عاد النقاش حول الحق في الإضراب بقوة للبرلمان الجزائري إثر طرح قانون مشروع قانون الوقاية من النزاعات الجماعية للعمل على النواب، وهو القانون الذي تراه النقابات وعدد من الأحزاب مهددا فعليا لحقها الدستوري في اللجوء للإضراب، في وقت تؤكد الحكومة أن النص المعروض للتصويت يحمي البلاد من الإضرابات العشوائية.
وفي تدخلاتهم حول مضمون مشروع القانون، وجّه نواب حتى من المحسوبين على الموالاة انتقادات لاذعة للنص، خاصة فيما يتعلق بالمواد التي تحظر “الإضرابات السياسية”، والذي اعتبروه مفهوما عاما فضفاضا يمكن استغلاله لكسر أي إضراب بمجرد اتهام أصحابه بتنفيذ أجندة سياسية. وطالب البعض بإلغاء هذا المصطلح تماما من النص بينما دعا آخرون لتعويضه بمصطلح “الإضراب الحزبي”، تماشيا مع توجه فصل العمل النقابي مع الحزبي.
واستنكر بعض النواب تشديد الحكومة على العمل النقابي، لأن ذلك يصب حسبهم في إضعاف المنظمات الوسيطة التي تمثل عامل استقرار. وحذر أحد النواب من أن الحكومة قد لا تجد مستقبلا من تتفاوض معه في المسائل الاجتماعية وهو ما يفتح الباب حسبه لكل المخاطر، لأنه لا يمكن توقع رد فعل العمال الذين ليس لهم تأطير نقابي يستطيع نقل مطالبهم بالطرق المتعارف عليها قانونيا.
دفاع وزير العمل
وفي ردوده على النواب، أكد وزير العمل الجديد، فيصل بن طالب، أن مشروع القانون لا يمنع الإضراب بل “يشجع الحوار المثمر المبني على أساس احترام الحقوق الأساسية للعمال”، مبرزا أن المقاربة التي اعتمدها “تشجع على التسوية الودية للنزاعات الجماعية عبر تدعيم فعالية آليات المصالحة والوساطة والتحكيم”.
لذلك، أضاف الوزير أن هذا القانون “يحدد مفهوم الإضراب في مجال العمل وشروطه وضوابطه القانونية وذلك بإرساء آليات أكثر مرونة للحوار الاجتماعي وذات فعالية لتسوية النزاعات الجماعية للعمل قصد تهيئة مناخ عمل ملائم والحفاظ على السلم والاستقرار الاجتماعيين”، نافيا في هذا السياق أن يتضمن القانون “تضييقا أو تقييدا أو تراجعا في مكاسب ممارسة الحق الدستوري في الإضراب وإنما جاء لينظم هذا الحق”.
ولعب بن طالب في ردوده على لغة الأرقام، قائلا إن “الإضرابات العشوائية وغير القانونية تسببت في تضييع 8 ملايين يوم عمل بعد أن أضرب نحو 175 ألف عامل، مما ادى إلى خسائر فادحة في المؤسسات العمومية”. وذكر الوزير أنه في الفترة ما بين 2013 و2022، تم تسجيل 2173 إضرابا منها 165 إضرابا وطنيا بشكل مخالف للقانون”، مما يبين حسبه حجم الضرر المتأتي من الإضرابات العشوائية.
ودافع الوزير عن حظر الإضرابات غير القانونية ومنها الإضرابات السياسية، بـ”الأضرار التي قد تلحق بالمؤسسة والمجتمع عموما”، مشيرا إلى أن الإجراء الذي يتيح حل المنظمة النقابية التي تقوم بإضراب غير قانوني ضروري مع توجيه إنذار قبل اتخاذ إجراءات الحل القضائي.
معارضة سياسية
ويلقى القانون خارج دائرة النقابات معارضة سياسية لافتة من عدة أحزاب. وقال حزب العمال الذي تقوده لويزة حنون إن هذا القانون سيقوم بمصادرة الحق النقابي، واعتبر في بيان له عقب اجتماع المكتب السياسي لحزبها، أن تمرير القانون في هذا التوقيت “خطوة غير بريئة تتمثل في استغلال شهر رمضان وضيق أغلبية العائلات التي تواجه أسوأ ظروف المعيشة لتمرير مشروع ثانٍ يقضي على الدور التاريخي للنقابات بصفته الإطار المنظّم للعمال كطبقة اجتماعية وأداة للدفاع عن مصالحهم”.
ودعا الحزب الحكومة إلى التمعّن فيما يحدث في أوروبا، لا سيما في فرنسا حيث تؤكد التعبئة غير المسبوقة للعمال والشرائح الشعبية بأنّه يوجد حدود للمعاناة الإنسانية وللحرمان، مشددا على أنّ “هذه القوانين المبيدة للحريات واللّانقابية غير قابلة للتعديل ويجب سحبها كونها حمّالة للاضطهاد والاستغلال والفوضى الاجتماعية”.
من جانبه، عبّر حزب مكتب طلائع الحريات عن أسفه جراء تمرير القانون المتعلق بكيفيات ممارسة الحق النقابي رغم رفضه من الطبقة العاملة ممثلة بكافة النقابات المستقلة. وأبدى الحزب الذي كان يقوده رئيس الحكومة السابق علي بن فليس، تضامنه المطلق مع النقابات المستقلة في رفضها لمحاولة تمرير الحكومة مشروع القانون المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب، دون أن تسعى إلى فتح نقاش موسع بخصوصه، ودون إشراك الشركاء الاجتماعيين في ذلك.
تدابير الإضراب الجديدة
ووفق نص مشروع القانون الذي اطلعت عليه “القدس العربي”، فإنه لا يمكن اللجوء إلى الإضراب بمجرّد إشعار بالإضراب، بل تُلزم المنظمات النّقابية بإجراءات طويلة تبدأ بالمصالحة ثم الوساطة والتحكيم. ويعتبر أيّ إضراب لا يحترم هذه الإجراءات الطويلة غير قانوني ويعاقب بمجالس تأديبية وباللجوء للعدالة.
كما يحصر الإضراب بمطالب مهنية محضة والظروف العامة للعمل”، يمنع الإضراب على أساس مطالب سياسية أو مدة غير محددة أو الإضراب المفاجئ أو المتقطع أو التضامني. ويفرض مشروع القانون التصويت بأغلبية مطلقة للعمال بحضور ثلثي العمال المعنيين لاتخاذ قرار الإشعار بالإضراب. ويقرّ أيضا عدم تقاضي أيّ أجر خلال أيام الإضراب.
وينصّ مشروع القانون على تحديد قطاعات الأنشطة ومناصب العمل التي تتطلّب تنفيذ قدر أدنى من الخدمة عن طريق التنظيم. وتعود سلطة تقدير تحديد القطاعات للسلطات العمومية دون أي إمكانية الطعن. كما ينصّ مشروع القانون على “منع الإضراب في قطاعات الاستراتيجية ذي الحساسية السيادية وفي المصالح الأساسية ذات الأهمية الحيويّة للأمة”. ويمنع أيّ إضراب “قد يؤدّي توقف النشاط إلى تعريض حياة المواطن أو سلامة أو صحته للخطر أو احتمال أن يؤدّي الإضراب إلى أزمة خطيرة”.
ويأتي هذا النص المتعلق بالحق في الإضراب الذي سيعرض على التصويت خلال الساعات المقبلة، بعد آخر تم اعتماده قبل أسابيع على مستوى البرلمان يتعلق بالمنظمات النقابية وممارسة الحق النقابي والذي أثار بدوره جدلا واسعا بسبب الشروط التي نص عليها خاصة فيما يتعلق بمنع المنظمات النقابية من الارتباط هيكليا ووظيفيا بأحزاب سياسية، أو الجمع بين عهدة في هيئة قيادية وإدارة منظمة نقابية وممارسة مسؤولية قانونية أو عهدة في الهيئات قيادية لحزب سياسي.
تعليقات الزوار
لا تعليقات