على أغلب حدودها. في المرتبة الثانية تأتي وزارة التربية الوطنية، حيث تبلغ ميزانيتها حوالي 1.717 مليار دينار (12.7 مليار دولار) مما يؤكد، حسب الحكومة، التزامها بتعزيز التعليم كعنصر أساسي للتنمية. أما وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، فتحصل على ميزانية تتجاوز 1.390 مليار دينار (10.3 مليار دولار) وتتركز مهامها في تعزيز الأمن الوطني والحماية المدنية ودعم الجماعات المحلية. كما تحصل وزارة المالية على مخصصات تصل إلى 3.634 مليار دينار (26.9 مليار دولار) موزعة على الخزينة والتسيير المحاسبي وإدارة الضرائب والجمارك. وزارة الصحة تحظى أيضًا بميزانية تبلغ 1.041 مليار دينار (7.7 مليار دولار) مخصصة لتوفير الرعاية الصحية والوقاية. وفي مجال العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، تخصص الحكومة حوالي 836 مليار دينار (6.2 مليار دولار) لدعم برامج التشغيل والحماية الاجتماعية. كما تخصص وزارة السكن والعمران والمدينة ميزانية تقدر بحوالي 540 مليار دينار (4 مليار دولار) لدعم الإسكان والتعمير.
وعلى الرغم من تأكيد الحكومة عدم تضمين مشروع الموازنة ضرائب جديدة ترهق كاهل المواطنين، ينتظر أن يثير النواب في البرلمان الكثير من النقاط التي باتت محل تذمر كبير في الشارع، خاصة فيما يتعلق بكبح جماح تضخم الأسعار، الذي أدى إلى تراجع كبير في القدرة الشرائية. كما ستلقي أزمة السيارات بظلالها على هذا المشروع، في ظل امتناع الحكومة لحد الآن عن الترخيص باستيراد السيارات واقتصارها على الإنتاج المحلي الذي لا يزال في طور البناء. وستكون معضلة السوق السوداء للعملة كالعادة، محور نقاش النواب، في ظل عجز الحكومة عن التقليل من حجم وتأثير هذه السوق التي تبقى ممونا رئيسيا للمواطنين والتجار بالعملة الصعبة. وبلغت الفجوة مؤخرا مستويات غير مسبوقة، بعد أن كاد يبلغ الأورو في السوق السوداء ضعف سعره في السوق الموازي. ومع ذلك، لا يتوقع أن تجد الحكومة عناء كبيرا في تمرير مشروع القانون بالنظر لما تتمتع به من أغلبية مريحة بدعم من الأحزاب الموالية للرئيس.
تعليقات الزوار
لا تعليقات