شارك المغاربة في وقفات احتجاجية وتضامنية في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ولم يكن الحدث ليمر دون أن تضفي عليه هيئات ومنظمات محلية بما يليق به من تخليد ورفع الصوت عالياً في دعم القضية الفلسطينية .
ومن جديد، برز اسم الداعية المغربي أحمد الريسوني، الرئيس السابق لاتحاد علماء المسلمين، وهو يصدر فتوى «حول التعامل مع المحتلين والمعتدين» أكد فيها «وجوب معاداة المعتدين والحذر منهم، وخاصة من يثبت عداؤه للمسلمين، كالصهاينة المحتلين».
واستهل الريسوني فتواه بالإشارة إلى أن الشعب الفلسطيني يتعرض منذ أكثر من قرن للاحتلال والتهجير والقتل والاستيطان بدعم قوى استعمارية، بينما مواقف الدول العربية والإسلامية غالباً ضعيفة ومتخاذلة، مع بقاء الشعوب متضامنة مع الفلسطينيين رغم تقييدها.
وحسب الرئيس السابق لـ «حركة الإصلاح والتوحيد»، فإن الفتوى تؤكد على مبادئ شرعية أساسية، من بينها «تحريم مساعدة الظالمين والمعتدين بأي شكل من الأشكال، بالمال أو الفعل أو الكلمة، فمن أعانهم شاركهم في الظلم»، إلى جانب «وحدة المسلمين ووجوب نصرة المظلومين وعدم الحياد تجاه الاعتداء، بل الوقوف مع الحق ضد الاحتلال».
وشدد الريسوني في الفتوى على تحريم كل معاملة سياسية أو اقتصادية أو ثقافية تقوي الاحتلال أو تساهم في جرائمه، إلى جانب تحريم شراء أو ترويج بضائع مصنوعة في الأراضي الفلسطينية المغتصبة، لأن ثمنها دعم للاحتلال الإسرائيلي».
ووفقاً للفتوى، فإن الشركات الداعمة للاستيطان تأخذ حكم الكيان المحتل، وعند وجود شبهات دعم للعدوان في بعض المنتجات، يقدم الاحتياط وتركها متى تيسر البديل. إلا أن «الضرورة تبيح الاستثناء ولكن بقدرها»، حسب تعبير الفتوى، التي أكدت أن «الأصل في باقي المعاملات الجائزة – إن انتفت الشبهات – الإباحة». كما أوصى بدعم ومساندة حركة المقاطعة الدولية (BDS) باعتبارها تجربة فعّالة في مقاومة الاحتلال.
ويرى مراقبون أن اختيار الريسوني لهذا التوقيت من أجل إصدار فتوى تحريم التطبيع مع إسرائيل، جاء في سياق اليوم العالمي للتضامن مع القضية الفلسطينية، وجرى نشرها على صفحته الرسمية على فيسبوك في اليوم نفسه.
على صعيد آخر، خلّد المغاربة في عدد من المدن المناسبة نفسها، ولم يتوقف نبض التضامن عند اليوم الأول، بل شمل اليوم الثاني، وهو الأحد، لتكون نهاية الأسبوع فلسطينية مئة في المئة، وقد عبّر المواطنون عن إدانتهم للجرائم الصهيونية، خاصة في قطاع غزة.
ولم تغب مطالب وقف التطبيع عن الوقفات التضامنية التي شارك فيها عشرات المواطنين والشخصيات الحقوقية، ومنها تلك التي شهدتها الساحة المقابلة لمبنى البرلمان المغربي في العاصمة الرباط، حيث ندد المحتجون بالتجويع والاستمرار في تقتيل الفلسطينيين في غزة رغم اتفاق وقف إطلاق النار.
إلى جانب الرباط، عاشت مدن أخرى التظاهرات نفسها، مثل طنجة وشفشاون وبركان وأبي الجعد، وكلها شهدت رفع الأعلام الفلسطينية والشعارات الغاضبة من حجم الدمار والقتل والإبادة.
وتعالت أصوات المشاركين وهي تردد الشعارات في الشارع المغربي، من قبيل: «المغرب وفلسطين شعب واحد مش شعبين». وحضرت الكلمات في يوم التخليد للتضامن العالمي مع فلسطين، وحملت في مضامينها الاحتجاج على مواصلة قوات الاحتلال الإسرائيلي جرائم القتل في حق أهل غزة أو الاعتداءات في الضفة الغربية.
وشملت الوقفات الاحتجاجية أكثر من 30 مدينة، وعرفت مشاركة الآلاف، وتوزعت عبر لافتات وشعارات تضامنية وتجسيد معاناة الشعب الفلسطيني من خلال لوحات أو مشاهد تعبيرية.
وفي مدن مثل الدار البيضاء والقصر الكبير والفقيه بن صالح وآسفي وأغادير وتارودانت وغيرها، طالب المحتجون المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف العدوان على غزة. كما صدحت حناجرهم بشعارات «يا شهيد ارتاح ارتاح، سنواصل الكفاح»، و»كلنا فداء فلسطين الصامدة».
الجدير بالذكر أن الأمم المتحدة كانت قد اعتمدت 29 من تشرين الثاني/نوفمبر يوما ًعالمياً للتضامن مع الشعب الفلسطيني، لإظهار الدعم الدولي لحقوقه غير القابلة للتصرف.
وهكذا يواصل المغاربة تأكيد مواقفهم الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، دون أن يقتصر ذلك على مناسبة بعينها، بل امتد عبر سنوات طويلة، وتزايد بشكل لافت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. فقد شهدت مدن عديدة خروج الآلاف في مسيرات ووقفات احتجاجية متواصلة. وتشير تقارير بعض التنسيقيات المنظمة لتلك الفعاليات إلى تسجيل نحو 5000 تظاهرة أو وقفة تضامنية مع غزة منذ بدء العدوان، كما شهد أحد أيام ذلك المد التضامني 106 مظاهرات في 50 مدينة، وفي يوم آخر 96 مظاهرة في 66 مدينة. ومن بين أبرز تلك الفعاليات جمعة الغضب أو «جمعة طوفان الأقصى» التي عمّت مختلف مناطق البلاد.
كما احتضنت العاصمة الرباط مظاهرات حاشدة شارك فيها الآلاف من المواطنين، انطلقت من ساحة باب الأحد الشهيرة وجابت الشوارع وصولاً إلى الساحة المقابلة لمقر البرلمان، التي تحولت إلى مسرح رئيسي للتعبير عن التضامن الشعبي مع الشعب الفلسطيني.
وفي سياق متصل، نظمت سفارة دولة فلسطين في المغرب ووكالة بيت مال القدس الشريف، في مقر منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، لقاء بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.
وحضر هذا اللقاء عدد من أعضاء السلك الدبلوماسي العربي المعتمد في الرباط، وفعاليات حزبية ونقابية وحقوقية، إلى جانب شخصيات سياسية وثقافية.
وجرى في هذا الاحتفال إحياء فقرات فنية قدمتها مجموعة «جدل» المغربية، والفرقة الفلسطينية «أصايل للفنون الشعبية»، التي شاركت بلوحات تراثية تبرز أصالة الموروث الثقافي الفلسطيني، من خلال الأزياء التقليدية ورقصات الدبكة.
وشهد هذا اللقاء تكريم وكالة بيت مال القدس الشريف كلاً من السفير الفلسطيني جمال الشوبكي، وكذا الراحل محمد بنجلون الأندلسي الرئيس السابق للجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني.
وقفات شعبية في المغرب تضامناً مع فلسطين

تعليقات الزوار
لا تعليقات