عيد لم يشبه عيد من قبل اذ ألقت الحرب ضد الشعب الفلسطيني، ظلالها فلم تتوقف المذابح مع انتهاء الشهر الفضيل وحلول العيد، بينما واصل الغزيون نضالهم بمفردهم. أما المجاعة فما زالت تخيم على القطاع خاصة في شماله، بينما واصلت الإدارة الأمريكية دعم ربيبتها إسرائيل بمزيد من الأسلحة لتنفيذ مهمتها الرامية لإبادة قطاع غزة. وبينما سقط أبناء المناضل إسماعيل هنية وأحفاده شهداء في أرض الرباط، من المفارقات أن المذبحة نفسها كانت سببا في تبرئة ساحته ورفاقه من تهمة ارتكبها خصوم رموز المقاومة وأفرادها، إذ انتشرت منذ بداية الحرب أكاذيب مفادها، أن قيادات حماس وعلى رأسهم إسماعيل هنية اصطحبوا أسرهم للإقامة معهم في قطر، ما أوقع العديد من مروجي الأكاذيب في حرج بالغ ويتعرضون منذ أول أيام العيد لهجوم واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي خطوة أثارت ترحيبا واسعا في أوساط المثقفين والمهتمين بدعم الشعب الفلسطيني أعلن الفنان التشكيلي المصري الشهير محمد عبلة عن قراره بإعادة وسام “غوته”، الذي منحته إياه ألمانيا عام 2022، احتجاجا على الموقف الألماني من الحرب في غزة. وقال عبلة في بيانا نشره على صفحته في فيسبوك “أعلن أنا محمد عبلة الفنان التشكيلي المصري والحاصل على وسام غوته الألماني عن استيائي وإدانتي للموقف الرسمي للحكومة الألمانية تجاه المذابح والإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني”. “الآن وبعدما عايشنا جميعا الموقف المشين للحكومة الألمانية تجاه ما يحدث من إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني في غزة، ودعمها المطلق وغير المشروط لمن يمارسون القتل والتطهير العرقي تجاه مدنيين عزل، غالبيتهم من الأطفال والنساء، أرى أنه لا يستقيم أن أظل محتفظا بهذا الوسام رغم قيمته الأدبية، وبات لزاما عليّ أن أتبرأ منه، متخيلا أن الشاعر العظيم غوته، لو كان بيننا الآن لأيد موقفي هذا ودعمه، بل تبرأ من موقف حكومته، لأن كل ما أنجزه من إحياء لقيم الكرامة الإنسانية واحترام الآخر يذهب هباء الآن”. وأضاف في تصريح له: “بعد الأحداث الأخيرة والدعم القوي من ألمانيا لإسرائيل شعرت بالتناقض الشديد بين ما تقوله ألمانيا وما تفعله”. كان محمد عبلة أول فنان عربي يحصل على هذا الوسام، الذي يعتبر أعلى وسام ألماني، تقديرا لمشواره الفني، ولقيامه بدور همزة الوصل بين مصر وأوروبا في مجال الفنون التشكيلية.
ومن الأخبار المعنية بنزلاء السجون الجنائيين: عقد قطاع الحماية المجتمعية في وزارة الداخلية لجانا لفحص ملفات نزلاء ونزيلات مراكز الإصلاح والتأهيل على مستوى الجمهورية، لتحديد مستحقي الإفراج بالعفو عن باقي مدة العقوبة، تنفيذا لقرار رئيس الجمهورية، بمناسبة الاحتفال بعيد الفطر المبارك. وانتهت أعمال اللجان إلى انطباق القرار على 3438 نزيلا ممن يستحقون الإفراج عنهم بالعفو، إذ تم الإفراج عنهم خلال احتفالية في مقر قاعة الاحتفالات في مركز إصلاح وتأهيل العاشر من رمضان. وأعرب أهالي المفرج عنهم عن سعادتهم البالغة لما لمسوه من تغيير في سلوكيات أبنائهم، وتقدموا بالشكر للرئيس السيسي على منح ذويهم فرصة جديدة للانخراط داخل المجتمع..
