تضغط روسيا بورقة الغذاء في مواجهة عقوبات غربية قاسية كبدت الاقتصاد الروسي خسائر كبيرة، لكن موسكو تبدو حتى الآن صامدة محتفظة بعدة أوراق لكسر طوق العقوبات.
ويشير فحوى اتصال هاتفي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء الايطالي ماريو دراغي إلى أن الكرملين سيعتمد في هذه المرحلة إمدادات الغذاء للمقايضة بما يعني الغذاء مقابل رفع العقوبات الغربية.
وأبدى بوتين في اتصاله مع دراغي استعداد بلاده لتقديم "مساهمة كبيرة" لتفادي أزمة غذاء عالمية تلوح في الأفق شرط أن يرفع الغرب العقوبات المفروضة على روسيا.
وقال الكرملين في بيان اثر الاتصال "شدد فلاديمير بوتين على أن روسيا الاتحادية جاهزة لتقديم مساهمة كبيرة لتخطي أزمة الغذاء من خلال تصدير الحبوب والأسمدة، شرط رفع القيود الغربية ذات الدوافع السياسية".
ولفت إلى أن بوتين تحدث أيضا عن "الإجراءات المُتّخذة لضمان سلامة الملاحة، بما في ذلك فتح ممرات إنسانية يوميا لخروج السفن المدنية من موانئ بحر آزوف والبحر الأسود، الأمر الذي يعرقله الجانب الأوكراني"، معتبرا أن تحميل روسيا مسؤولية مشاكل الإمدادات الغذائية في السوق العالمية "لا أساس له".
وتعطل تصدير إنتاج أوكرانيا من الحبوب وخاصة الذرة والقمح بسبب القتال. أما روسيا فلم تعد تستطيع بيع إنتاجها الزراعي وأسمدتها بسبب العقوبات الغربية التي تؤثر على القطاعات المالية واللوجستية. وينتج البلدان ثلث القمح في العالم.
من جانبه قال ماريو دراغي خلال مؤتمر صحافي إن "الغرض من هذه المكالمة الهاتفية هو معرفة ما إذا كان من الممكن القيام بشيء ما للإفراج عن القمح الموجود اليوم في المخازن في أوكرانيا".
واقترح "تعاونا بين روسيا وأوكرانيا لفتح موانئ البحر الأسود" حيث يوجد القمح المعرض لخطر التعفن وذلك "من جهة لإزالة الألغام من هذه الموانئ ومن جهة أخرى لضمان عدم وجود اشتباكات أثناء إزالة الألغام".
وأوضح دراغي أنه لمس لدى الجانب الروسي "استعدادا للمضي في هذا الاتجاه"، وأنه سوف يتصل بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي "لمعرفة ما إذا كانت هناك إرادة مماثلة"، مضيفا "إذا سُئلت إن رأيت أي بصيص أمل في السلام، فإن الجواب هو لا".
وقال مسؤول أوكراني اليوم الخميس إن القوات الروسية المتقدمة اقتربت من تطويق القوات الأوكرانية في الشرق، واستولت لفترة وجيزة على مواقع على الطريق السريع الأخير للخروج من اثنتين من المدن المهمة التي تسيطر عليها أوكرانيا قبل دحرها.
وبعد ثلاثة أشهر من غزوها لأوكرانيا، تخلت روسيا عن هجومها على العاصمة كييف وتحاول بسط سيطرتها على منطقة دونباس الصناعية في شرق أوكرانيا، حيث تدعم تمردا انفصاليا منذ عام 2014.
وتهاجم آلاف القوات من ثلاث جهات في محاولة لتطويق القوات الأوكرانية في سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك. وإذا سقطت المدينتان اللتان تقعان على ضفتي نهر سيفيرسكي دونيتس، فستكون منطقة لوغانسك في إقليم دونباس سقطت بالكامل تقريبا في أيدي الروس.
وقال الجنرال أوليكسي جروموف نائب رئيس قسم العمليات الرئيسية في هيئة الأركان العامة الأوكرانية "لدى روسيا أفضلية، لكننا نفعل كل ما في وسعنا".
وأوضح حاكم لوغانسك سيرهي جايداي أن حوالي 50 جنديا روسيا وصلوا إلى الطريق السريع "وتمكنوا من الحصول على موطئ قدم"، لدرجة إقامة نقطة تفتيش.
وقال في مقابلة نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي "تم كسر حاجز التفتيش وإبعادهم... الجيش الروسي لا يسيطر على الطريق الآن لكنه يقصفه"، مضيفا أنه من الممكن أن تترك القوات الأوكرانية "بلدة واحدة، وربما اثنتين. نحن بحاجة إلى كسب الحرب وليس المعركة".
وتابع جايداي "من الواضح أن أولادنا يتراجعون ببطء إلى مواقع أكثر تحصينا، نحن بحاجة إلى صد هذا الحشد".
ويرى المحللون العسكريون الغربيون أن معركة المدينتين هي نقطة تحول محتملة في الحرب، وذلك بعد أن أعادت روسيا تحديد هدفها الرئيسي من الحرب وهو الاستيلاء على الشرق.
وفي الأراضي الواقعة جنوبا والتي تسيطر عليها روسيا بدا واضحا أن القوات الروسية تتقدم بالفعل في سفيتلودارسك، حيث انسحبت القوات الأوكرانية في وقت سابق من الأسبوع الحالي.
وأصبحت المدينة الآن تحت سيطرة المقاتلين المتحالفين مع روسيا والذين احتلوا مبنى الحكومة المحلية وعلقوا شعار المطرقة والمنجل عند الباب.
وأظهرت لقطات فيديو صورتها رويترز بطائرة مُسيرة لساحة معركة مهجورة قريبة حفرة ضخمة في حقل أخضر تحيط به مبان محطمة. وكان المقاتلون المتحالفون مع روسيا يتجولون في الخنادق.
وتأتي المكاسب الروسية الأخيرة في دونباس بعد استسلام المقاتلين الأوكرانيين في ماريوبول الأسبوع الماضي، بما يشير إلى تحول في موازين القوى بعد أسابيع من تقدم القوات الأوكرانية بالقرب من خاركيف في الشمال الشرقي.
وقال المحلل الدفاعي مايكل كوفمان مدير الدراسات الروسية في مركز أبحاث (سي.إن.ايه) ومقره الولايات المتحدة "المكاسب الروسية الأخيرة تقدم إشارة واقعية للتوقعات في المدى القريب"، مضيفا أن القوات الروسية اخترقت الخطوط الأوكرانية في بوباسنا جنوبي سيفيرودونيتسك، وتهدد بتطويق القوات الأوكرانية.
وصرح مستشار وزارة الداخلية الأوكرانية فاديم دنيسينكو في إفادة بأن 25 كتيبة روسية تحاول محاصرة القوات الأوكرانية. وطالب قائد القوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني على تطبيق تيليغرام بمزيد من الأسلحة الغربية، لا سيما "الأسلحة التي ستسمح لنا بضرب العدو من مسافة بعيدة".
وحذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في وقت لاحق من أن أي إمدادات أسلحة يمكن أن تصل إلى الأراضي الروسية ستكون "خطوة خطيرة نحو تصعيد غير مقبول".
تعليقات الزوار
لا تعليقات