أخبار عاجلة

تجربة قلة الصحة في الجزائر وتأثيراتها على الاقتصاد الوطني

يبدو أن وباء كورونا الذي زار العالم كله ومازال مُستمرًّا، قد قدَّم الكثير من الدروس للدول في إدارة الأزمات الصحية، ومعاينة تأثيراتها على الاقتصاد الوطني، ومتابعة الأمراض ووضع توثيق خاص بهًا، خصوصًا ما تعلق منها بالأوبئة، لكن في المقابل لازال القطاع، حسب مهنيين، يعاني عدة مشاكل متعلقة أساسًا بمسائل تقنية وعلمية بالدرجة الأولى.

في هذا السياق، تُطرح أسئلة عدة في الجزائر حول الدروس المستخلصة في بعد جائحة كورونا التي ضربت البلاد خاصة في قطاع الصحة، وهل تحرّكت الآلة الإدارية لتفادي وقع مثل هذه الأزمات؟ أم أن ما حدث أصبح من الماضي فقط،رغم آثاره الخانقة اقتصاديًا واجتماعيًا والمأساوية على الصعيد الصحي.

الأزمة فرصة أيضًا

تطرَّق كثير من المختصين في الأوبئة والصحة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، إلى أهمية التكيف مع المتغيرات الحاصلة في العالم من حيث الجانب الصحّي، وتهيئة الأوضاع للأزمات التي تلوح في الأفق خصوصًا أمام التغير المناخي وما يصاحبه من أوبئة ومشاكل على مستوى الصحة وظهور أوبئة.

لكن اللافت للنظر أن القطاع الصحي في الجزائر، مازال يعاني مشاكل لا تُوائم مستجدات ومتطلبات الخدمات الصحية، إذ ليست هي المرة الأولى التي يطرح فيها مختصون في الصحة والأطباء أسباب هذه المشاكل التي يعرفها القطاع.

يستمر تدني مستوى الخدمات الصحيّة في البلاد، رغم الأغلفة المالية التي رصدتها الحكومة لضمان تكوين مجاني لطلبة الطب والصحة العمومية بمختلف تخصصاتها، فضلًا عن تشييد وتجهيز المستشفيات والمؤسسات الصحية والوقاية، وهي مفارقات كبرى بين الموجود من مؤسّسات صحية وتوفير البنية التحتية والكفاءات التي تزخر بها مختلف هذه الفضاءات وبين الإمكانيات الواجب تخصيصها لتوفير العلاج العمومي.

السؤال المطروح، يتعلق بمدى تكافئ الكادر البشري مع الإمكانيات المتوفرة للقائمين على القطاع الصحي سواء أطباء وممرضين ومساعدي التمريض وغيرهم من المستخدمين في المؤسسات الاستشفائية الجزائرية.

التخصصات الطبية 

البنى التحتية متوفرة والتغطية الصحية لا تلبّي احتياجات المواطنين، هي مفارقة كثيرًا ما يطرحها المواطن خصوصًا في المدن الداخلية، ويتناولها أيضًا مهتمون بالشأن الصحي في الجزائر، إذ كشف الدكتور علي ضامان، الذي خاض تجربة في التكوين الطبي لمدة ثلاثة أشهر بباريس في قسم الأمراض الصدرية، أن المشكلة التي تعاني منها المستشفيات الجزائرية هي "تقنية بحتة"، لافتًا إلى بعض الفروقات التي لامسها خلال تجاربه والتي تشكل -حسبه- رؤية خاصة لتذليل هذه النقائص في مستشفياتنا الجزائرية، منها: "عدم توفر التحاليل والفحوصات العلمية والبحثية حول أي مرض".

وأضاف أن الكم والكل هو معضلة المستشفيات الجزائرية بمعنى "المستشفيات الجزائرية عامة وليست متخصّصة في شكل من أشكال الأمراض أو أعراض الأمراض والتحاليل المصاحبة لها، مشيرًا إلى " أزمة وباء كورونا، التي رغم سلبياتها وتبعاتها وتداعياتها الصحية والاقتصادية إلا أنها فرصة لإعادة التخطيط للقطاع وكيفية تسيير التخصصات الطبية وحتى أنواع الأمراض وأشكالها".

وأوضح المتحدث قائلً، ا إن عدم الوقوف على هذا الجانب، سيجعل علاج بعض الأمراض يمر عبر سلاسل من الإطارات الطبية، وقد يُنهِك ذلك الطاقم الطبي والمرضى أيضًا، موضحًا ذلك في إفادته أن المتخصصين في بعض القطاعات الطبية يحتاجون دومًا إلى "تاريخ المرض ومستجداته وما توصل إليه الطب في علاجه".

 كما ذكر  الدكتور علي ضامان، أن " عدم توفر مستشفى يهتم بتشخيص معين، فيكون هو المرجع الأساسي حول المرض المعني بالعلاج، يترتب عنه تشتيت الجهود الكبرى التي تبذلها الطواقم الطبية، وهذا بدوره يؤثِّر على الأداء المهني في توفير العلاج اللازم للمرضى".

وفي سياق منفصل، قال الدكتور إن "تداخل التخصصات الطبية في الفضاء الصحي الواحد، من شأنه أن يعطِّل آلة العلاج"، موضحًا بأنه "من الأجدر احترام التخصصات حتى على مستوى المساعدين الطبيين وتحسين وضع العاملين في القطاع". 

اكتظاظ المستشفيات

مع ارتفاع الإصابات بالأمراض التنفسية والإنفلونزا في نهاية 2022، برزت مؤشرات أخرى تدل على أن التعامل مع هذه الأمراض جدّ مكلف للجهاز الطبي وللمواطن أيضًا، وهو ما حصل في الأزمة الوبائية والتي كبدت أرواحًا كثيرة.

إلى هنا، يعتقد كثيرون أن القطاع الصحي عبارة عن حلقات أو بالأحرى سلسلة تتشكل من حلقات لا يجب الفصل بينها، لذا هناك من يقترح من باب التجربة كما تحدث أخصائيون لـ" الترا جزائر"، تفكيك تلك التخصصات إلى"جزيئات" ومنها إلى " بنىً تحتية أو مؤسسات تعالج الأمراض والأوبئة والتخصصات الدقيقة، لكن تكون منفصلة عن الجهاز الصحي العام".

وبرأيهم أن ذلك سيحصُر التعامل مع المرضى في أنواع محددة من الأمراض التي يمكن أن تكون " عدوى" على سبيل المثال، وتلافي مشكلة الاكتظاظ في مختلف التخصصات، فضلًا عن مشكلة نقص الوسائل خاصة منها أجهزة التحاليل الدقيقة منها: "جهاز السكانير والراديو"، وغيرها من الأجهزة التي باتت تسبب الكثير من المشاكل للمرضى وتؤجل فحوصاتهم وعملياتهم، أو الجزء إلى القطاع الخاص المكلف جدًا.

الصحة والبحث العلمي

من زاوية أخرى، استفاد المجال الصحي من الجائحة بالالتفات إلى البحوث العلمية والأكاديمية في شتَّى التخصصات، إذ وجب التطرّق إلى مسألة البحث العلمي في المستشفيات والمراكز الطبية.

ووصف البعض عملية البحوث في المستشفيات الجزائرية بأنها "شبه غائبة"، كما ذكرت البروفيسور كريمة حاج علي، المختصة في طب الأنف والحنجرة، "أو أنها مازالت قيد الأدراج فقط ولا تواكب متطلبات متابعة الأمراض ومعاينتها ومتابعة تطورها خصوصًا مع تجربة فيروس كورونا والمتغيرات- المتحوِّرات التي نتجت عنه". كما أن مسألة "انعدام المرافقة الطبية لمختلف الأمراض والأوبئة في الجزائر، قد تؤدي إلى إهدار الفرص المتاحة والجهود المبذولة من بعض الفرق الطبية والبحثية خلال الأزمة الوبائية".

من جهتها، قالت البروفيسور حاج علي لـ" الترا جزائر"، إن البحث العلمي في المجال الطبي مستمر في الجزائر من حيث جانبه النظري، مشدِّدة على أهمية إحداث التوازن بين النظري والميداني والمتغيرات الحاصلة في العالم من الجانب الصحي وطرق العلاج وكيفية الشراكة البينية في البحوث والدراسات والنتائج والأدوية أيضًا.

ومن المقترحات لمواكبة ذلك، قالت المختصة، إنه وجب وضع آليات ميدانية، ومراكز تابعة للمؤسسات الاستشفائية يشتغل فيها المختصون كبحوث تضمن الاستمرارية، بدْءًا من تاريخ المرض في الحي والمنطقة والبلدة والمدينة والولاية، وتطوّره وكيفية تقديم خطوات علاجه أيضًا، بالاستئناس إلى الخبراء ونتائج الدراسات الطبية.

وأشارت إلى مسألة الانفصال عن البحث العلمي الذي لا يتوقف كل دقيقة الذي تعرفها المنظومة الصحية الجزائرية، مشيرة إلى أن الكفاءات الجزائرية متميزة في ذلك وتستحق الإشادة والاستثمار من حيث خدمة البحث العلمي والمؤسسات الاستشفائية وتدعيم الكادر الطبي دوما بتلك الأبحاث
يتحدّث البعض عن دور الأبحاث في تعزيز المناعة الصحية في القطاع، خاصّة وأن تكثيف الدراسات في بؤر الوباء ومتابعة تطوراته وخاص الأمراض المتنقلة من شأنه أن يضع الكادر الطبي دوما تحت التقدم العلمي المواكب لتلك الأمراض، ويتحسن معها الأداء والعلاج تباعا، مع أهمية وضع بنى تحتية تابعة للمؤسسات الاستشفائية، خاصة بكل تخصص سيدفع بعجلة تنمية القطاع، خصوصا وأن الجزائر لا ينقصها الكفاءات بل هي "مسألة دعم وتحفيز". 

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات