مع تطور الأوضاع العسكرية والسياسية على الأرض في غزة ومناطق غلاف غزة، وانعكاس أعمال العنف داخل ألمانيا، حيث تَشْهَد البلدات الألمانية العديد من المظاهرات والفعاليات المؤيدة للفلسطينيين أو الإسرائيليين، وما شهدته بعض هذه المظاهرات، لا سيّما في برلين، من حظر أو منع من قبل الأجهزة الأمنية، أرسلت شخصيات عامة تمثّل اليهود في ألمانيا رسالةً عامة إلى الحكومة الألمانية، وحكومات الولايات، وإلى الرأي العام الألماني، أعربت فيها عن امتعاضها مما وصفته بالقمع واستهداف المدنيين والتحيّز العنصري الذي يتعرض له الفلسطينيون.
الرسالة وُقّعت من شخصيات ألمانية يهودية عامة مشهورة، مثل مخرج الأفلام الألماني اليهودي جلعاد برعام، والكاتب ساندرز إسحاق بيرنشتاين، والفنانة آنا برلين، ومنتج الأخبار التلفزيونية آدم بيري، وغيرهم الكثير من الجالية اليهودية في ألمانيا، ونشرتها صحيفة “تاغيس تسايتونغ”، وجاء فيها أن التضييق على الفلسطينيين والعرب مما يحدث في غزة، خشيةً من انتقاد إسرائيل، لا يجعل اليهود يشعرون بالأمان بالضرورة، بل بالقلق والخوف، لأن هذا يعتبر تضييقاً على الحريات العامة في ألمانيا.
وقالت الرسالة: “نحن، الفنانين والكتاب والعلماء اليهود، الموقّعين أدناه، الذين يعيشون في ألمانيا، ندين، في هذه الرسالة، الأعمال المثيرة للقلق ضد الجمهور في ألمانيا، وذلك في أعقاب تصاعد أعمال العنف الكبيرة التي حدثت في المناطق الفلسطينية والإسرائيلية، ومع تأكيدنا أنه ليس هناك أي مبرر لهجمات “حماس” على المدنيين. ومع إدانتنا بلا تحفّظ للهجمات على المدنيين في إسرائيل، حيث لدى الكثير منّا عائلات وأصدقاء في إسرائيل يتأثرون بشكل مباشر بهذا العنف، بيد أننا بالوقت نفسه ندين، بذات القوة، ما يحدث من عنف وقتل يواجه المدنيين في غزة”.
ففي الأسابيع الأخيرة، حظرت الولايات الألمانية التجمعات العامة التي يشتبه في أنها متعاطفة مع الفلسطينيين في جميع أنحاء ألمانيا. وهي تعمل على حظر وقمع مظاهرات مثل “شباب ضد العنصرية”، و”سكان برلين اليهود ضد العنف في الشرق الأوسط”. وفي إحدى الحالات التي أثارت القلق تم القبض على امرأة يهودية إسرائيلية لأنها كانت تحمل لافتةً تدين الحرب التي تشن في “المناطق الإسرائيلية والفلسطينية”.
ولم تقدم الشرطة أي دفاع موثوق عن هذه الأفعال. تقريباً جميع عمليات الإلغاء، بما في ذلك تلك التي تحظر التجمعات التي تنظمها الجماعات اليهودية، بررت الشرطة منعها جزئياً بسبب “الخشية من حدوث تهديدات، وبسبب وجود هتافات تحريضية أو معادية للسامية”. وفي رأينا أن هذه الادعاءات تعمل على قمع التعبير السياسي المشروع وغير العنيف، والذي قد يشمل انتقاد إسرائيل.
التحيّز العنصري
وقالت الرسالة إن أية محاولات تتم لمقاومة هذه القيود التعسفية تواجهه بقوة وعدوانية. كما تعرض العديد من الأشخاص من ذوي الخلفيات المهاجرة في جميع أنحاء ألمانيا لاستهداف من قبل السلطات، حيث تم مضايقة المدنيين واعتقالهم وضربهم، وغالبًا ما يتم ذلك تحت ذرائع واهية.
وفي برلين، أصبحت منطقة نويكولن، والتي تعتبر موقع تجمّع جاليات تركية وعربية كبيرة، منطقةً تتواجد الشرطة فيها بشكل كبير، حيث تقوم سيارات الشرطة المدرعة وقوات مكافحة الشغب بدوريات في الشوارع بحثًا عن أي مظاهر عفوية لدعم الفلسطينيين، أو رموز الهوية الفلسطينية. وحيث يتعرّض المشاة على الرصيف بالدفع والإزعاج، ويهاجمون من قبل عناصر الشرطة برذاذ الفلفل. ويتعرّض الأطفال للهجوم والاعتقال بلا رحمة. ومن بين المعتقلين نشطاء سوريون وفلسطينيون معروفون.
وتضيف الرسالة أنه تم رصد العديد من الحالات، من منع رفع الأعلام الفلسطينية، والكوفية في المدارس. على الرغم من أن حيازة هذه العناصر في الأماكن العامة أمرٌ قانوني، إلا أنها تقابَل بعنف من عناصر الشرطة، وتواجه بالاعتقال في العديد من الأحيان.
وقالت الرسالة؛ في وقت سابق من هذا العام، اعترف ضباطُ شرطة برلين أمام المحكمة بأنهم استهدفوا المدنيين الذين كانوا يرتدون ملابس بألوان العلم الفلسطيني أو يتوشحون بالعلم أو الكوفية للتضامن مع الفلسطينيين، بحيث تعرض هؤلاء للقمع والاعتقال. وتشير لقطات فيديو مصورة إلى أن هذا لا يزال هو الحال في الوقت الراهن، وما زال “التحيز العنصري” يلعب دورًا مهمًا في الملاحقة القضائية المستهدفة للمشتبه بهم.
إن هذه الانتهاكات للحقوق المدنية لا تثير أية احتجاجات بين النخب الثقافية في ألمانيا. لقد تواءمت المؤسسات الثقافية الكبرى في ألمانيا، مع توجّه السلطة عبْر إسكات الأصوات المعارضة والمحتجة، من خلال إلغاء المسرحيات التي تتناول الصراع، وسحب حق التحدث من الشخصيات التي قد تنتقد تصرفات إسرائيل أو الذين هم ببساطة فلسطينيون. وقد خلقت هذه الرقابة الذاتية الطوعية مناخاً من الخوف والغضب والصمت. كل هذا يتم بحجة حماية اليهود ودعم دولة إسرائيل.
كيهود نرفض هذا العنف
وأكدت الرسالة: نحن، كيهود، نرفض هذه الذريعة للعنف العنصري، ونعرب عن تضامننا الكامل مع جيراننا العرب والمسلمين، وخاصة الفلسطينيين. نحن نرفض أن نعيش في خوف ضار. إن ما يخيفنا هو مناخ العنصرية وكراهية الأجانب السائد في ألمانيا، والذي يسير جنباً إلى جنب مع محبة السامية القهرية والأبوية. ونحن نرفض بشكل خاص معادلة معاداة السامية وأي انتقاد لدولة إسرائيل.
وفي الوقت نفسه الذي يتم فيه قمع معظم أشكال المقاومة السلمية في غزة، تحدث أيضًا أعمال عنف وترهيب معادية للسامية: إلقاء زجاجة مولوتوف على كنيس يهودي، يتم رسم نجمة داود على أبواب بيوت اليهود لتمييزهم. ولا تزال دوافع هذه الجرائم المعادية للسامية غير المبررة ومرتكبيها مجهولة.
ومع ذلك، هناك شيء واحد واضح لن يجعل اليهود أكثر أمانًا إذا رفضت ألمانيا الحق في التعبير وتمكين الناس من الحداد على الأرواح التي فقدت في غزة.
فاليهود يشكلون بالفعل أقلية ضعيفة. إن حظر المظاهرات وتطبيقه بالعنف لن يؤدي إلا إلى إثارة العنف وتصعيده.
نحن ندين هذه الأفعال بشكل صارخ والتي تستهدف الحياة اليهودية في ألمانيا، لكن وفقاً للشرطة الفيدرالية، يتم ارتكاب “الغالبية العظمى” من الجرائم المعادية للسامية- حوالي 84 بالمائة- من قبل اليمين المتطرف الألماني.
حرية التعبير وحرية التجمع
وذكرت الرسالة أن المعارضة شرطٌ أساسي لأي مجتمع حر وديمقراطي. وأن تعريف الحرية، كما كتبت روزا لوكسمبورغ (ناشطة وسياسية يهودية ولدت عام 1871، ودعت إلى مواجهة قمع السلطات) “هي ضمان حرية أولئك الذين يفكرون بشكل مختلف”. ونحن نخشى أنه مع القمع الحالي لحرية التعبير، أصبح المناخ في ألمانيا أكثر خطورة من أي وقت مضى في تاريخ البلاد الحديث بالنسبة لليهود والمسلمين على حد سواء، ولذلك نحن ندين هذه الأعمال التي ترتكب باسمنا.
إننا ندعو ألمانيا إلى التقيد بالتزاماتها الخاصة بحرية التعبير والحق في التجمع، على النحو المنصوص عليه في القانون الأساسي الذي يبدأ على النحو التالي: “كرامة الإنسان لا تنتهك. احترامهم وحمايتهم واجب على جميع سلطات الدولة”.
تعليقات الزوار
لا تعليقات