أخبار عاجلة

مشروع تبون لرصّ الجبهة الداخلية بحجة العدو الخارجي ومؤامرة تُحاك ضدّ البلاد مصيرها الفشل

تطرح السّلطة في الجزائر في الفترة الأخيرة، مقاربة حول ما تصفه برصّ الجبهة الداخلية وتوحيد الصفّوف بخلفية وجود تهديدات تحيط بالبلاد، وتحاول ربطها بأحداث كثيرة منها غلاء الأسعاء واحتكار السلع والمضاربة، وتعتبر السّلطة أن هذه التّهديدات تفرِض توحيد الجبهة الوطنية والتفاف القوى السياسية والمدنية على الخيارات التي تقرّرها الدّولة.

كشفت اللّقاءات التي أدارها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون، مع عديد الوجوه السياسية من مختلف الأحزاب في الجزائر والشخصيات الوطنية، أن موضوع النسيج الوطني ومواضيعه المتعددة، قد شكّلت قُطب الرحى في المشاورات، مما أفرز عدّة قراءات حيال هذا الموضوع الذي لا يقلّ أهمية عن موضوعات أخرى، لبناء مشروع " الجزائر الجديدة".

تطويق ملفّات حارقة

من خلال هذه الجزئية التي كانت محور المحادثات بين الرئيس تبون، والمكوّنات السياسية في الجزائر، في إطار المساعي التي باشرها منذ أيام في سياق تهيئة أرضية لطرح مبادرة "لمّ الشّمل"، التي قال عنها وزير الإعلام الأسبق عبد العزيز رحّابي وهو الأكثر الشخصيات التي تدافع عن الحقوق والحرّيات بأن لقاءه بالرئيس تبون تمحور أساسًا حولضرورة "تقوية الجبهة الداخلية ورصّ صفوفها وتوسيع التّشاور السياسي بين السلطة والأحزاب ومختلف مكونات المجتمع السياسي والمدني".

في هذا السياق، تبرز هذه المقاربة في الخطاب السياسي الذي تتبنّاه القوى والأحزاب السياسية والتنظيمات المدنية، حيث يبدو الحرص على تكرار هذه الأدبيات المتعلّقة بالجبهة الداخلية واضحا في مجموع المناسبات.

هذه اللّقاءات تؤكّد مجدّدًا أن الرئيس تبّون يحضِّر للعديد من القرارات  السياسية في قادم الأيام، حتى وإن كانت مرحلة جسّ النبض مع النّخب السياسية في البلاد توحي بأن تبون سيجري عملية جراحية على الحكومة المنتظر تغييرها أو تعديلها أو زحزحة وزراء واستقدام وزراء جدد.

ولكن بعد استشارة سياسية مفتوحة على غير العادة. فإن هذا الملف، أي التعديل الحكومي يهمّ النخب السياسية كما يفيد الأستاذ عبد الباقي سماتي، المختصّ في العلوم السياسية، إذ يسعى إلى توظيف الطاقم الوزاري المنتظر في عملية الانتظارات الاقتصادية والاجتماعية من جهة، موضحًا توظيفها ذلك في مواجهة الغضب الشعبي بسبب الملفات العالقة على مستوى الجبهة الاجتماعية، خصوصًا بعد تصعيد عديد النقابات بالذهب نحو إضرابات بسبب الظروف الاجتماعية والمهنية والاقتصادية.

وقال محدّث في تصريح صحفي أن هذا الغليان النّقابي، مرشّح للعودة في أيّة لحظة بسبب عديد العوامل المرتبطة أساسًا بوضعية عديد القطاعات العمومية، وخاصّة في مستوى قطاعات التربية والصحة والجامعات، وضرورة احتوائها أو تلافي أسبابها.

حاضِنة شعبية

في هذا السياق، وصف الخبير في العلاقات الدولية محمد علي بوسنان، من جامعة باتنة شرق الجزائر ، أن متطلبات الجبهة الداخلية وحمايتها، يحتاج إلى العمل على تنميتها بطريقة تسهم في تعزيز صمود المجتمعات في وجه التهديدات الخارجية، التي من شأنها تعطيل المصالح الوطنية، وبذلك تتوخى تقوية الداخل بتوجيه المجتمع نحو الوحدة والتضامن.

