نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً أعدّته كاثرين بيلتون قالت فيه إن روسيا تشعر بالثقة بسبب حرب غزة ودعم الولايات المتحدة لها. وقالت إن موسكو الواثقة من نفسها عمّقت علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع الصين وعالم الجنوب، ما يسمح لها بتحدي النظام المالي العالمي، الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، وتقويض الغرب، وذلك حسب وثائق للكرملين، ومقابلات مع مسؤولين روس ومدراء تنفيذيين لشركات.
وتشعر روسيا بالجرأة لنجاحها في وقف الهجوم الأوكراني المضاد، وحالة الانسداد في واشنطن وبروكسل بشأن مواصلة تقديم الدعم العسكري والمالي لكييف.
وبحسب وجهة نظر موسكو، فقد أضرّ الدعمُ الأمريكي لغزو إسرائيل غزة بموقعها في أنحاء من العالم. وأدى تداخلُ الأحداث إلى حالة من التفاؤل العارمة من موقف روسيا على المسرح الدولي.
وأشار المسؤولون إلى نمو التجارة مع الصين، والتعاون العسكري مع إيران، وتوسّع علاقاتها مع العالم العربي، وتوسّع العضوية في منظمة بريكس، والتي تشترك فيها اقتصاديات مهمة، مثل البرازيل والصين والهند وروسيا وجنوب أفريقيا. ووافقت المجموعة على ضمّ كل من إيران والسعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وإثيوبيا.
وفي بيان لفلاديمير بوتين علّق فيه، بداية الشهر الحالي، على توسّع بريكس، قال إن هذا دليلٌ “على نموّ سلطتها ودورها في شؤون العالم”، وإن عملها سيركز على “التساوي بالسيادة”. وباتت روسيا تطلق على نفسها بأنها جزءٌ من “الغالبية العالمية”.
وبحسب وثائق أمنية حصلت عليها مخابرات أوروبية، وراجعتها “واشنطن بوست”، نظّمَ الكرملين لقاءات، في 2022 و 2023، للبحث في طرق إضعاف الدولار كعملة للاحتياط العالمي، وكان الهدف الرئيسي تفكيك نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، والنظام المالي، وقوة واشنطن.
وفي وثيقة مؤرخة في 3 نيسان/أبريل 2023، “حاولت الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة فرض بنيتها القائمة على الهيمنة”.
وفي أخرى، كتبَها مقربٌ من مسؤول الأمن القومي نيقولاي باتروشوف، ووزعت في الكرملين، هذا الصيف، ودعت للتعاون بين الصين وروسيا في مجال الذكاء الاصطناعي وأنظمة الحرب الإلكترونية و”إنترنت الأشياء”، تصورت موسكو وبكين بناء نظام مالي عالمي، مثل خدمات مالية مشفرة أو “بلوكتشين” لتجاوز الهيمنة المالية العالمية والعقود النابعة منها.
وقال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، إنه لا وجود لخطط من أجل إضعاف الهيمنة الأمريكية على النظام المالي العالمي، واعترف في الوقت نفسه بأن الهدف هو خلق بدائل، مضيفاً أن التحركات التي اتخذها الغرب “بمجموعه” أضعفت الثقة، وبدون دعم من موسكو.
وقال للصحيفة إن الكرملين “يتابع الوضع بحذر، ويبني نظاماً جديداً من الخلايا العصبية الاقتصادية لأن النظام السابق لم يعد محتملاً، مزيفاً وخطيراً”.
وعزز صمودُ روسيا أمام العقوبات الاقتصادية والعسكرية الغربية من موقف بوتين، وخاصة قبل الانتخابات الرئاسية، في آذار/مارس، وبالتحديد بين النخب المالية والتجارية الروسية التي خافت في البداية من تداعيات العقوبات الغربية.
وقال أكاديمي روسي على علاقة مع الدبلوماسيين البارزين: “هناك توقعات محددة بأن الوضع سيتغير لصالح روسيا”.
