أخبار عاجلة

الجنوب الليبي يتحول إلى ملاذ آمن للمتمردين في النيجر

تتسع حلقات التوتر على الحدود الليبية – النيجرية مع تنامي نشاط حركات التمرد في شمال النيجر، التي وجدت في هشاشة الجنوب الليبي منصة مثالية للانسحاب وإعادة التموضع بعد تنفيذ عملياتها النوعية، ومع تصاعد الهجمات التي تستهدف أنابيب النفط والبنى الاستراتيجية في النيجر، تبدو الجماعات المسلحة وكأنها تسابق الزمن لفرض معادلة جديدة في مواجهة المجلس العسكري بقيادة عبدالرحمن تياني، في محاولة لانتزاع مكاسب سياسية تتمثل في العودة إلى النظام الدستوري، بينما يجد الجنوب الليبي نفسه في قلب لعبة إقليمية دقيقة تتشابك فيها مصالح التمرد والتهريب والجماعات المتشددة.
ففي الأيام الأخيرة، أعلنت «الحركة الوطنية من أجل الحرية والعدالة النيجرية» مسؤوليتها عن تخريب خط أنابيب ينقل النفط من شمال شرق النيجر إلى ميناء سيمي-كبودجي في بنين، قبل أن تعود لتتبنى هجوماً جديداً قرب أغاديم في منطقة ديفا، ويستغل زعيم الحركة، موسى كوناي، هذه العمليات للضغط على الشركات الدولية المتعاملة مع نيامي، مهدداً بإضعاف أي نشاط اقتصادي إلى حين عودة النظام الدستوري، ويأتي ذلك في ظل تراكم إنذارات وجهتها سابقاً حركة تحرير شعب النيجر، التي صعّدت عملياتها منذ مطلع أيلول/سبتمبر الماضي بتنفيذ هجوم أدى إلى مقتل 16 جندياً نيجرياً قرب شيرفا على الحدود المشتركة مع ليبيا والجزائر.
ويتكئ كوناي على خبرة ميدانية واسعة في الصحراء ومساراتها الوعرة، مستفيداً من قاعدة مقاتليه المنتمين إلى قبائل التبو المنتشرة عبر الحدود بين النيجر وتشاد وليبيا .
ويؤكد خبراء في الأمن أن الحركة تعتمد استراتيجية «الضرب والاختفاء»، حيث تنفذ هجماتها في مناطق حساسة قبل الفرار إلى عمق الجنوب الليبي الذي يوفر بيئة ملائمة للاختباء وإعادة التمركز. ويشير بعض المحللين النيجريين إلى أن التعاون الأمني بين ليبيا وتشاد والنيجر قائم، لكنه غير كافٍ لردع تحركات مقاتلين يمتلكون خبرة طويلة في التحرك عبر المثلث الحدودي شديد التعقيد.
وفي هذا السياق، يرى الناشط محمد البشير حسن صالح أن انهيار البنى المؤسسية في أجزاء واسعة من الساحل الإفريقي بعد 2011 أدى إلى بروز لاعبين جدد يمتلكون قدرة على التموضع داخل الفراغ الأمني، ما سمح بنشوء اقتصاد موازٍ قائم على التهريب، وتجارة البشر ،والذهب، والأسلحة. ويضيف أن تدفق السلاح الليبي أسهم بشكل مباشر في تحويل التمرد من مجموعات محلية محدودة إلى كيانات مسلحة قادرة على مواجهة جيوش وطنية بكامل معداتها.
ورغم اتساع صدى الهجمات الأخيرة، تبقى إمكانات «الحركة الوطنية من أجل الحرية والعدالة» محدودة سياسياً وعسكرياً، فالحركات المعارضة لتياني، رغم رفعها مجتمعة شعار دعم الرئيس المخلوع محمد بازوم والمطالبة بإطلاق سراحه، تعاني تشتتاً واضحاً يمنعها من تشكيل جبهة موحدة. ووفق خبراء أمن نقلت «جون أفريك» آراءهم، فإن هذه الجماعات تفتقر إلى الوجود في المراكز الحضرية الكبرى، ولا تمتلك بنية سياسية تتيح لها حشد الدعم الداخلي، فضلًا عن ضعف تسليحها مقارنة بالقوات الحكومية.
لكن المجلة حذرت من أن استمرار الهجمات على خطوط الطاقة قد يوجه ضربة اقتصادية مؤلمة لنيامي، خاصة مع اعتماد الدولة على عائدات النفط في مواجهة الضائقة المالية بعد تعليق جزء من التعاون الدولي عقب انقلاب 2023.
وتتضاعف أهمية النفط بالنسبة للمجلس العسكري النيجرى بعد توقيع اتفاق قرض بقيمة 400 مليون دولار مع الصين في نيسان / أبريل 2024، وهو قرض يُسدد مباشرة من عائدات نفط أغاديم، الأمر الذي يرفع حساسية أي هجوم يستهدف البنية التحتية للطاقة. وفي هذا السياق، كثفت نيامي جهود الوساطة السرية مع المتمردين خلال الأشهر الأخيرة، في محاولة لدرء فتح جبهة جديدة بينما تنشغل القوات الحكومية بمواجهة مجموعة «نصرة الإسلام والمسلمين» وتنظيم الدولة في الصحراء الكبرى.
وتشير تطورات ميدانية إلى أن الجنوب الليبي لم يعد مجرد نقطة عبور للهاربين من المواجهات، بل تحول إلى ساحة عمليات أمنية مرتبطة مباشرة بالصراع في النيجر. ففي نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أعلنت شعبة الإعلام الحربي التابعة للجيش الوطني الليبي تحرير خمسة نيجريين كانوا محتجزين منذ العام الماضي في الجنوب الليبي، بعد عملية نفذتها وحدات عسكرية قرب القطرون. وأكدت الشعبة أن التشكيل العصابي المسؤول عن خطفهم كان قد اقتادهم إلى الحدود قبل رصدهم واعتقال عناصره.
ويستمر حضور الجماعات المسلحة المرتبطة بالنيجر في ليبيا عبر مجموعتين ناشطتين: الجبهة الشعبية بقيادة محمد توري، والجبهة الوطنية للعدالة بقيادة محمود صلاح. وقد برزت الأولى حين تبنت في حزيران /يونيو 2024 اختطاف القائد أمادو توردا في شمال شرق البلاد خلال غارة أدت إلى مقتل جنديين.
أما الثانية، فقد نفذت هجمات على خطوط النفط لشركة «وابكو» الصينية قبل اعتقال زعيمها في ليبيا.
من جانب آخر، يسلط مشروع «إناكت» الضوء على التوترات المتنامية في الجنوب الليبي والمثلث الحدودي مع تشاد والنيجر، محذراً من أن اتساع الوجود المسلح يعمّق هشاشة المنطقة. ويرى التقرير أن حل «القيادة العامة» للواء 128 مطلع العام أدى إلى خلخلة البنية الأمنية في فزان، ما ترتب عليه اشتباكات متكررة في القطرون ومناجم كيلينجي. وأدت هذه التطورات إلى تعطيل الشبكات الإجرامية المترابطة في الجنوب، وإعادة توزيع نشاط التهريب نحو أوباري وسبها وتراغن وممر السلفادور.
ويشير التقرير إلى أن حملة «قوات حفتر» ضد المرتزقة الأجانب أغلقت العديد من الأسواق غير المشروعة، خاصة أسواق تهريب البشر والوقود، مما تسبب في نقص حاد للوقود في مناطق التعدين في النيجر. كما لجأ مهربو البشر إلى أساليب جديدة، منها السفر ليلاً بلا أضواء لتجنب الدوريات، وهو ما أدى إلى انخفاض تدفق المهاجرين إلى النصف منذ حزيران /يونيو مقارنة ببداية العام.
ويحذر «إناكت» من أن استمرار التضييق على الاقتصاد غير المشروع قد يغذي التوتر بين القبائل المحلية و»قوات حفتر»، خصوصاً مع تزايد عدد المجموعات المسلحة التي تمتلك خبرة وسلاحاً يتيحان لها تهديد الاستقرار الإقليمي.
ويؤكد التقرير أن اشتباكات القطرون الأخيرة أظهرت هشاشة التحالفات بين بعض المرتزقة والقيادة العامة، وأن أي تفكك إضافي قد يوسع نطاق المواجهات في المنطقة بأكملها.
بهذا المشهد المتشابك، تبدو الحدود بين ليبيا والنيجر وتشاد مرشحة لمزيد من التوتر، خاصة مع فشل جهود نيامي في احتواء التمرد، واستمرار هشاشة الجنوب الليبي كملاذ ومنطقة عبور، ما يجعل المثلث الحدودي واحداً من أكثر بؤر الاضطراب قابلية للاشتعال في الساحل والصحراء خلال المرحلة المقبلة.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات