أخبار عاجلة

باحث تونسي يضع 3 شروط لتوحد المعارضة قبيل انتخابات الرئاسة

شارك مساء الأحد مئات التونسيين في مسيرة رفضا لتعديلات مقترحة بالبرلمان على القانون الانتخابي تسمح بنقل الرقابة على العملية الانتخابية من المحكمة الإدارية إلى محكمة الاستئناف.
ويأتي هذا التحرك قبل أسابيع من انتخابات رئاسية مقررة في 6 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، يخوضها 3 مرشحين بينهم الرئيس الحالي قيس سعيد، وسط أحاديث عن غياب معايير النزاهة والشفافية.
بينما تقول السلطات إن الانتخابات تتوفر لها ظروف النزاهة والشفافية والتنافس العادل.
وفي 13 سبتمبر/ أيلول الجاري عشية انطلاق الدعاية الانتخابية، شاركت نحو 19 جمعية و9 أحزاب في احتجاجات، غلب عليها الشباب والنساء، لدعوة هيئة الانتخابات لتنفيذ قرارات المحكمة الإدارية بإعادة 3 مرشحين إلى السباق الرئاسي.
هذه الجمعيات والأحزاب أغلبها يسارية وليبرالية، وتأخذ مسافة من “جبهة الخلاص” (وخاصة حركة النهضة)، أكبر ائتلاف للمعارضة، والتي أعلنت اعتزامها مقاطعة انتخابات الرئاسة؛ بداعي “غياب شروط التنافس”.
ومن بين تلك الجمعيات والأحزاب المحتجة مَن ساند إجراءات سعيد الاستثنائية منذ 25 يوليو/ تموز 2021، مثل التيار الديمقراطي، ومَن عارضها منذ اللحظة الأولى، مثل حزب العمال.
تلك العودة المفاجئة لاحتجاجات الشارع في تونس تحدث مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس، مهدي مبروك بشأنها.
وقال: “فعلا تقريبا انسحبت الحركات الاحتجاجية من الشارع التونسي منذ أشهر نتيجة الإيقافات والملاحقات التي شملت عدة نشطاء منهم إعلاميين ومدونين وسياسيين”.
واعتبر أن “عودة الاحتجاجات تؤكد أهمية امتلاك الفضاء العام والتحرك خصوصا بعد الرسائل التي تلقاها النظام بأن الساحة خلت من أشكال المعارضة”.
ورأى أن “تحرك الشباب (احتجاجا) كان مهما في تزامن مع الحملة الانتخابية، والمظاهرة تريد ختم الحملة بصوت الاحتجاج”.
“المحتجون أرادوا أن يقولوا إن الحملة الانتخابية لن تكون فقط مجرد حملة بخطاب دعائي يعرِّف بالبرامج، بل هناك صوت آخر يحتج على الحملة وإدارتها وجملة التضييقات التي لاحقت جملة المترشحين”، حسب مبروك.
وبينما يقول سعيد إن المنظومة القضائية في بلاده مستقلة وإنه لا يتدخل في عملها، تتهمه المعارضة باستخدام القضاء لملاحقة المعارضين وشخصيات حاولت الترشح للرئاسة.
وفي 2 سبتمبر الجاري أعلنت هيئة الانتخابات أن القائمة النهائية للمرشحين تقتصر على 3 فقط (من أصل 17) هم: سعيد، وأمين عام حركة “عازمون” العياشي زمال (معارض) وأمين عام حركة “الشعب” زهير المغزاوي (مؤيد لسعيد).
بينما رفضت الهيئة قبول 3 مرشحين (معارضين) بدعوى “عدم استكمال ملفاتهم”، رغم أن المحكمة الإدارية قضت بإعادتهم إلى السباق الرئاسي.
وهؤلاء الثلاثة هم أمين عام حزب العمل والإنجاز عبد اللطيف المكي، والمنذر الزنايدي وزير سابق بعهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وعماد الدايمي مدير ديوان الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي.