ويصف الملياردير الروسي أوليغ ديبرباسكا، والذي عارض الحرب في أوكرانيا، وبالأيام الأولى، معتبراً أنها ستقود إلى أزمة اقتصادية، يصف ابتعاد روسيا عن الغرب بمثابة محفز لتشكيل الاقتصاد العالمي. وكتب ديبرباسكا على تيلغرام، في 20 كانون الثاني/يناير، أنه “سيتم خلق أنظمة دفع بديلة وأسواق دين، في الصين على أساس اليون، وفي الهند وباكستان على أساس العملة المشفرة”، و”عدة سنوات لن تصبح العقوبات بمثابة الكابح للتجارة والاستثمار”.
ويقول المسؤولون الاستخباراتيون الغربيون إن روسيا تظل شريكاً صغيراً للصين، وليس معروفاً إن كانت بكين ستنحاز إلى رؤية موسكو. ولكنهم قالوا إن تركيز روسيا على استخدام موقعها كمعطّل للغرب تتزايد، بما في ذلك الشرق الأوسط.
وقال مسؤول أوروبي، طلب عدم الكشف عن هويته: “روسيا ليست كاملة الحضور، ولكنها تستخدم كل الاحتمالات، وهم متنساقون ومنظمون”.
وفي الوقت الذي يأمل فيه الغربُ العودة إلى النظام القديم، يعلق مسؤولٌ استخباراتي أوروبي قائلا إن المليارديرات الروس “فهموا أن الحياة القديمة انتهت، وأن عليهم خلق مستقبل جديد”، وأضاف المسؤول أن الروس “عَبَروا جسر الروبيكون [اللاعودة] لكن الغرب لم يعبُر. ويريد الغرب عودة التجارة كما هو معتاد، لكن الروس يفهمون أن هذا مستحيل، ويحاولون بناء عالم جديد”.
فمنذ هجمات “حماس”، في 7 تشرين الأول/أكتوبر، بدا الكرملين وكأنه يتخلى عن علاقاته التي بناها بحذر مع إسرائيل في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي، مفضلاً عليها علاقات مع العالم العربي.
وفي تشرين الأول/أكتوبر، استقبل الروسُ وفداً من قادة “حماس” البارزين ونائب وزير الخارجية الإيراني علي باقري كاني.
وفي كانون الأول/ديسمبر، قام بوتين بزيارة نادرة إلى الإمارات العربية المتحدة والسعودية، وهي الأولى له خارج الصين وإيران والدول السابقة في الاتحاد السوفييتي منذ غزو أوكرانيا. وقال مسؤول روسي: “من خلال إيران، يمكن [لموسكو] تحويل وضع [ الشرق الأوسط] إلى حادّ للغاية، بحيث يصرف النظر عن أوكرانيا”.
وأضاف: “لدى روسيا إمكانية سلبية، وهناك الكثير من النقاط الساخنة التي يمكن لروسيا التدخل فيها”.
وفي ظل عامٍ من الانتخابات في أوروبا، حذرت وزارة الخارجية الأمريكية من شن روسيا حملات تضليل للحد من دعم الغرب لأوكرانيا. وقال جيمس بي روبين، المبعوث الخاص والمنسق لمركز التواصل العالمي في الوزارة: “تأمل روسيا أن يغيّر العددُ الكبير من الانتخابات التحالف المثير للإعجاب والمعارض لحربها”.
ويرى ماثيو ريدهيد، المسؤول السابق للاستخبارات الإستراتيجية العالمية في “أتش أس بي سي”، والزميل حالياً في المعهد الملكي للدراسات المتحدة، أن الانقسامات في واشنطن، بما في ذلك الخلاف حول مواصلة الدعم لأوكرانيا، قادت لتعزيز اعتقاد موسكو بأن الولايات المتحدة أصبحت مشلولة، و”هذا يعني أن الدول المعادية، مثل روسيا وإيران والصين، ستبدأ بدفع الحدود أبعد، وانتظار الرد الذي ستحصل عليه”، و”هي دعوة للتصعيد”، كما قال.
وبالنسبة لميخائيل خوردوفسكي، رجل الأعمال الروسي الذي يعيش في المنفى، وبعد سجن 10 أعوام في سجون بوتين، فالغرب أمام لحظة مهمة، وسيحدد الرد الغربي على الفوضى العالمية وعدوانية روسيا مصير عددٍ من النزاعات التي يشهدها العالم. وقال: “بالتأكيد يحاول بوتين، تقويض النظام العالمي، لأن هذه هي الإستراتيجية الوحيدة لنجاته”.
تعليقات الزوار
لا تعليقات