أخبار عاجلة

تونس على كف عفريت بسبب تدخلات الجزائر المتكرر في شؤون البلاد

 توقَّعَ أحمد نجيب الشابي، رئيس “جبهة الخلاص الوطني” (أكبر تكتل معارض)، حدوث ما سمّاه “انهياراً وشيكاً” في تونس، مشيراً إلى أن الرأي العام التونسي بدأ يقتنع بـ “عجز” السلطة الحالية عن إيجاد حلول لمشاكل البلاد، وهو ما قد يدفعه الى حالة من الغضب والانفجار.

وقال الشابي، في حوار خاص مع “القدس العربي”: “يقيناً، نحن أمام انهيار وشيك يمكن أن يحدث في أي لحظة. لا نعلم التوقيت، وإنما كل العوامل تدل على أن نقطة التحول تقترب بتسارع”.

وتساءل بالقول: “من كان يظن أن صفعة من شرطية لبائع متجول يمكن أن تُشعل حريقاً انطلاقاً من تونس، فمصر، فليبيا، فسوريا، فاليمن، ولا زلنا نعيش ارتداداتها؟”.

وأجاب بقوله: “طبعاً لا أحد، فالجميع كان يشعر بأن النظام العربي منهار، وأن زلزالاً يتحرك تحت الأرض، لا أحد يعلم متى سيقع، ومدى شدته، حتى فاجَأنا في سنة 2011. العالم بأسره فوجىء بالأمر، وخاصة الفاعلين السياسيين في تونس. كنا نشعر بأننا في نهاية مرحلة، لكن لا يمكن أن نتنبأ بوقتها أو سببها”.

استبداد مستنير

ويرى الشابي أن تونس تعيش حالياً “مرحلة ليس لديها مقومات البقاء، ولا يمكن تشبيهها بما عرفناه في الماضي. ففي الماضي كان لدينا استبداد مستنير، بمعنى أن من كانوا قائمين على الحكم كانت لهم رؤية ودراية وكانوا يقدمون منجزات في المجال الاقتصادي والاجتماعي والعلمي.

أما اليوم فالسلطة الحالية لم تقدم أدنى إنجاز منذ أن استولت على الحكم، وكل ما تفعله هو قمع السياسيين والنقابيين والمدونين ورجال الأعمال والموظفين. كما أن وزراء، على غرار توفيق شرف الدين وعثمان الجرندي، كانوا يبدون وكأنهم من أركان الحكم، تمت إقالتهم بجرة قلم! والسلطة الحالية مستبدة وعاجزة، وهذا العجز هو الذي ينسف مقومات استمرارها”.

ويؤكد أنه لا يمكن أن نتوقع شكل أو توقيت الثورة ضد الرئيس قيس سعيد، لكن “يمكن أن نجزم بأن انفجاراً سيقع، ولست الوحيد في هذا التكهن، فالإيطاليون الذين يعملون قصارى جهدهم لإعانة الرئيس الحالي يحذرون الأوروبيين بأن تونس على وشك الانهيار، كما أن ماكرون وبلينكن عندما يتحدثان عن تونس يؤكدان هذا الأمر. إذن علامات الانهيار بادية لمن يريد أن يرى، ولذلك الحديث عن أن تونس على كف عفريت ليس من باب المبالغة”.

ويستدرك بقوله: “صحيح أن السلطة الآن تبدو وكأنها “مستقرة” وأن الرأي العام يكابد المعاناة اليومية، لكنه ما زال لا يربط بين عجز هذه السلطة وأسباب معاناته، لكن هذه الأشياء تتحول تحت فعل ووقع الأزمة الحادة جدا في تونس”.

وكان الشابي استشرفَ حدوث ثورة أو “زلزال اجتماعي” ضد بن علي، لكنه لم يتوقع أن يؤدي لسقوط نظامه.

وأوضح ذلك بقوله: “كنت أشعر أن الأرض تتحرك، وبأن زلزالاً سيقع، لكن لم أتوقع إطلاقاً أن تكون نتيجته سقوط النظام. كنت أعتقد أن النظام سيضعف لدرجة أنه سيغير سياسته، ويبحث عن سبل للتفاهم مع ممثلي المجتمع، لكن كان الزلزال من العنف لدرجة أنه أودى بالحكم في ظرف أربعة أسابيع، ولا أعرف أحداً، سواء من بين التونسيين أو الفاعلين الدوليين، كان يتوقع هذا الزلزال وتداعياته”.

العلاقة مع بن علي

وكان حمّة الهمامي، الأمين العام لـ “حزب العمال” تحدث، في حوار سابق مع “القدس العربي”، عن “اتفاق” بين الشابي ونظام بن علي لتشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع بين الحزب الحاكم، حينها، والمعارضة، قبيل مغادرة بن علي لتونس.

 وعلّقَ الشابي على ذلك بقوله: “أنا أكنّ احتراماً كبيراً لحمّة الهمامي، بسبب سنوات النضال الطويلة التي خاضها، حيث التقينا معاً في بعض المحطات، وكنت أتضامن معه في محطات أخرى. ولكن أستغرب أن شخصيةً في هذا السن وبهذه التجربة يسمح لنفسه بقول أشياء لم تحدث في الواقع”.

وأوضح: “اختلفت مع بن علي منذ عشرين أيلول/ سبتمبر 1990، حيث ذهبت حينها كممثل لرئيس الدولة إلى اليمن لمقابلة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح لأشرح السياسة التونسية حول الحرب على العراق، وكان هناك إجماع وطني في تونس بين الحكومة والمعارضة حول رفض هذه الحرب. عدتُ وقدمت تقريراً عن الزيارة، وكان هذا آخر لقاء مع بن علي، لأنه دخل في سياسة قمعية”.

وتابع: “بعد ذلك، دخلت تونس في ديناميك الصراع الداخلي، وكشف النظام عن وجهه القمعي الشرس، ولم يكن بإمكاني -من وجهة نظري وتطلعي إلى الديمقراطية- أن أزكّي ذلك التوجه، فكانت القطيعة مع بن علي إلى أن توفاه الله في السعودية بعد ثماني سنوات من الثورة، ولم ألتقِ معه خلال تلك السنوات”.

واستدرك بقوله: “لكن يُقال إنه في أوج الأزمة فكّرَ بن علي في تشكيل حكومة وحدة وطنية، وذُكر أن اسمي كان من بين الوزراء المقترَحين ضمن تلك الحكومة، حسب ما سمعت بعد الثورة. لكن أن يقال إن ذلك كان بعد حوار وتشاور بيني وبين بن علي فهذا محض افتراء”.

صدام حسين والتونسيين

ويتحدث الشابي عن لقائه بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين خلال حرب الخليج، عام 1991، بقوله: “شكلت وفداً من قيادات حزب التجمع الاشتراكي التقدمي، وشددنا الرحيل إلى بغداد للتعبير عن تضامننا في وجه العدوان، وقد استقبلنا الرئيس صدام حسين رحمه الله، وكانت لحظة مؤثرة لنا جميعاً، حيث كانت وقفة تضامنية من عربي إلى عربي في وجه عدوان فظ”.

ويضيف: “أخبرني نائب سفير فرنسا حينها بأنهم أحصوا 600 تظاهرة مؤيدة لصدام في تونس، وهي أعلى نسبة تم تسجيلها في العالم العربي. وخلال الحرب، كنت إذا دخلت مخفراً للشرطة التونسية ترى صورتي زين العابدين بن علي وصدام حسين. كما ساهم حزبنا من خلال المناضلة الراحلة مية الجريبي بحملة لإرسال الأدوية للعراق خلال الحصار الاقتصادي”.

