أصدر النائب العام الليبي الصديق الصور اليوم الاثنين أمرا بتوقيف ثمانية مسؤولين في إطار التحقيق في كارثة الفيضانات التي أودت بحياة الآلاف في شرق ليبيا.
وجاء في بيان صادر عن مكتب النائب العام أن المسؤولين أوقفوا بشبهة سوء الإدارة والإهمال وهم ممن يعملون حاليا أو عملوا سابقا في مكاتب مسؤولة عن الموارد المائية وإدارة السدود.
وتشمل قرارات الإيقاف عميد بلدية درنة ورئيس هيئة الموارد المائية الحالي والسابق ومسؤولين آخرين على خلفية كارثة انهيار سدي درنة، فيما أكد الصور أنه حرك دعوى جنائية في مواجهة 16 مسؤولا عن إدارة مرافق السدود في البلاد.
وبعد فتح التحقيق قال النائب العام الليبي قبل أكثر من أسبوع إن تشققات ظهرت منذ عام 1998 في سدين انهارا في مدينة درنة جراء الفيضانات المباغتة بعدما ضربت عاصفة بقوة الإعصار المنطقة المحيطة بالمدينة الساحلية في شرق ليبيا.
واعتبر أن عميد درنة لم يستحضر ما يدفع عنه واقعة إساءة استعمال سلطة وظيفته وانحرافه في إدارة الأموال المخصصة لإعادة إعمار درنة، مؤكدا أن النيابة مضت في طلب ما يلزم التحقيق في مواجهة بقية المسؤولين عن حادثة الفيضان وغيرهم ممن أساء إدارة مشروع إعادة إعمارها.
وقرار إيقاف المسؤولين الثمانية هو أول قرار تتخذه السلطات منذ وقوع الكارثة التي أودت بحياة الآلاف غالبيتهم من درنة أكبر المدن التي تضررت بشدة ليس بفعل العاصفة والسيول بل بفعل انهيار السدين.
وتقول مصادر مختصة والأمم المتحدة إنه كان بإمكان السلطات الليبية تفادي الكارثة، مشيرة في الوقت ذاته إلى الانقسامات السياسية والصراعات التي عطلت ادارة شؤون الدولة بما فيها صيانة السدود.
ودفع حجم الضحايا الكبير الذي خلفه الفيضان الذي أغرق مدينة درنة ومناطق أخرى شرقي ليبيا، إلى مطالبة أطراف سياسية وشعبية بإجراء تحقيق دولي حول أسباب انهيار سُدي درنة وارتفاع عدد القتلى والمفقودين، بشكل غير مسبوق في التاريخ الحديث للبلاد.
وشهدت درنة في 18 سبتمبر/أيلول الجاري مظاهرات شعبية مطالبة بالإسراع في التحقيق بشأن كارثة الفيضانات واتخاذ الإجراءات القانونية ضد كل من يثبت تقصيره.
وطالب المحتجون بضرورة إعادة إعمار المدينة بأسرع وقت، عن طريق هيئات وشركات عالمية، وليست محلية، على أن يخضع ذلك لرقابة أممية.
ودرنة مدينة جبلية تقع على ساحل البحر المتوسط في شرق ليبيا يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط ومن الجنوب سلسلة من تلال الجبل الأخضر ويشطرها لنصفين مجرى "وادي درنة" الذي يعد من أهم معالمها والبالغ طوله نحو 30 كلم.
ويرجح سكان من المدينة سبب انهيار سُدي 'البلاد' و'سيدي بومنصور' (2 كلم و13 كلم جنوبي المدينة على التوالي)، إلى إهمال السلطات المتعاقبة والتأخير في إجراء الصيانات اللازمة.
وطلب رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي من النائب العام الصديق الصور، فتح تحقيق شامل في كارثة الفيضانات التي ضربت درنة ومحاسبة كل من أخطأ أو أهمل بالامتناع أو القيام بأفعال نجم عنها انهيار سدي المدينة.
ودعا رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة هو الآخر النائب العام، لفتح تحقيق عاجل في أسباب انهيار السدين.
وشكل المجلس الأعلى للقضاء، لجنة تتكون من أعضاء بالمجلس للتحقيق والفحص في موضوع الكارثة التي حلت بدرنة للوصول إلى النتيجة والحقيقة حول ما حصل والأسباب التي أدت إلى ذلك.
ودعا المجلس في بيان نشره على حسابه الرسمي بفيسبوك، كافة الجهات "للتعاون مع اللجنة وإحالة كافة المستندات والوثائق ومحاضر الاستدلال والتحقيق إليها"، غير أن موقف مجلس النواب اختلف تماما عن دعوات فتح تحقيق التي دعت إليها الأطراف السياسية المحسوبة على غرب البلاد.
ودعا رئيس المجلس عقيلة صالح المواطنين إلى التحلي بالصبر في مواجهة الكارثة الطبيعية، واصفا ما حدث في درنة بـ"الكارثة الطبيعية التي لا يمكن الفرار منها".
في المقابل، أعلنت الحكومة المكلفة من مجلس النواب، إقالة المجلس البلدي لدرنة بالكامل، وإحالة أعضائه إلى التحقيق.
وعلى الرغم من إصدار الجهات التنفيذية من بينها الحكومة المكلفة من مجلس النواب والتي يرأسها أسامة حماد وحكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا، عدة قرارات تنص على صرف مبالغ مالية لإعادة إعمار المدينة، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لامتصاص الغضب الشعبي.
وقال الصور إن "التحقيقات حول كارثة درنة ستطال مسؤولين حاليين وسابقين على مدى 20 عاما وستشمل هيئة المياه والموارد المائية ولجنة إعمار درنة ومن الصعب إعطاء مهلة محددة لانتهاء التحقيقات حول انهيار السدين".
وأضاف في تصريحات لقناة ليبيا الأحرار (خاصة) "نحن ملتزمون أمام أهالي الضحايا باتخاذ كافة الإجراءات لتحقيق العدالة"، داعيا الجهات التنفيذية إلى توفير المناخ المناسب أمام النيابة لإتمام إجراءات التحقيق.
وقال المحلل السياسي الليبي فرج فركاش إن "التحقيق العادل والشفاف في كارثة درنة يجب أن لا يستثني أحدا، فالمسؤولية بالتأكيد يجب أن تطال الجميع دون استثناء"، موضحا أن التحقيق المرتقب "يأتي محاولة لامتصاص غضب الشارع في درنة خاصة وليبيا عامة، وأنه لن يغير شيئا ولن يستطيع محاسبة أحد، لذلك يطالب كثيرون بتحقيق دولي أو أممي مستقل".
ويعتبر وادي درنة مصبا لكل السيول القادمة من جنوب المدينة من مناطق المخيلي والقيقب والظهر الحمر والقبة والعزيات وبعد امتلائه بفعل إعصار دانيال، انهار سدا البلاد وسيدي بومنصور اللذان كانا الضامن الوحيد لاحتباس مياه السيول المنحدرة من أعالي مناطق الجبل، وفق حديث سابق للمؤرخ الليبي فرج داود الدرناوي.
وتم بناء السدين في الفترة من 1973 إلى 1977 للسيطرة على الفيضانات وري الأراضي الزراعية وتوفير المياه للمجتمعات المجاورة. ويبلغ ارتفاعهما 45 و75 مترًا فيما تبلغ القدرة التخزينية للمياه بهما 1.5 مليون متر مكعب و23 مليون متر مكعب.
تعليقات الزوار
لا تعليقات