“العلاقات مع مصر تجري بصورة طبيعية وسليمة بين الحكومتين طوال الوقت. لكل منا مصالحه؛ لمصر حاجة لقول أشياء معينة. هم يقلقون على مصالحهم ونحن نقلق على مصالحنا”، قال رئيس الحكومة في المؤتمر الصحافي الذي عقده السبت.
حسب أقوال نتنياهو، يبدو أن “العلاقات السليمة” تنطوي على وضع غير مسبوق يرفض فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الرد على مكالمة هاتفية من رئيس الحكومة، وأن مصر حسب ما نشر في “وول ستريت جورنال” فحصت إعادة السفير من إسرائيل، وأن الرئيس المصري في خط ساخن مع الرئيس الأمريكي حذر بصوت غاضب من طرد إسرائيل لسكان غزة إلى شبه جزيرة سيناء.
لم يبدأ التوتر في فترة الحرب؛ ففي شباط الماضي نشرت صحيفة “القدس العربي” الصادرة في لندن، عن قطيعة بين رئيس الحكومة ومكتب الرئيس المصري، وعن عدم ثقة النظام في مصر برئيس الحكومة نتنياهو. في 9 شباط، التقى رئيس الأركان هرتسي هليفي مع نظيره المصري أسامة عسكر، في البحرين، في إطار لقاء رؤساء الأركان الذي استهدف فحص التغيرات الاستراتيجية في المنطقة. وحسب التقارير، حذر رئيس الأركان المصري، هليفي من اندلاع حرب في عدة جبهات إذا لم يقم (هليفي) بالسيطرة على الوضع ولم يضغط على الحكومة للتوقف عن التصعيد.
حسب مصادر إسرائيلية، فإن محادثات مشابهة جرت وتجري بين كبار ضباط المخابرات والجيش في مصر ونظرائهم الإسرائيليين. الصلة بين رجال الاستخبارات الإسرائيلية ورجال المخابرات المصرية في الحقيقة سليمة وحتى أكثر من ذلك، لكنها لا تنجح في تبديد التخوفات المصرية. اختيار نتنياهو اعتبار وضع مصالح الدولتين متناقضة لم تساعد لتحسين العلاقات، لا سيما عندما تقف على الأجندة إمكانية سيطرة إسرائيل على محور فيلادلفيا، الخطوة التي ستشمل أيضاً السيطرة على معبر رفح في الطرف الغزي. عمليات عسكرية إسرائيلية في محور فيلادلفيا يتوقع أن تخرق الاتفاق الذي وقعت عليه إسرائيل مع مصر كجزء من عملية الانفصال عن غزة، وستقتضي صياغة اتفاقات جديدة مع القاهرة، التي أعلنت من قبل بأن أي عملية أحادية الجانب قد تضر العلاقات بين الدولتين. المهم هو كيف سيساعد التطاول على مصر في الترتيبات الجديدة التي تخطط لها إسرائيل في قطاع غزة؟
ليست مصر وحدها التي تبذل جهودا كبيرة لتحرير المخطوفين، التي وضعتها إسرائيل على لوحة أهدافها. إسرائيل أقامت في أشهر الحرب “محور شر” خاصاً بها، يشمل مصر الأردن وقطر، وهم من حلفاء قريبن جداً من الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. بعد اتهامات نتنياهو الفظة لقطر، التي أسمعها في لقائه مع عائلات المخطوفين (“قطر لا تختلف في جوهرها عن الأمم المتحدة. فهي لا تختلف عن الصليب الأحمر، وبمعنى ما هي أكثر إشكالية. لا أوهام بخصوصها”) وبعد ذلك، أكد على الأقوال التي تم تسريبها، وبعد الاتهامات سارع المتحدث بلسان وزارة الخارجية الأمريكية إلى الدفاع عن قطر، وأوضح بأن “قطر لاعبة رئيسة لا بديل عنها، وشريكة في المنطقة، ليس فقط عندما يتعلق الأمر بالصراع الحالي، بل أيضاً تفضيلات أخرى للولايات المتحدة في المنطقة. نتوقع مواصلة تعميق الشراكة مع قطر والعمل على مواضيع رئيسية”. وكما أن لإسرائيل ومصر مصالح خاصة بها، فللولايات المتحدة مصالح خاصة بها، تشمل العلاقات الاستراتيجية مع الدول التي تشملها إسرائيل في “محور الشر” الخاص بها.
قطر دولة رئيسية، وأهميتها تتجاوز إسهامها الجوهري في عقد صفقة المخطوفين السابقة والصفقة التي تمت مناقشتها أمس في باريس. في هذه السنة، حصلت مرتين على ثناء من الرئيس الأمريكي، مرة في بداية تشرين الأول بعد المفاوضات الناجحة التي أجرتها لإطلاق سراح خمسة سجناء أمريكيين من الأسر الإيراني مقابل خمسة مواطنين إيرانيين كانوا محتجزين في الولايات المتحدة، والإفراج عن 6 مليارات دولار من أموال إيران لاستخدامها في الاحتياجات الإنسانية، والمرة الثانية على إسهامها في إطلاق سراح المخطوفين الإسرائيليين.
في العام 2021 توسطت قطر بين واشنطن وطالبان وتوصلت إلى اتفاق مكن من انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان. واستوعبت قطر مئات الأفغان الذين تعاونوا مع القوات الأمريكية وحصلت مقابل ذلك على مكانة استراتيجية كحليفة كبيرة ليست عضو في الناتو. وقطر تستضيف على أراضيها القاعدة الأمريكية الأكبر في الشرق الأوسط، وهي قاعدة “العديد”.
الدولتان وقعتا على عدة اتفاقات للتعاون العسكري والاستخباري، وصفقات مشتريات عسكرية لقطر من الولايات المتحدة من الصفقات الكبيرة في العالم (قطر هي الدولة الثانية في العالم من حيث حجم المشتريات العسكرية من الولايات المتحدة). في بداية كانون الثاني الماضي، وقعت واشنطن مع الدوحة على اتفاق لمواصلة استخدام القاعدة العسكرية لعشر سنوات أخرى.
العلاقات الاقتصادية الوثيقة لقطر مع إيران ليست سرية؛ فالدولتان شريكتان في حقل الغاز الأكبر في الخليج الفارسي، لكن هذه العلاقة تستخدم كرافعة وساطة في أجزاء أخرى في الشرق الأوسط، الأمر الذي ساعد الولايات المتحدة أكثر من مرة. مثلاً، قطر عضوة في مجموعة الدول الخمس التي تنشغل الآن في حل الأزمة السياسية في لبنان، والتي يرتبط فيها الاتفاق الذي قد يعمل على التهدئة على الحدود بين إسرائيل ولبنان. وقطر تستضيف قيادة حماس وتمنحه مليارات الدولارات، جزء منها بمصادقة وتشجيع من إسرائيل. في الوقت نفسه، منحت عشرات ملايين الدولارات للجيش اللبناني لدفع رواتب الجنود. وتستثمر المليارات في مصر وتساعد الأردن بشكل دائم.
ما زال الرئيس المصري يتذكر المقاطعة التي فرضها عليه الرئيس باراك أوباما بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، رجل الإخوان المسلمين، مثلما تتذكر ليبيا هجمات الناتو بقيادة الولايات المتحدة على جيش معمر القذافي.
الأردن، الذي تراه إسرائيل مكملاً لمثلث محور الشر، بسبب تصريحات شديدة للملك عبد الله ضدها؛ بالأساس وزير الخارجية أيمن الصفدي؛ وقرار إعادة السفير من تل أبيب (للمرة السادسة)؛ وتحويل اسم مطعم إلى “7 أكتوبر” (أزيلت اللافتة بتعليمات من النظام الأردني)، ليس فقط حليفاً عسكرياً مهماً لإسرائيل، الذي رغم توتر كبير في العلاقات بين الملك عبد الله ونتنياهو، يواصل إجراء تنسيق النشاطات العسكرية والاستخبارية.
الأردن حليف استراتيجي للولايات المتحدة، التي تعتبره قاعدة حيوية لمواصلة الحرب ضد “داعش”، وعاملاً أساسياً في التحالف السياسي المؤيد لأمريكا في المنطقة. الأهم هو الإسهام السياسي لمصر والأردن، الذي مجرد توقيعها على اتفاقات سلام مع إسرائيل، وضع الأسس ومنح الشرعية لاتفاقات السلام مع بعض الدول مثل الإمارات والمغرب والبحرين، التي بدونها لم تكن السعودية لتصل إلى مرحلة النقاشات حول التطبيع مع إسرائيل.
احدى ذرائع حماس العلنية للقيام بعملية “طوفان الأقصى” هي وقف عملية التطبيع بين إسرائيل والسعودية، التي كانت على شفا النضوج. هذا التطبيع تم تجميده وبحق، وتبنت السعودية بدلاً من ذلك سياسة قديمة – جديدة، التي لم تعد تكتفي بتحسين ظروف حياة الفلسطينيين، بل تطالب بوقف كامل لإطلاق النار والدفع قدماً بحل الدولتين. ولكن عندما تتطاول إسرائيل على مصر وتهدد بمعاقبة الأردن وإلغاء اتفاق المياه وتطالب بمحاسبة قطر، هي بذلك لا تعرض اتفاقات السلام القائمة والممكن تحقيقها للخطر فحسب، بل تطور مساراً آخر للتصادم مع الولايات المتحدة وحلفائها.
تعليقات الزوار
لا تعليقات