زيف قضية التآمر

ويروي الشابي لـ “القدس العربي” تجربة التحقيق الأخيرة معه، في ما يتعلق بقضية “التآمر على أمن الدولة” بقوله: “حين استدعاني القاضي قلت له: سأتمسك بالصمت، ولن أجيب عن أي سؤال، لا تحدياً لك، ولكن اعتقاداً مني بأن كل ما بين يديك يتعلق فقط بأنشطة عادية لشخصيات سياسية سلمية ومدنية معروفة بالاستقامة لعقود من الزمن، وإذا أردتم أن تكيّفوها باعتبارها جريمة على أمن الدولة فافعلوا ما تريدون. المعركة ليس معك، وإنما مع السلطة السياسية التي اختلقت هذه الملاحقة القضائية، ومجالها ليس القضاء، وإنما المعترك السياسي”.

ويؤكد أنه يشعر بالحزن والألم بعد اعتقال شقيقه عصام الشابي (أمين عام الحزب الجمهوري): “ليس بسبب ما يمكن أن يسببه السجن من تضحيات، فهذه خبرتها منذ العشرينات من عمري، ودخلت السجن مع شقيقي عصام سنة 1986، وبالتالي ليس هذا الذي يقلقني، بل هو شعور بالظلم لأني لا أعلم الأعمال التي يمكن أن تستوجب إيقاف عصام الشابي، أو أي من الشخصيات السياسية الموقوفة منذ ستة أشهر، ولا أعلم إلى متى سيطول هذا السجن لأننا لا نرى نهاية لهذا النفق الأسود”.

التغيير من الداخل

وكان الشابي دعا إلى توحيد القوى السياسية والمدنية لإحداث “تغيير حقيقي” في البلاد.

وأوضح: “نعاني من أزمة اقتصادية واجتماعية حادة، ولا يمكن حلها إلا بتغيير القيادة السياسية، فالأحداث المستمرة منذ سنوات تؤكد أن السلطة الحالية عاجزة عن تحقيق أدنى إنجاز، وبالتالي لا بد من التغيير. وهذا التغيير لن يأتي على ظهر دبابة، ولا يمكن أن يقوم به سويديون أو تشاديون مثلاً، بل النخبة التونسية المدنية والسياسية، وهي المسؤولة عن بلدها”.

وأضاف: “هذه النخبة مطالبة بالاجتماع حول خريطة طريق لإنقاذ تونس، عناصرها واضحة وتتمثل بإجراء إصلاحات توقِف نزيف المالية العمومية وتحدّ من المديونية وتعيد رصيد الثقة لتونس في الأسواق المالية الخارجية من أجل تعبئة الموارد للنهوض بالاقتصاد. هذه هي إشكالية تونس وعناصر حلها موجودة وليست سحرية، ويجب التفاوض والاتفاق حولها”.

وتابع: “البعد الثاني للحل هو الإصلاحات السياسية، فهذا الانقلاب جاء نتيجة لأزمة سياسية قائمة قبل ٢٥ تموز/ يوليو (إعلان الرئيس سعيد لتدابيره الاستثنائية)، حيث كانت المؤسسات مشلولة والصراع بين أجهزة الدولة في أقصاه، وكان المجتمع نافراً من الحياة السياسية، ولا بد أن نفكر في كيفية تجاوز هذا الوضع كي لا نعود إليه، ويتم ذلك عن طريق الإصلاحات الدستورية والسياسية، والمقترحات موجودة لدينا”.

وقال إن “على التونسيين -دون إقصاء- أن يجتمعوا حول مائدة مستديرة يتحدثون فيها حول برنامج للإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية يليق بتونس، ويختارون شخصية تحظى بثقة ولها اقتدار، يتم تكلفها بتشكيل حكومة لتنفيذ ذلك البرنامج الإصلاحي، وهذه الحكومة تقود البلاد إلى انتخابات عامة جديدة تجدد الشرعية”.

انقسام المعارضة

ورغم اتفاقها على معارضة الرئيس سعيد، لم تتمكن القوى السياسية والمدنية من توحيد نفسها، وهو ما يرده الشابي إلى ما يسميه “القصور العربي”.

ويوضّح بقوله: “العربي لا يفكر في الحاضر والمستقبل بل هو رهين الماضي. أنا عربي وأعتز بذلك، لكن نحن أكثر الأمم تخلفاً. وما يقسم المعارضة التونسية هو الاختلاف حول تجربة ما قبل الانقلاب. فثمة من يقول: يحب أن نتفق أولاً على ما قبل 25 تموز/ يوليو، ومن يقول: نضعها بين قوسين حتى يأتي وقتها وتعود أجواء المنافسة الحرة”.

ويضيف: “لا يمكن أن أشترط على أطراف شاركت في التجربة الماضية أن تقرّ بتقييمي لها حتى أعمل معها، بينما لنا مصلحة مشتركة في إيقاف هذا التدهور وإعادة تونس إلى سكة الديمقراطية، ثم التنافس الحر والشريف والاحتكام إلى صندوق الاقتراع. فالخصوم السياسيون لا يمكن أن يكونوا خصوماً وحكاماً، كما أن الحكم هو للرأي العام عبر صندوق الاقتراع. وشخصياً، أحتفظ بكل الانتقادات للتجربة الماضية ولحكم الصندوق، لكن لا بد من عودة الصندوق، والرهان هو في عودته لاستعادة مناخ الحريات والديمقراطية والمؤسسات التي أجهز عليها الانقلاب”.

ويوضح أكثر: “الاختلاف الآن حول مستقبل الديمقراطية وماضيها. وما يعطل المستقبل اليوم ليست التجربة الماضية (رغم كل ما يمكن أن نقول فيها) وإنما الإجهاز على مكتسبات الدستور الذي مُزّق وتم وضع دستور آخر خطّه الرئيس لصالحه، وتم تشكيل برلمان لم يشارك في التصويت عليه أكثر من عُشر التونسيين، ولدينا حكومة ليست مراقبة إلا من رئيس الجمهورية الذي يقيل منها من يشاء ويعين فيها من يشاء. فضلاً عن هدم السلطة القضائية واعتقال السياسيين والنشطاء والإعلاميين ومصادرة حرية التعبير”.

ويضيف: “على سبيل المثال، راشد الغنوشي كشخصية دولية مؤثرة في التاريخ المعاصر لتونس، هو الآن وراء القضبان لأمد غير معروف لأنه قال في اجتماع: احذروا من الاستئصال لأنه مصدر للفتنة والاقتتال الداخلي، ابتعدوا عنه مهما كان الطرف الذي سُلط عليه (يسارياً أو إسلامياً)، فالمهم أن نعيش مع بعضنا دون إقصاء. وهذا التصريح مسجل”.

مرشح رئاسي

وحول دعوة بعض الأطراف للتوافق على مرشح واحد لمنافسة سعيد في الانتخابات الرئاسية المقبلة، قال الشابي: “لو كان هناك انتخابات رئاسية حرة ربما كان هذا ممكناً. لكن الآن هل هناك مناخ لإجراء انتخابات تنافسية حرة؟ وهل ستقع انتخابات رئاسة أصلاً؟ لا أحد يمكنه أن يجزم بذلك”.

وأضاف: “كان من المفروض أن تقع انتخابات حسب الرزنامة الدستورية السابقة، لكن وقع انقلاب، والشرعية الآن تُستمَد من ذات الحاكم، فالهيئة المشرفة على الانتخابات هي في قبضة الحاكم، وهذا يعني غياب شرط التنافس الحر، كما أن القضاء في قبضة السلطة التنفيذية، وهذا أمر يشتكي منه القضاة وبشكل صريح، ثم كيف يمكن التنافس مع من حنث بوعده بعدما أقسم على حماية الدستور ومزقه لاحقاً، قبل أن يخط دستوراً جديداً بنفسه ولنفسه، وأخضع جميع المؤسسات لذاته ( في إشارة للرئيس سعيد)؟”.

وتابع بقوله: “لا يمكن الحديث عن مرشح موحد ليكون كومبارس في ديكور انتخابي زائف. المطلوب هو أن نحدث شروط التنافس الحقيقي في مناخ أدنى من الحريات والضمانات الحقوقية، وعندها لكل حادث حديث”.

“اتحاد الشغل” ومغازلة الرئيس

وكانت “جبهة الخلاص” دعت “اتحاد الشغل” للتعاون مع المعارضة للتصدي لسياسات الرئيس قيس سعيد، ورد الاتحاد بمهاجمة الجبهة، ووصم بعض مكوناتها بـ “الإرهاب”.

وعلق الشابي على ذلك: “ليست لدينا أي خصومة أو عداوة مع اتحاد الشغل، لكنه بادر بمهاجمتنا في وسائل الإعلام، وأدركنا لاحقاً بأنها رسائل موجهة لرئيس الدولة مفادها: “نحن لسنا في المعارضة ونرغب بالتفاهم معكم”، بمعنى هم استباحونا من أجل التقرب من السلطة، ولكنهم لم ينجحوا في ذلك”.

واستدرك: “اتحاد الشغل هو جزء من المجتمع التونسي، وهو أحد مكاسبه، وقد تأسس غداة الحرب العالمية الثانية كمكون ورافد أساسي للحركة الوطنية، وقدم مؤسسه فرحات حشّاد شهيداً للتحرر الوطني، ثم لعب دوراً كبيراً في تونس الحديثة، وشكّل -تحت ريادة الحبيب عاشور- القوة الرئيسية التي فتحت باب الديمقراطية والتعددية في تونس منذ عام 1978، وظل قوة تقدمية في المستوى الاجتماعي، كما ساهم في التحرر السياسي إلى عهد ليس ببعيد”.

وأضاف: “نحن نطلب من اتحاد الشغل أن يكون وفياً لتقاليده، وأن يكون في مستوى التحديات التي تعيشها تونس. لكننا نحترم قرارهم السيادي، فبإمكانهم أن ينظروا للأمور كما يريدون، ولكن نحن لم نقطع الأمل بأن يستيقظوا ويستعيدوا دورهم الأساسي، فلهم ثقل اجتماعي لو وضِع في كفة التغيير لكان عاملاً هاماً، حتى لا أقول حاسماً”.

ويرى الشابي أن القيادة الحالية لاتحاد الشغل “اختارت أن تضع نفسها تحت سقف الانقلاب. فهي ترى أن 25 تموز/ يوليو كان فرصة للشعب التونسي، رغم أن كل الأحداث لا تؤيد هذه الفكرة. كما أن الاتحاد الآن مستهدف من قبل السلطة، فالعديد من النقابيين في السجن، وآلاف المعلمين محرومون من رواتبهم، وعشرات الآلاف من الموظفين مهددون بالتصفية، بعدما أوصى الرئيس بتطهير الإدارة ممن دخلوا بعد الثورة على أُسس سياسية، ورغم ذلك فالاتحاد لا يحرك ساكناً للدفاع عن نفسه والمنخرطين فيه. نحترم موقفه ولا نشاطره إياه، ونقول إن هذا الحال غير طبيعي، ولا يمكن أن يدوم، ولا يمكن أن نلعن المستقبل، ويدنا ممدودة دائماً تجاه الاتحاد”.

وحول امتناع “جبهة الخلاص” عن التواصل مع الرئيس سعيد أملاً بإقناعه بتعديل تدابيره الاستثنائية، يقول الشابي: “لو رأيت قيس سعيد يستمع إلى مؤيديه، فربما أكون قد قصرت في التواصل معه، ولكنه لا يجيب أحداً، ويعتبر من يخالفه الرأي ليس خصماً بل عدواً، كما أنه لا يحاور من يناصره، بل يريد الإبقاء على مسافة معه.  اُنظر إلى “الأحزاب” التي ساندت قيس سعيد في بداية انقلابه، أين هي الآن؟ إما في موقع المعارضة أو على هامش الحياة السياسية”.

تصفية “النهضة”

وكانت بعض الأطراف في تونس طالبت بحل “حركة النهضة” بعدما حملتها مسؤولية الأزمات التي عاشتها البلاد خلال العقد الماضي، فيما اعتبر البعض أن الإسلام السياسي انتهى في تونس.

وعلق الشابي بقوله: “الإسلام السياسي، كظاهرة إيديولوجية ولدت في سبعينيات القرن الماضي وتقوم على تغليب النص على العقل، تراجع في تونس. ولكن الحركة التي ترمز للإسلام السياسي تطورت في اتجاه محاولة التوفيق بين مرجعيتها السياسية المحافظة ومقتضيات الحياة العصرية الديمقراطية، وحققت تقدماً معتبراً”.

وأوضح: “أعتقد أن حركة النهضة كظاهرة ثقافية سياسية في مجتمع إسلامي لها أرضيتها ومكانها ودورها، وهذا الدور لا يمكن أن يكون إلا ضمن الحراك الديمقراطي للبلاد التونسية”.

ويرى الشابي أن تونس تعيش أزمة سياسية كبيرة تسببت في اندثار بعض الأحزاب العلمانية، وتراجع نظيرتها الإسلامية.

ويوضح: “الأحزاب العلمانية لم يبق منها سوى شخصيات اعتبارية، كما أن الحركة الإسلامية في تراجع كبير من حيث تأثيرها في المجتمع وتواجدها التنظيمي، لكنها لم تندثر مثل الأحزاب العلمانية. ومن الصعب التكهن بمستقبل القوى الديمقراطية في ظل هذه الأزمة، لكن يمكن القول إنه لن يخرج عن القاعدة في التمحور حول قطبين. الأول محافظ يعطي للموروث الثقافي والحضاري وللبعد الديني والروحي أهمية في بناء المستقبل. والثاني تحرري يركز أكثر على الإنجازات الاجتماعية والسياسية”.

ويضيف: “لكن هذين القطبين تحت خيمة واحدة وأمة واحدة، كما هو الحال في أمريكا وبريطانيا وفرنسا (يسار ويمين، عمال ومحافظون، جمهوريون وديمقراطيون)، يعبّران عن تلونات مختلفة في ذات الأمة، ويتنافسان على ما هو أفضل للأمة التي ينتمون إليها. ولا أعتقد أن تونس ستخرج عن قانون الديمقراطية هذا”.

ويتابع: “لا أعتقد أن حركة النهضة ستندثر، بل ستعيد تشكيل نفسها في هذا الإطار، وتمثل القطب المحافظ، وسيقابلها القطب “التقدمي” ومكوناته التاريخية التي عصفت الأزمة الحالية بوجودها، لكن كيف ستستعيد الأخيرة أنفاسها وتلعب دوراً في المستقبل، فهذا يدخل في إطار التنبؤ، ولكن لا يمكن أن تخرج تونس عن قواعد السوسيولوجيا السياسية”.

شعب واحد في دولتين

وكان الشابي دعا في وقت سابق الرئيسَ الجزائري عبد المجيد تبون لعدم التدخل في الشأن التونسي.

وأوضح ذلك بقوله: “شعوري العميق أن تونس والجزائر شعب واحد في دولتين، وهذا الشعور ليس مبعثه العاطفة، وإنما الحقائق الإثنية والثقافية والتاريخية والدينية والجغرافية. وشخصياً، استفقت سياسياً على وقع الثورة الجزائرية التي كانت ملحمة من الفداء، كما التجأت بعد خروجي من السجن إلى الجزائر، ولما بلغت الحدود ورأيت يافطة “الجزائر ترحب بكم” قبّلت التراب الجزائري عرفاناً لشهداء الثورة التي حولت الجزائر إلى ملاذ لكل اللاجئين السياسيين في العالم”.

