لم يسفر «الحوار الوطني» الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وانطلقت جلساته الأسبوع الماضي، عن تغيير في المشهد الحقوقي في البلاد، حسب منظمات حقوقية مستقلة، إذ استمرت السلطات في استخدام سياسات الإخفاء القسري والإدراج على قوائم الإرهاب وتجديد الحبس الاحتياطي لآلاف السجناء السياسيين.
إخفاء قسري
فبينما كان الاستعداد لانطلاق أولى جلسات الحوار الخاصة بالمحور السياسي، فوجىء المشاركون فيه بالقبض على القيادي الطلابي السابق معاذ الشرقاوي وإخفائه قسريا.
وقد تقدمت عدة منظمات حقوقية مستقلة ببلاغ إلى النائب العام المستشار حمادة الصاوي، تتهم فيه وزارة الداخلية بارتكاب جريمة الإخفاء القسري بحق الشرقاوي.
وطالبت الصاوي بـ»الاضطلاع بواجبه القانوني وفتح تحقيق فوري في جريمة الإخفاء القسري بحق الشرقاوي، والإفصاح الفوري عن مكان احتجازه».
وقالت في بلاغها إنه «اعتقل معاذ من منزله مساء الخميس 11 مايو/ أيار الجاري، واستعلم محاموه عن وجوده في مصلحة السجون التي ردت بعدم احتجازه بأي من سجون البلاد. كما تأكد المحامون من عدم وجوده في قسم المقطم التابع لمحل سكنه، ولم يظهر طيلة الأسبوع في نيابة أمن الدولة العليا في التجمع أو نيابة المقطم بزينهم، ولم يصدر عن وزارة الداخلية أو النيابة العامة أي تأكيد بالقبض عليه أو مكان احتجازه».
وكان الشرقاوي تعرض للحبس المطول من قبل، على خلفية نشاطه السابق كقيادي في اتحاد طلاب جامعة طنطا، حيث تم توقيفه في سبتمبر/ أيلول 2018 وتعرض للإخفاء القسري لمدة 25 يوماً تقريبا، تعرض خلالها للتعذيب البدني والنفسي، ليتم بعد ذلك التحقيق معه على ذمة القضية القضية 440 لسنة 2018 التي استمر حبسه احتياطياً على ذمتها، لعام ونصف تقريباً قبل صدور أمر بإخلاء سبيله في 2020.
وفي مايو/ أيار 2022، أصدرت محكمة جنايات أمن الدولة طوارئ حكماً ضد الشرقاوي بالسجن المشدد لمدة 10 سنوات، إلا أن الحكم بموجب القانون ليس نهائياً أو واجب النفاذ، حيث لم يتم التصديق عليه حتى الآن، وتقدم محامو معاذ بتظلم للحاكم العسكري لا يزال قيد النظر.
وسبق للأمم المتحدة أن وثقت الانتهاكات التي تعرض لها معاذ في مذكرة للحكومة أرسلها في أغسطس/ آب الماضي كل من فريق العمل الأممي المعني بالاختفاء القسري، والمقرر الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان، والمقرر الخاص بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب.
تجديد الحبس
في الموازاة، استمرت المحاكم في تجديد حبس السجناء السياسيين، ورصدت «الجبهة المصرية لحقوق الإنسان» على مدار 93 جلسة لمجلس أمناء الحوار الوطني، خلال 9 شهور، إصدار دوائر الإرهاب في المحاكم المصرية 3 قرارات إخلاء سبيل فقط في قضايا أمن دولة مقابل 20 ألفا و220 قراراً بتجديد الحبس.
وأكدت في رصدها للقضايا السياسية، أن آخر جلسة إخلاء سبيل كانت في 21 أغسطس/آب 2022 حيث أخلت الدائرة الأولى سبيل 7 متهمين.
وقالت : «يعد كل المتهمين أمام دوائر الإرهاب بأنهم سجناء سياسيون، إذ أن السجناء السياسيين هم من ألقي القبض عليهم بموجب قوانين سنتها السلطات المصرية خلال السنوات الماضية، مثل قوانين الإرهاب والتظاهر والطوارئ فضلًا عن المحاكمة أمام القضاء العسكري ودوائر أمن الدولة عليا طوارئ». وزادت: غالباً ما يواجهون اتهامات مثل «بث ونشر أخبار كاذبة، والتحريض على العنف والإرهاب، وتهديد الأمن القومي» وغيرها من «الاتهامات المطاطة التي تدخل تحت طائلة تلك القوانين التي حبس على إثرها آلاف النشطاء والمحامين والصحافيين والمهتمين بالشأن السياسي والعام والمواطنين العاديين ومنهم من دونوا على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة منشورات معارضة للنظام وسياساته».
قوائم الإرهاب
وفي السياق، انتقدت ثماني منظمات حقوقية، في بيان، قرار محكمة جنايات القاهرة، بتمديد إدراج 1526 مصرياً في قوائم الإرهاب لمدة 5 سنوات إضافية.
وتضمنت قائمة المنظمات الموقعة على البيان، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومركز النديم، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، ولجنة العدالة، ومؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
سلب الحقوق
واعتبرت أن «هذا القرار بالتمديد، والذي يشمل نشطاء سياسيين وحقوقيين، يعكس استمرار المساعي لتوظيف قوانين مكافحة الإرهاب الفضفاضة في سلب حقوق المصريين، بما في ذلك الحق في حرية السفر والتنقل وحرية التصرف في الأموال والممتلكات؛ فضلاً عن مصادرة حقوقهم السياسية ووصمهم مجتمعيا، الأمر الذي يدحض ادعاءات الحكومة بشأن انطلاق حوار وطني حقيقي يتسع لجميع الأصوات الناقدة ويتقبل الخلاف مع المعارضين من السياسيين والحقوقيين».
وبينت أنه «في 11 مايو/أيار الجاري، نص قرار محكمة الجنايات الصادر في 12 إبريل/نيسان، بالموافقة على مد إدراج 1526 شخصا في قوائم الإرهاب لمدة 5 سنوات إضافية، أغلبهم في القضية رقم 620 لسنة 2018 حصر أمن دولة عليا».
القائمة ضمّت، حسب بيان المنظمات، أسماء وافتها المنية قبل سنوات، مثل الرئيس الأسبق محمد مرسي الذي توفي داخل محبسه في 2019 بسبب الإهمال الطبي، والرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي، الذي توفي في سبتمبر/أيلول 2022.
وشملت أيضا الناشطة الحقوقية عائشة خيرت الشاطر، المحتجزة حاليا بموجب حكم بالحبس 10 سنوات من محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، على خلفية توثيقها ونشرها بعض الانتهاكات على منصات التواصل الاجتماعي، ونائب رئيس حزب مصر القوية، محمد القصاص، المحكوم عليه بالسجن 10 سنوات في القضية رقم 440 لسنة 2018 حصر أمن الدولة العليا، فضلاً عن الصحافي هشام جعفر، والحقوقي أحمد عماشة.
وكانت محكمة جنايات القاهرة قد أصدرت في يناير/كانون الثاني 2107 قراراً بإدراج غالبية هؤلاء الأشخاص وآخرين في قوائم الإرهاب، وفي إبريل/نيسان 2018 أعيد إدراجهم من قبل المحكمة نفسها، بناء على القضية 620 لسنة 2018 حصر أمن الدولة العليا.
واعتبرت المنظمات أن «القرار الأخير يأتي ضمن سلسلة من القرارات التعسفية الصادرة أخيرا عن محاكم الجنايات، بطلب من النائب العام، بإدراج الأشخاص في قوائم الإرهاب بناء على تحريات أمنية ودون تحقيق، استنادا للقانون رقم 8 لسنة 2018 الخاص بتنظيم قوائم الكيانات الإرهابية، والذي يقضي بمصادرة حق الشخص المدرج ضمن هذه القوائم في تقديم دفاعه أو إخطاره بالقرار، ويهدر حقه في محاكمة عادلة ومنصفة، فضلاً عما يسلبه قرار الإدراج من حقوق أساسية»
وتناولت المنظمات في بيانها القرار الصادر في منتصف إبريل/نيسان الماضي، بإدراج 81 مواطناً مصرياً، بينهم حقوقيون ونشطاء سياسيون، في قوائم الإرهاب، كما سبق وأضيف البرلماني السابق زياد العليمي، والناشط رامي شعث لقوائم الإرهاب في إبريل/ نيسان 2020. وبالمثل في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 تم إدراج الناشط السياسي علاء عبد الفتاح، والمحامي الحقوقي محمد الباقر في القوائم نفسها.
وأوضحت أن «قرارات الإدراج استندت في معظمها لتحريات اﻷمن الوطني، وتضمنت إدعاءات بتورط بعض المدرجين في تمويل جماعة الإخوان المسلمين، بينما استندت في حالات أخرى إلى أحكام قضائية نهائية صدرت بحق بعضهم في قضايا تنطوي على اتهامات تتعلق بالإرهاب، الأمر الذي يعكس استمرار نيابة أمن الدولة العليا في توظيف قوانين مكافحة الإرهاب، بتعريفاتها الفضفاضة في ملاحقة الآلاف من المعارضين السلميين بشكل متكرر، وتعطيل ضمانات المحاكمة العادلة؛ بينما تتقاعس النيابة عن فتح تحقيقات جادة حول جرائم الإخفاء القسري والتعذيب، وتستند في المحاكم لاعترافات تم انتزاعها تحت التعذيب وسوء المعاملة».
وطالبت بـ»رفع أسماء جميع النشطاء الحقوقيين والسياسيين من قوائم الإرهاب، والتوقف عن إدراج المزيد منهم عليها كإجراء انتقامي للتنكيل بهم. كما طالبت السلطات المصرية بإلغاء أو تعديل قانون الكيانات الإرهابية بما يتّسق مع المعايير الدولية ويضمن حماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب».
وفيات في السجون
الاهمال الطبي المتعمد في السجون كان حاضرا خلال الأسبوع الماضي، حيث رصدت «الشبكة المصرية لحقوق الإنسان» حالتي وفاة داخل أماكن الاحتجاز، كان آخرها للسجين مدين إبراهيم محمد حسانين، والمعروف بالشيخ مدين حسانين (63 عاما) وهو قيادي في تنظيم «كتائب أنصار الشريعة».
ولفظ حسانين أنفاسه الأخيرة أثناء علاجه في مستشفى أسيوط الأحد الماضي بعد تدهور حالته الصحية.
وسبق أن اعتقلته السلطات السودانية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 ورحّلته إلى مصر في سبتمبر/ أيلول 2019 ليتم نقله إلى مقر الأمن الوطني في الزقازيق في محافظة الشرقية. ولاحقا، ظهر في نيابة أمن الدولة العليا في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2019 وتم ترحيله إلى سجن استقبال طرة، وصدر بحقه حكم بالسجن المشدد 15 عاما.
وخلال الأسبوع نفسه، وثقت الشبكة وفاة سامح محمد أحمد منصور ( 58 عاما) ، وهو مدرس أول رياضيات في مدينة بورسعيد، ومسجون احتياطيا على ذمة القضية 2515 لسنة 2021 حصر أمن دولة منذ سبتمبر/ أيلول 2021، داخل غرفة العناية المركزة في مستشفى مركز بدر للإصلاح والتأهيل.
وحسب المنظمة جاءت الوفاة بعد تدهور حالته الصحية بشكل كبير خلال الأشهر الماضية نتيجة ظروف الاعتقال والحبس غير الآدمية، والتعنت الشديد من قبل إدارة سجن بدر 1 فى السماح له بتلقي العلاج المناسب في التوقيت المناسب، حيث إنه كان يعاني من ضمور شديد في وظائف الكلى، مما أدى إلى معاناته الشديدة طوال فترة حبسه».
وحملت الشبكة النائب العام ووزارة الداخلية، «المسؤولية القانونية عن أمن وسلامة وحياة جميع المعتقلين والنزلاء الجنائيين» داعية لـ«إيقاف ما يتعرضون له من إهمال جسيم متعمد بمنعهم من تلقي الرعاية الطبية والصحية المناسبة في التوقيت المناسب».
لم يسلم مشجعو كرة القدم من الملاحقات الأمنية، وقالت منظمات حقوقية إن إجمالي المقبوض عليهم من مشجعي النادي الأهلي المصري على خلفية مباراة فريقهم ضد الرجاء المغربي في دوري أبطال أفريقيا، في أبريل/ نيسان الماضي، وصل لنحو 60 مشجعاً.
ولفتت إلى قرارات نيابة أمن الدولة العليا بحبس عدد من مشجعي الأهلي من بينهم أطفال تحت سن الخمسة عشر عامًا، بتهمة «الانضمام لجماعة الالتراس الإرهابية» وذلك اعتمادا على تحريات الأمن الوطني التي أشارت إلى عضويتهم في جماعة «تهدف لتخريب استاد القاهرة والتجهيز لأعمال عدائية»
المشجعون المدرجون على ذمة القضية رقم 744 لسنة 2023 اعتُقلوا من منازلهم، على خلفية دعوات جماهيرية صدرت عقب المباراة، تطالب بمقاطعة ستاد القاهرة الدولي وحرق بطاقات المشجع لموقع «تذكرتي» احتجاجا على إلقاء قوات الأمن القبض على مشجعين في أبريل/ نيسان الماضي.
والأسبوع الماضي، انطلقت جلسات الحوار الوطني الذي دعا إليه السيسي في إبريل/ نيسان الماضي، وأعلنت المعارضة المصرية في الداخل المتمثلة في الحركة المدنية الديمقراطية التي تضم 12 حزبا معارضا وعددا من الشخصيات العامة مشاركتها في الحوار، رغم عدم التزام السلطة بتعهداتها بتوفير ضمانات لجدية الحوار بينها الإفراج عن سجناء الرأي.
تعليقات الزوار
لا تعليقات