لماذا الآن؟
بعد نصف عام من الإبادة، أخطر بايدن نتنياهو بأن موقف إدارته من إسرائيل سيتحدد بناء على تقييم أمريكا لما سمّاه «خطوات محددة وملموسة وقابلة للقياس» للتخفيف من «معاناة المدنيين وتعريضهم للخطر، وحماية العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية». وطالبه، حسب الدكتورة منار الشوربجي في “المصري اليوم” بمنح فريق التفاوض صلاحيات أوسع تسمح بالتوصل لوقف إطلاق النار وعودة الأسرى. ومع ذلك أكد بايدن لنتنياهو في نهاية الاتصال أن بلاده تدعم إسرائيل «بقوة» ضد «التهديدات الإيرانية». ولم يحدد بايدن، ولا رموز إدارته، طبيعة التغيير في السياسة الأمريكية الذي هدد به حال عدم امتثال إسرائيل. والاشتراطات الأمريكية تلك جاءت كلها بعد واقعة مؤسسة «المطبخ المركزي العالمي»، التي اغتالت فيها إسرائيل سبعة يعملون في المؤسسة في مجال الإغاثة الإنسانية. وطالبت أمريكا ومعها دول غربية أخرى بفتح تحقيق جاد في الحادث، لكن ما يهمنا هو لماذا الآن؟ أي ما الذي جعل بايدن ينتفض متوعدا الآن فقط؟ فهو بنفسه اعترف في تصريحات عشية واقعة «المطبخ العالمي» أن «تلك ليست حادثة منفردة»، مضيفا أن أعداد الضحايا من العاملين في مجال الإغاثة في غزة من بين الأعلى في العالم. فما الذي يجعل أمريكا الرسمية تنتفض الآن، بينما لم يسمع لها صوت في أي من المرات التي استهدفت فيها إسرائيل ما يزيد على 180 من العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي؟ ثم إن نص ما قاله بايدن لنتنياهو بخصوص رفع «المعاناة الإنسانية وتعريض المدنيين للخطر»، يجعل التصريحات برمتها مثيرة للشفقة.
لأنهم بيض
إدارة بايدن لم تحرك ساكنا حال استشهاد أكثر من 33 ألف مدني في غزة، وشاهدت معاناة مئات الآلاف من النازحين الذين يعيشون في مخيمات الإيواء منذ شهور، ووفقا للدكتورة منار الشوربجي يتعرضون لمجاعة تفرضها إسرائيل عمدا. أكثر من ذلك، فمذبحة مجمع الشفاء الطبي جرت قبل ساعات من واقعة اغتيال أفراد الإغاثة في المطبخ العالمي، فبررتها أمريكا الرسمية، بزعم أن حماس كانت تستخدم المجمع الطبي مقر لعملياتها ولتخزين الأسلحة. وهو تبرير شككت في صحته “واشنطن بوست” و”سي أن إن”، اللتان لم يعرف عنهما يوما «التعاطف» مع حماس، فما الذي جعل الإدارة لا تعتبر ما تعرض له المرضى والطاقم الطبي في المستشفى من قبيل المعاناة التي تحدث عنها بايدن؟ ولماذا لم يعتبر بايدن وفريقه ما جرى في مجمع الشفاء من قبيل «تعريض المدنيين للخطر»؟ ومفتاح الإجابة يكمن بكل تأكيد في تفاصيل واقعة اغتيال العاملين في المطبخ العالمي. فالواقعة كانت المرة الأولى التي تستهدف إسرائيل فيها «الأجانب» تحديدا ممن يعملون في مجال الإغاثة الإنسانية في غزة. فقد كان بينهم فلسطيني واحد، يعمل سائقا ومترجما للفريق، بينما يحمل الآخرون جنسيات غربية، بما فيها الأمريكية. فمن المعروف دوليا أن العاملين في الإغاثة عادة ما تكون أغلبيتهم الساحقة من أبناء البلد الذي تدور فيه الحرب. وبالنسبة لي، ولقراء هذه الجريدة بكل تأكيد، فإن اغتيال عمال الإغاثة الإنسانية جريمة حرب، سواء كان من قضوا فيها من الأجانب أو من الفلسطينيين، وسواء كان هؤلاء الأجانب سبعة، أو حتى فردا واحدا فقط. لكن الأمر يختلف كثيرا، على ما يبدو، عند إدارة بايدن والحكومات الغربية التي انتفضت، هي الأخرى، كما انتفض بايدن عند اغتيال الغربيين. ففي المنطق الاستعمارى القديم، لا تزال حياة الغربيين أغلى، عندهم، من حياة غير البيض في كل مكان من جنوب هذا العالم.
طائرة يتيمة
أخيرا تحركت طائرة واحدة من لندن، وألقت حفنة من الوجبات على جوعى غزة، في حين تهدر الحكومة البريطانية 150 مليون وجبة طعام سنويا، ولا تعبأ بتحول أجساد أطفال غزة إلى هياكل عظمية، حتى قدرتهم على التعبير عن آلامهم لم تقو على الصراخ، واقتصرت أوجاعهم بأنين العصفور، يقول حسين خيري في “الأهرام”، تتنافس الدول الشقيقة في الاتحاد الأوروبي مع بريطانيا، وتهدر 22 مليون طن كل عام، ورغم ذلك بريطانيا تعتلي قمة الأسوأ في حجم النفايات الغذائية. خلفية هذا المشهد أنه بعدما امتلأت بطون حكومات تلك البلدان الأوروبية، تلقي ما تبقى من طعامها في القمامة، الذي يقدر بملايين الأطنان، ثم تعقد اجتماعاتها لبحث سبل دعم إسرائيل بالسلاح والمال، ويكشف موقع فرنسي عن الوجوه الأوروبية البغيضة في دعمها اللامحدود لدولة الكيان الصهيوني المغتصب. ينشر موقع “ميديا بارت” الفرنسي تقريرا يشير إلى تسابق دول مثل، النمسا والمجر والتشيك، في ما بينها لتقديم أفضل دعم لآلة القتل الصهيونية، وينقل الموقع صور وضع الزينة داخل وحول أحد أكبر الملاعب الرياضية في المجر، بألوان العلم الإسرائيلي في شهر فبراير/شباط الماضي، ويلفت الموقع النظر إلى تزعم الرئيس المجري فيكتور أوربان الاحتفال، ويصور الموقع رفع يديه من منصته داخل الملعب، ليشكر ضيفه المتحدث الإسرائيلي. ويقر الموقع الفرنسي بأن أوربان الرئيس المجري من المقربين جدا لنتنياهو، ولا يختلف عنه كثيرا المستشار النمساوي كارل نيهامر في دعمه المطلق للكيان الصهيوني، بحجة الحرب على الإرهاب، والدول الثلاث النمسا والمجر والتشيك عارضت في الأمم المتحدة وقف إطلاق النار على غزة، ولا تتحرك أمام إلقاء الأطنان من طعامهم، ولا تلقي بالا باحتراق أجساد شعب غزة من الجوع والعطش. وتفضل حكومات الدول الصناعية إنفاق مليارات الدولارات على تخلصها من أطنان بقايا طعامهم، وفي واشنطن تتطابق سياستهم كذلك في هدر الطعام، وتلقي الولايات المتحدة الأمريكية بنحو نصف طعامها في القمامة، وتبلغ قيمته نحو 165 مليار دولار. وتتضح فلسفة حكومات الدول الصناعية الكبرى أنها تفضل إنفاق مليارات الدولارات من أجل التخلص من ملايين الأطنان من بقايا طعامهم، ولا تقبل إنفاقها على تغليف الفائض من وجباتهم وتوزيعها على الجوعى في أنحاء العالم، خاصة في افريقيا وآسيا، بالإضافة إلى عدائها الكامن في صدرها تجاه المسلمين والفلسطينيين أصحاب الأرض.
نخجل من الفرح
نعم.. موجوعون، فالوجع أشمل وأعم وأعمق من الألم.. وثبت أن كل من هو إنسان في مختلف بقاع الأرض موجوع معنا، مما يفعله الصهاينة وتدعمه حكومات الغرب، ورغم الوجع إلا أن أحمد الجمال في “المصري اليوم”، يرى أن التفاؤل واجب لأنه لن يصح إلا الصحيح، ولن يحق إلا الحق، لأنها سنة الله في خلقه مهما طال المدى، ولذا فربما جاز لنا بذلك التفاؤل أن نتبادل التهاني بالعيد.. فكل عام والجميع بخير. وبمناسبة العيد.. وفي ظل الظروف الصعبة أتذكر الحوار الذي أقامه الشاعر أبوالطيب المتنبي مع العيد.. ولذلك الحوار قصة كانت مصر طرفا فيها.. إذ ارتحل الشاعر من سوريا إلى مصر، وقد اعتقد أنه سينال من حاكمها آنذاك أكثر مما ناله من حكام في بلاد أقل ثراء من مصر، وكان منهم سيف الدولة الحمداني وابن العميد وابن بويه الديلمي.. ووصل المتنبي مصر وبدأ في مدح حاكمها آنذاك، وهو كافور الإخشيدي، الذي امتنع تماما عن بذل أي درهم للمتنبي، وكانت حجته أنه رغم ثراء مصر، ورغم وجود الأموال وكثرة النعم إلا أنه كحاكم يعتبر أن هذه الثروات مال أيتام، وهو- أي كافور- وصي عليهم وعلى أموالهم التي يأكل نار جهنم في بطنه من يأكلها.. وبالطبع فإن نار الحسرة وألم الخذلان وإحباط الأمل في هبة ثمينة أكلت جوف ونفس المتنبي، فخرج من مصر محسورا مخذولا ينشد النجاة بجلده، وتحولت قصائده من مدح كافور إلى هجائه بأبشع وأبلغ فنون شعر الهجاء.. وجاء مطلع قصيدته وكأنه حوار مع العيد، الذي يبدو أنه حلّ عليه وعلى أسرته بعد خذلانه، وربما كان متعشما أن يحصل من كافور- حاكم مصر- ما يغنيه ويجعله يعيش عيدا سعيدا مترفا هو وأسرته، وفي البيت الأول يقول المتنبى: عيد بأية حال عدت يا عيد.. بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديد.. أمّا الأحبّة فالبيداء دونهم.. فليت دونك بيدا دونها بيد.. لولا العلا لم تجب بي ما أجوب بها.. وجناء حرف ولا جرداء قيدود ثم يقول: لم يترك الدّهر من قلبي ولا كبدي.. شيئا تتيّمه عين ولا جيد.
مجرمون طلقاء
استمعت محكمة العدل الدولية إلى القضية التي رفعتها نيكاراغوا ضد ألمانيا، واتهمتها فيها بانتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية من خلال تزويد إسرائيل بالمساعدات العسكرية والمالية، ومطالبة بوقف هذه المساعدات. ومن المهتمين بالقضية عبد الله عبد السلام في “الأهرام”: سفير نيكاراغوا في هولندا قال: “لا يهم إذا جرى تسليم قذيفة مدفعية مباشرة من ألمانيا إلى دبابة إسرائيلية أو وضعها في المخزون الإسرائيلي”. كل ما قاله صحيح ودقيق. ألمانيا تستحق المحاكمة على دعمها المطلق وغير المنطقي لإسرائيل، لكن هناك آخرين يستحقون المحاكمة أكثر منها. أمريكا فعلت أكثر من ألمانيا عشرات المرات منذ اللحظة الأولى لاندلاع العدوان عقب هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. أحدث الأسلحة جرى شحنها لإسرائيل. آلاف الأطنان من الذخيرة والعتاد العسكري الأمريكي كانت وما زالت في طوعها. الدعم المعنوي والسياسي والإعلامي لم يحدث لدولة أخرى. المسؤولون الأمريكيون تصرفوا باعتبارهم مسؤولين إسرائيليين. بايدن قال إنه صهيوني ووزير خارجيته تعامل مع الوضع كشخص يهودي من واجبه أن يدعم إسرائيل ظالمة أو مظلومة. جرت التغطية على حالة الفجور الإسرائيلية، وعندما ضج العالم بالموقف الأمريكي كان التراجع لفظيا. ففي الوقت الذي كان بايدن ينتقد سلوك نتنياهو، نشرت الصحف الأمريكية أن أسلحة أمريكية جديدة في طريقها لإسرائيل. لماذا لم ترفع دولة قضية ضد أمريكا الداعم الأول والرئيسي للعدوان؟ هل لأن هناك خوفا من رد الفعل الأمريكي العنيف؟ ومع ذلك، فإن القضية المرفوعة ضد ألمانيا شديدة الأهمية، لأنه في حالة إصدار المحكمة قرارا يُلزم ألمانيا بوقف مساعداتها العسكرية لإسرائيل، ستكون هناك عواقب وخيمة على الدول الأخرى بما فيها أمريكا، بل إن مداولات المحكمة حول هذه القضية ستلقي الضوء على ممارسات دول كبرى ساهمت في تأجيج العدوان وتشجيع إسرائيل على مواصلته. ومن المهم، أن نتذكر أن جنوب افريقيا هي أول من فتح المجال لمحاسبة الجناة برفعها قضية ضد إسرائيل مطالبة بوقف العدوان الذي اعتبرته إبادة جماعية.
قاتل ضعيف
يحاول نتنياهو أن يبدو في صورة الرجل القوى الذي يقف في وجه الرئيس الأمريكي بايدن، والذي يستمر في حرب الإبادة التي لم يعد أحد في العالم يقبل استمرارها، أو يتحمل أن يكون شريكا فيها. ويحاول نتنياهو حسب جلال عارف في “الأخبار” توظيف ذلك في تثبيت قيادته لزعماء وعصابات اليمين المتطرف، ليبقى يدعمهم في رئاسة الحكومة رغم الفشل والفساد والمحاكمات التي تنتظره، لكن الثمن فادح والمخاطر كبيرة، والأزمة لم تعد بين نتنياهو وبايدن كما يريد مجرم الحرب الإسرائيلي أن يصورها. الأزمة أصبحت تهدد العلاقات الاستراتيجية بين أمريكا والكيان الصهيوني، الذي أصبح بالنسبة لأغلبية الأمريكيين عبئا من الصعب استمرار تحمله، وأصبح بالنسبة لجزء كبير من النخبة السياسية تهديدا حقيقيا للمصالح الأمريكية ولما تبقى من مكانة سياسية وأخلاقية لدى شعوب المنطقة والعالم. الرئيس الأمريكي جدد الغضب وبصورة أشد في حوار تلفزيوني، حيث أكد أن إدارة نتنياهو للحرب خاطئة. وقال إنه يدعو الإسرائيليين فقط لإعلان الموافقة على وقف إطلاق النار، والسماح خلال الستة أو الثمانية أسابيع المقبلة، بوصول كل المواد الغذائية والأدوية إلى غزة. ورغم أن الحديث ما زال في نطاق الهدنة المحددة المدة فإن ما يطرحه بايدن يعني أن المشكلة هي إسرائيلية والقرار المطلوب كذلك، وأن المسؤولية تقع على الإدارة الخاطئة للحرب من جانب نتنياهو، الذي ما زال يواصل أخطاءه، ويعلن – في اليوم نفسه – أنه لن توقفه قوة في العالم عن الاستمرار في الحرب «حتى في رفح»، رغم أن وزير دفاعه كان قد سارع للاتصال بواشنطن، ليؤكد أن ما يقوله نتنياهو عن تحديد موعد لاقتحام رفح ليس صحيحا لم تعد المشكلة خلافا بين بايدن ونتنياهو. حتى يهود أمريكا انضموا في معظمهم إلى المعارضين لاستمرار حرب الإبادة والمطالبين بإنقاذ إسرائيل من جنون نتنياهو وحلفائه من زعماء عصابات الإرهاب. بينما الداخل الإسرائيلي يغلي من استمرار الفشل واستمرار الحرب لكي يبقى نتنياهو بعيدا عن السجون، ومن عزلة دولية، ومن ثأر فلسطيني لن يتوقف إلا حين يتحقق العدل وينتصر القانون ويحاكم مجرمو الحرب على ما ارتكبوه من جرائم في حق فلسطين.. والإنسانية كلها.
لن تنجو
ستُجْبَر إسرائيل قريبا على أن تكشف علنا مخاوفَها، التي تحاول إخفاءها الآن حتى عن الجمهور الإسرائيلي، من الدعاوى التي تُثار ضدها أمام محكمة العدل الدولية. فبينما لا يزال فريقها القانوني الذي يتابع خطواته أحمد عبد التواب في “الأهرام” مشغولا في الردود والتعقيبات المتبادَلة مع دولة جنوب افريقيا، التي كان الإسرائيليون يظنون أنها بعيدة جغرافيا وسياسيا عن جرائمهم ضد الفلسطينيين، إلا أنها حرَّكت دعوى ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، لاستصدار حكم بإدانتها بجريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، انتهاكا للاتفاقية الدولية لمنع الإبادة الجماعية. ثم إذا بنيكاراغوا، التي هي أبعد كثيرا من جنوب افريقيا، تحرك دعوى أخرى ضد ألمانيا تتهمها فيها بأنها تساعد إسرائيل على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية. ولا تدرى إسرائيل مَن تكون الدولة الثالثة في مقاضاتها، ومَا سوف يأتي بعدها من النتائج الكثيرة المهمة لهذه الدعاوى، القائمة والأخرى المتوقعة في الطريق، إنها تضع إسرائيل ومؤيديها في موقف الدفاع، الذي لا يجد وسيلة إلا الكذب، في أداء مفضوح أمام العالم، الذي بدأ يلعب فيه الرأي العام للشعوب دورا مهما إزاء الجرائم البشعة لإسرائيل، ولم تجد إسرائيل مفرا إلا إنكار الحقائق عن أفعال الإبادة التي ترتكبها، رغم مئات الأدلة المادية المرفقة ضدها، وها هي ألمانيا تكرر الموقف نفسه، في الدعوى الثانية من نيكاراغوا، التي طلبت من المحكمة إجراءات مؤقتة منها أن تعلق ألمانيا مساعداتها إلى إسرائيل، خاصة العسكرية منها، وقالت في دعواها أن ألمانيا واحدة من أقوى حلفاء إسرائيل، وأنها قد ورَّدت إلى إسرائيل، فقط عن العام الماضى 2023، من المعدات العسكرية وأسلحة بأكثر من 350 مليون دولار. وتعليقا من سفير نيكاراغوا عن ادعاء ألمانيا بأنها تدعم إسرائيل للدفاع عن نفسها، قال السفير متهكما: (إن ألمانيا غير قادرة على ما يبدو على تحديد الفرق بين الدفاع عن النفس، وارتكاب جرائم الإبادة). أما ألمانيا، فقد استنكرت تحريك هذه الدعوى ضدها واتهمت نيكاراغوا بالانحياز بشكل صارخ ضد إسرائيل.
عاجلا أو آجلا
يرى يسري السيد في “فيتو”، أن إسرائيل تحاول الآن الهروب للأمام على عكس ما يعتقد البعض.. أقصد الخروج بالحرب من الداخل إلى الخارج بتوسعة نطاق الحرب لتكون إقليمية في مرحلة أولى، لتضمن التدخل المباشر للبيت الأبيض وحلفائه، لإنقاذها من المأزق الداخلي والمستنقع الذي غاصت فيه في غزة، وفي مرحلة ثانية، قد تسعى لتطوير الحرب الإقليمية إلى حرب عالمية ولو محدودة، حتى ترسخ استمرار الهيمنة الأمريكية والقطب الواحد مستغلة انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا. والسبب أن حرب غزة التي امتدت لأكثر من 6 أشهر، وما زالت مستمرة أصبحت تشكل أكبر حرب استنزاف لإسرائيل عسكريا واقتصاديا وبشريا منذ قيامها، بل أكبر حرب خاضتها إسرائيل زمنيا في مواجهتها مع العرب منذ قيامها، وسببت لها هزيمة سياسية دولية على كل الأصعدة، وفي مقدمتها الشعور الشعبي الغاضب ضدها في العديد من دول العالم، ولم تنفع معها الدعاية الصهيونية وترويج الأكاذيب مع البث المباشر على الهواء للمجازر وحرب الإبادة التي تقوم بها ضد شعب أعزل. وإذا كانت حروب المدن محسومة دائما لصاحب الأرض، حتى إن ارتفعت الخسائر للحد الذي يوحي بعكس النتيجة المعروفة.. المهم ما أعتقده من سعى إسرائيل للهروب للأمام قد يدعمه عدة تحركات وتوجهات على الساحة الآن.. منها أولا: محاولة لمّ الكرامة المبعثرة وتضميد الهيبة المجروحة للكيان العسكري الإسرائيلي في حرب غزة، بل والكيان الصهيوني بأكمله، باختراق حماس والجهاد وباقي فصائل المقاومة للمستوطنات وللكيان الصهيوني في عقر داره يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ردا على أفعال إسرائيل في غزة منذ سنوات. يعني أثبت مقاتلو حماس وهم وزيف الموساد والجيش الذي لا يقهر، والأسوار العالية وأنظمة المراقبة والرادارات.. من وسائل حماية أسقطها مقاتلون لا يملكون ما يملكه الكيان الصهيوني من قوة وتقدم ثانيا: عدم تحقيق الكيان الصهيوني نصرا عسكريا كبيرا في غزة، فضلا عن الخسائر في جنوده ليسوقه للداخل مبررا هجومه على غزة منذ 7 أكتوبر الماضي. ثالثا: حجم المعارضة الشعبية التي تواجهها حكومة الكيان، والتي وصلت للمطالبة بانتخابات مبكرة لإبعاد نتنياهو بسبب فشله، لذا تسعى إسرائيل للخروج من المأزق إلى الهروب للأمام بتوسعة الحرب الداخلية إلى حرب إقليمية.
الردع المطلوب
جاء حكم المحكمة العسكرية ضد فساد مستشار وزير التموين وعصابته تأكيدا لسيادة القانون، وتحقيقا لما يمكن أن نطلق عليه تعبير «الردع المنشود». ويرى الدكتور محمد حسن البنا في “الأخبار” أن الحكم بالسجن المشدد والغرامة ومصادرة الأموال والمنشآت المخالفة على من كانوا ذوي سلطان، يدلنا على كثير من الشواهد. الناس في هذا العهد سواسية أمام القانون، ولا أحد فوق القانون مهما كان منصبه، ومن يلعب في أقوات الشعب مصيره السجن. وفوق ذلك أن أي تهاون أو تقاعس أو فساد أو إهدار لمخصصات الدعم التمويني فإن مصيرها، وفق الدستور والقانون أمام المحكمة العسكرية، التي تتميز بالعدالة والسرعة والإنجاز. وأنصح كل مسؤول عن أقوات الشعب وأسعار السلع أن ينتبه إلى العتاب الذي وجهه الرئيس السيسي منذ أيام للتجار، بأن الدولة قدمت لهم العديد من التسهيلات ولا داعي لرفع الأسعار. هو توجيه يلزمهم بأن يراعوا المصلحة العليا للوطن. وأن يكسبوا بالحلال وبنسبة ربح معقولة من دون جشع، من أجل استقرار الوطن. أما الدعم التمويني لمحدودي الدخل فإنه مستمر، من أجل حياة كريمة للمواطن. ومن يفكر في إفساده وسرقته فإن مصيره المحكمة العسكرية، تطبيقا للقانون الجديد رقم 3 لسنة 2024 بشأن تأمين وحماية المنشآت والمرافق العامة والحيوية في الدولة. وتنص المادة الرابعة على أن تخضع الجرائم التي تقع على المنشآت والمرافق العامة والحيوية والخدمات التي يسرى عليها أحكام هذا القانون لاختصاص القضاء العسكري. وينص على تعاون مأموري الضبط القضائي بالقوات المسلحة في جميع الإجراءات المقررة قانونا لمأموري الضبط القضائي بالشرطة لمواجهة الأعمال أو التعديات التي من شأنها الإخلال بسير عمل المرافق العامة والحيوية في الدولة، أو الخدمات التي تؤديها وبالأخص الجرائم التي تضر باحتياجات المجتمع الأساسية، من سلع ومنتجات تموينية. وفي أول قضية تنظرها حكمت بالسجن المشدد لمستشار وزير التموين وآخرين لإدانتهم بارتكاب جرائم حجب السلع التموينية والرشوة.
كيف أصبحنا؟
كل الناس ماسكين سكاكين وخناجر وراء ظهورهم، لبعضهم بعضا هكذا اكتشف خالد حمزة في “المشهد”، حجم ما اعترانا من انهيار في المنظومة الأخلاقية، لا أحد يفى بوعده. ولا أحد يبقى الخير له أو لغيره. ولا أحد يعرف فضيلة العفو عند المقدرة، تحول معظم الناس لمقولة واحدة: أخطف وأجري.. مصلحتي ثم مصلحتي.. ولا شيء من قبل ولا من بعد، هل هي ضغوط الحياة وضيق العيش ورداءة الحال؛ أم هو ضعف الإيمان وفساد الأخلاق؛ واللي تغلب به ألعب به؛ وزمن الفهلوة والتهليب.. دون وازع أو ضمير؟ قديما.. في عهد عمر بن الخطاب؛ جاء ثلاثة أشخاص ممسكين بشاب؛ وقالوا لعمر: نريدك أن تقتص لنا منه.. لقد قتل أبانا. ولماذا قتلته؟ أنا راعي غنم.. وأحدهم أكل شجرة من أرض أبوهم فضربه أباهم بحجر فمات؛ فأمسكت بالحجر وضربته فمات. سأقيم عليك الحد. أمهلني ثلاثة أيام فقد مات أبي وترك لي كنزا أنا وأخي؛ فإذا قتلتني ضاع الكنز؛ وضاع حق أخي. ومن يضمنك؟ هذا الرجل. يا أبا ذر هل تضمنه؟ نعم يا أمير المؤمنين. إنك لا تعرفه.. وإن هرب أقمت عليك الحد أضمنه. وذهب الشاب ومر اليوم الثالث والناس قلقة على أبي ذر؛ حتى لا يقام عليه الحد جاء الرجل وهو يلهث ووقف أمام عمر قائلا: سلمت الكنز لأخي، وأنا تحت يدك لتقيم عليّ الحد. وما الذي أرجعك؟ خشيت أن يقال لقد ذهب الوفاء بالعهد من الناس. وسأل عمر أبا ذر: لماذا ضمنته؟ خشيت أن يقال لقد ذهب الخير من الناس. فتأثر أولاد القتيل فقالوا لقد عفونا عنه. ولماذا؟ نخشى أن يقال لقد ذهب العفو من الناس.. وكل عام وأنتم بألف خير.
درس من الجنوب
في الرابع والعشرين من مارس/آذار الماضي، أُجريت الانتخابات الرئاسية في السنغال، التي أسفرت عن فوز مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي بأكثر من 54% من الأصوات من الجولة الأولى، متفوقا على أمادو با مرشــح ائتلاف «بينو بوك ياكار» (متحدون من أجل الأمل) الحاكم في البلاد.. وحسب عمرو وجدي في “الشروق” تقدم السنغال بهذه الانتخابات، التى شهد مراقبون أوروبيون وافارقة على نزاهتها وشفافيتها، نموذجا مميزا للتداول السلمي للسلطة، لاسيما في منطقة غرب افريقيا المضطربة سياسيا، التي تهيمن عليها مؤخرا موجة من الانقلابات العسكرية، كما أنها تكرس لمفهوم الاستقرار والحكم المدني منذ استقلالها عن فرنسا في عام 1960. وجاءت هذه الانتخابات أيضا لتؤكد أن إرث الديمقراطية في السنغال هو ممارسة ثابتة وليست شكلية، خاصة بعد تقبّل الحزب الحاكم للخسارة. أظهر الشعب السنغالي وفاءه لتقاليده التي دأب عليها منذ الاستقلال، وذلك بتمسكه بالتغيير السلمي عبر صناديق الاقتراع، بخلاف معظم الدول الأخرى في المنطقة التي آلت فيها السلطة بالسلاح والانقلابات والتمرد، وهو ما انعكس في مشاركة قرابة 7 ملايين ناخب في الانتخابات، وسط أجواء هادئة وإقبال واسع من الشباب، وبلوغ نسبة المشاركة 65%، بنسبة أعلى من نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية والتشريعية الماضية، التي لم تتجاوز فيها نسبة المشاركة عن 50٪. استعاد باسيرو ديوماي فاي حريته، بعد أن أمضى 11 شهرا في السجن بتهمة ازدراء المحكمة والتشهير ونشر أخبار كاذبة، وتم إطلاق سراحه بالتزامن مع إطلاق سراح زعيمه ورفيق دربه عثمان سونكو مؤسس ورئيس الحزب المعارض «حزب الوطنيين الأفارقة في السنغال للعمل والأخلاق والأخوة (باستيف)»، والمسجون منذ يوليو/تموز 2023.
أيام فرنسا الأخيرة
يشكل انتخاب فاي تغييرا تاريخيا في انتقال السلطة في السنغال، ذلك لأنها المرة الأولى وفق ما أخبرنا عمرو وجدي التي لا يترشح فيها رئيس منتهية ولايته، ولم يسبق له أن تولّى أي منصب وطني، كما أنه أصبح خامس رئيس للسنغال وأصغر الرؤساء سنا في تاريخ الدولة الواقعة في غرب افريقيا. وصول فاي للحكم قد ينهي الارتباط الخاص القديم بين السنغال وفرنسا، حيث برنامجه الانتخابي دعوة صريحة لمراجعة العلاقات مع فرنسا وإعادة بنائها على قاعدة الندية وتبادل المنافع والمراعاة الحرفية لسيادة السنغال واستقلالية قراره. يندرج هذا التوجّه ضمن مطلب فاي بإعادة التفاوض حول اتفاقيات التعاون الدفاعي المبرمة مع فرنسا، بالإضافة إلى نيته المعلنة في مراجعة اتفاقيات الغاز والنفط والصيد مع شركاء السنغال، على نحو يحقّق أكبر استفادة ممكنة منها للبلاد. ولم ينكر فاي عمق علاقات بلاده التاريخية مع فرنسا خلال حملته الانتخابية، ولكنه أكد رفضه أن تكون هذه العلاقة على حساب السنغال، أو أن تكون حائلا أمام مشروع تنويع تعاون بلاده أمنيا وعسكريا مع شركاء دوليين آخرين. كما تعتبر رؤية فاي لفرنك المجموعة المالية الافريقية (XOF) الموروث عن الحقبة الاستعمارية، كسبب لتخلف الاقتصاد السنغالي وكأداة من أدوات الاستعمارية الجديدة التي توظفها فرنسا لتكبيل السنغال اقتصاديا مؤشّرا قويـّا عن نيات القطيعة التي تنتظر الرئيس السنغالي الجديد. وإذا أقدم على هذه الخطوة فستكون ضربة أخرى للنفوذ الفرنسي في غرب افريقيا، ويوقف إنتاج الفرنك الغرب افريقي في باريس ثم ينهي ارتباطه باليورو. وسبق أن وعد فاي بأنه لن يتردّد في صك عملة خاصة بالسنغال تحقق طموحه في استكمال سيادته. الطريق لن يكون سهلا وممهدا أمام الرئيس السنغالي الجديد، بسبب المؤامرات التي سيواجهها كما من المؤكد أن النخب الموالية لفرنسا والعاملة كأذرع لمشروعها في السنغال وعموم غرب افريقيا ستكون في طليعة تيار رفض ومقاومة كل تغيير قد يؤدي إلى قلب معادلة علاقة السنغال في فرنسا.
تعليقات الزوار
لا تعليقات