سيبدأ الحلف الأطلسي، خلال الأيام المقبلة، وعلى امتداد شهور، مناورات حربية تعتبر الأكبر من نوعها بعد الحرب الباردة، إبان حقبة الاتحاد السوفياتي، وتأتي في وقت أدرك الغرب هزيمته في أوكرانيا، والخوف من مغامرة روسية، ولو محدودة، ضد دول البلطيق.
وقال الجنرال الأمريكي كريستوفر كافولي، القائد الأعلى لحلف شمال الأطلسي، ورئيس القيادة الأمريكية الأوروبية، إنه من المقرر أن يشارك حوالي 90 ألف جندي من قوات التحالف في مناورة Steadfast Defender، ما يجعلها أكبر تجمّع للقوات في مناورة في القارة منذ عقود.
وستشمل التدريبات، وفق موقع الحلف الأطلسي، التي ستجرى في دول البلطيق وبولندا ودول أخرى، تعزيزات من أمريكا الشمالية.
وأعلن كافولي، في نهاية اجتماع استمر يومين، لقادة الدفاع في بروكسل، منتصف هذا الأسبوع، أن “هذا التعزيز سيحدث خلال سيناريو محاكاة للصراع الناشئ ضد خصم مماثل تقريبًا”.
ويركز سيناريو المناورات على اندلاع مواجهة مع روسيا في شمال وشرق القارة الأوروبية، وكيف ستتحرك الجيوش من مجموع أوروبا، خاصة الجانب الغربي والجنوبي، ووصول عشرات الآلاف من الجنود من الولايات المتحدة. وستمتد المناورات على مدى أشهر بمشاركة عشرات السفن الحربية ومئات المقاتلات، الأمر الذي يبرز أهميتها.
وكشف ضباطٌ كبار في الحلف الأطلسي “الناتو” أن هناك حاجة إلى تكثيف الجهود بين الدول الأعضاء للتحضير لصراع محتمل مع روسيا.
وكان الأميرال الهولندي روب باور، رئيس اللجنة العسكرية للناتو، واضحاً في كلامه في تصريحات للصحافة بأن “التدريبات تعد بمثابة إعداد لصراع محتمل مع روسيا.. لا أقول إن الأمور ستسوء غداً، لكن علينا أن ندرك أنه ليس من المسلّم به أن نعيش في سلام، ولهذا السبب لدينا الخطط”.
وعن هذه المناورات، نقلت “فرانس أنفو” الفرنسية، يوم السبت، عن كاميل غراند، مساعد الأمين العام السابق للحلف الأطلسي: “يجب أن نرسل رسالة إلى روسيا بأننا مستعدون لكل شيء”.
وارتفع الخوف من مواجهة عسكرية روسية، خلال الأسابيع الأخيرة، وحذّرت دولٌ مثل السويد وبلجيكا وألمانيا من هذه المواجهة المرتقبة. وفي هذا الصدد، حذّرَ الجنرال مايكل بايدن، القائد الأعلى للجيش السويدي، من أنه يجب على جميع السويديين الاستعداد ذهنياً لاحتمال الحرب. وقد أثار ذلك القلق، وبدأ المواطنون في تخزين الإمدادات.
وكانت جريدة “بيلد” الألمانية قد كشفت، الإثنين الماضي، مضمون وثيقة دفاعية مسرّبة تبرز كيف تستعد حكومة برلين لسيناريو حرب عالمية ثالثة يكون مسرحها أوروبا، وتبدأ مع روسيا على الجناح الشرقي للقارة الأوروبية سنة 2025.
وتتصور الوثيقة السرية التي أعدّتها وزارة الدفاع الألمانية كيف يمكن أن يتطور التصعيد المحتمل للحرب في أوكرانيا إلى حرب شاملة.
وعلاقة بهذا التوتر المتفاقم، ترغب دول البلطيق الثلاث، إستونيا وليتوانيا ولاتفيا، إقامة خط دفاعي على شاكلة خطوط الدفاع في الحرب العالمية الأولى والثانية لمواجهة أي غزو روسي محتمل.
وكانت قمة الحلف الأطلسي في مدريد، صيف 2022، قد شددت على ضرورة إقامة خطوط دفاع. وارتباطاً بهذا، نقل الموقع العسكري الفرنسي “أوبكس 360” عن وزير الدفاع الإستوني، هانو بيفكور، “إن بناء منشآت دفاعية مضادة للتعبئة هو مشروع دراسة وتفكير، دون ضرورة الكشف عن الوضع الأمني الحالي”. مبرزاً “الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا تتزايد مع وجود المزيد من المعدات والذخائر والرجال والمنشآت الدفاعية البدنية على الحدود ضرورية أيضًا، يجب الدفاع من أول متر”.
وتأتي كل هذه التطورات نتيجة عاملين، الأول، وهو هزيمة أوكرانيا في الحرب في مواجهة روسيا، حيث يحتاج الأمر فقط الإعلان عنها في ظل فقدان الجيش الأوكراني لمقومات شن أي هجوم. ويعتقد الغرب أن موسكو تعتقد أن هزيمة كييف هي هزيمة للغرب كلّه. ويتجلى السبب الثاني في تراجع مخزون الأسلحة لدى الدول الأوروبية إلى ما يقارب سنتين من الحرب الأوكرانية مقابل نجاح روسيا في رفع صناعة القذائف والصواريخ بشكل مذهل. وكل هذا سيشجع، وفق الحلف الأطلسي، روسيا على مغامرة عسكرية ولو محدودة.
ومقابل القلق الغربي، تؤكد موسكو أن لا نيّة لها في الهجوم على أي دولة، وأن شنها الحرب على أوكرانيا، خلال فبراير 2022، كان لمنع هذا البلد من الانضمام الى الحلف الأطلسي الذي يشكل خطراً على الأمن القومي الروسي، وكذلك للدفاع عن الطائفة الروسية شرق أوكرانيا التي تعرضت للملاحقة.
تعليقات الزوار
لا تعليقات