ضجيج الشباب

وفق مبروك، فإن “المظاهرة (13 سبتمبر) أرادت بث رسالة الاحتجاج، وأن ظاهرة عزوف الشباب عن الشأن الانتخابي كانت سمة الانتخابات الماضية، والآن هناك رغبة في تعبئة الشارع والعودة بصوت الشباب إلى الحملة الانتخابية”.
وتساءل: “هل سيصل صوت الشباب إلى صناديق الاقتراع يوم الانتخابات أم لا؟ هذا كله لا نعرفه، لكن كان هناك رغبة ضمنية في أن يكون للشباب صوتهم في المعادلة الانتخابية الراهنة”.
وأردف: “قد يشكل الاحتجاج خطورة، بمعنى أن الحملة الانتخابية ستشهد أصوات أخرى من خارج المنطقة الانتخابية”.
واستطرد: “طبعا سنستمع لصوت المرشحين المنافسين لرئيس الجمهورية قيس سعيد، ولكن هناك صوتا آخر لا يخلو من ضجيج ورسائل وبلاغة، وهو صوت الشباب وصوت الشارع”.
مبروك قال إنه “منذ صعود الرئيس سعيد عام 2019 اختفت الحركات الاحتجاجية الشبابية”.
وذكر منها “حركة “مانيش مسامح” (لن أسامح/ تطالب بمحاسبة الفاسدين 2014)، وحركة “وينو (أين) البترول” (دعت لكشف الحقيقة عن الثورات الطبيعية 2015)، وحركة “الكامور” (بولاية تطاوين تطالب بتوفير فرص عمل للشباب بقطاع البترول)”.
وزاد بأن هذه الحركات “قادها شباب اليسار أو الشباب غير المهيكل أو الفوضوي الذي يقع على أقصى تخوم المشهد السياسي الرسمي.. وبعض تلك الحركات الشبابية ساند سعيد في حملته الانتخابية”.

عودة مهمة

و”عودة الشباب إلى الشارع مهمة جدا”، كما قال مبروك، و”إن كان ينتمى (الشباب) إلى عائلة وسط اليسار أو أقصى اليسار؛ وقد يكون قادما لتحرير الفضاء العام”.
واعتبر أن المشهد الاحتجاجي “يمكن أن يشجع الشباب من مختلف الانتماءات على النزول إلى الشارع بشكل سلمي ومدني وحضاري”.
وأضاف أن هذه العودة ستهدف إلى “إبلاغ صوت الاحتجاج والقول إن الانتخابات تجري في مشهد سياسي بائس علامته الإيقافات والملاحقات والتضييقات وإقصاء المترشحين ليس بحجة القانون، بل بسلطة الدولة”.
وحول إمكانية التحاق الشباب باحتجاجات بدأت منذ فترة ثم خفتت، قال مبروك: “الآن نفتقد الشروط الموضوعية لبناء الكتلة التاريخية لأسباب عديدة، منها أولا الشرخ المجتمعي”.
وتابع: “هناك خشية من أن تغذي المظاهرة (13 سبتمبر) حال الاستقطاب”، في إشارة إلى الانقسام بين أنصار جبهة الخلاص الوطني وبقية الطيف اليساري والليبيرالي المعارض لها.
وأردف أن “الكتلة التاريخية هي الوحدة الصماء التي تجتمع فيها أجسام من أجل إدراك أهداف تحت شعارات ومطالب موحدة، (لكننا) لسنا في هذه الحال مع الأسف”.
و”المظاهرة (رُفعت فيها شعارات خافتة ضد الإسلاميين) يُخشى منها تعميق الشرخ الاجتماعي، رغم بعض الإشارات التي تقول إن المنظمين يتوجهون للطيف المدني والوطني الواسع”، وفق مبروك.
وزاد بأن “الشعارات كانت أقل حدّة، ولكن لا شيء يفيد أننا قريبون من كتلة صماء يتحد فيها الفرقاء السياسيون وتتقارب النخب مع الفئات الاجتماعية”.
واستدرك: “نعم هناك إشارات متضاربة ومتناقضة وإشارات لتجميع الطيف الوطني والمدني، بقطع النظر على الانتماءات السياسية والحزبية، لإنقاذ البلاد واستئناف حالة الديمقراطية في أفق رحب يتجاوز الاستقطابات والوصم المتبادل، ولكن للأسف هناك إشارات سلبية تعود بنا إلى حالة الاستقطاب”.
مبروك تابع: “لو جاز لنا أن نقارن النخبة السياسية والمشهد السياسي والمدني في سبتمبر 2024 ونفس المشهد السياسي في 25 يوليو (2021 بداية فرض الإجراءات الاستثنائية) أو الأسابيع التي تلته، فهناك مسافات ضوئية قطعها البعض في الموقف مما حصل”.
وتشهد تونس أزمة واستقطابا سياسيا حادا منذ أن بدأ سعيد فرض إجراءاته الاستثنائية التي تضمنت حلّ مجلسي القضاء والبرلمان، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء شعبي، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
وتعتبر قوى تونسية هذه الإجراءات “انقلابا على دستور الثورة (2014) وتكريسا لحكم فردي مطلق”، بينما تراها قوى أخرى “تصحيحا لمسار ثورة 2011″، التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي.
مبروك قال إن “ما حصل وارتُكب جعل البعض يقوم بنقد ذاتي والبعض يقطع مع منظومة 25 يوليو (التي أرساها سعيد) ويقوم بمراجعات مثل المرشح عن الطيف القومي الأستاذ زهير المغزاوي”.
واستطرد: “للأسف نحن في الأمتار الأخيرة وليت هذه النخب قامت بالحوار من قبل، فقد كانت هناك عدة مبادرات، مثل مبادرة العياشي الهمامي (محام يساري أطلق مبادرة لطرح مرشح واحد ضد سعيد)”.
وتساءل مبروك: “هل كل هذه الرسائل الإيجابية للمعارضات لها القدرة على تغيير المعادلة في الأمتار الأخيرة، هذا موكول إلى رغبة الناس وقدرتهم على طي الصفحة بأسرع وقت ممكن، وإلا ربما نعود إلى الانتكاس مرة أخرى بعد الانتخابات”.

مَن يمثل الشباب؟

“الذين احتجوا لا مرشح لهم”.. هكذا علق مبروك على انتماءات المشاركين في احتجاج 13 سبتمبر.
وتابع: “لو قمنا بسبر آراء لهذا الطيف الشبابي لن يجد نفسه في قيس سعيد ولا في العياشي زمال رغم النبل الأخلاقي لهذا المترشح الذي تلاحقه المحاكمات يوم بعد يوم وفي اليوم الواحد تلاحقه 4 محاكمات في أماكن متعددة”.
وأضاف: “كما أن هؤلاء الشبان لن يجدوا أنفسهم في خطاب المغزاوي، رغم أنه حاول التدارك والقيام بمراجعات، ولذلك هم يحتجون، وإذا ذهبوا سيذهبون لمرشح الضرورة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه”.
وتابع: “هم (الشباب المحتج) في قناعتهم يبحثون عن بديل آخر خارج هذه المنظومة، ولذلك سواء فاز سعيد أو مَن ينافسه فإن هذه الدينامية الاحتجاجية سيكون لها أكثر من صولة وجولة في انتظار ترتيبات داخلية وتقريب وجهات نظر”.
ووفق مبروك سيبقى هؤلاء المحتجون “في انتظار الاتفاق على أجندة وطنية جامعة؛ لأنهم يعتقدون أيضا أن الشارع له مالك آخر ومفاتيح أخرى غير هؤلاء رغم هذه الطرقة القوية في الشارع”، في إشارة إلى مظاهرة 13 سبتمبر.
وأردف: “ربما الآن يتعظ الجميع، جبهة الخلاص التي امتلكت الشارع يوما ما، ولكن أُنهِكت بحكم الملاحقات وبعض الخلافات الداخلية”.
وزاد بأن “هؤلاء الشباب أيضا يمكن أن يكونوا وقودا للاحتجاج، ولكن بمفردهم لن يغيروا أي معادلة، خصوصا إذا استمر سعيد في السلطة وشعاراته: لا حوار ولا صلح ولا تفاوض”.
مبروك ختم حديثه بثلاثة شروط لتوحد المعارض، فـ”هم مجبرون على مزيد التنسيق والبحث عن قواسم مشتركة، وهذا لا يتحكم فيه سوى رغبة هؤلاء الناس، وقدرتهم على حسن التفاوض، والاتعاظ من دروس الماضي”.

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات