أثارت أزمة انقطاع مياه الشرب في ولاية تيارت بالشمال الغربي للجزائر، احتجاجات كبيرة لمواطنين وغلقا للطرقات، ما دفع الرئاسة للتدخل من أجل إعلان مخطط استعجالي لتزويد المنطقة بالمياه. وتمثل هذه الأزمة جرس إنذار للسلطات في ظل ما فرضه التغير المناخي من نقص لتساقط الأمطار، ما يوجب إيجاد حلول أخرى.
وشهدت ولاية تيارت، على مدار الأسبوع الماضي، خروج مواطنين للشارع من أجل الاحتجاج وغلقا للطرقات في نقاط عديدة عبر المتاريس وحرق العجلات، وهو مشهد غير مألوف منذ فترة في الجزائر. وأعرب المحتجون عن تذمرهم من استمرار قطع التموين بالمياه عنهم وهو ما حوّل يومياتهم إلى جحيم. وتحدثوا عن الوعود المتواصلة التي تلقوها من إدارة المياه دون جدوى. ويأتي هذا التذبذب في التزويد بالمياه، بسبب تراجع منسوب “سد بخدة” الذي يموّن سكان 4 بلديات في ولاية تيارت.
وتحولت هذه الاحتجاجات إلى مادة للجدل على مواقع التواصل، بالنظر إلى حجمها غير المسبوق، حيث تعرض والي الولاية لانتقادات شديدة، كما تم تحميل المسؤولية للحكومة التي لم تستبق هذه الأزمة على الرغم من الإنذارات المتكررة التي وجهها السكان. ودعا نشطاء لضرورة إجراء مسح للمناطق التي تعاني شحا في توزيع المياه لتفادي أي احتجاجات مستقبلية.
وبالنظر للمنحى الذي أخذته قضية تيارت، خصص لها مجلس الوزراء حيزا للمناقشة. ووجّه الرئيس عبد المجيد تبون، إثر ذلك، وزيري الداخلية والري بوضع برنامج استعجالي واستثنائي فور انتهاء مجلس الوزراء وخلال 48 ساعة على أقصى تقدير، لحل مشكلة تذبذب تزويد الساكنة بتيارت بالماء الشروب مع إشراك المجتمع المدني ومنتخبي الولاية في وضع هذا البرنامج الاستعجالي.
كما وجّه بإنجاز مشروع لتحويل المياه انطلاقا من منطقة شط الشرقي على مسافة 42 كلم، حيث الأشغال جارية وأسديت تعليمات رئيس الجمهورية من أجل تدعيم الورشات والانتهاء من المشروع في أجل أقصاه 20 يوما. وطلب الرئيس إنجاز مشروع تحويل مياه جوفية بمنطقة “أجرماية” من أجل تدعيم المياه الصالحة للشرب للجهة الشرقية لولاية تيارت، وإنجاز 8500 متر طولي من الآبار بما فيها التجهيز والربط بالكهرباء على مستوى ولاية تيارت، وإنجاز 4000 متر طولي لآبار استكشافية عميقة في مناطق “الرشايقة والرحوية وسيدي بختي وامشرع الصفا”، من أجل تدعيم المياه الصالحة للشرب على مستوى البلديات التي تسجل عجزا في التموين.
واستباقا للمشكل في منطقة تيزي وزو شمال شرق الجزائر، وافق مجلس الوزراء على مشروع إنجاز محطة تحلية مياه البحر بتامدة أوقمون ببلدية إفليسن، على أن تكون الدراسات التقنية عميقة ودقيقة، خاصة فيما يتعلق بالتموين بالطاقة. كما وجّه الرئيس وزير الري بالتنسيق مع وزير الطاقة للاتفاق النهائي حول المراحل التقنية.
وتراهن الجزائر في حل مشكل نقص التساقط على مشاريع ضخمة لتحلية مياه البحر، حيث تم الشروع سنة 2023 في انجاز خمس محطات كبرى لتحلية مياه البحر بطاقة إنتاجية تقدر ب 300000 متر مكعب/يوميا. وكانت الجزائر قبل ذلك، قد وضعت وحدات جديدة لإنتاج المياه المحلاة حيز الخدمة مما سيوفر كميات إضافية من هذا المورد الثمين في إطار البرنامج الاستعجالي ” مياه 2021″ على غرار محطة تحلية مياه البحر المرسى (60.000 متر مكعب/يوميا) ومحطة قورصو بومرداس (80.000 متر مكعب/يوميا) إضافة إلى تشغيل محطة المرسى (سكيكدة) بطاقة 5000 متر مكعب/يوميا.
وعانت الجزائر في السنوات الأخيرة، من ظاهرة الجفاف التي تسببت في تراجع مستويات السدود والمياه الجوفية، وهو أمر يرى مختصون أنه سيكون مستمرا في الزمن بالنظر للتغيرات المناخية الكبيرة التي يعرفها العالم، وهو ما يوجب وضع حلول استباقية من الآن. ونفذت الجزائر مشاريع عملاقة في جنوبها الكبير لضمان تزويد السكان بالمياه، أبرز مشروع نقل المياه الجوفية على مسافة تفوق 800 كلم بين عين صالح الغنية بالمياه الجوفية (الجنوب الشرقي) إلى تمنراست، ومشروع نقل المياه من حقل قطراني إلى ولاية بشار بالجنوب الغربي للبلاد. وبحسب تقديرات تتمتع الصحراء الجزائرية مياه جوفية كبيرة سمحت بتطوير الزراعة في المنطقة، وتتركز هذه المنطقة الغنية بالمياه في الحيز المشترك بين الحدود الجزائرية التونسية الليبية.
تعليقات الزوار
لا تعليقات