حوّلت الكاتبة الإيطالية نيكوليتا بورتولوتي حادثة تعرضها للسرقة في مدينة مراكش إلى مشهد إنساني إيجابي يبرز تضامن المغاربة ومحبتهم غير المشروطة.
في المدينة العتيقة لمراكش، وقبل يوم واحد من العودة إلى إيطاليا، كانت نيكوليتا تقف برفقة مجموعة من السياح الآخرين (زوجها ووالدها وزوجة والدها). بدا الوضع عاديًا جدًا، مجموعة من السياح تتجاذب أطراف الحديث قبل زيارة معالم المدينة القديمة، فجأة انقلب الوضع رأسًا على عقب، وتحولت لحظة سياحية ممتعة إلى حادثة سرقة كادت أن تنهي حياة الضحية.
الدراجة النارية التي مرت مسرعة وسط الزقاق لم يكن سائقها ينوي العبور فقط، بل كان يضمر الشر. فقد أمسك مرافقه بحقيبة الكاتبة بقوة لخطفها من بين يديها، وانتهت العملية بسقوط السيدة أرضًا مغشيًا عليها. مشهد شبيه بالأفلام، لكنه واقع عاشته الكاتبة بمرارته وألمه.
تلقف الإعلام المحلي بغضب مقطع الفيديو الذي انتشر على نطاق واسع، فيما غزت التدوينات مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت عبارات السخط العمود الفقري لمضمونها، سخط من إقدام اللص على فعلة كادت أن تعصف بالصورة الجميلة للمغرب.
تحرك الأمن المغربي
وسارع الأمن المغربي إلى فتح بحث قضائي. وأسفرت التحقيقات الأولية لأمن مراكش عن توقيف شخص يبلغ من العمر 29 سنة، بعدما عثر بحوزته على هاتف محمول يُعتقد أنه سرق من الضحية. لاحقًا، وبمزيد من التحريات والتنسيق مع الدرك الملكي في ضواحي مراكش، تم تحديد هوية اثنين من المشتبه في تورطهما في عملية الخطف والسرقة. وأُوقف “الشريك الثاني” في ضواحي المدينة خلال عملية أمنية دقيقة ومحكمة.
الموقوف الرئيسي الذي ضبط بحيازة المسروقات خضع لتدبير السجن الاحتياطي بناءً على أمر من النيابة العامة، في انتظار استكمال البحث القضائي للكشف عن جميع ملابسات الواقعة وربما توقيف باقي المتورطين إن وُجدوا.
اهتمام وتضامن
من سرعة الأمن المغربي في توقيف الجناة إلى سرعة انتشار مقطع الفيديو، كان القلق سيد الموقف بالنسبة للمواطنين المغاربة الذين استنكروا ما أقدم عليه اللصوص، وأيضًا بالنسبة لزوار المغرب من السياح، خاصة الموجودين في مراكش.
الحادث الذي أثار غضبًا واسعًا بين المواطنين، كشفت ضحيته عن تفاصيله الأكثر عمقًا، الأحاسيس الداخلية والحميمية، إلى درجة وصفها للمغاربة المحيطين بها خلال محنتها بـ “شبكة إنسانية مذهلة”.
بداية رحلة التعافي الجسدي والروحي كانت من المستشفى المغربي، واستهلت به الكاتبة مقالتها أو خاطرتها على شكل تدوينة في صفحتها على “فيسبوك”، مشيرة إلى أنها أزالت الجبيرة عن يدها اليسرى لتتمكن من الكتابة “براحة أكبر”. وأضافت: “أخبرني زوجي بما حدث، فقد رأيت كل شيء أسود، بل بنيًا، وشعرت بألم شديد، وفقدت الوعي”.
تحكي الكاتبة عن تلك التفاصيل الصغيرة التي تصنع الفرق: “حملني زوجي برفقة أصحاب الدكاكين الحاضرين، ورجل خرج من كشكه على زاوية الشارع ليعرض عليّ المساعدة، إلى الرياض (إقامة تقليدية) حيث كنا نقيم”.
في المستشفى، تقول الكاتبة: “تحيط بي ممرضات شابات رقيقات يرتدين الحجاب، وطبيب بأيدي ساحرة، بابتسامة متعاطفة – ابتسامة كل المغاربة – خاط جرحي دون أن يؤذيني. وصل أفراد من الشرطة إلى المستشفى لتقديم البلاغ فورا. في الحقيبة بضعة دراهم وجميع الوثائق، هاتفي الجوال، وخاصة جواز سفري”.
أثنت الكاتبة على “شرطي لطيف جدًا” قدم لها ولزوجها تقريرًا سمح لهما بالعودة إلى إيطاليا في اليوم التالي. وأضافت عن التجربة: “حتى في ألم الغثيان، شعرت بعناية الله وعناية الناس حولي”.
المغرب كما عاشته الكاتبة
اكتشفت الكاتبة أثناء الانتظار لعدة أيام قبل مغادرة مراكش فرصة لرؤية بلد آخر وصفته بأنه “شبكة من اللطف والاهتمام والتضامن المؤثر من الجميع: أصحاب المطاعم، سكان الحي، أصحاب الفنادق، رجال الشرطة، المشردون، وسائقو سيارات الأجرة، كلهم يضعون أيديهم على قلوبهم عند رؤيتي، يصافحونني ويعانقونني ويقبلون رأسي”.
تنقلات الكاتبة برفقة زوجها على متن سيارات الأجرة أظهرت عالمًا آخر من التضامن، دعوتهما من طرف سائقي “التاكسيات” إلى بيوتهم لتناول الغذاء مع زوجاتهم وأطفالهم، مؤكدين: “نحن جميعًا نهتم بمعاملة السياح جيدًا، وهؤلاء اللصوص شوهوا صورة بلدنا”.
كما لاحظت الكاتبة المشاهد اليومية: “نساء يتجولن بسلام في المساء، يعملن، يركبن الدراجات النارية، يرتدين الحجاب الأنيق، والحياة مستمرة كما يجب”، وأكدت أن المغرب بلد متوازن ومتسامح، قريب جدًا منا (تقصد إيطاليا)، مشيرة إلى أن مثل هذه الحوادث قد تحدث في أي مكان في العالم، حتى في ميلانو، لكنها تجربة فردية لا تعكس روح المغرب عامة.
لحظات السفر الأخيرة
قبل العودة إلى إيطاليا، وصفت رحلة القطار من مراكش إلى الدار البيضاء (حوالي 240 كلم) بأنها رحلة جميلة، مريحة ومنضبطة، مع مقاعد قديمة مبطنة، وركاب مهذبون، وأشجار نخيل وحقول زيتون، وجبال الأطلس في الأفق.
وصفت الدار البيضاء بـ “بيضاء ونسمة من هواء المحيط”، والتقت بسائق تاكسي لطيف أعادهم إلى المحطة، وأخذهم لرؤية المسجد (مسجد الحسن الثاني) والبحر، مع عروض كريمة للإقامة والطعام.
عائدة إلى مراكش، تختم الكاتبة سرد رحلة كانت عبارة عن تجربة إنسانية جميلة مرت عبر جسر الألم: “مرة أخرى، الصحراء في الغسق، والناس يضحكون بسعادة، لطفاء مع بعضهم البعض، وفتيات حنونات، بعضهن يرتدين الحجاب وبعضهن بدونه، جميعهن يبتسمن”.

تعليقات الزوار
لا تعليقات