ترفض قطر ركوب قطار التطبيع العربي مع النظام السوري، وتؤكد أنها لن تمد جسور التواصل مع دمشق، ما لم يتحقق الحد الأدنى من المطالب التي دفعت الجماهير في سوريا للثورة على واقعها، والمطالبة بحقوقها، والتي ووجهت بعنف شرس، وتعتبر الأمر مسألة مبدأ، وصوناً لدماء الضحايا حتى لا تذهب سدى وتنسى في خضم الحسابات السياسية.
وحتى الآن تقف قطر إلى جانب عدد من الدول العربية الرافضة لعودة النظام السوري لحضن الجامعة العربية بشكل مجاني، عائقاً أساسياً أمام مسار التطبيع العربي مع النظام الذي بدأ منذ 2018.
الموقف القطري المسنود من الكويت وعدد من الدول العربية، يتناغم مع سياسة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، التي لا تشجع على فك العزلة المفروضة على النظام منذ عام 2011 ما لم يكن هناك تغيير حقيقي وجدي في سلوكه الذي يهدد الأمن المحلي والإقليمي والدولي. وأعلنت قطر صراحة وبلغة واضحة أنها ليست بصدد تطبيع علاقاتها مع النظام السوري، بالرغم من ركوب العديد من الدول قطارَ التطبيع مع دمشق. وتشدد الدوحة، أن موقفها ثابت وراسخ في دعم عدالة مطالب الجماهير السورية، وأنها لن تخذل دماء الضحايا الذين سقطوا في الميدان دفاعاً عن حقوقهم. ويؤكد مسؤولون تواصلت معهم «القدس العربي» أن الدوحة ما تزال ترى الوضع الذي قاد لطرد دمشق من الجامعة العربية قائما، ولا ترى مؤشرات تحفزها على تغيير موقفها. وأكد الدكتور ماجد الأنصاري، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية القطرية، لـ«القدس العربي» أن موقف قطر من حل الأزمة السورية لم يتغير. ورداً على سؤال سابق لـ «القدس العربي» حول موقف قطر من التطبيع العربي الحاصل مع النظام السوري، وتحول بعض الدول نحو الضفة الأخرى في علاقاتها مع دمشق، بعدما اتخذت موقفها السابق بنبذ النظام بإجماع عربي، أكد الأنصاري أن «قطر تدعم جميع المبادرات التي تهدف إلى إيجاد سلام شامل في سوريا يحقق تطلعات الشعب السوري، وتدعم أيضاً الجهود العربية والدولية في هذا الإطار». وقطر عكس ما يروج له، لا ترى وجود إجماع عربي على عودة بشار الأسد لطاولة الجامعة العربية في الوقت الحالي. وأن «المؤشرات لا توحي بأي تطور لافت في الساحة السورية». وتؤكد قطر في مناسبات مختلفة أنها مع أي جهد سيؤدي إلى تحقيق السلام الشامل في سوريا، وحل الأزمة في البلاد من خلال تطبيق بيان جنيف 1 وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254. وجدد مؤخراً رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، موقف بلاده الرافض لأي تطبيع مع النظام السوري بدون تحقيق دمشق خطوات نحو حل سياسي يضمن حقوق السوريين وتضحياتهم. وكشف آل ثاني أن الموقف القطري من النظام السوري لم يتغير، مشدداً أن الدوحة قررت أن «لا تتخذ أي خطوة للتطبيع مع نظام بشار الأسد دون خطوات من دمشق للحل السياسي». وإن كانت الدوحة أوضحت موقفها لكنها تشير أن: «كل دولة لها قرارها السيادي بشأن التطبيع مع نظام الأسد».
وتضيف الدوحة أن: «دولة قطر موقفها واضح ولديها أسباب لدعم تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية. وهذه الأسباب ما زالت قائمة». وعكس ما قيل حتى الآن وما سرب لوسائل الإعلام، تكشف قطر على لسان مسؤوليها، أنه «حتى الآن لا يوجد شيء على الطاولة بشأن التطبيع العربي مع نظام بشار الأسد، وكل ما يقال مجرد تكهنات تظهر في وسائل الإعلام».
وتنطلق قطر من رفض ركوب قطار التطبيع من قناعة راسخة وموقف أخلاقي يصون ذاكرة ضحايا الثورة السورية، حتى لا تذهب دماؤهم سدى. وكشف المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية في وقت سابق، أن «موقف بلاده من عودة سوريا للجامعة العربية ثابت» مشيراً إلى أن أسباب تجميد العضوية ما زالت قائمة، وأن الجرائم بحق الشعب السوري لا يمكن أن تسقط بالتقادم. وتعتبر الدوحة، أن الموقف من عودة سوريا إلى الجامعة العربية ليس موقفاً قطرياً منفرداً، فقرار عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية هو قرار عربي عام. وحسب عدد من المسؤولين فإن معظم الدول العربية التي اتخذت قراراً ضد النظام السوري لم تجد إلى اليوم مسببات لإنهاء تجميد العضوية بما أن الأسباب ما زالت قائمة. وتتمنى قطر «وجود حل للأزمة السورية يحقق تطلعات الشعب السوري في الأمن والاستقرار».
وعلى ضوء التطورات الأخيرة فيما يخص التطبيع مع النظام السوري يبرز موقف قطر كتغريد خارج سرب الدول المطبعة، وعلى رأسها الإمارات والسعودية والبحرين وعمان، والقاهرة التي تلحق بالركب، مع تغير مزاج القيادة التركية نحو انفتاح على دمشق. وفي الوقت الذي تتحضر فيه السعودية لاستقبال مؤتمر القمة العربية، وتنوي دعوة رأس النظام السوري بشار الأسد كخطوة للتطبيع وعودته إلى حضن الجامعة العربية، تتمسك قطر في موقفها الثابت من النظام السوري.
أولوية حل الأزمات الإنسانية في سوريا
وكشفت قطر في وقت سابق، تفاصيل الاجتماع التشاوري الخليجي العربي في جدة، وقالت إن وزراء الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق، تبادلوا في جدة وجهات النظر حول الأزمة السورية وناقشوا اتفاقا إطاريا يهدف لتسريع الحلول الإنسانية. وأعلنت الدوحة، أن الاتفاق تم على دعم أولوية الجانب الإنساني، وتوفير وصول المساعدات وإنهاء معاناة اللاجئين وعودتهم الآمنة لمناطقهم. وتركز الحديث في قمة جدة، على ضرورة وضع حلول إنسانية تحقق المصلحة العامة للشعب السوري. وتنفي قطر حتى الآن أي اتصال مباشر بينها والنظام السوري، وتشدد أنه ليس هناك ما يدعو لإعادة النظر في العلاقة مع نظام الأسد الذي سبق وأن وصفته بالمجرم.
ولم تُحقق التسوية السياسية في إطار اللجنة الدستورية وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015 – باعتبارها أحد بنود المبادرة- أي خرق أو تقدم، بل باتت معطلة بالكامل منذ منتصف عام 2022 بسبب موقف النظام الذي ربط استمرارها باستجابة الغرب لشروط روسيا. وتستأسد دمشق بدعم موسكو وإيران، وتعول عليها لتكريس نظام الأسد وبقائه في السلطة. وحتى الآن ترى العديد من الدول، أن مستوى التهديد للأمن الإقليمي العربي بسبب ممارسات النظام قائمة، إذ أصبحت شحنات المواد المخدرة تتدفق أكثر من أي وقت مضى نحو دول الخليج العربي.
وترى الدوحة أن المخرج من المأزق الحالي، لن يكون إلا بحل سياسي في سوريا في أقرب فرصة، وهذا لن يكون إلا بمشاركة جميع السوريين.
وتقف قطر صخرة في وجه المناورات الروسية لتجميل وجه النظام السوري تصطدم بها جهود الإدارة الروسية عبر استخدام حزمة من الدول العربية الحليفة لها ورقة ضغط دبلوماسية وسياسية لإعادة الحديث العربي-العربي حول ضرورة إعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية. وإن كانت موسكو تلوح بورقة الصفقات الاقتصادية تارة والعسكرية تارة أخرى لإغراء بعض الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية بإحداث نقلة في طبيعة العلاقات مع دمشق.
وتستغل روسيا تأرجح الموقف الأمريكي، وتبعثر القرار العربي وغياب التأثير الأوروبي لإحداث ممشى لمخططها السياسي الرامي لصبغ النظام بـ «الشرعية» عبر إعادة المقعد السوري في الجامعة للأسد، إلا أن الهندسة الدبلوماسية الروسية اصطدمت بمواقف عربية وإقليمية لدول حسمت قراراتها ورفعت فيتو نافذ سيكون من شأنه إحباط ذلك المشروع، تزامنًا مع فرز الدول مجددًا إلى معسكرات حول طبيعة الحل في سوريا، وسط تراجع بعض الدول العربية عدة خطوات للوراء.
تعليقات الزوار
لا تعليقات