أخبار عاجلة

محللون يعتبرون قرار إعفاء نجلاء بودن خطوات تحضيرية للانتخابات التونسية القادمة

أثار قرار الرئيس التونسي قيس سعيد بإعفاء رئيسة الحكومة نجلاء بودن من منصبها وفي وقت متأخر من ليلة  الثلاثاء، أكثر من سؤال حول الأسباب التي دفعته لاتخاذ هذا القرار وتوقيته، بينما يبقى القرار من صلاحياته الدستورية بموجب الإجراءات الاستثنائية والتعديلات في الدستور التونسي.

ولم يقدم سعيد أي أسباب لقراره ودوافعه وغير مطالب بذلك، لكن كل تصريحاته خلال استقباله بودن وخليفتها رئيس الحكومة الجديد أحمد الحشاني، تشير بوضوح إلى أن الأسباب اقتصادية بحتة بينما تذهب بعض القراءات إلى أبعد من ذلك مركزة على أداء نجلاء بودن الذي يبدو أنه لم يكن في المستوى المطلوب الذي كان يأمله الرئيس.

لكن ثمة من يذهب إلى أن بودن لم تكن تملك زمام القرار وأن كل الصلاحيات كانت بيد الرئيس وأن الحكومة تعتبر حكومة القصر.

لم يكن الرئيس التونسي على ما يبدو راضيا بحسب تقارير إعلامية، عن إدارة نجلاء بودن لنقص الدقيق وبالتالي الخبز في المخابز المدعومة من الدولة.

ويقول الكاتب حاتم النفطي إن "هذه الحكومة بأكملها عبارة عن صمامات، المهم بالنسبة للرئيس هو أن لا يتحمل مسؤولية أي خطأ على الإطلاق" منتقدا "نظاما يضمن استمراريته من خلال إيجاد كبش فداء: من قضاة وسجناء رأي ومهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى".

ولا يبدو هذا الرأي دقيقا من حيث تفسير قرار الرئيس على أنه بحث عن كبش فداء، إذ أثبتت حملات أمنية ومراقبة للمخابز وجود مسالك أخرى للدقيق المدعم حتى من قبل أرباب مخابز ومضاربين وبالتالي فإن الأمر أكبر من مجرد البحث عن كبش فداء.

ويرجح البعض أن سعيد غير راض بالفعل عن أداء بودن وكان بحاجة إلى شخصية أكثر حزما في مواجهة المضاربين والمحتكرين والتحرك السريع لكبح أزمة جزء كبير منها مفتعل إما بسبب الجشع أو مدفوعة من أطراف سياسية معارضة لتأجيج الوضع.

وسبق للرئيس التونسي أن اتهم أطرافا من القوى الرافضة لمسار 25 يوليو، بمحاولة تأليب الرأي العام ضده وضد الدولة من خلال خلق أزمة نقص المواد الأساسية، بينما يقبع في السجن على ذمة التحقيقات عدد من رحال الأعمال والسياسيين من جبهة الخلاص المعارضة بتهمة التآمر على أمن الدولي وتهديد السلم الاجتماعي.  

وفقا لخبراء اقتصاد يعود النقص في الخبز الفرنسي (باغيت) المدعوم إلى عدم توفر إمدادات الحبوب لأن الموردين يريدون تلقي مستحقاتهم مسبقا من تونس المثقلة بالديون بنسبة 80 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي.

ومنذ سبعينات القرن الماضي، ركزت الدولة على اقتناء العديد من المنتجات الأساسية (الدقيق والزيت والسكر والحليب والمحروقات) لإعادة بيعها بأسعار معقولة في السوق.

وبحسب النفطي، تراجعت شعبية بودن التي تم تعيينها في منصبها في أكتوبر/تشرين الأول 2021 "في أوساط الرئيس" وحتى في صفوف المعارضة لأنها تعتبر "واجهة تساهم في طمأنة الغربيين".

ويرى المحلل السياسي يوسف شريف من مراكز كولومبيا العالمية أنه بسبب أزمة الخبز وتدهور الاقتصاد "تدفع الحكومة والمعارضة بالطبع ثمن الغضب الشعبي في حين أن النظام رئاسي بامتياز"، مضيفا أن تعيين رئيس وزراء جديد قد يساهم في "إثبات أن الرئيس يصغي للمطالب الشعبية".

وكان الرئيس التونسي قد تحدث مؤخرا عن أزمة الخبز وأشار إلى أزمة مفتعلة وإلى الاحتكار والمضاربة وأمر بتوحيد نوع الخبز (الباغيت) حتى لا يكون هناك خبز للفقراء وآخر للأغنياء، معتبرا أن الخبز خط أحمر ولا يمكن رفع الدعم عنه تحت أي مسمى.

وجمع الرئيس التونسي الذي انتخب ديمقراطيا في العام 2019 بين يديه كل الصلاحيات منذ إجراءات 25 يوليو/تموز التي عزل بموجبها منظومة الحكم السابقة بقيادة حركة النهضة الإسلامية، فيما اعتمد على نظام الحكم بالمراسيم مؤكدا أن مساره يهدف لحماية الدولة من الانهيار.

ويؤخذ على سعيد أنه غرق في المسائل التشريعية وأنه تردد كثيرا في مواجهة المنظومة السابقة التي تتحمل بحسب خبراء جزء من المسؤولية عن الأزمة الراهنة التي هي نتاج تراكم عشرية كاملة من الفساد والمحسوبية وتدمير مؤسسات الدولة.

ومنذ ذلك الحين أقال سعيد ستة وزراء، لكن تفاقمت الأزمة بحكم اضطرابات جيوسياسية خارجية منها الحرب بين روسيا وأوكرانيا أهم موردين لإمدادات الغذاء للعالم خاصة لإفريقيا.

ومع موجة جفاف تضرب تونس منذ سنوات، ارتفعت فاتورة الواردات الغذائية للبلاد خاصة فاتورة القمح والشعير والأعلاف بشكل أثقل موازنة الدولة ودفعها لازمة مالية طاحنة في ظل موارد محدودة.

وتملك تونس ثورات طبيعية ضخمة منها الفوسفات وهو مصدر إيرادات حيوي بالعملة الصعبة، لكن الإنتاج أصبح منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011 أضعف من أن ينقذ البلاد من أزمة الديون وشح العملة والسيولة.

وكانت تونس تنتج نحو 8 ملايين طن من الفوسفات وتحتل أسواقا عالميا، بينما تكابد حاليا لرفع الإنتاج إلى نحو 500 ألف طن في الوقت الذي زادت فيه الأسعار بدفع من الحرب الروسية الأوكرانية إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف.

وكان سعيد قد تحدث عن قطاع الفوسفات مؤخرا وسط رهان على هذا القطاع لتخفيف حدة الأزمة المالية. وتضرر القطاع بشدة خلال العشرية الماضية بسبب التوظيف الوهمي (أثقلت حكومتي الترويكا وحكومة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي شركة فوسفات قفصة بتوظيف آلاف العمال والمسؤولين ضمن شراء السلم الاجتماعي) بما يزيد عن حاجته بينما فارتفعت كتلة الأجور وتراجع الإنتاج إلى أدنى مستوياته مع تنامي المطالب الاجتماعية.      

وذهب محللون تشير آراؤهم إلى أنهم من معارضي سياسات سعيد، إلى النبش في نوايا الرئيس وأنه ربما أراد من خلال إقالة بودن وتعيين شخصية أخرى لا خبرة سياسية لديها هو زميله سابقا في التدريس بالجامعة أحمد الحشاني المسؤول السابق بالبنك المركزي إبان حكم حكومة الترويكا والذي أحيل للتقاعد في عهد محافظ البنك الشاذلي العياري والمعروف بانتقاده لجماعات الإسلام السياسي، مساعدته على التحضير للانتخابات الرئاسية في خريف 2024.

ويقول النفطي إن رئيس الوزراء الجديد أحمد الحشاني المسؤول السابق في المصرف المركزي التونسي "ليس شخصية سياسية إطلاقا. وهو صديق سابق للرئيس من كلية الحقوق"، موضحا أن "لا أهمية" لاسمه أو مسيرته المهنية، فقد تم تعيينه "فقط لتطبيق رغبات الرئيس"، فيما قال المحلل السياسي صلاح الدين جورشي إن "قيس سعيد لا يؤمن باستقلالية الحكومة أو الوزراء".

وبحسب شريف، من المرجح "عدم تأثر الوزارات السيادية وأن يقتصر التغيير على الوزراء الذين واجهوا مشاكل في الأشهر الأخيرة".

وقد يجد وزير الاقتصاد سمير سعيد نفسه في وضع محرج وهو في الخطوط الأمامية في المحادثات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد بقيمة ملياري دولار.

ويرى النفطي أنه "مع قيس سعيد هما على خطين موازيين لا يلتقيان، سيكون ذلك منطقيا".

ومن الصعب تخيل استمرار المحادثات مع صندوق النقد الدولي الذي يعارض سعيد الاستعانة به باقتراح "إطار مالي عالمي جديد".

ويؤكد الرئيس التونسي رفضه "لإملاءات" الصندوق التي تتمثل في نظره في رفع الدعم عن المنتجات الأساسية وإعادة هيكلة مئات الشركات العامة المثقلة بالديون، وهما إجراءان اقترحتهما حكومة بودن مقابل الحصول على قرض.

ويشير سعيد إلى أنه يبحث عن تمويل من مصادر أخرى. وبحسب شريف "يندرج ذلك في خطابه الشعبوي ويساهم في ترسيخ شعبيته"، فهل ينجح في مسعاه بمساعدة الأوروبيين وبعض الدول العربية مثل السعودية التي أعلنت مؤخرا تقديم قرض وهبة بقيمة 500 مليون دولار.

وفي منتصف يوليو/تموز أبرم الاتحاد الأوروبي "شراكة إستراتيجية" مع تونس تنص على دفع 255 مليون يورو هذا العام منها 150 مليونا كمساهمة مباشرة في الموازنة.

وقد تقدم بروكسل أيضا "مساعدة مالية كلية" بقيمة 900 مليون يورو في المستقبل، من المفترض أن تكون مشروطة بالإصلاحات السياسية واحترام حقوق الإنسان التي تقول منظمات غير حكومية إنها تراجعت.

ويقول النفطي "الأهم بالنسبة لأوروبا هو أن يحافظ قيس سعيد على مراقبة حدوده ويضبط المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء الكبرى"، بينما سبق للرئيس التونسي أن أوضح أن تونس لن تكون شرطي للدول الأخرى وأنه لا سبيل لتوطين المهاجرين غير الشرعيين فيها.

وهذه المساعدات بالإضافة إلى الإيرادات السياحية وتحويلات المغتربين "ستمنح المالية العامة متنفسا حتى الشتاء" بحسب شريف، لكن "هناك حاجة إلى أموال أخرى في المستقبل" وخطر "التخلف عن السداد سيبقى ماثلا".

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات