نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا بعنوان “هل يفقد قيس سعيد السيطرة على تونس؟” أعده الصحافي سايمون سبيكمان كوردال وقال فيه إن التونسيين باتوا يخرجون للشوارع بدلا من التصويت، في وقت انهار فيه الاقتصاد، مع أنهم لا يزالون منقسمين بشكل عميق.
وأضاف أن الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية فشلت في تأكيد أي زيادة في نسبة المشاركين عن الجولة الأولى، حيث ابتعد الجميع عن صناديق الاقتراع باستثناء نسبة 11.3% في عملية انتخابية لم يظهر فيها نفس الحماس للانتخابات التي نظمت بعد ثورة عام 2011.
وعندما تشارك نسبة قليلة من السكان في انتخابات برلمان “قلعت أسنانه” منذ البداية عبر دستور معدل، فماذا تبقى من شرعيته وما هو تأثيره على أفعال مهندسه، قيس سعيد؟ وهو أمر يظل غير معروف.
وبعد سنوات من الاضطرابات السياسية والتدهور الاقتصادي، لم يؤد العامان اللذان قضاهما سعيد في الحكم إلى أي تغير في المجالين. وكما أثبتت أرقام يوم الأحد البائسة، فلم يحافظ سعيد على الحماس الذي قوبل به قراره عزل رئيس الوزراء وإغلاق البرلمان في تموز/يوليو عام 2021.
وبالتأكيد فآلاف المتظاهرين الذين خرجوا في تونس يوم 14 كانون الثاني/يناير للتظاهر ضد الرئيس سارعوا للقول إن الجولة الأولى من الانتخابات والمشاركة المتدنية فيها هي رفض لحكم سعيد الديكتاتوري، إلا أنه رغم الأعداد وعددها المثير، فلم تحقق المعارضة وداعميها في البلد إلا القليل غير عناوين الأخبار في الخارج والكشف عن الخلافات القائمة بينها.
وفي كل أنحاء البلاد، فالحياة تزداد صعوبة وبخاصة لمن لا يملكون إلا القليل. وفي مركز المدينة وتحت يافطة جبهة الخلاص الوطني، انضم الديمقراطيون الإسلاميون من جماعة النهضة في تحالف مع المتشددين في المعارضة وائتلاف الكرامة وأعضاء في مجموعة “مواطنون ضد الانقلاب” وبقايا نواب البرلمان السابق، وحولهم كانت احتجاجات صغيرة لم يختلط فيها أي فريق مع الآخر.
فقد احتجت عبير موسي والحزب الدستوري الحر الداعي للعودة لنظام ما قبل الثورة في شارع قريب، ولم تكن مستعدة للمشاركة في مساحة مع الإسلاميين ومنافسيها الآخرين. وبالنسبة للرأي العام الذي يكافح من أجل الطعام المفقود والاقتصاد المتلاشي والرواتب المتدنية فتظاهرات 14 كانون الثاني/يناير لم تقدم إلا القليل. بل وذكرتهم بالانقسامات السابقة التي دفعت الكثيرين لإدارة ظهرهم للأحزاب السياسية.
وقال أيمن بالصالح، من معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط “من الصعب تقييم مدى تأثير الجماعات التي تظاهرت في 14 كانون الثاني/يناير” و”حتى الآن، فأحسن ما يمكنهم عمله في مجال التعبئة هو التظاهر وإصدار الأصوات، وهو كل ما يمكنهم عمله”، مشيرا إلى أن شعبية المعارضة قد لا تمتد للمناطق الفقيرة في المدن والمهمشة في بقية البلاد.
ورغم الجهود الكبيرة التي قامت بها جماعات المعارضة السابقة، إلا أن سعيد لا يزال الزعيم الأقل كرها من الزعماء في البلاد كما يقول، ذلك أن شعبيته تعتمد على وضع المعارضة والنظرة إليها. ويرى الكاتب أن الأزمة في الداخل والخارج التي أثرت على نقص الطعام في البلاد، قادت إلى حالة من الغليان في داخل البلاد بسبب الأوضاع وبعيدا عن الصخب والعنف الناجم عن المعارضة.
ففي الوقت الذي تجنب فيه بالصالح المقارنة بين ظروف ما قبل الثورة والآن إلا أن التونسيين كما يقول بالصالح لم يعد لديهم الكثير بما في ذلك الأمل.
وهذا يعني أن التهديد مهم في ظل التضخم الذي يتوقع أن يصل إلى 10.5% هذا العام. وسيظل المنظور الاقتصادي لتونس لهذا العام قاتما. وفي معظم أنحاء البلاد فالحياة تزداد كلفة وبخاصة لمن لا يملكون الكثير. وستتم زيادة الضريبة هذا العام، في محاولة من الحكومة لوقف العجز في المالية، إلا أن هذا سيترك البلاد بدون المليارات المخصصة للنفقات. ومع ذلك فستظل تونس تعاني من ثغرة ما بين دخلها والمدفوعات على ديونها الخارجية والداخلية، وفي ظل وضع لن يزيد فيه النمو لهذا العام عن 2.2%.
وعليه، فقد بات الحصول على حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي أمرا لا يمكن تجنبه، كما يقول أرام بلحاج، من جامعة قرطاج بتونس. وقصة تونس مع صندوق النقد الدولي طويلة والحزمة الأخيرة، 1.9 مليار دولار، سيتم توزيعها على مدة أربعة أعوام وهي أقل مما توقع المخططون التونسيون، وتشرح النقص في مدفوعات الحكومة الحالية من الرواتب والدعم. والمشكلة أن الحزمة قد تؤدي إلى اضطرابات في البلاد بسبب ما تحمله من شروط.
ويظل الاتحاد التونسي العام للشغل من أكبر الهيئات ويجد نفسه كما في الماضي أمام دور حاسم. وهو قادر على ربط الكفاح الاجتماعي والسياسي بالمطالب الوطنية. ويظل واحدا من القوى السياسية المتبقية في تونس القادرة على حشد الدعم والتأثير أو على الأقل توجيه دفة إصلاحات الحكومة، مع المفاوضات مع صندوق النقد الدولي فيما يتعلق بقطع الدعم والإصلاحات المطلوبة والتي ستطال قطاعات الدولة.
وكان استعداد الاتحاد لتقديم الصالح العام فوق المصلحة الذاتية سببا في حصوله مع منظمات المجتمع المدني على جائزة نوبل عام 2015. لكن التوقعات بدعمه الوضع الراهن ليست مضمونة كما أظهر في عامي 2010 و2011 عندما كانت في قيادة الحركة ضد زين العابدين بن علي، رغم التعاون السابق مع نظامه. وبانتخابات الأحد التي تثير أسئلة حول مستقبل البلاد، فلا يزال الاقتصاد مترنحا، وبلا تحد لسعيد، فيما اختارت المعارضة الشجار حول كيفية وقف تدهور البلاد، فقد أصبح الجوع في المناطق الفقيرة وحول البلاد واقعا، وربما أصبح العنف لمن لا يستطيعون الوصول إلى السلطة الرد الشائع.
تعليقات الزوار
لا تعليقات