وفي سياق متصل، أوضح الأستاذ بوسنان أن "الجبهة الداخلية" كثيرًا ما استعمل كمصطلح في الجانب العسكري، إذ يهتم أساسًا بـ"الحاضنة الشعبية والمؤسساتية، التي تبحث على تعزيز الثقة والأمان لمواجهة أي مخاطر تحدق بزعزعة الداخل".

وأضاف في هذا المستوى أن هناك قاعدة في السياسة كثيرًا ما تعتبر أساسًا لوحدة البلدان مفادها: إذا أردت أن تعزّز التنمية أكثر، فقوّي الجبهة الداخلية، وإذا أردت أن تُواجه العالم فقوي الجبهة الداخلية، وإذا أردت أن تصنع التنمية وتنمي الاقتصاد فقوي الجبهة الداخلية.

وبهذا المعنى فلا قيمة لأي قوة دونما وجود جبهة داخلية قوية، أو بالأحرى أن القوة الاقتصادية تلازمها الجبهة الداخلية والقوة الاجتماعية، التي تعمل على ربط بين المقومات التنموية الشاملة.

وفي هذا المِضمار، فإن الجبهة الداخلية تتشكّل بمجموعة من العناصر أهمّها: المجتمع كقوة بشرية وقوة الروابط الاجتماعية، إذ يمثلون بدورهم موارد التنمية، وكذلك الهيئات المحلية الممثلة في المجالس البلدية والدوائر والمجالس الولائية، فضلًا والأجهزة الأمنية والحكومية، بالإضافة إلى المنظومة الإعلامية التي بدورها تؤدّي وظائف تحضين المجتمع من التضليل والشائعات، ونشر الفوضى.

ضمان الاستقرار

تجّلت عدّة مخاوف حيال ضرورة تقوية الجبهة الداخلية، كما أفاد الباحث في علم الاجتماع السياسي عبد الله سعيداني، "بسبب بعض التهديدات، إذ ازداد الانحياز إلى هذه المقاربة بشكل أكبر مع تزايد المشكلات المناطقية في الجزائر في علاقة بأزمات منطقة القبائل والتي كانت محلّ محاولات توظيف خارجي استهدف تمزيق النسيج للمجتمع من جهة، زتزايد المشكلات الإقليمية التي لها تأثيرات مباشرة على الجزائر، من جهة ثانية".

إضافة إلى كل ما سبق، تجنح السلطة الى الدفع بهذه المقاربة سعيًا للحصول على التفاف سياسي ومدني وشعبي خاصّة وأن الجزائريين لديهم قلق مزمن ضدّ الانقسامات السياسية والمجتمعية وحساسية تاريخية للتدخلات الأجنبية.

ومن منظور آخر، يعني تقوية الجبهة الداخلية، تحقيق السلم الاجتماعي عن طريق عدة قرارات يراد بها تهدئة أوضاع العديد من القطاعات، خصوصًا من النقابات العمالية التي لوّحت بالاحتجاجات والإضرابات.

وتبعًا لذلك أشار أستاذ علم الاجتماع السياسي إلى أن السلطة ماضية نحو "إخماد الغليان السياسي من جهة، أو بعبارة أخرى إسكات أصوات مخالفة للصّوت أحادي التفكير والتوجه، خصوصًا مع استمرار "السكون عل مستوى الفعل السياسي"، وتحجيمه وتضييق النقاش الإعلامي في الشأن العام في علاقة مع التغيير السياسي والإصلاحات المنتظرة، على حدّ قوله.

في الختام، كثيرًا ما توظّف السلطة مصطلح تعزيز الجبهة الداخلية، للإشارة إلى وجود عدو خارجي ومؤامرة تُحاك ضدّ البلاد في الخفاء، وهي مصطلحات استعملها نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لفترة طويلة، قبل انطلاق شرارة الحراك الشعبي.

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات