أخبار عاجلة

جماعات مؤيدة لإسرائيل تشن حرب معلومات لتشويه السرديات الفلسطينية وتبرير القتل والدمار في غزة

نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا أعده المحرر البارز في مجموعة الأزمات الدولية، اليساندرو أكورسي تحدث فيه عن الطريقة التي استخدمت فيها إسرائيل والمؤيدين لها حرب المعلومات في غزة لنزع المصداقية عن السرديات الفلسطينية. وأكد أن صور هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر تحولت إلى مركز حملة مكثفة في حملة معلومات. فلأول مرة ومنذ الإنتفاضة الثانية، تعرض الرأي العام العالمي لضحايا مدنيين إسرائيل قتلوا على يد حماس وجماعات أخرى وتم نشرها بشكل واسع على منصات التواصل الإجتماعي. وأكدت إسرائيل والجماعات المناصرة لها على رعب المذبحة ووزعت الصور على مشاهد أجنبي بشكل عام، من خلال الإعلانات المدفوعة الأجر على يوتيوب ومنصة إكس إلى ألعاب فيديو معدة لاستخدام العائلة وبث لقطات مختارة مدتها 45 دقيقة لمجموعة مختارة من المشاهدين في العاصمة واشنطن وهوليوود.

ولم يكن الهدف بالضرورة نشر الوعي بشأن أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر الصادمة، ولكن الحكومة الإسرائيلية زعمت عبر الحملة الدعائية ان لديها الحق بالدفاع عن نفسها وأنها تملك صكا مفتوحا للإنتقام.

وليست هذه المرة الأولى التي تستخدم فيها منصات التواصل الإجتماعي كأداة في حرب المعلومات، ففي أثناء العملية العسكرية الإسرائيلية “الرصاص المسكوب” ما بين كانون الأول/ديسمبر 2008 وكانون الثاني/يناير 2009 والتي قتل فيها  أكثر من 1,000 غزي، بدأ الفلسطينيون ومناصروهم باستخدام وسائل التواصل الإجتماعي لنشر الأدلة- رسائل نصية، صور ولقطات فيديو عن القتلى المدنيين والدمارالواسع الذي تسببت به الحملة على غزة. وكان الهدف هو تعبئة الرأي العالمي ضد إسرائيل، بشكل دفع الحكومة الإسرائيلية وأنصارها في الخارج لاستخدام وسائل التواصل ومواجهة الفلسطينيين وأنصارهم على الفضاء الرقمي.

وبدأت إسرائيل في فترة لاحقة بالتركيز بشكل أكبر للهيمنة على تدفق المعلومات خلال النزاع والتأكد من تفوقها في ساحة المعركة وبناء دعم لجهودها الحربية. وبتجنيدها الرأي العام لدعمها في الحرب، فقد حاولت الدولة الإسرائيلية وأنصارها تشكيل السرد الدولي المتعلق بالعمليات العسكرية، وتحديدا، أثناء التصعيد في غزة. إلا أن الجهود الإسرائيلية ظلت ولوقت غير ناجحة في التأثير على الرأي العالمي، مثل الحملات المؤيدة لفلسطين الحركية والعضوية وإن اتسمت بعدم التنظيم.

وقبل عقد بدأت وزارة الشؤون الإستراتيجية بالإشراف على شبكة من المؤثرين علن الإنترنت والجماعات المؤيدة لإسرائيل الداعمة لرسالتها ضد حركة المقاطعة وسحب الإستثمارات والعقوبات (بي دي أس) وغيرها من النقاد، عبر حملات منسقة ومضللة بدت وكأنها حملات شعبية.

 فخلال الحرب في غزة عام 2021، أدارت القوات الإسرائيلية حملة سرية على منصات التواصل الإجتماعي أثنت على قصف غزة وتحسين المفهوم حول عملياتها بين الرأي العام الإسرائيلي. وزادت إسرائيل من دبلوماسيتها الرقمية وتواصلت مع شركات التواصل الإجتماعي، ففي مراجعة داخلية لشركة ميتا عام 2021 وجد أن الشركة فرضت رقابة على المحتوى العربي بمعدلات أعلى من المحتوى العبري، وبناء على طلب من الحكومة الإسرائيلية على ما يبدو.

 وأدى التشرذم والتدهور في وسائل التواصل الإجتماعي  لتحويل المعركة الرقمية، وبخاصة بعد شراء إيلون ماسك ما كان يطلق عليها “تويتر” وأصبحت تعرف باسم “إكس” في تشرين الأول/اكتوبر 2022، حيث عزل ألاف الموظفين وابتعد عن التحكيم وفحص المعلومات في 2023. وحتى قبل هذه التغيرات، فقد فضلت الخوارزميات التي استخدمتها منصات التواصل الإجتماعي المحتوى الذي يحفز المشاعر الغاضبة بشكل محدد.

وتخلى ماسك ومن الناحية العملية عن تحويل إكس إلى مجال عالمي وألغى الضوابط التي كبحت الغضب والمعلومات المزيفة. ولم تعد المنصة مساحة للأفكار بقدر ما هي مساحة لتأمين مساحة الفرد وتشويه من يعتقد أنهم معادون له. وعملت إسرائيل والجماعات الموالية لها على الإستفادة من هذه التغيرات وجيرتها لصالحها. ووفر هجوم حماس والدمار الذي أحدثته إسرائيل على غزة كما هائلا من الصور التي كانت جاهزة للإستخدام في محتوى الفضاء الرقمي.

وفي هذا السياق، اتبعت إسرائيل استراتيجية في حرب المعلومات تقوم على أربع شعب: التأكيد  على رعب 7 تشرين الأول/أكتوبر، تشويه الأصوات المؤيدة لفلسطين وتبرير تدمير غزة، الحد من تدفق المعلومات عن الحرب وتعبئة الرأي العام الإسرائيلي من خلال إظهار تفوق الجيش الإسرائيلي وتدميره لغزة.

ويقول الكاتب إن استثمار إسرائيل المجال الرقمي آتى ثماره مع بروز الأخبار عن هجوم حماس ودخوله في الخطاب الرسمي. فقد تعاونت شركات تكنولوجيا وذكاء اصطناعي أمريكية وفي إسرائيل والتي دعمت حرب المعلومات الإسرائيلية قبل الهجوم، وبدأت بالتحرك. وبعد عدة أيام من الهجوم، أنشأت شركة أكودا تطبيق ذكاء اصطناعي “كلمات الحديد” لدعم المنشورات الداعمة لإسرائيل على منصات التواصل والكشف عن تلك الناقدة لها.

وردد الرئيس جو بايدن اثنين من المزاعم الكاذبة لإسرائيل، أولها في 10 تشرين الأول/أكتوبر حيث قال إنه شاهد صورا عن قطع حماس لرؤوس 40 طفلا، ليكذب البيت الأبيض كلامه في نفس اليوم. وفي 28 تشرين الأول/أكتوبر قال إنه لا يثق بأرقام الفلسطينيين عن القتلى، لتكذبه حقيقة أن وزارة الخارجية والأمم المتحدة تستند على أرقام وزارة الصحة في غزة.

وبسرعة، تحول هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر لحجر أساس حملة إسرائيل على منصات التواصل الإجتماعي. وبدأ السرد يتركز على الموازاة بين حماس وتنظيم الدولة، وأنها لا تفرق بين المدنيين والجنود. وأن الفلسطينيين يرفضون التعايش وتوصيف الحملة في غزة بأنها إنسانية تهدف لتحرير الفلسطينيين من حماس. ومنح الهجوم إسرائيل فرصة لتقديم سرد من مسار واحد لنزاع متعدد الجوانب، ومحت منه احتلالها الطويل والعنف المنظم ضد الفلسطينيين.

وبعد خمسة أشهر، على الدمار الذي طال معظم غزة والقصف الذي قتل ما يزيد عن 30,000 شخصا وجرح 70,000 آخرين وانتشار الصور على منصات التواصل الإجتماعي وخروج المتظاهرين حول العالم، تبنت إسرائيل استراتيجية لحرف الإنتباه عنها. واستغلت إسرائيل الإنقسام في أوروبا والولايات المتحدة حيث وسمت المعارضين لها بمعاداة السامية وأن من يطالبون بوقف النار هناك يعملون نيابة عن حماس. وأدارت إسرائيل حملة إعلانات كلفتها حوالي 7.1 مليون دولار لتشويه الداعمين لفلسطين واتهامهم بدعم جرائم حماس. ولقيت جهود إسرائيل دعما من الجماعات المؤيدة لها في الولايات المتحدة التي أنفقت حوالي مليوني دولار على إعلانات في منصات التواصل الإجتماعي، أي 100 ضعف مما أنفقته الجماعات   المؤيدة لفلسطين. وساعد هؤلاء جهود إسرائيل من خلال استخدام بعض جماعاتهم التضليل الإعلامي. واستخدمت أصوات غاضبة ومطالبة بقول الحقيقة  من الإعلام الذي لم يتعاطف مع معاناة الفلسطينيين.

وأشار الكاتب إلى أن استخدام المسؤولين الإسرائيليين لغة إبادية وتحتقر الفلسطينيين، حيث استخدمت جنوب أفريقيا بعضها في ملفها أمام محكمة العدل الدولية، كانت استراتيجية حرب نفسية استخدمها الجيش الإسرائيلي، مع أن الحكومة أكدت أن هذه التصريحات التي انتشرت حوالي 18,000 في منشورات عبرية لا تعبر عن موقفها.  ففي تشرين الأول/أكتوبر أنشات الوحدة النفسية في الجيش الإسرائيلي قناة على منصة تلغرام لوضع لقطات فيديو جنود إسرائيليين وهم يقتلون مقاتلي حماس. ومع تطور الحرب وضع عدد من الجنود لقطات فيديو وهم يتفاخرون بقتل الفلسطينيين ويرقصون  ويدسنون المقابر الفلسطينية.

وفي الوقت نفسه واصلت إسرائيل حملتها على منصات التواصل الاجتماعي لحرف النظر عن عدد الضحايا المتزايد، فقد شارك الحساب الرسمي للحكومة فيديو من المستشفى الأندونيسي يزعم أن مقاتلا من حماس تمترس فيه، مع أن الرجل كان يحمل هراوة أو عكازا. وتم استهداف الصحافيين وعمال الإغاثة بتهم التواطؤ مع حماس. واتهمت “أونيست ريبورتينغ” الإسرائيلية صحافيين بالمشاركة في هجوم حماس بل وحمل البنادق، مع أنها تراجعت عن مزاعمها. ولم يحذف حساب الحكومة على إكس المزاعم ولا توضيح المنظمة. وتعرف إسرائيل أن المتلقي المتشوش للأنباء عادة ما يكون انتقائيا لما يريده من معلومات تخدم موقفه. ولهذا قامت بالحد من تدفق المعلومات من غزة ومنع الصحافة الدولية واستهداف شبكات الإنترنت وبنى الإتصال وفرضت تعتيما على استخدام الإنترنت والهواتف وحدت من دخول الوقود ولاحقت الصحافيين والمؤسسات  الإعلامية. ولم تكن قادرة على وقف تدفق المعلومات من الفلسطينيين إلا أنها استطاعت الحد من خروج التقارير الموثوقة من غزة. وقتلت أكثر من 70 صحافيا فلسطينا في أول شهرين من الحرب، حيث وصل العدد إلى 90. وضغطت إسرائيل على منصات التواصل لحذف المحتوى الفلسطيني حيث وثقت “هيومان رايتس ووتش” 1,050 حالة حذفت فيها ميتا، محتوى مؤيدا لفلسطين.

وعملت تطبيقات الذكاء الإصطناعي على ترجمة “الفلسطينيين” بـ “الإرهابيين” على انستغرام. وفي فضاء وسائل التواصل الإجتماعي المستقطب أصبح كل خبر ومعلومة محلا للخلاف. فعندما استهدفت غارة إسرائيل قافلة من الفلسطينيين الذين أجبروا على الرحيل، قامت مجموعات مؤيدة لإسرائيل تظاهرت بأنها قامت بتحقيق من مصادر مفتوحة بلوم حماس ونشر أشرطة فيديو عن تفجيرات في شارع ولا علاقة لها بالهجوم. ونفس الأمر حصل في مجزرة الطحين في 29 شباط/فبراير حيث قتل الرصاص الإسرائيلي أكثر من 100 وجرح 700 شخصا، وحمل القتلى المسؤولية، حيث قالت إسرائيل إنهم ماتوا من التدافع، فيما قال موقع مؤيد لإسرائيل إنهم هددوا الجنود الإسرائيليين

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات