يدلي الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الجمعة بأول تصريحات علنية منذ اندلاع الاشتباكات الدائرة على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، فيما ينتظر اللبنانيون هذه الكلمة وسط مخاوف من أن يجرّ لبنان الذي يرزح تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة إلى حرب مدمرة على وقع الحرب الدائرة في غزة، بينما أثار انكفاؤه واقتصاره على ضربات محدودة واحتكاكات عسكرية مع الجيش الإسرائيلي، الكثير من الأسئلة وتبخرت تهديداته السابقة بضرب العمق الإسرائيلي إن جازف الإسرائيليون بالاعتداء على اي منطقة لبنانية.
ويترقب الإسرائيليون ايضا خطاب نصرالله وسط توجس كبير من توسع دائرة الحرب اذ يملك حزب الله الذي دفعت هجماته الأخيرة على محدوديتها آلاف المستوطنين لمغادرة المنطقة الحدودية واخلاء السلطات الإسرائيلية المناطق السكنية القريبة من خط الاشتباك، ترسانة ضخمة من الأسلحة والصواريخ يصل مداها إلى العمق الإسرائيلي.
وبين مخاوف من التصعيد وتقديرات إسرائيلية وأميركية بأن حزب الله لن يجازف بالانخراط في الحرب وأنه سيكتفي بردود محدودة أشيه برفع العتب، تبقى المخاوف قائمة وأن الجماعة الشيعية اللبنانية تبقى رهن إشارة من إيران لتحديد تحركها باتجاه التصعيد أو الانكفاء والاكتفاء بالتهديد والتحذير. وكرر كبار المسؤولين العسكريين الايرانيين في الفترة الأخيرة تهديداتهم بأنه اذا استمرت إسرائيل في عدوانها على غزة فإن الوضع سيخرج عن السيطرة وحملت إسرائيل والولايات المتحدة والغرب عموما المسؤولية عن تداعيات خطيرة ستشهدها المنطقة.
وحركت إيران في الفترة الأخيرة أذرعها في المنطقة بداية بالميليشيات العراقية الموالية لها التي استهدفت قواعد ومصالح أميركية في العراق وسوريا بهجمات محدودة وصولا إلى الحوثيين في اليمن الذين قالوا إنهم أطلقوا صواريخ ومسيرات باتجاه إسرائيل دعما لمحور المقاومة ولاستاد الفصائل الفلسطينية المسلحة التي تخوض معارك شرسة على الأرض مع الجيش الإسرائيلي خلال توغلاته في قطاع غزة.
وروج حزب الله في الفترة الأخيرة فيديوهات استعراضية لنصرالله ضمن دعاية وحرب نفسية تسبق خطابه المقرر يوم الجمعة، يظهر فيها نصرالله في التفافتة الواثق والمتحدي لكنها اثارت سخرية كذلك على منصات التواصل الاجتماعي وتساؤلات حول سبب خذلان حزب الله لحركة حماس وهما من أضلع محور المقاومة.
ويشتبك حزب الله، وهو قوة عسكرية هائلة تدعمها إيران، مع القوات الإسرائيلية على طول الحدود حيث قُتل 50 من مقاتليه في أعنف تصعيد منذ خوضه حربا مع إسرائيل في 2006.
لكن مع اقتصار معظم الاشتباكات حتى الآن على منطقة الحدود اعتمد حزب الله على قسط صغير من قوته النارية التي هدد نصر الله بها إسرائيل سنوات.
وينتظر كثيرون في لبنان في تلهف الخطاب الذي سيلقيه نصر الله في الساعة الثالثة بعد الظهر (1300 بتوقيت جرينتش) في غمرة مخاوف منذ أسابيع من اندلاع صراع كارثي ويقول البعض إنه لا خطط لديهم لما بعد الجمعة اعتقادا منهم أن تصريحاته ستشير إلى احتمالات التصعيد.
وهناك ترقب أيضا للخطاب على نطاق أوسع. ونصر الله هو الصوت القائد في تحالف عسكري إقليمي شكلته إيران لمواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل.
ويضم التحالف المعروف باسم "محور المقاومة" فصائل عراقية شيعية أطلقت النار على القوات الأميركية في سوريا والعراق ويضم أيضا الحوثيين في اليمن الذين دخلوا في الصراع بإطلاق طائرات مسيرة على إسرائيل.
ونصر الله أحد أبرز الشخصيات في العالم العربي ويقر حتى منتقديه بأنه خطيب مفوه ولطالما حرص الأنصار والخصوم على السواء على متابعة خطبه. ويعتبره خصومه، ومن بينهم الولايات المتحدة، إرهابيا.
وعززت خطبه الحماسية في حرب 2006 مكانته ومن بينها كلمة قال فيها إن حزب الله استهدف سفينة بحرية إسرائيلية بصاروخ مضاد للسفن وحث المتابعين على "النظر إلى البحر".
وظل نصر الله مختفيا عن الأنظار منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لكن مسؤولين آخرين في حزب الله تحدثوا عن الاستعداد القتالي للجماعة ولم يضعوا أي خطوط حمراء في الصراع مع إسرائيل.
وردا على سؤال في 22 أكتوبر/تشرين الأول عن سبب عدم إلقاء نصر الله كلمة حتى حينه، قال حسن فضل الله، السياسي من حزب الله، إن نصر الله يتابع الوضع في غزة "لحظة بلحظة وساعة بساعة" ويشرف على المعركة في لبنان، مضيفا أن عدم التحدث علنا "جزء من إدارته للمعركة".
ومنع تبادل التهديد بالتدمير إسرائيل وحزب الله من شن حرب عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية منذ عام 2006 لكن سوريا مثلت ساحة للصراع بينهما.
وتقول مصادر على دراية بتفكير حزب الله إن هجمات الجماعة حتى الآن محسوبة لتجنب تصعيد كبير مع إبقاء القوات الإسرائيلية مشغولة على الحدود.
ولا يستطيع لبنان تحمل أعباء حرب أخرى مع إسرائيل ومازال كثيرون من اللبنانيين يعانون من تأثير الانهيار المالي الكارثي المستمر منذ أربع سنوات، بينما إسرائيل إنه لا مصلحة لها في الصراع على حدودها الشمالية مع لبنان.
وحذر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حزب الله من فتح جبهة حرب ثانية مع إسرائيل، قائلا إن هذا سيؤدي إلى رد بضربات إسرائيلية بحجم "لا يمكن تصوره" قد تشيع الدمار في لبنان.
وميدانيا قالت الجماعة اللبنانية اليوم الخميس إنها هاجمت موقع قيادة للجيش الإسرائيلي في منطقة مزارع شبعا المتنازع عليها على الحدود اللبنانية الإسرائيلية بطائرتين مسيرتين محملتين بالمتفجرات.
وهذه أول مرة يعلن فيها حزب الله تنفيذ هجوم على القوات الإسرائيلية باستخدام مثل هذه الطائرات المسيرة ويأتي بعد أيام قليلة من إعلان الجماعة المدعومة من إيران لأول مرة أنها استخدمت صاروخ أرض - جو ضد طائرة مسيرة إسرائيلية.
وقال الحزب المؤيد لإيران في بيان "هاجم مجاهدو المقاومة الإسلامية في وقتٍ واحد 19 موقعاً ونقطة عسكرية صهيونية بالصواريخ الموجهة والقذائف المدفعية والأسلحة المباشرة".
وتحتفظ إسرائيل بمزارع شبعا، وهي منطقة مساحتها 39 كيلومترا مربعا، منذ حرب عام 1967 في الشرق الأوسط وتقول كل من سوريا ولبنان إنها لبنانية.
واعتبر سيباستيان لوكورنو وزير الجيوش الفرنسي اليوم الخميس خلال زيارة لجنوب لبنان أن هذا البلد "بغنى عن حرب" مع إسرائيل التي تخوض نزاعا مع حركة حماس الفلسطينية في غزة، محذرا من خطر التصعيد في الإقليم، مضيفا "ناهيك عن أن هذه الحرب يمكن أن يكون لها آثار تصعيدية كبيرة على المنطقة بأكملها".
واعتبر لوكورنو أنه في مواجهة التوترات الحالية، لا أحد لديه مصلحة في "توقف" مهمة اليونيفيل، معتبرا أن الأخيرة تمثّل "الحل"، متابعا "إذا كان من وقت نحتاج فيه إلى المراقبة والردع لتجنب التصعيد، فهو الآن".
وقال جون كيربي المتحدث باسم الأمن القومي الأميركي اليوم الخميس إن البيت الأبيض يشعر بالقلق من الهجمات التي يشنها حزب الله على القوات الإسرائيلية مع تبادل إطلاق النار وتصاعد أعمال العنف على الحدود اللبنانية لكن لا يوجد ما يشير إلى أن الجماعة المدعومة من إيران مستعدة "للدخول بكامل قوتها" في الصراع.
تعليقات الزوار
لا تعليقات