واستدرك بقوله: “لكن على المستوى السياسي، نحن دولتان، ويجب أن نراعي هذا الواقع، حتى لو كنا نطمح إلى شكل من الوحدة (وحدة السوق أو وحدة فيدرالية أو كونفيديرالية). ولا نؤاخذ الجزائر إطلاقاً على العلاقة الجيدة مع تونس فهذا واجبها. ولو كنت ممثلاً للدولة التونسية لحرصت أن تكون العلاقة ممتازة مع الجزائر. وأن تتحمس الجزائر لتونس ككيان في وجه الضغوط الخارجية فهذا رأي أحترمه تماماً، ولكن ما لا يمكن أن أقبله هو أن يتدخل مسؤول جزائري (في إشارة لتبون)، مهما كان حجمه في شأننا الداخلي، ويدعو التونسيين مثلاً للتصويت لدستور قيس سعيد”.

وأضاف: “كما أنهم ذهبوا إلى أبعد من ذلك واتهموا المعارضة التونسية بأنها غير وطنية وستفوّت في وطنها وتظل تبحث عن وطن آخر، بينما الجزائر تعطي الأولوية للحفاظ على الوطن التونسي. فهذا مستوى لم يكن مطلوباً أن تخطوه السلطة الجزائرية، وهنا أجبنا بكل وضوح بأن أهل مكة أدرى بشعابها، وأننا لسنا بحاجة إلى دروس في الوطنية. فنحن أبناء هذا الوطن، وأدرى بمصالحه، ونحن المسؤولون عنه، ولا أحد غيرنا”.

لكنه أكد أن “الخلاف محدود، ونتمنى أن يبقى محدوداً، ولا يؤثر على مستوى العلاقات بين تونس والجزائر، فمهما حدث، مصيرنا واحد، ويجب أن نبني معا مصيرنا المشترك”.

العلاقة مع أوروبا

وحول الجدل المثار حالياً بشأن مذكرة التفاهم مع الاتحاد الأوروبي، وحديث البعض عن تحوّل تونس لـ “حارس حدود” لأوروبا، قال الشابي: “العلاقات بين تونس وأوروبا وطيدة ومستمرة منذ قرون. لا يعني أنها كانت دائماً على ما يرام، فتونس عانت من الاستعمار الفرنسي لأكثر من سبعين عام، ولكن علاقات التبادل التجاري الاقتصادي والتواصل البشري قديمة، وفي الوقت الراهن تمثل أوروبا أهم شريك اقتصادي لتونس، و80 في المئة من مبادلاتنا التجارية هي مع الاتحاد الأوروبي، كما أن الاستثمارات الأجنبية أغلبها من الاتحاد الأوروبي، فبالتالي العلاقة مع أوروبا قوية ووطيدة، لكن هذا لا يعني أنها متكافئة وعادلة، أو أننا لا نطمح لتغييرها في اتجاه أكثر تكافؤاً وعدلاً”.

وختم: “الاتحاد الأوروبي هو جزء من المنظومة الدولية، وتونس تعاني الآن من أزمة مديونية، وهي واحدة من 54 دولة نامية تحتاج للتفاهم مع صندوق النقد الدولي، وتريد تونس من أوروبا مساعدتها مالياً بغض النظر عن اتفاقها مع صندق النقد الدولي. غير أن الاتحاد الأوروبي يجعل من قضية الاتفاق مع الصندوق شرطاً لتقديم أي نوع من المساعدة، كما أنه يولي مسألة حقوق الانسان أولوية في علاقاته مع تونس، ويشعر بالحرج إزاء ما يجري فيها من تعدٍ على الحريات والديمقراطية. ونحن نطمح لعلاقات أكثر وثوقاً مع أوروبا، بما يساعد تونس على تطوير اقتصادها ويمكّنها من الحفاظ على مقدراتها”.

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات