لطالما اعتبر الرئيس السوري بشار الأسد الوقت حليفا له في الحرب الأهلية إلى جانب الدعم العسكري الإيراني والروسي الذي مكنه من هزيمة أعدائه، بحسب ما ذكرته مصادر مطلعة.
وبعد مرور ما يربو على 12 عاما على الصراع الذي جعل منه شخصية كريهة في أجزاء كثيرة من العالم وأسفر عن مقتل 350 ألفا، فإن إستراتيجية الأسد جنت ثمارها على ما يبدو مع ترحيب الدول العربية بعودة سوريا إلى الجامعة العربية بعدما نبذته في يوم من الأيام.
وتمثل الخطوة أحدث منعطف في طريق زعيم أراد يوما أن يصبح طبيبا للعيون لكنه وجد نفسه في طور الإعداد لخلافة والده حافظ الأسد في الرئاسة بعد مقتل شقيقه الأكبر باسل في حادث تحطم سيارة عام 1994.
ويبدو أن ظهور الأسد في القمة العربية المقررة في جدة غدا الجمعة سيؤذن بالتعاطي معه من جديد في المنطقة، وهو انتصار دبلوماسي يضاف إلى الانتصار العسكري الذي أحرزه قبل سنوات وإن كانت أجزاء كثيرة من سوريا خارج قبضته.
وكان ذلك أمرا يصعب تصوره في وقت سابق من الصراع عندما دعمت دول خليجية عربية مقاتلي المعارضة الذين حاربوا للإطاحة بالأسد. كما سبق ووصفه الرئيس الأميركي السابق بأنه "حيوان" لاستخدامه أسلحة كيماوية وهو اتهام دأب الرئيس السوري على نفيه.
ويدين الأسد (57 عاما) بفضل كبير في استمراره في الحكم لإيران وروسيا، لكن التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط عززت قبضته إذ تؤثر الدول الأقوى في المنطقة الوفاق على الصراع ومن بينهم داعمو الأسد الشيعة في طهران وخصومهم السنة في السعودية.
ودوما ما كان الأسد يراهن على عامل الوقت. وقال آرون لاند من مؤسسة سنتشري إنترناشونال "تقوم السياسة الخارجية السورية على انتظار أن يغير الآخرون موقفهم.. فقط ينتظرون ويتحملون العقاب مفترضين أن أعداءهم سيكلون قبلهم. أتى ذلك بثمار لبشار الأسد إلى حد ما".
لكن العقوبات الغربية لا تزال قائمة، ولا توجد مؤشرات على الإطلاق أن هذا الوضع سيتغير قريبا.
وعندما تولى الأسد الرئاسة في عام 2000، بدا أنه سيتبنى إصلاحات ليبرالية في لحظة مفعمة بالتفاؤل وُصفت بأنها "ربيع دمشق"، فأفرج عن سجناء سياسيين وسمح بصالونات تتيح حرية التعبير وقدم مبادرات للغرب وفتح أبواب الاقتصاد الذي تديره الدولة أمام الشركات الخاصة.
وساهم زواجه من أسماء الأخرس المولودة في بريطانيا والتي كانت تعمل في مجال البنوك الاستثمارية في رفع سقف الآمال بأن يسير بسوريا في طريق أكثر حداثة وإصلاحا بعد حكم والده الذي استمر 30 عاما.
لكن سرعان ما انقشعت هذه الآمال في ظل بقاء النظام السياسي الذي ورثه عن والده على حاله. وزج بمعارضين في السجون وأدت الإصلاحات الاقتصادية التي تبناها إلى ما وصفه دبلوماسيون أميركيون في برقية للسفارة تعود لعام 2008 وسربها موقع ويكيليكس بأنها محسوبية "طفيلية" وفساد.
وفي حين تحسن حال النخبة، دفعت موجة جفاف الفقراء للنزوح من مناطق ريفية إلى الأحياء الشعبية اشتعلت فيها الاحتجاجات في ما بعد.
وأهم عنصر محدد لمعالم هذا الحكم هو الحرب الأهلية التي خرجت من رحم الربيع العربي عام 2011، عندما نزل السوريون للمطالبة بالديمقراطية في الشوارع لكنهم قوبلوا بالقوة الغاشمة.
واعتبر الأسد الحرب مؤامرة مدعومة من الخارج في وجه دولة عربية تعتز بأنها تعارض الولايات المتحدة وحلفاء لها في الشرق الأوسط خاصة إسرائيل.
وبمساعدة سلاح الجو الروسي وجماعات مسلحة مدعومة من إيران انتزع الأسد السيطرة على معظم أنحاء سوريا في سنوات من الصراع وطبق أسلوب الحصار لاستعادة مناطق مثل الغوطة الشرقية، وهي طريقة وصفها محققون تابعون للأمم المتحدة بأنها "تعود للعصور الوسطى".
ولتبرير الأسلوب الذي اتبعه، شبه الأسد نفسه بجراح يحدث قطعا في جرح. وقال أمام البرلمان السوري عام 2012 "هل نقول له يداك ملطختان بالدماء؟ أم نشكره على إنقاذ المريض؟"
وحتى في السنوات الأولى من الصراع عندما سيطرت المعارضة على مدينة تلو الأخرى، بدا الأسد واثقا من النصر.
وعلى الرغم من استعادته معظم أنحاء سوريا، فإن هناك أجزاء من البلاد لا تزال خارج سيطرة الدولة وسُويت مدن بالأرض وتجاوز عدد القتلى 350 ألف شخص وفر ربع السكان أو أكثر إلى الخارج.
وتمتع الأسد بدعم سوريين رأوا أنه ينقذ بلادهم من المعارضة التي ترغب في أن أي يحل حاكم إسلامي سني متشدد محله.
ومع اكتساب الجماعات التي تستلهم نهج تنظيم القاعدة مكانة بارزة في صفوف المعارضة، بدأ هذا الخوف يتسرب إلى بعض الأقليات مثل الطائفة العلوية التي شكلت العمود الفقري لحكم الأسد في الدولة ذات الأغلبية السنية.
واتهم منتقدون الرئيس السوري بتأجيج الطائفية. وزادت حدة الاستقطاب الطائفي بوصول مقاتلين شيعة تدعمهم إيران، بقيادة حزب الله اللبناني، إلى سوريا من أنحاء مختلفة من الشرق الأوسط لدعم الأسد، بينما دعمت تركيا وقطر ودول عربية وخليجية مقاتلي المعارضة.
وبينما وقفت إيران إلى جانب الأسد، فشلت الولايات المتحدة في فرض "خطها الأحمر" الذي أعلنه الرئيس الأسبق باراك أوباما في 2012 لمعارضة استخدام الأسلحة الكيماوية.
وخلصت التحقيقات المدعومة من الأمم المتحدة إلى أن الدولة استخدمت أسلحة كيمياوية منها السارين والكلور ضد شعبها.
ووقع الهجوم الكيماوي الأعنف في الغوطة عام 2013 واستُخدم فيه غاز السارين وتسبب في مقتل المئات لكنه لم يسفر عن أي رد فعل عسكري غربي.
وفشل تلويح الولايات المتحدة بشن ضربة صاروخية عندما توسطت موسكو في صفقة لتدمير الأسلحة الكيمياوية السورية.
لكن هجمات الغازات السامة استمرت في مناطق مقاتلي المعارضة. ودفعت إحدى هذه الهجمات باستخدام غاز السارين ترامب إلى إصدار أمر بشن هجوم بصواريخ كروز في 2017.
ونفى الأسد مرارا مسؤولية الدولة عن ذلك كما نفى تورط الجيش في إسقاط البراميل المتفجرة التي تقتل دون تمييز. ونفى الأسد أيضا صحة عشرات الآلاف من الصور التي تظهر التعذيب الوحشي لمحتجزين في سجون الحكومة واعتبرها جزءا من مؤامرة تمولها قطر.
وبعد أن هدأت حدة القتال، اتهم الرئيس السوري أعداء بلاده باللجوء إلى الحرب الاقتصادية. وفي أعقاب الزلزال المدمر في السادس من فبراير/شباط، بدأت الدول العربية التي دعمت خصومه يوما في فتح الأبواب أمامه.
تعليقات الزوار
لا تعليقات