ما يزال موعد الانتخابات الرئاسية في تونس لم يحدد بعد وسط أزمة سياسية واجتماعية متفاقمة، واقتصر الأمر على تصريح لهيئة الانتخابات بأنها ستكون خلال الربع الأخير من هذا العام، ومن المرجح أن تكون تحديدا خلال النصف الثاني من شهر تشرين الأول/اكتوبر أو النصف الأول من شهر تشرين الثاني/نوفمبر. فالمدة الرئاسية للرئيس قيس سعيد تنتهي خلال شهر تشرين الأول/اكتوبر من هذا العام وهو الذي انتخب في نهاية سنة 2019 لولاية مدتها خمس سنوات شهدت خلالها تونس أحداثا كثيرة لعل أهمها ما حصل ليلة 25 تموز/يوليو2021.
وتقوم أحزاب عديدة في تونس بإصدار بيانات تطالب فيها بتحديد موعد الانتخابات الرئاسية بدقة وعدم ترك الأمر للحظات الأخيرة حتى يقدم المترشحون ترشحاتهم في الآجال المحددة ويكون أمامهم الوقت الكافي لإعداد ملفاتهم. فهناك تزكيات لا بد من جمعها، ووثائق لا بد من استخراجها، ومع البيروقراطية المقيتة التي تعرفها الإدارة التونسية منذ عقود قد لا يتمكن هذا المترشح أو ذاك من استكمال ملف ترشحه في الآجال في حال تواصل عدم الحسم في الموعد المحدد للاقتراع. يأتي ذلك في خضم تصاعد وتيرة الاعتقالات لشخصيات إعلامية وحقوقية تبدي آراء معارضة للحكم على غرار اعتقال الصحافيين برهان بسيس ومراد الزغيدي. ويحقق القضاء منذ إيقافهما في 11 أيار/مايو الجاري، بتهمة نشر أخبار غير صحيحة، وأصدرت المحكمة الابتدائية ضدهما حكما بالسجن لمدة عام. كما أعلن متحدث قضائي لاحقا التحقيق معهما في قضية ثانية منفصلة ترتبط بشبهة غسل أموال، وهناك صحافيون آخرون أيضا ملاحقون بتهم مختلفة.
واللافت هو مطالبة الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو أكبر نقابة في تونس، السلطة بالتخلي عن المرسوم 54 المثير للجدل، بدعوى انتهاكه لحرية التعبير في أعقاب حملة إيقافات طالت صحافيين ونشطاء ونقابيين. وطالب اتحاد الشغل في بيانه بـ«الكف عن الانتهاكات وتصفية الخصوم السياسيين».
مطالب بضبط موعد الانتخابات
وفي خضم هذا المناخ المتوتر دعت عديد الأحزاب الموالية لمسار 25 تموز/وليو وفي مقدمتها حركة الشعب، لإصدار القانون المنظم للانتخابات الرئاسية وضبط شروط الترشح لها وحملت الهيئة المستقلة للانتخابات مسؤولية ضمان شفافية العملية الانتخابية وحياد الإدارة في هذا الاستحقاق الانتخابي.
ومن أحزاب الموالاة التي طالبت بتحديد موعد الانتخابات حزب التيار الشعبي وكان أصدر بيانا دعا فيه الهيئة المستقلة للانتخابات إلى إصدار الأمر الترتيبي الذي من شأنه إيقاف الجدل المثار حول هذا الاستحقاق الذي وصفه في بيانه بالهام. كما دعا التيار الشعبي إلى ضرورة الالتزام بالرزنامة السياسية في إعادة تركيز مؤسسات الدولة وبالإسراع بإصدار القانون المنظم لعمل وصلاحيات المجالس المحلية والجهوية والإقليمية وإلى تنظيم العلاقة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم وإلى تركيز المحكمة الدستورية العليا قبل إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ودعا مؤخرا حزب تونس إلى الأمام اليساري المساند لحراك 25 تموز/يوليو إلى تنظيم الانتخابات الرئاسية في موعدها معبرا عن تمسكه بأهداف الحراك داعيا إلى التسريع بتحويلها إلى منجز واضح المعالم على حد تعبير البيان. ويرأس هذا الحزب الذي ينتمي إلى عائلة الوطنيين الديمقراطيين اليسارية النقابي والوزير الأسبق والمرشح الرئاسي الأسبق عبيد البريكي الذي أعلن في وقت سابق عن عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية، ومن المرجح أن يدعم هذا الحزب رئيس الجمهورية قيس سعيد.
مبدأ المساواة
وبالإضافة إلى أحزاب الموالاة هناك شخصيات أيضا دعت إلى الإعلان عن الموعد المحدد للانتخابات وأحزاب تنتمي إلى المعارضة على غرار جبهة الخلاص الوطني وتحالف الأحزاب الديمقراطية والتقدمية وحزب آفاق تونس والحزب الدستوري الحر. وبعض هذه الأحزاب لديها مترشحون مفترضون لرئاسة الجمهورية يقبعون وراء القضبان على غرار عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر وعصام الشابي القيادي في ائتلاف جبهة الخلاص الذي يضم عدة أحزاب وشخصيات منها الحزب الجمهوري الذي يترأسه الشابي وحركة النهضة التي ما زال رئيسها يقبع في السجن شأنه شأن الحقوقي والسياسي جوهر بن مبارك.
ولعل السؤال الذي يطرح كيف سيدير المرشحان عبير موسي وعصام الشابي حملتيهما الانتخابيتين وهما وراء القضبان باعتبار أن ذلك يمس بمبدأ المساواة وهو من شروط الانتخابات الحرة والنزيهة ويعتبر المساس به نوعا من أنواع التدليس يجعل مصداقية هذه الانتخابات على المحك. ويطرح السؤال نفسه بالنسبة إلى منذر الزنايدي الوزير الأسبق المقيم خارج الديار بفعل ملاحقات قضائية والذي يبدو أنه لن يدير حملة انتخابية في ظروف عادية في حال قدم ترشحه رسميا للانتخابات الرئاسية وهو الذي أعلن عن عزمه القيام بذلك.
ويحمل البعض المسؤولية عن الأوضاع السياسية غير الطبيعية الحالية للنظام الجديد في تونس باعتباره برأيهم يتعامل مع معارضيه بقبضة حديدية ويودعهم في السجون ولا يقبل النقد والرأي المخالف، ودليلهم على ذلك العدد المعتبر من الصحافيين الذين باتوا وراء القضبان. ولعل المرسوم عدد 54 الذي تسلط على إعلاميين وسياسيين ودعت جهات عديدة إلى إلغائه حتى في غياب محكمة دستورية عليا بالنظر إلى تعارضه مع الدستور، هو الذي كان أحد أهم الأسباب التي أطلقت يد السلطة الحاكمة في تتبع منتقدي النظام.
بينما يرى البعض الآخر أن فشل مسار العدالة الانتقالية بعد الثورة في تونس هو الذي تسبب في ما وصلت إليه الأوضاع حيث لم يقع فتح كل الملفات.
استحقاق تاريخي
ويبدو أن هيئة الانتخابات بصدد دراسة مشروع روزنامة الانتخابات وستتم خلال الأيام المقبلة المصادقة عليها بمعية القرار الترتيبي المتعلق بشروط الترشح، كما أن الانتخابات لن تتجاوز على ما يبدو يوم 23 تشرين الأول/اكتوبر. وفيما يتعلق بتعديل شروط الترشح، سيقتصر الأمر على ملاءمة الشروط الواردة في القانون الانتخابي لسنة 2014 مع الشروط الواردة في دستور سنة 2022 وذلك بإضافة شرط السن والجنسية وشرط التمتع بالحقوق المدنية والسياسية مع ضرورة تقديم بطاقة السوابق العدلية.
ويؤكد جل المحللين على أن هذه الانتخابات خلافا لما سبقها من انتخابات تشريعية ومحلية، ستشهد نسبة إقبال معتبرة باعتبار أن الشعب هو «شعب رئاسي» يعتقد، حسب عمليات سبر آراء سابقة، أن الرئيس هو القادر وحده على حل مشاكله وليست المجالس المحلية والبرلمانات. كما أن الأحزاب المعارضة التي قاطعت الانتخابات التشريعية والمحلية لن تقاطع الانتخابات الرئاسية وستكون حاضرة بمرشحيها وأنصارها وشارعها فهي أيضا ترى في منصب الرئاسة الوسيلة التي تمكنها من التغيير ومن تحقيق برامجها خاصة مع ما بات يتمتع به رئيس الجمهورية من صلاحيات واسعة بمقتضى دستور سنة 2022 وذلك خلافا لما كان عليه الحال مع دستور سنة 2014.
ويؤكد هؤلاء أيضا بأن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون علامة فارقة في تاريخ تونس، فإما أن يشهد البلد انطلاقة ديمقراطية جديدة تساعده على البناء لقادم السنوات أو تحصل انتكاسة ديمقراطية إذا لم تحسن الهيئة إدارة هذا الاستحقاق. وبالتالي فهيئة الانتخابات ستلقى على عاتقها مسؤولية تاريخية في تنظيم هذه الانتخابات وعليها أن تبرهن للمشككين بأنها قادرة على رفع التحدي وعلى المحافظة على استقلاليتها وتقف على مسافة واحدة من جميع المترشحين في هذا الاستحقاق السياسي الهام.
تعليقات الزوار
هههههه
تونس ستذهب الى الجحيم لا محالة فهي تغرق كل يوم. تيس تعيس هلكها...ههههههه