قفز النواب الأوروبيون، خلافا للمعتاد، سريعا على موضوع حقوق الإنسان، خلال اجتماع اللجنة المشتركة البرلمانية الجزائر-الاتحاد الأوروبي المنعقد بالعاصمة الجزائرية، على الرغم من أن هذا الملف شكّل في السنوات الثلاث الأخيرة عصب “انشغال” نواب بروكسل بالجزائر. أما اليوم، فيبدو الاهتمام منصبا على مسائل الطاقة في ظل الأزمة التي تعاني منها القارة العجوز.
مرّ الإعلان المشترك الذي توج أشغال الدورة الأولى للجنة البرلمانية المشتركة الجزائر-الاتحاد الأوروبي التي احتضنها مقر المجلس الشعبي الوطني، بشكل خاطف على المسألة الحقوقية. وذكر في البند 13 أنه “استنادا إلى مبادئ الدستور الجزائري والمعاهدات الأوروبية، أكدت اللجنة عزمها المشترك لترقية احترام حقوق الإنسان والحريات الفردية في أوروبا والجزائر”. كما وردت فيه إشارات عامة حول “توطيد العلاقات” بين الجانبين لتحقيق الأهداف المعلن عنها في اتفاق الشراكة وكذا تجسيد أولويات الشراكة المتعلقة بالمحاور ذات صلة بالحوار السياسي، الحوكمة، دولة القانون وترقية الحقوق السياسية وكذا التعاون والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة.
ووفق ما تسرب من أصداء هذا الاجتماع المغلق، فإن الجانب الجزائري برئاسة النائب سيد أحمد تمامري، أبدى رفضه لجعل الملف الحقوقي محور اللقاء، كون هذه المسائل يتم النظر فيها من جانب السلطات الجزائرية بكامل السيادة. وحاول نواب أوروبيون أن يثيروا قضايا سجناء الرأي وسجن الصحافيين وحرية التعبير، لكنهم اصطدموا برفض النواب الجزائريين الخوض في هذه المسائل، واعتبر بعضهم الملف الحقوقي أداة ضغط يتم تحريكها ضد دول في مقابل غض الطرف عن أخرى. وأمام ذلك، لم يعارض النواب الأوروبيون غلق النقاش سريعا والانتقال لمواضيع أكثر أهمية بالنسبة لبلدانهم.
وظلّ الملف الحقوقي محور الاهتمام للبرلمان الأوروبي منذ انطلاق الحراك الشعبي في 22 فبراير 2019. وأصدر برلمان بروكسل بإجماع نوابه، في هذا الصدد لائحتين تدينان الجزائر، في نهاية سنتي 2019 و2020، تضمنتا خطابا شديدا بخصوص الواقع الحقوقي في الجزائر. وأدى ذلك إلى توتر شديد بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، بعد رفض السلطات الجزائرية التدخل الذي وصفته بالسافر في شؤونها. وعادة ما يستغل النواب الأوروبيون المتحررون من اللغة الدبلوماسية التي تميز مسؤولي المفوضية الأوروبية، منابرهم لتوجيه انتقادات شديدة للجزائر، حيث سبق لبعضهم خلال فترة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة الحديث عن مرضه وغموض مسارات اتخاذ القرار في الجزائر، وكان ذلك يثير دائما حفيظة السلطات الجزائرية، بينما تلتزم المفوضية الأوروبية الصمت وتؤكد في ردودها أنه لا وصاية لها على النواب.
وخارج ذلك، افتك النواب الجزائريون من نظرائهم الأوروبيين في هذا الاجتماع الرسمي الأول، وفق ما ورد في الإعلان المشترك اعترافا وترحيبا “بالمساهمة الفعالة للجزائر في استتباب السلم والأمن والاستقرار بالمنطقة، لا سيما في الساحل وكذا بنشاطها في الاتحاد الإفريقي”. وشدد الإعلان على “الضرورة الملحة لإيجاد حلول للرهانات المشتركة” التي تواجه الجزائر والاتحاد الأوروبي، على غرار “التحديات الأمنية في الفضاء الأورو متوسطي ومكافحة التطرف العنيف والإرهاب والجريمة الدولية المنظمة”، وذلك من خلال “تعزيز التعاون من أجل حل النزاعات والأزمات في المنطقة ودعم الاستقرار الإقليمي”.
كما أعربت اللجنة البرلمانية المشتركة عن “ارتياحها لالتزام الجزائر الراسخ” لتعزيز التعاون الإفريقي والتكامل الاقتصادي في إفريقيا وهو ما “يسهل ترقية فرص التعاون الثلاثي بين الاتحاد الأوروبي، الجزائر وشركائهما الأفارقة”، داعية في هذا السياق، إلى تجسيد مشاريع اقتصادية وتقنية للتعاون الثلاثي من أجل “توطيد الروابط بين الدول الإفريقية والأوروبية”.
وأكدت أيضا تمسكها بـ”تعزيز الحوار وتوطيد العلاقات وإرساء شراكة متميزة قائمة على الثقة والاحترام المتبادل والتضامن وتبادل المصالح” بهدف “خلق فضاء مشترك يسوده الاستقرار والديمقراطية والازدهار”، بالإضافة إلى ترقية “التبادلات التجارية ودخول السوق الأوروبية الموحدة، إلى جانب الشراكة الطاقوية، البيئة والتنمية المستدامة، والحوار الاستراتيجي والأمني، وكذا البعد الإنساني، الهجرة وحركة الأشخاص”. كما أكدت اللجنة المشتركة على ضرورة تعزيز التعاون فيما يتعلق بـ”دعم الجهود التي تبذلها الجزائر للارتقاء بشركاتها وتنويع اقتصادها”، ورحبت بالمصادقة على قانون الاستثمار 2022 الذي يمنح “ضمانات وفرصا حقيقية للاستثمارات الأجنبية المباشرة خاصة الأوروبية”.
واعتبر الإعلان المشترك أن قضية الهجرة تمثل “تحديا مشتركا” بين دول شمال وجنوب المتوسط وهي المسألة التي تستدعي “استجابة موحدة وتضامنية من خلال معالجة أسبابها العميقة” والمتمثلة أساسا في “النزاعات المسلحة والفقر، الفوارق الاجتماعية، انعدام الأمن والتغيير المناخي”. وأبرز أن معالجة الهجرة غير الشرعية تقتضي “انتهاج مقاربة شاملة ومتوازنة ومتكاملة وتضامنية” ويجب أن “تتجسد بروح من المسؤولية المشتركة والانتماء المشترك والشراكة، مع احترام السيادة الوطنية للدول وقيمها المجتمعية”، وأن يكون “البعد الإنساني حاضرا في الأطر القانونية والآليات العملية”، مع “تسهيل العودة الطوعية للمهاجرين وتوفير الإعانات وإعادة الإدماج”.
وفي أجندة لقاءاتهم بالجزائر، أصر النواب الأوروبيون على لقاء وزير الطاقة والمناجم، محمد عرقاب. وتركزت المباحثات، التي جرت بمقر الوزارة، بحضور رئيس اللجنة البرلمانية المشتركة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، أندريا كوزولينو وسفير الاتحاد الأوروبي بالجزائر، على بحث علاقات التعاون بين الجزائر والاتحاد الأوروبي وآفاق تعزيزها في مجالي الطاقة والمناجم. وأكد الوزير الجزائري، خلال هذا اللقاء، على فرص الاستثمار المتاحة في ميادين الكهرباء والطاقات الجديدة والمتجددة، خاصة استغلال الهيدروجين الأخضر. كما تناول الطرفان، وفق بيان وزارة الطاقة، المجالات المختلفة التي توجد فيها فرص لتبادل الخبرات وإيجاد حلول للاهتمامات المشتركة.
تعليقات الزوار
لا تعليقات